فوضى الغرب في منظار الشرق

Spread the love

بقلم: أحمد طه الغندور —

من المنطق ألا يغفل العالم عن الاضطرابات الدائرة في المجتمعات الغربية، ولعل الأوضح منها ما أُشتهر في فرنسا باسم ” احتجاجات السترات الصفراء ” والتي انطلقت في مايو/ آيار الماضي وأخذت ذروتها في شهر ديسمبر / كانون الأول الحالي وشهر نوفمبر/ تشرين الثاني السابق، ومن الملاحظ أنها تجاوزت الحدود إلى بعض الدول المجاورة مثل بلجيكا؛ بدوافع قد تكون سياسية واقتصادية متعددة.
لكن هذه الاحتجاجات ليست هي الظاهرة الوحيدة التي يرصدها منظار الشرق من الأحداث الدائرة في الدول الغربية؛ ففي بريطانيا على سبيل المثال، تواجه رئيسة الوزراء تيريزا ماي اقتراحاً بحجب الثقة اليوم في ظل انفراط عقد خروج البلاد المقرر من الاتحاد الأوروبي أو ما يُعرف باسم “اتفاق بريكسيت”.
وإذا ما انتقلنا إلى الجانب الأخر من المحيط الأطلسي نجد أن كندا قد بدأت تتأثر بلهب الخلافات الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، حيث أن الأخيرة قد طالبت كندا باعتقال مينغ وانتشو المديرة المالية لمجموعة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات، فجاء الرد من بكين حيث أوقفت السلطات مايكل كوفريغ، وهو كندي يعمل لحساب المركز البحثي “مجموعة الأزمات الدولية” ومقره في بروكسل، وهو دبلوماسي سابق خدم بلاده في الصين التي ألمحت إلى مخالفته القوانين حول المنظمات غير الحكومية.
وبالعودة مرة أخرى إلى شرقي الأطلسي حيث القارة الأوروبية، وحتى نكون أكثر تحديداً في فرنسا، هل يمكننا القول بأن فلسفة الكاتب والمفكر والفيلسوف اليهودي الفرنسي؛ برنار هنري ليفي المعروف بعراب “الربيع العربي” قد وجدت طريقها إلى هناك، وكانت هي المحرك للاحتجاجات، ومنها ستنتقل إلى باقي القارة الأوروبية؟
وهل يمكن أن نضيف إلى هذه الفلسفة الصمت الذي مارسته وتمارسه الدول الأوروبية في مواجهة أبنائها الذين انخرطوا في العديد من التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” حيث بات هذا الصمت مؤشراً بنقل العنف والتخريب إلى تلك الدول؟
أم أن هذه الظواهر قد برزت مع قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيث استعرت الخلافات بين ضفتي الأطسي نتيجة السياسات الخاصة بالرئيس الأميركي بشأن اتفاقية المناخ، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، مع وجود خلافات واضحة بين الجانبين في حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى فرض الضرائب على الاتحاد الأوروبي والخلاف حول موضوع الهجرة.
هذا الوضع الخلافي بين الكيانين دعا رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك في يونيو/ حزيران المنصرم إلى دعوة الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لأسوأ سيناريوهات مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترامب.
كما أن السياسي البلجيكي غاي فيرهوفشتات، الذي تكفل بمناقشة ترتيبات “البريكسيت” مع بريطانيا بصفته عضواً في البرلمان الأوروبي، يقول: “للمرة الأولى في التاريخ يرغب رئيس أميركي بانهيار الاتحاد الأوروبي”.
ولعل الذي يحث ترامب للاستمرار في مسعاه بتشتيت الاتحاد الأوروبي هو النمو الملحوظ لحركات اليمين الشعبوي، التي ازدادت شعبيتها في العديد من الأقطار الأوروبية منها، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا وهولندا، بل وصلت قيادات هذا اليمين إلى الحكم كما جرى في المجر (هنغاريا).
وتؤمن هذه الحركات بما يؤمن به ترامب في المناداة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ومنع الهجرة إلى دول الاتحاد، خاصة مع تدفق المهاجرين واللاجئين خلال السنوات الأخيرة، من دون نسيان ملف الإرهاب الذي كثيراً ما حاولوا إلصاقه بالإسلام.
كيف لا وترامب ومن ورائه “المحافظون الجدد” وقوى اليمين المتطرف في أوروبا أشد اقتناعاً بأفكار المؤرخ برنارد لويس منظّر صدام الحضارات وهو يهودي بريطاني عاش في أميركا توفي مؤخراً، له العديد من المؤلفات والآراء ضد الإسلام وكيفية ضرب المسلمين بعضهم ببعض وتقسيم أوطانهم.
لذلك لا يمكن لترامب أن يرى أوروبا والغرب عموماً أن تخرج من تحت عباءته وتخالف سياسته الدولية، وخاصة في فتح أبوابها للمسلمين. لذلك ربما يكون الوقت قد أزف على هذه الدول لدفع الثمن، كما كرر ذلك مراراً.
وأخشى أن يحمل العام الجديد مزيداً من مظاهر الفوضى غير الخلاقة إلا أن تصدق نبوءة العرافة الشهيرة “بابا فانغا” البلغارية العمياء، لهذا العام بشأن الرئيس الأميركي كما أوردت وكالة الأنباء، ولكن (‏كَذبَ المنجِّمون ولو صدقوا‏) ‏.

Optimized by Optimole