صفقة القرن ودبلوماسية الأبواب الخلفية

Spread the love

بقلم: أحمد طه الغندور —

يعتقد بعض خبراء السياسة والدبلوماسية في “الولايات المتحدة” بأن “الدبلوماسية الأمريكية” تعاني من أزمة حقيقية في فترة حكم الرئيس دونالد ترامب؛ حتى عادت وزارة الخارجية الأميركية هيكلاً دون معنى، وأن الأمر الدبلوماسي الأن محصور في يد ترامب وفريقه الرئاسي.
هذا القول على إطلاقه لا يمكن التسليم به، فوزير الخارجية مايك بومبيو أحد اللاعبين الرئيسيين في فريق البيت الأبيض، وبالتالي لا يمكن اعتبار أن هناك غياب للمؤسسة في العمل الخارجي، ولكن يمكن القول إن الإدارة قد اتخذت شكلاً أخر لعملها الدبلوماسي، فما هو هذا الشكل؟ أو ما هو نوع الدبلوماسية السائدة في هذه الفترة؟!
لا شك أن المتابع للشأن السياسي والدبلوماسي يُدرك بأن الدبلوماسية الأميركية المتبعة هي محض اختيار الفريق الحاكم في “البيت الأبيض” بمن فيهم وزير الخارجية، وفقاً لما يحقق مصلحة هذا الفريق في كيفية إدارة السياسة الأميركية.
ولا شك أن هذا الفريق “الصهيو ـ أميركي” ـ المُشبع حتى التخمة ـ بمبادئ “الكنيسة الأنغليكانية” ـ المتغلغلة عميقاً في الإدارات الأميركية المختلفة ومراكز صنع القرار هناك ـ له دوافعه المحددة التي يستخدمها في صبغ دبلوماسيته بصبغة خاصة تُمكنه من ممارسة سياسته بعيداً عن أعين الرأي العام، ويبق التركيز على الدعاية لها والتهويل من نتائجها.
لذلك قدمت لنا الإدارة الأميركية الحالية نماذج متنوعة لهذه السياسات ملأت الإعلام بوسائله المتنوعة ضجيجاً مثل؛ إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، لقاء القمة الأميركية ـ الكورية الشمالية، صفقة القرن وهكذا دواليك.
ولكن تأتي الدبلوماسية والتي تُعتبر الأداة الأهم لممارسة السياسة هذه الأيام على شكل مغاير، لذلك نجد أن الإدارة الأميركية لجأت إلى اتخاذ “دبلوماسية الأبواب الخلفية”، هذه الدبلوماسية القديمة والسرية تعود إلى زمن “العصور الوسطى” من القرن الماضي.
ويرجع سبب تسمية هذه الدبلوماسية إلى حياة القصور، حيث كانت تدار فيها شؤون الحكم عن طريق النساء أو الخدم الذين يستخدمون الأبواب الخلفية لدخولهم أو خروجهم، لذلك نجد هذه الدبلوماسية تمارس في سرية من قِبل أشخاص غير دبلوماسيين أو مسؤولين بتوجيه السياسة الخارجية للدولة.
وفعلياً نجد أن الممارسين الحقيقيين لهذه الدبلوماسية هم الفريق المقرب من الرئيس، مثل جاريد كوشنير ـ مستشاره وزوج ابننه ـ وابنته نفسها “إيفانكا”، ومحاميه الخاص غرينبلات المبعوث الرئاسي لعملية السلام، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وبومبيو، بعض الأصدقاء المُقربين وخاصة من رجال الأعمال، بالإضافة إلى بعض موظفي المؤسسات الدولية، مع الملاحظة أنهم أجانب وليسوا أميركيين ولكن لهم ولاؤهم “الصهيو ـ أميركي” أو الانتماء العقائدي للكنيسة المشار اليها.
ولعل ما يُسمى بـ “صفقة القرن” أو مبادرة “ترامب” للسلام في الشرق الأوسط، والمزمع الإعلان عن تفاصيلها الكاملة في الخامس عشر من مايو / آيار المقبل والذي يواكب الذكرى (71) للنكبة الفلسطينية في سنة 1948 بإنشاء “الكيان الصهيوني” في فلسطين وتهجير الفلسطينيين من وطنهم ليكونوا لاجئين في الشتات تنفيذاً لإعلان “بلفور” الذي يعتبر “النموذج المهم لـ”دبلوماسية الأبواب الخلفية”.
ها هم ممثلو “ترامب” ومنذ أن أعلن عن “صفقته” وما صاحبها من إعلان ضخم في محاولة لإخفاء حقيقتها التصفوية للقضية الفلسطينية، والعمل على تشريد الفلسطينيين ثانيةً من وطنهم القومي، يجوبون الأصقاع المختلفة من أجل تمرير هذه “الصفقة” لجعل فلسطين كاملة “مملكة صهيون”، والتي ستمتد مستقبلاً “من النيل إلى الفرات”.
لكن هذه “الدبلوماسية الجهنمية” وهذا “التخطيط الشيطاني” لن ينجحا في تحقيق ما ترنو إليه هذه الإدارة، وذلك لأسباب عدة: ـ
أولهاـ أن الإدارة الأميركية لم تتعلم الدرس التاريخي من الفشل البريطاني في “إعلان بلفور” الذي لا يزال مرفوضاً ولم يمنح “الاحتلال” لحظة واحدة بالحياة الطبيعية على هذه الأرض.
ثانياً: الغرور الأعمى الذي تتعامل به الإدارة، مع حكومات المنطقة “الخانعة” متجاهلة الشعوب الحية في دولها، فتارة تُعلن عن “القدس” عاصمة للكيان الاحتلال، وأخرى عن ضم “الجولان” لإسرائيل، ومن ثم “سيناء” المصرية مكان تجمع الفلسطينيين حتى المرحلة الثانية لتوسع “مملكة صهيون” وهكذا. مع العلم أن جيوشهم “وجحافل المرتزقة” التابعة لهم تهرول هاربةً وهي تجر أذيال الخيبة من الدول العربية التي حاولوا احتلالها لسنوات أو إدارتها.
ثالثاً: هذه “الدبلوماسية الخسيسة” مرفوضة منذ القدم واسمها يدل عليها، ودول العالم التي وقعت في نير الاحتلال نتيجة هذه الممارسة آل حالها إلى الحرية.
رابعاً: المراهنة الخاطئة على استمرار الانقسام الفلسطيني، وتدجين المقاومة لن ينجح، فها هو الضمير يدفع قيادات تاريخية في “التيار الإسلامي” للإشادة في دور الراحل ياسر عرفات في إفشال المؤامرة على الشعب الفلسطيني.
أخيراً، ماذا يمكن أن تعملوا مع إرث “عرفات” الذي وضع أسس الدولة وأرجع المقاتلين وأدخل السلاح ودرب المجاهدين على التضحية بأنفسهم لأجل الوطن. ومضى عرفات وقوافل الشهداء البررة، فهل تمكن الاحتلال من الاستقرار على هذه الأرض؟
ماذا تفيد “دبلوماسيتكم” مع شعب مزجت جيناته بالبطولة والتضحية وقدم أبو ليلى، ونعالوه والبرغوثي وجرار، و، و ….
كان عليكم أن تطلبوا من “الخدم” في دبلوماسيتكم أن يلغوا نصوص القرآن الكريم وخاصةً “سورة الإسراء” التي تُقر أعيننا بالنتيجة الحتمية التي لا فصال فيها، ” وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا “.
” وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا “، فهذا وعد الله الحق ولكم دينكم ولنا دين!!

Optimized by Optimole