ما يجمع بين المشروعين الأميركي و الكردي في سوريا

Spread the love

بقلم توفيق المديني ==
دخلت الولايات المتحدة الأميركية الحرب ضد سوريا من أجل إسقاط الدولة الوطنية ، وتقسيم البلاد، وهي جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي هو بدوره ليس سوى تَتِمَّة أو تَحْدِيث لمخطط اتفاقيات “سايكس- بيكو” الشهيرة.
وتقوم الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط على أساس تفتيت الدول الوطنية العربية على أسس طائفية و مذهبية وعرقية،ولهذا واصلت الولايات المتحدة الحرب التي بدأتها في العراق سنة 2003، في كل من ليبيا واليمن وسورية… ومن الأساليب التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها من الحلف الأطلسي و الدول الإقليمية ، في هذه الحرب،استغلال النَّعَرات الطائفية و المذهبية و العرقية والمناطقية في العراق ثم سوريا (الأكراد)، وما تأسيس دويلة كُرْدِية في شمال سورية برعاية أميركية سِوَى جزء صغير من مخطط “الشرق الأوسط الكبير”.

حقيقة المشروع الأميركي في سوريا
فقد دَخَلت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الحلف الأطلسي أراضي سورية من دون موافقة الحكومة،بل ضِدّها، كما تعودت ذلك منذ الحرب العالمية الثانية، ما يجعل من العمل العسكري الأميركي عدوانًا عَسْكَرِيًّا موصُوفًا ضد سيادة دولة مُسْتَقِلّة،لكن “القانون الدولي” و”الأمم المتحدة” وغيرها من المنظمات الدولية تخضع للإمبريالية الأقوى، أي الولايات المتحدة الأميركية، التي حوّلت شمال سوريا المُحاذي لحدود تركيا (عضو الحلف الأطلسي) والقريب من قاعدة “انجرليك” الضّخْمَة (تركيا) إلى مجموعة من القواعد العسْكَرِية، مستخدمة حجة “مُساعدة الأكراد” -الذين استفادوا من سلاح الدولة السورية الذي سلَّمَتهُ لهم في بداية سنوات الحرب، للدفاع عن هذه الأراضي ضد المجموعات الإرهابية- فيما أوْكَلت أميركا مناطق أخرى من سوريا إلى السعودية وقطر والإمارات لتمويل وتسْلِيح المنظمات الإرهابية في محافظة حلب (شمال)، ومناطق جنوب وغرب سوريا…
عملت واشنطن ما في وسعها خلال السنوات الأولى للحرب ضد سوريا، لتلتقي مصالح أميركا مع عدد من القوى المتحاربة ومنها مليشيات الأكراد، لتكون أميركا هي الرّابَح الوحيد من هذه الحرب، وأصبح الأكراد ورقة أميركية يمكن تسويقها في الأوساط الديمقراطية والتقدمية، ما جعلها تحظى بقبول اليسار الأوروبي والأميركي، وبمُشاركة اليسار الألماني في القتال مع “الأسايش” بهدف تقسيم سوريا، وطرد العرب والتركمان وغيرهم من “تل أبيض”… ثم أنشأ الجيش الأميركي قاعدة عسكرية في مدينة”رميلان” التي تخضع لسيطرة قوّات سوريا الديمقراطية (قسد) الخاضعة للميليشيا الكردية الإنفصالية (والتي أسَّسَها “حزب العمال الكردستاني” (التُّرْكِي)، على الحدود السورية المشتركة مع العراق وتركيا، والتي أصبحت مقرًا لفريق التخطيط العسكري الأميركي، ونواة لتأسيس فدرالية أو دُوَيْلَة كردية، خاضعة للإمبريالية الأميركية، عبر “روج آفا”، فيما تحولت “عين العرب” إلى قاعدة عسكرية مشتركة بين أميركا وبريطانيا وفرنسا واستراليا وألمانيا وغيرها. وانتشر “المُسْتَشَارُون” الأميركيون في المناطق المحيطة بالحسكة (شرقًا وجنوبًا) ويقدّرُ عدد الجنود الأميركيين ومُرْتَزَقَةِ الشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الحرب الأميركية والمُنْتَشِرَة في شمال سورية بنحو خمسة آلاف جندي فيما ارتفع عدد المُقَاتِلِين إلى جانب مليشيات الأكراد (الأسايش) إلى نحو 20 ألف مقاتل، وزودتهم أميركا بأكثر من خمسين ألف طن من العتاد.
وتعمل واشنطن ما في وسعها لكي لا تنتقل أجزاء سوريا التي تُسَيْطر عليها “داعش” إلى الدولة السّورية وجيشها وحكومتها، بعد تحريرها، بل إلى مليشيات الأكراد، وربما غيرهم ممن تعمل الإمبريالية الأميركية على تقديمهم لاحِقًا كقوى “ديمقراطية”، مع منع التواصل الجغرافي بين سورية والعراق ،وزرع كيانات أخرى على الحدود بينهما في منطقة زراعية (الحسكة) على مجرى نهر الفُرات وغنية بالمعادن والطاقة (دير الزور)، وتحويل المشرق العربي إلى كيانات يُهَيْمِنُ عليها الكيان الصهيوني ويُبَرِّرُ وجوده ككيان طائفي عُنْصُرِي استعماري، ضمن عدد من الكيانات الأخرى…
وظَهَرَ التحالف الأميركي – الكردي للعيان بعد هجوم “داعش” على “عين العرب” (التي غَيَّرَ الأكراد والإعلام الغربي اسمها إلى “كوباني”) سنة 2014 وحرص قادة أكراد سورية على إبرازه كتقاطع للمصالح، لكن الإمبريالية الأميركية وتوابعها هي الطرف الأقوى في هذا التحالف، لذلك اشترطت ثمنًا سياسيًّا لهذا التحالف، مع الحِرْصِ على علاقاتها مع نظام تركيا الذي يقمع الأكراد، ولكنّه أحد أعمدة الحلف الأطلسي، وعلاقاتها مع المنظمات الإرهابية الأخرى في سورية ،ومع حُكّام الخليج الذين يُنْفِقُون على صفقات الأسلحة وعلى تدريب الإرهابيين في تركيا والأردن ولبنان والعراق.
وتحرص واشنطن على الحفاظ على مصالحها (قبل أي اعتبار آخر) من خلال هذه التوازنات،من ذلك إنشاء القواعد العسكرية الأميركية في مناطق “الإدارة الذّاتِية” والتَّحَكُّم في تسليح وتدريب مقاتلي بِشمركة “روج آفا” و”وحدات الحماية” (بمساعدة مليشيات عشيرة البرازاني في كردستان العراق) والتحكم في تَكتيكات واستراتيجية أكراد سوريا، كما تُمارسُ الولايات المُتَّحِدة ضغوطًا أخرى، من خلال التلويح بجعل الشريط الحدودي بين “جرابلس” و”أعزاز”منطقة نفوذ لتركيا.

حقيقة المشروع الكردي
وتمكنت القوات الكردية -بدعْمٍ عَسْكَرِي أميركي- من التمدد في المناطق الشرقية والشمالية الشرقية والسيطرة على أجْزاء من الشريط الحدودي مع تركيا، والسيطرة على “منبج”، ضمن مشروع تأسيس كيان كُرْدي داخل سوريا، ومُنْفَصِلٍ عنها تحت تسمية “فيدرالية” كُرْدِية (بقيادة الإتحاد الديمقراطي الكُرْدِي)، واحتلت مليشيات “الأسايش” -بِدَعْمٍ من قوات رديفة أخرى ومن الطيران وما لا يقل عن 300 من الخبراء ومُسْتَشَاري القوات الخاصَّة للجيش الأمريكي مدينة ومُحيط “الحسكة” التي يقْطُنُها سوريون من السريان والأكراد والأشوريين والكلدانيين وطبعًا العرب الذين يُشَكِّلُون أغلبِيَّةً.
وتَدَخَلَ الطيران الأميريكي إلى جانب قوات الإنفصال الكُرْدِيّة في تَصْعيد جديد ضد وحدة وسلامة أراضي سوريا، الذي تسارعت وتيرته (الإنفصال) منذ عبور قوات الأكراد غربي الفرات والسيطرة على منبج بعد عين العرب، وربط مدن عفرين ومنبج وعين العرب بهدف إقامة شريط كردي متواصل جغرافياً على طول الحدود مع تركيا، ومحاولة اجتثاث وجود الدولة السورية في الشرق والشمال السوري ،وكذلك اجتثاث الأُسَر العربية بإضرام النار في أراضيها وممتلكاتها ومنازلها، في دير الزور والحسكة والقامشلي، بمساعدة واشنطن التي أرسلت مروحِيّات وطائرات مُقاتِلة جديدة إلى قواعد أميركية في المنطقة المحيطة بالحكسة، والعشرات من عناصر سلاح مشاة البحرية “المارينز” إلى قرية “المبروكة” (ريف الحسكة)، بذريعة “نزع الألغام”.
لقد سمح الغطاء الجوي الأميركي في شمال سورية بحجة محاربة تنظيم “داعش ” الإرهابي ،بتسويق أحد الأطراف الكُرْدِيّة (حزب الاتحاد الديموقراطي) -الذي أسَّسَه حزب العمال الكردستاني في تركيا- وذراعيه الأمنية والعسكرية (الأسايش) و(وحدات الحماية) كأحد الأطراف الرئيسية لمكافحة الإرهاب ،وسمح كذلك بتحقيق بعض النجاحات العسكرية ضد تنظيم “داعش”. لكن هذه الإستراتيجية الإنتهازية لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وخضوعه للشروط الأميركية أدَّتْ إلى تَدَهْوُرِ علاقاته مع الدولة الوطنية السورية ،التي لا تزال تُؤمِّنُ رواتب الموظفين والخدمات الأساسية في المناطق التي تُسَيْطِرُ عليها القوى المعادية لها، ومنها القوات الكُرْدِية ، وتشتري إنتاج المُزارعين من الحنطة .كما تدهورت علاقات”حزب الاتحاد الديمقراطي ” مع المكونات الكردية الأخرى، وعلى رأسها “المجلس الوطني الكردي” الذي يعتبر ان الإتحاد الديمقراطي الكُردي أصبح لُعْبَةً بيد أميركا وورقة من أوراق السعودية التي عرضت (خلال اجتماع رسمي بين الطّرفين) تقديم المساعدة “لوحدات الحماية” ودعمها بالمال والسلاح على أن تستمر في محاربة الجيش السوري في الحسكة.
وتندرج الاندفاعة الكردية رغم اتساعها، في سياق الاستراتيجية الأميركية في سورية. وتستقوي ميليشيات “الأسايش” و”الوحدات”،بالدعم المالي و العسكري من الولايات المتحدة الأميركية ،التي تريد إطالة أمد الحرب في سوريا إلى حين تقسيمها والقضاء على الدولة المركزية ،وكذلك من المساندة السياسية والعسكرية من حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي انضَمَّ إلى الحلف الأميركي، وأصبحت قياداته تُراهِنُ على مساندة الإمبريالية الأميركية لقيام كيان كردي في شمال سوريا بين أرياف حلب والرّقّة والحَسَكَة.
وتعتبر قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي و ميليشياته أن العُدوان الأميركي-الأطلسي الإرهابي على سوريا (إضافة إلى الخلاف الأميركي-التركي الحالي) يُمَثِّلُ فرصتها التاريخية لبناء مشروع الفيدرالية في سوريا، لا سيما بعد أن تحوَّلَتْ الميليشيات الكردية إلى جيش قِوَامُهُ نحو 40 ألف مُقاتل، في ظل عدم قدرة الجيش السوري على نشر مزيد من القوة العسكرية في الشمال الشرقي للبلاد وعدم قدرة الدّولة السّورية على مُنافسة القُدْرَة المالية للأكراد المدعومين أميركيًّا.
في ضوء تنفيذ الإمبريالية الأميركية خطة “الفوضى الخلاّقة” ضمن برنامج “الشرق الوسط الكبير” اعتمادًّا على قوى مَحَلِّية وبأخف الأضرار وعلى قوى الحلفاء من الحلف الأطلسي والإتحاد الأوروبي، وغيرها، قامت مليشيات الإنفصالِيين الأكراد (بمساعدة أميركية) بتهجير سُكَّان القرى العربية في ريف حلب والرِّقة وكذلك القرى السريانية والآشورية واليزيدية، وهم أقدم سُكّان هذه الأرض.وهرع كل من حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردي، وقوات سوريا الديموقراطية، المدعومين مِن الإمبريالية الأميركية، إلى انتزاع حكم ذاتي في شمال البلاد وتنفيذ مشروع “روج أفا”، عبر بسط سيطرتهم على الأراضي التي اقتنصوها من “داعش” بدعم دولي، إعلان مشروع الفيدرالية، في 16-17 آذار/مارس 2016، خلال اجتماع عُقد في مدينة (الرميلان) بمحافظة الحسكة بمشاركة 200 شخصية تمثِّل نفسها، أو تمثل أحزابًا مقربة من الاتحاد الديمقراطي، ومجالس محلية في مدن خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، ولنفس السبب الذي جعل الحزب يؤسِّس مجلس سورية الديمقراطية، قرَّر في المؤتمر الثاني بخصوص مشروع الفيدرالية، الذي انعقد بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2016، إلغاء اسم (روج آفا) من اسم مشروعه في الفيدرالية وتم تغييره إلى (النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا)، وأهم الأسباب التي كانت وراء حذف اسم (روج آفا):
*-رغبة الحزب في استمالة المناطق ذات الغالبية العربية للمشاركة في المشروع، والتي كانت تتوجس من اسم (روج آفا) وتعتبره اسمًا يعبِّر عن رغبة الحزب في التقسيم.
*-كسب الدعم الدولي الذي يرفض حتى اليوم موضوع تقسيم سوريا، وخاصةً تركيا.

الفزاعة الإيرنية واستمرار الوجودالأميركي في سوريا
اتجه الرئيس الأميركي ترامب نحو إقامة منطقة نفوذ أميركية في شرق الفرات السوري، حيث النفط والغاز والقمح والقطن ومياه الفرات وسد الفرات، عبر وجود عسكري على شكل قواعد ومحطات تنصت معتمداً على القوات الكردية أساساً، في خطوة انفرادية أميركية قال وزير الخارجية الأميركية السابق ريكس تيلرسون في 18 كانون الثاني/يناير2018 إنها “مربوطة بالحل السياسي السوري”، أي بعيدة المدى، وعلى الأرجح ليكون لواشنطن عبر الوجود على الأرض، كما للروس في غرب الفرات والأتراك في الشريط الحدودي التركي- السوري الممتد من جرابلس حتى بلدة بداما عند حدود محافظتي إدلب واللاذقية عبر كوريدور عفرين، كلمة في المستقبل السوري الذي سترسمه التسوية التي ستحدد خريطة من سيحكم في دمشق.
في صيف 2018، حسمت الإدارة الأميركية قرارها باتجاه عدم الانسحاب العسكري من الأراضي السورية. وصدرت تصريحات عدة في شهر آب/أغسطس2018(بريت مالغورك، المبعوث الأميركي للتحالف الدولي ضد “داعش”: “المهمة مستمرة ولم تنته بعد”. دافيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط: “أكدنا للروس أن لا إعادة إعمار دولية لسورية من دون مسار سياسي غير قابل للتراجع عنه ومصادق عليه من الأمم المتحدة”.وحدّد جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي ،الأهداف الأميركية الرئيسية وهي إخراج القوات الإيرانية والقوى الموالية لطهران منسورية،ومنع إقامة جسر بري عبر سورية من إيران حتى البحر المتوسط.وأكّد أنّ الشرط المسبق لإبرام صفقة أميركية مع روسيا في سورية هو انسحاب القوات الإيرانية والمدعومة من إيران.
تلك دلالات على الاتجاه الأميركي الذي يناقض تصريحات الرئيس ترامب حول الانسحاب العسكري من سورية، يضاف إليها تعيين السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا جيمس جيفري ممثلاً للإدارة الأميركية في الملف السوري ،الذي كان مشاركاً مع مدير إدارة تخطيط السياسات في الخارجية الأميركية سابقاً دينيس روس وآخرين، في وضع وثيقة صدرت عن معهد واشنطن بعنوان: “نحو سياسة أميركية جديدة في سوريا: النقطة الصفر لدحر إيران وردع عملية إحياء داعش”، تبنتها الإدارة الأميركية في الشهر اللاحق. تدعو الوثيقة إلى “حظر جوي وحظر مركبات في شمال الفرات السوري وشرقه – منع الإيرانيين والقوات النظامية السورية من إقامة وجود عسكري في شرق الفرات – إيجاد بدائل لحلفاء الولايات المتحدة في شرق الفرات، أي قوات سورية الديموقراطية – “قسد” ومجلس سوريا الديموقراطية – “مسد”، تجعلهم يستعيضون عن توريد النفط والغاز والمنتجات الزراعية لدمشق”.
في الوثيقة المذكورة، هناك تحديد لأهداف أميركية أبعد: تحويل سورية إلى الميدان الرئيسي لهزيمة إيران والاتجاه المتشدد في طهران ممثلاً في “الحرس الثوري الإيراني” – الضغط على روسيا عبر تطويل الأزمة من أجل التعاون لإخراج الإيرانيين من سورية – عدم القبول بحل سياسي سوري بديل عن القرار 2254 تضغط الولايات المتحدة عبر وجودها العسكري في سورية من أجل تحقيقه، في اتجاه واضح نحو منع الروس من أن يكونوا عرابي الحل السياسي السوري، كما أوحوا عبر مؤتمر سوتشي واللجنة الدستورية التي وافقت الأمم المتحدة على تشكيلها وفقاً لنص بيان مؤتمر سوتشي، ونحو أن تكون لواشنطن قوى محلية موالية في سورية ما بعد التسوية.
كل الدلائل تشير إلى إن الإمبريالية الأميركية تريد البقاء في الشمال الشرقي لسورية لأطول فترة ممكنة ،من أجل الحصول على مكاسب نفطية وغازية، وعرقلة أي حل سياسي يطمح إليه الشعب السوري، ومنع دمشق من استعادة مكانتها ودورها الفاعل في قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية التي تتعرض لمحاولات أميركية صهيونية عربية مستمرة بهدف تصفيتها.

خاتمة:
الفيدرالية المطروحة في سوريا ، مشروع انفصالي تقسيمي لأنه يطرح في سورية، البلد الذي يعيش أزمة كبيرة تتداخل فيها العوامل الداخلية والإقليمية والدولية ،وهوبذلك وصفة انفصال أكثر منها شيء آخر.فالأكراد السوريون اعتقدوا أنّ “موسم الاستقلال” قد حان, وأن ّ الوقت أصبح يسير في صالح تحقيق الحلم , من خلال التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، والاعتقاد أن ترتيبات ما بعد الحرب ستسهم في تحقيق الهدف المعلن وهو الفيدرالية ,بينما يكون الهدف الحقيقي هو السير في اتجاه إقامة الدولة. ويطالب الحزب الديمقراطي الكردي الذي أصبح بفضل تحالفه مع الولايات المتحدة الأميركية يسيطر على ربع مساحة الجمهورية العربية السورية، من المعارضة السورية ،الاعتراف منذ الآن بحق الأكراد في سوريا بإقامة كيان مستقل ضمن سوريا موحدة، ورفض لإعلان سوريا كدولة عربية الهوية.
إن صدمة من هذا النوع وضعت الدول المجاورة على المحك.وتدرك القيادات الكردية جيدًّا أن اتفاقية سايكس بيكو والمصالح الدولية والإقليمية التي تتحكم في ميزان الصراع ,سوف لن تسمح بتشكيل دولة كردية تهدد النظام الاجتماعي للدول الإقليمية بخطر.فتشكيل كيان كردي في شمال سوريا سيقوي عمليات المطالبة في إيران وتركيا. وإقامة منطقة حكم ذاتي في إطار دولة فيدرالية سورية ستصبح مرجعًا يستند إليه.وهذا ما تخشاه في الحقيقة تركيا التي تدعي لنفسها الحق في النظر في تصور الدولة السورية الجديدة.أما الولايات المتحدة الأميركية فما يهمها هو السيطرة على منابع النفط بوصفها مصلحة إستراتيجية,وحماية أمن الكيان الصهيوني ،أما السعي نحو الديمقراطية فهو الوهم الذي يعزز لدى الأكراد الأمل في ألا يتم التخلي عنهم هذه المرة وسط المعمعة. وبعد أن عرفنا معنى الفيدرالية والذي يراد منها،فإنّ قضية الفيدرالية التي يطرحها أكراد سورية ستؤدي في حال قيامها إلى تقسيم سورية و تجزئتها إلى دويلات متعددة :دويلات عرقية وطائفية.
أما أوهام الإمبريالية الأميركية في إقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، فقد بددته الدولة الوطنية السورية وحلفاؤها،من خلال هزيمة المخطط الأميركي الصهيوني في المنطقة، وهذا ما أكّده الخبير في الشأن السياسي الروسي -مالساغوف – نائب رئيس رابطة الجمعية الدبلوماسية لعموم روسيا، في ندوة حوارية أقامها مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” تطرق خلالها إلى جملة المتغيرات الدولية وتغير الوضع الجيوسياسي في الإقليم والحرب الإرهابية على سوريا، وعن كيفية بدء روسيا بالتعاون مع سوريا لمكافحة الإرهاب، مذكراً بالضغوطات الدولية والإقليمية التي تعرضت لها سوريا في القرن الماضي للانضمام لحلف بغداد وغيره من الأحلاف وفشلهم في الحصول على ذلك الانضمام أو استمالة سوريا.‏
وأوضح مالساغوف أن أميركا أخذت تعمل على ما يسمى مشروع الشرق الأوسط منذ 2003م منذ إدارة جورج بوش الابن وكونداليزا رايس، مؤكداً أن سورية منعت أميركا من تنفيذ هذا المشروع الأميركي عبر إصرارها بالدفاع عن سيادتها وتمسكها بمقاومة هذا المشروع التفتيتي التقسيمي المرسوم، متحدثاً عن المؤامرة وفق نظرية الفوضى الموجهة لتقسيم الوطن العربي وتسمية أميركا لها باسم الربيع العربي، معتبراً أنه تسونامي عربي وليس ربيعاً، نتيجة الدمار الذي خلفته هذه الحروب الاميركية الغربية على عدد من الدول العربية، بهدف إعادة تقسيمها إلى دويلات متعددة لكل منها.‏

المصدر: مجلة البلاد اللبنانية

Optimized by Optimole