مآلات الحسم نحو الجمهورية الثانية في الجزائر

Spread the love

بقلم: غانم لولاسي – استيقظ النظام الجزائري على انتفاضة لم يمكن يتوقعها وعلى أقل التقدير لم يدرس سننها التاريخية مند الاستقلال عام 1962. وهذا يعزو إلى الهوة الشاسعة بين السلطة والشعب، فبنية النظام الجزائري في طبيعته عجوز وكوادره بلغوا سن الشيخوخة في مقابل الشعب الذي يهيمن على مكوناته سبعون بالمئة من الشباب ودون سن 25 سنة. فالتفاوت السوسيو ثقافي هو أصل الهوة بين السلطة والشعب، والسلطة الحاكمة لم تأخذ بالحسبان هذا التحول الكبير داخل المجتمع الجزائري من ظهور جيل جديد لا يحمل أي ولاء سياسي للقوى التقليدية السياسية ، ولم يعد يؤمن بالشرعية التاريخية للاستقلال كمصدر وحيد للمصداقية السياسية ولم يعد يؤمن بنظرية الخوف من العشرية السوداء، بل وضعها في سياق أحداث تاريخية صفت في رفوف متاحف الذاكرة.
مع تراكم الأحداث التاريخية مند الاستقلال ومروراً بالانقلابات في دواليب السلطة وضبابية قرارات الدولة العميقة في تعيين الرئاسة ومروراً بأحداث تظاهرات تشرين الأول – أكتوبر من سنة 1989 التي أنهت عهوداً من الاحتكار السياسي ذي الحزب الواحد وأفضت إلى التعددية السياسية، ووصولاً إلى الاضطراب السياسي بإلغاء المسار الانتخابي من قبل العسكر وحل “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” ودخول البلد في دوامة العنف بما تسمى “العشرية السوداء”. هذه السيناريوهات كانت بمثابة الرصيد الذي على إثره اكتمل الوعي الشعبي وأنه لا مفر من العبور إلى الجمهورية الثانية ذات البعد الديمقراطي المدني الذي يحترم التداول السلمي على السلطة. وهذا ما يجعل الاحتجاجات ضد العهدة الخامسة مختلفة كلياً عن باقي المطالب التاريخية التي تتمحور حول حاجات اقتصادية كتحسين الرواتب والمزايا وغيرها من المطالب. وهي أيضاً ليست مؤطرة من قبل أحزاب وتيارات معروفة، حتى أن الحزب الحاكم مرتبك تجاه سلميتها وحضاريتها، فلم يجد ما يلصق بها من روايات نظامية تقليدية إلا ما سمعناه من رئيس الحكومة أحمد أويحيى تحت قبة البرلمان “بأن أي تظاهرات مهما كانت بدايتها ستنتهي بكارثة كالتي حصلت في سوريا”، أو تصريحات قائد أركان الجيش “بأن الجيش لن يسمح بعودة البلاد الى سنوات الجمر والألم، وأنه سيبقى ممسكاً بزمام مقاليد إرساء مكسب الأمن الغالي”. وقد سحب هذا التصريح الأخير من الوكالات الرسمية.
هذه التصريحات تبقى بمثابة المجسّات التي تقيس زخم الشارع، فلم توفّق في إخماد المسيرات الشعبية التي تعاظمت وضمت معها كل أطياف الشعب الجزائري، بداية من الأسرة الثورية عبر وجوه رمزية في ذاكرة التاريخ الجزائري كالمجاهدة جميلة بوحيرد، وأيضاً الفئات الطلابية من مختلف الأعمار. كما شارك فيها المسنون والأطفال وقطاع الإعلام، لتعطي بالنتيجة هذه المسيرات بعداً وطنياً أشبه بأيام الاستقلال من كولونيالية كانت متسلطة على رقاب الناس.
إلا أن المشكلة الأكبر أنه لا يوجد أي شكل من أشكال المعارضة السياسية التي يمكن أن تستفيد من هذا الزخم الشعبي لإنهاء الطريق إلى العهدة الخامسة وقطع جذور هذا النظام. فالمعارضة فشلت في التوافق على مرشح واحد يمكنه المنافسة على مقعد الرئاسة، وهو ما أدى الى انقسامها بين تيارات دعت إلى المقاطعة الشاملة وتيارات ركبت أمواج المشاركة في الانتخابات الرئاسية بممثلين ضعفاء ليسوا بمستوى المنافسة. ولهذا سيبقى الوضع الراهن مفتوحاً على كل الاحتمالات في ظل سلطة أعطت حلولاً ترقيعية أشبه بلعبة الشطرنج من أجل كسب المزيد من الوقت تارة بتغيير رئيس حملة المرشح عبد العزيز بوتفليقة، عبد المالك سلال، بعبد الغني زعلان، وتارة برسالة قيل فيها إن الرئيس بوتفليقة وعد بانتخابات رئاسية مبكرة في حال انتخابه للدورة الخامسة، وعقد ندوة وطنية تجمع كل الأطياف والمكونات الحزبية لإجراء تعديلات دستورية، وتأسيس لجنة مستقلة تشرف على الانتخابات. فجاءت ردود الشارع عبر مسيرات ضخمة ولسان حال الشارع الجزائري أن هذه الوعود أتت متأخرة، فإما أن تتضخم كرة الثلج بما يكفي لدفع النظام لتأجيل الانتخابات من أجل منح فرصة للفريق الحاكم للاتفاق على مرشح بديل عن بوتفليقة وإما إصرار النظام على ترشيح بوتفليقة، وهذا ما يهدد بتفاقم الاحتجاجات وصولاً إلى حالة العصيان المدني.
ويبقى الرهان الأخير على دور الجيش في حسم أمر الرئاسة.. فهل يصطف مع تطلعات الجماهير ؟؟ أم يبقى متحالفاً مع أوليغارشية الجهاز الرئاسي؟ تبقى هذه التكهنات مفتوحة الى أجل مسمى ……

Optimized by Optimole