الطائرة الأميركية المُسيّرة التي أسقطتها إيران الأكثر تطوراً

Spread the love

بقلم: رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

“تريتون MQ-4C” – الصيغة البحرية من “غلوبال هوك RQ-4″، من إنتاج الصناعة الأميركية – هي طائرة التجسس المسيّرة من دون طيار التي أسقطتها إيران فوق مضيق هرمز اليوم (الخميس)؛ وهي الإنتاج التكنولوجي الأكثر تطوراً بين هذه الطائرات التجسسية في الولايات المتحدة وفي العالم بصورة عامة. إنها أول مرة يتم فيها إسقاط هذه الطائرة المتطورة جداً.
لا تقتصر أبعاد إسقاطها في مياه الخليج الفارسي على خسارة عشرات ملايين الدولارات فقط، وإنما تتعداها أيضاً إلى التخوف الحقيقي الأكبر من احتمال سقوط أجزاء من هذه الطائرة، وبصورة خاصة المجسات المثبتة عليها ـ وهي بين الأكثر تطوراً وسرّية التي تستخدمها الولايات المتحدة – في أيدي الإيرانيين.
يوجد على هذه الطائرة من دون طيار جهاز رادار ومجسات ضوئية، نهارية وليلية، وكاميرات تصوير قادرة على التقاط الصور من ارتفاع نحو 20 كيلومتراً. بعد إسقاط الطائرة يمكن الافتراض أن الإيرانيين سيبذلون جهوداً جبارة من أجل انتشالها وانتشال أجزاء منها سقطت في مياه الخليج. وإذا ما نجح الإيرانيون في وضع أيديهم على هذه الطائرة، فمن المرجح أن يحاولوا إنتاج مجسات مماثلة بواسطة “الهندسة العكسية”، ومن شبه المؤكد أنهم سيحاولون بيع هذه التكنولوجيا إلى الصين أو كوريا الشمالية. كما أن من شأن الاستيلاء على هذه المجسات تمكين الإيرانيين، أيضاً، من معرفة المضامين الاستخباراتية التي يستطيع الأميركيون الحصول عليها من خلال استخدامهم طائرة التجسس من دون طيار من طراز “غلوبال هوك”. ومن المؤكد أن هذا سيثير، أيضاً، اهتمام الصين، وروسيا وكوريا الشمالية. ولذا فإن الضرر الناجم عن إسقاط هذه الطائرة جسيم وخطر جداً.
لإيران تجربة سابقة في الهندسة العكسية لطائرة من دون طيار. فقبل ثماني سنوات، أسقطت طائرة شبح من دون طيار من طراز RQ-170 – من الأكثر تطوراً لدى الولايات المتحدة – عند الحدود مع أفغانستان. وبعد ثلاث سنوات عرضت إنتاجاً محلياً يسمى “الحيوان من قندهار”، كان صيغة تحاكي تلك الطائرة، بسبب عملها في أفغانستان. وفي إثر الاستيلاء عليها من جانب إيران، طلبت الولايات المتحدة ردّها إليها، لكن طلبها قوبل بالرفض. وقبل سنتين، أُسقطت طائرة إيرانية من دون طيار في إثر اختراقها الحدود الإسرائيلية. وقد أفادت التقارير آنذاك بأن تلك الطائرة هي محاكاة للنموذج الأميركي المتطور.
إن السباق على انتشال حطام الـ”غلوبال هوك”، وخصوصاً مجساتها، من مياه الخليج الفارسي، قد يؤدي إلى صدام ومواجهة عنيفة بين القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني وبين القوات البحرية الأميركية التي تطوف في مياه الخليج.
وما لا يقل أهمية عن هذا، أن إسقاط الطائرة والحاجة الأميركية الملحة إلى منع وقوعها في أيدي الإيرانيين، كما الحاجة الأميركية أيضاً إلى القيام بردة فعل عقابية ورادعة لهم، جرّاء تعرضهم للطائرة الأميركية بينما هي في المجال الجوي الدولي – كلها أمور – قد تدفع بالأميركيين إلى إدخال حاملة الطائرات التابعة لهم، “أبراهام لنكولن”، مع الوحدة البحرية الكبيرة التي ترافقها إلى داخل مياه الخليج الفارسي.
لهذا الغرض، يتعين على الوحدة العسكرية البحرية وحاملة الطائرات العبور في مضيق هرمز الذي كان الإيرانيون قد هددوا بإغلاقه بالقوة. في هذه الأثناء، تطوف حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” في منطقة خليج عُمان، لأن الأميركيين لم يكونوا معنيين، حتى الآن، بالإقدام على خطوة قد يتم تفسيرها بأنها تحرش بالإيرانيين، وربما تعرّض القطع البحرية الأميركية إلى الخطر. الآن، وفي أعقاب إسقاط طائرة التجسس من دون طيار، إذا ما عبرت حاملة الطائرات والوحدة العسكرية البحرية المرافقة لها مضيق هرمز إلى داخل مياه الخليج الفارسي – فقد يشكل الأمر بؤرة جديدة للتوتر والصدام العسكري المحتمل.
وكان الناطق بلسان القيادة المركزية للجيش الأميركي والمسؤول عن الشرق الأوسط قد صرح، في وقت سابق، بـأنه “لم تحلق أي طائرة أميركية في سماء إيران اليوم”، لكنه لم ينفِ، مطلقاً، الادعاء أن الطائرة قد أسقِطت. وبعد مضي وقت غير طويل، أكد مسؤول أميركي رفيع أن الإيرانيين أسقطوا طائرة التجسس من دون طيار فعلاً.
يبدو أن الطائرة الأميركية من دون طيار كانت تحلق فوق المياه الدولية في الخليج الفارسي، قرب إقليم هرمزجان، المتاخم لمضيق هرمز في جنوب إيران. ومن هنا، ربما قام الإيرانيون بإسقاطها كي لا تتمكن من تعقّب ورصد نشاطاتهم العسكرية في المنطقة. في مثل هذه الحالة، يكون الإيرانيون قد انتهكوا القانون الدولي بإسقاطهم الـ”غلوبال هوك”.
تحلق طائرة الـ”غلوبال هوك”، عادة، على ارتفاع عال، وهو ما يجعل من الصعب جداً إسقاطها. ومع ذلك كان الإيرانيون قد نقلوا إلى الخليج الفارسي مؤخراً بطاريات S-300، التي اشتروها من روسيا، كما نقلوا بطاريات صواريخ مضادة للطائرات حديثة جداً وقادرة على إسقاط طائرة “غلوبال هوك”، حتى وهي تحلق على ارتفاع شاهق جداً.
الطائرة من دون طيار التي تم إسقاطها هي “تريتون MQ-4C”، الصيغة البحرية من “غلوبال هوك RQ-4″، وهي من بين الطائرات من دون طيار الأكبر في العالم. يعادل طول هذه الطائرة طول الطائرة من دون طيار من طراز “إيتان”، وهي الطائرة الأكبر لدى سلاح الجو الإسرائيلي، لكن الجناحين فيها طويلان جداً ـ 40 متراً، في مقابل 26 متراً في “إيتان”.
يبلغ ثمن طائرة “تريتون MQ-4C” من دون طيار 182 مليون دولار وهي قادرة على استطلاع ورصد 100.000 كيلومتر يومياً، أي ما يعادل خمسة أضعاف مساحة دولة إسرائيل. حلقت هذه الطائرة من دون طيار في رحلتها الجوية الأولى سنة 2013 في ولاية كاليفورنيا، وفي السنة الماضية فقط تم إدخالها إلى النشاط العملاني في الأسطول الأميركي.
تم تصميم طائرة “تريتون MQ-4C” من دون طيار وإنتاجها، كما ذكرنا آنفاً، كصيغة محدثة من طراز “غلوبال هوك”، الطائرة الأولى من دون طيار التي قطعت المحيط الهادئ، في رحلة جوية من اسكتلندا إلى أستراليا، وذلك سنة 2001. آنذاك، حطمت “غلوبال هوك” الرقم القياسي العالمي في مسافة التحليق لطائرة من دون طيار ـ 13219 كيلومتراً، في رحلة جوية دامت 22 ساعة. أمّا الوقت الأطول الذي حلقت هذه الطائرة خلاله بصورة متواصلة وخلال عمليات قتالية فقد استمر 32.5 ساعة.
تستطيع طائرة “تريتون MQ-4C” من دون طيار، أيضاً، البقاء في الجو وقتاً يزيد على 30 ساعة، على ارتفاع 17.000 متر وبسرعة حتى 330 عقدة (العُقْدَةُ هي وحْدة سرعة تُستخدم للسفن والطائرات وتُعادل ميلاً بحرياً أو جغرافياً واحداً – 1.852 كيلومتر في الساعة). بين التغييرات التي أُدخلت في الصيغة البحرية، يمكن الإشارة إلى شكل الجناح، منظومات إذابة الجليد ومنظومات الحماية من الصواعق البرقية. تمكّن هذه القدرات الطائرة من دون طيار من التحليق على ارتفاع منخفض بين الغيوم، بغية الإطلال عن قرب على السفن والأهداف الأُخرى. لكن عملياً، ليس من المتوقع أن تكون هذه الطائرة جاهزة تماماً للمهمات العملانية قبل العام 2023.

المصدر: موقع ynet الإسرائيلي – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole