هل يقدم نتنياهو على عدوان جديد؟

Spread the love

بقلم: محمود موسى مصطفى |

لا تختلف سياسية رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الإجرامية والعدوانية كثيراً عن سياسية أقرانه السابقين وخاصة المنتمين منهم لحزب الليكود، فهؤلاء لديهم الهوس بالحروب الدموية والاحتلال والاستيطان والتعدي على الأراضي العربية، بعد أن رضعوا وتأثروا بالفكر التلمودي اليهودي منذ صغرهم.
لقد أعلن نتنياهو عن نيته ضم الضفة الغربية وغور الأردن للكيان الصهيوني مع بداية شهر تموز من العام الجاري بحسب الأجندة الإسرائيلية. وبذلك يكون قد أنهى أي حلم لإقامة دولة فلسطينية مستقبلاً، وتطلب ذلك تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية سياسياً وعسكرياً منذ أشهر قليلة، وتم تجييش الجبهة الداخلية بزج حشود عسكرية وتدريبات على سيناريوهات لقمع أي احتجاج أو انتفاضة مرتقبة أو مواجهة عسكرية مع المقاومة الفلسطينية. وأجرى الدفاع المدني الإسرائيلي مناورات ضخمة تحاكي هجوماً صاروخياً تحمل رؤوساً حربية تزن مئات الكيلوغرامات من المواد شديدة الانفجار قد تستهدف مراكز حكومية أو مناطق سكنية، وتعتبر هذه المناورات هي الأكبر في تاريخ إسرائيل.
وعلى الجبهة الشمالية مع سوريا ولبنان تفقد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الجنرال أفيف كوخافي قيادة المنطقة الشمالية يوم الثلاثاء 23/6/2020، وذلك للوقوف على جاهزية اللواء 201 مدرعات، ووصف مستوى القتال بأنه جيد جداً. وقال أثناء لقائه مع الضباط والجنود “بأن الجيش يجب أن يكون جاهزاً لمواجهة كل التهديدات كـ”حزب الله” في الشمال و”حماس والجهاد الإسلامي” في قطاع غزة”. وتابع: “قد تواجهون خلال أسابيع أعمال شعب وإرهاباً في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وقد تتطور الأمور إلى قتال في قطاع غزة، عليكم استغلال كل لحظة تدريب وكل لحظة فراغ للتدريب والتأهيل والتعليم لتكونوا جاهزين”.
كما أجرى اللواء غفعاتي تدريبات معقدة في تضاريس وعرة بدأت منذ أشهر قليلة استعداداً لأي حرب مقبلة في الجبهة الشمالية أيضاً، والتحقت بالتدريب على نفس السيناريو كتيبتا (شاكيد وصبرا) في اللواء المذكور، حيث يطبق برنامج رفع مستوى الجاهزية القتالية والتعاون العسكري والاتصالات بين قوات المشاة والدروع والهندسة والاستخبارات من أجل الوصول لهدف الاستعدادات الكاملة للحرب القادمة.

ودعماً للقوات البرية، أعلنت القيادة العسكرية الإسرائيلية عن تشكيل وحدة حوامات جديدة تتبع لوحدة 9900 التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية، تناط بها مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية الدقيقة باستخدام حوامات متعددة الأنواع والأشكال منها إسرائيلية الصنع أو أميركية، وهي مزودة بتقنيات متطورة، والوحدة المذكورة أعلاه مختصة بالتضاريس والجغرافية ورسم الخرائط وتفسير الصورة الجوية والأقمار الصناعية وأبحاث الفضاء.
ومن خلال الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل، ودعماً للتفوق الجوي في المنطقة، نشر موقع “إسرائيل ديفنس” أن 4 طائرات جديدة من “نوع F35 – أدير” ستصل إلى إسرائيل يوم 4 تموز ليصل عدد طائرات الشبح F35 إلى 27 طائرة من أصل 50 طائرة، وذلك تنفيذاً لصفقة تجارية أبرمت سابقاً بين إسرائيل وشركة لوكهيد مارتن الأميركية. وحسب ما نشره الموقع المذكور، فإن طائرة من بين الطائرات الأربعة الجديدة سيتم إجراء تطويرات عليها وتحويلها إلى طائرة قاذفة للأهداف، وذلك بتزويدها بأنظمة ومعدات إسرائيلية الصنع، وتشكل الطائرة “F35 أدير” نقله نوعية في تطوير وتحديث قدرات سلاح الجوي الإسرائيلي وتفوقه في المنطقة.
وحذر نتنياهو في وقت سابق من أن المقاتلة الإسرائيلية المعدلة يمكن أن تضرب أي مكان في الشرق الأوسط، بعد وابل من التهديدات التي أطلقها القادة الإيرانيون ضد إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، وقال نتنياهو: “إيران هددت إسرائيل مؤخراً بالتدمير. يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تتذكر أن هذه الطائرات يمكن أن تضرب أي مكان في الشرق الأوسط بما في ذلك إيران وبالطبع سوريا”.
لا شك بأن تهديدات نتنياهو تحمل في طياتها الكثير من المعاني حول مشاريع سياسية وعسكرية تستهدف الأمة العربية والإسلامية، تنفذ عبر مجموعة سيناريوهات دموية، مستغلاً بذلك الوضع العربي الرديء والحروب الداخلية فيه والضغوطات الاقتصادية على الدول والشعوب. ومع غياب الحلول السياسية للنزاع العربي – الإسرائيلي والذي استمر أكثر من سبعين عاماً؛ فكل المؤشرات السياسية متجهة نحو حلول عسكرية، إذ لم يعد أمام الفلسطينيين أي أمل بالحل السياسي، سوى انطلاق الانتفاضة الثالثة في جميع أرجاء فلسطين المحتلة. ومن المتوقع أن تكون هي الأعنف والأشد تأثيراً على إسرائيل من الانتفاضات السابقة، أو تنشب حرب شرسة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. كما لن تقف المقاومة اللبنانية مكتوفة الأيدي حيال التهديدات الإسرائيلية والخروقات الأمنية المتكررة للحدود اللبنانية، وسوريا ملزمة بالدفاع عن محور المقاومة إذ لا يزال الجولان العربي السوري محتلاً منذ عام 1967، وإسرائيل لم تتوقف يوماً عن العدائية المعلنة والاعتداءات والخروقات في جبهة الجولان والغارات الإسرائيلية على المحافظات السورية، واستهداف القوات الإيرانية العاملة في سوريا ولبنان والعراق.
ومن المتوقع أن تزج إسرائيل نفسها بالتدخل بتطبيق “قانون قيصر” المفروض على سوريا، بعد إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر لها، والذي بدأ سريان مفعوله اعتباراً من 17 حزيران الماضي، ومع مزيد من الضغوطات السياسية والاقتصادية والعسكرية على سوريا، ودعم إسرائيلي للانفصاليين في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سورية لترسيخ التجزئة وتقسيم البلد. وأصبح لدى إسرائيل إمكانيات لاستهداف المفاعلات النووية الإيرانية، بالإضافة إلى ذلك الضغط السياسي والعسكري لإلزام الفلسطينيين والدول العربية بالقبول بخطة السلام الأميركية أو ما تسمى بـ”صفقة القرن” والتي ولدت ميتة.
ومن المعرف تاريخياً ومن خلال الصراع العربي – الإسرائيلي ان إسرائيل لا تريد السلام في المنطقة العربية بل هي تخاف منه، ولذلك يتبع “بيبي” سياسة رؤساء الوزراء السابقين من حزبه، بإشعال جبهات القتال وتنفيذ مشاريع الاستيطان والتوسع واحتلال أراضي عربية جديدة، ومحاولة خلخلة استقرار المنطقة وإشغالها بنزاعات وحروب داخلية، وهكذا تبقى إسرائيل القوة الضاربة بالمنطقة العربية، ويأتيها الدعم المادي والعسكري والسياسي من الدول التي أوجدتها والمؤيدة لها ومن الجالية اليهودية في الشتات، وبذلك ينتعش اقتصادها وتستمر بوجودها وكيانها على حساب النزاعات والخلافات بين الدول العربية.
إن إسرائيل لم تعد لديها القدرة على الاحتلال والتوسع كما كانت سابقاً، بعد اجتياحها للقطر اللبناني الشقيق عام 1982م واحتلال بيروت وهي العاصمة العربية الثانية التي تحتل في تلك الفترة، وبفعل ضربات المقاومة اللبنانية تمت هزيمة إسرائيل في عام 2000، وتلتها هزيمة ثانية في حرب تموز 2006، بعد استخدام المقاومة اللبنانية وسائل حديثة ومتطورة عسكرياً مع الدعم السوري والإيراني لها سياسياً وعسكرياً ولوجستياً. وكانت المعارك بين الطرفين مختلفة بكل المقاييس والمعايير العسكرية المليئة بالمفاجآت ودقة استهداف القوات الإسرائيلية والمراكز العسكرية في العمق الإسرائيلي، ولعب إعلام المقاومة دوراً رائداً ومؤثراً في تلك الحرب وهزيمة إسرائيل.
قد تنقلب مغامرات نتنياهو السياسية والعسكرية عليه وعلى الكيان الصهيوني بأكمله، فالكثير من القادة السياسيين والعسكريين الذين يشهد لهم التاريخ بقوتهم العسكرية وحنكتهم السياسية قادوا جيوشهم للحروب وهم يلوحون بإشارات النصر وعادوا بخيبات الأمل والهزيمة من ساحات المعارك. والملاحظ أن كافة المعطيات تؤكد أن الجبهات الأخرى بات في العقيدة العسكرية للعدو الصهيوني أنه يجب التعامل معها كجبهة موحدة، وقد تم إعلان ذلك بشكل رسمي الشهر الماضي من قبل الأركان الإسرائيلية. و”بيبي” يدرك ذلك جيداً، ولكنه يريد تحقيق بعض الإنجازات لشرعنة استمراره وهروبه من المحاكمة بتهم الفساد، وفي نفس الوقت استمرار آلية الدعم له والاستنزاف للجبهات المعادية للكيان الصهيوني.

Optimized by Optimole