حول مبادرة روسيا لعودة اللاجئين السوريين

Spread the love

توفيق المديني —

منذ أن أحرز الجيش العربي السوري وحلفاؤه عملية التحرير الكبيرة لأجزاء واسعة من الأراضي السورية التي كانت خاضعة للتنظيمات الإرهابية خلال هذه السنة ، بدأت روسيا الحليف الاستراتيجي للدولة الوطنية السورية تعمل على حل موضوع اللاجئين السوريين الذين فرّوا من أتون الحرب خلال السنوات السبع الماضية، في محاولة لتحقيق عودتهم إلى وطنهم.وتأتي المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين في سياق العمل الروسي الحثيث لإقناع الدول الكبرى الغربية،وبعض دول الجوار في المنطقة لإعادة الإعمار في سورية.

ورغم تضارب الأرقام والإحصائيات حول عدد النازحين السوريين من وطنهم،فإنّ الرقم الأكثر تداولاً من قبل المنظمات الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين،يدور حول 5.6 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسورية وأوروبا ،و6.6 مليون نازح سوري داخل البلد، وهوالرقم الذي يمثل أكبر عدد نزوح لشعب في العالم، وهؤلاء فروا من العنف الذي أفرزته الحرب بين الدولة الوطنية السورية وحلفائها من جهة ،وبين التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المدعومة من قبل الدول الغربية،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية،والدول الخليجية،وتركيا،والكيان الصهيوني،من جهة أخرى . وتدل المعلومات المتوافرة لدى “المركز الروسي لاستقبال وتوزيع اللاجئين في سورية” على أن ستة ملايين و982 ألفاً و302 لاجئ سوري مسجلون اليوم في أراضي 45 دولة أجنبية.

وتستضيف تركيا حوالي 3.5مليون لاجىء سوري،بينما يستضيف الأردن ما يزيد على 1.4 مليون لاجئ سوري، منهم ما يقرب من 650 ألف لاجئ مُسجل رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،ويزيد هذا العددعلى 15 في المئة من سكان الأردن حالياً، أو نحو 20 في المئة من سكان البلد قبل اللجوء. ووفق تقرير صادر في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2017 عن الأمم المتحدة ،يوجدفي لبنان حوالي 997.905لاجئين سوريين مسجلين في لبنان،غالبيتهم من النساء والأطفال،مقارنة مع مليون و11 ألف و366 في كانون الأول/ديسمبر 2016. وتجري الأمم المتحدة مراجعات لأعداد اللاجئين السوريين في لبنان أربع مرات سنويا لتقييم الدعم الذي يحتاجونه.

فقد أعلن ممثل مركز إدارة الدفاع الوطني في روسيا الجنرال يفغيني إليان خلال اجتماع للمقر المشترك بين الإدارات في روسيا وسورية الخاص بعودة المهجرين السوريين،أن أكثر من مليون و485 ألف شخص من المهجرين السوريين عادوا حتى الآن إلى ديارهم .‏ ورغم أن روسيا و الدولة الوطنية السورية لهما مصلحة حقيقية في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، فإن العقدة الأساسية لهذه العودة تتمثل في التشدد الذي تبديه بعض الدول الغربية ذات الثقل المالي الكبير ، مثل ألمانيا،إزاء عودة هؤلاء، إذ تصر على الضمانات الأمنية والسياسية التي يجب أن تتوافرلعودة اللاجئين السوريين . وليست معنيةً ألمانيا بتمويل مشروع روسيا في سورية،وهذا ما تبلّغه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيرًا.

وكان الرئيس بوتين دعافي مؤتمر صحفي مشترك مع مستشار النمسا سيباستيان كورتز،عقب محادثات عقداها يوم الإربعاء الماضي، في سان بطرسبورغ ،أوروبا لعدم تسييس موضوع المساعدة للسوريين والعمل على إعادة اللاجئين لوطنهم، مشيرًا إلى أنه لأوروبا مصلحة كبيرة في عودة اللاجئين إلى وطنهم، لافتًا إلى بيان جنيف والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في إطار عملية آستنة تسهم في إنشاء الظروف الملائمة لعودة المهجرين السوريين الى ديارهم.‏
كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية نيكولاي بورتسيف ضرورة الإسراع في عقد مؤتمر دولي لدعم عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم مبينًا أنّه يتم حاليًا التنسيق لتحديد مكان انعقاده.‏ وقال بورتسيف خلال اجتماع للمقر المشترك بين الإدارات في روسيا وسورية الخاص بعودة المهجرين السوريين: يجب أن تكون الغاية من المؤتمر قيام الخبراء بمناقشة البرامج الحكومية بخصوص إعادة المهجرين والإعلان عن تدابير لدعم العائدين.‏ ولفت بورتسيف إلى أنه من المقرر مناقشة الموضوعات والقضايا المهمة الأخرى حول سورية مع ممثلي مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في مواقع وزارة الخارجية الروسية ووزارة الدفاع الروسية خلال زياراتهم إلى موسكو.‏

وتصر روسيا على عدم ربط عودة اللاجئين السوريين بموضوع التسوية السورية الشاملة للأزمة السورية،كما تريد ذلك الدول الغربية وتركيا ، التي تريد إعداد تصور استراتيجي متكامل يشمل إدماج اللاجئين السوريين في العملية السياسية ،في حين ينتقد المسؤولون الروس الغرب من موضوع إعادة الإعمار. وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أكد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني جبران باسيل في موسكويوم 20 آب/أغسطس 2018، أنه “خلال شهر تموز الماضي عاد 7 آلاف لاجئ سوري من لبنان ونحن جاهزون لمواصلة العمل في هذا الاتجاه”. وقال: “بحثنا في مسائل متعلقة بفرص عودة النازحين إلى بلدهم وكيفية العمل معاً لتحقيق هذا الهدف”، مؤكداً أن “روسيا ستعمل مع لبنان على تسهيل عودة السوريين إلى بلادهم، ويجب ألا يصبح لبنان رهينة لمشكلة اللاجئين السوريين”.وشدد باسيل على أن “موقف لبنان من النازحين معروف وهو العودة السريعة الممرحلة والآمنة إلى بلادهم من دون ربط عودتهم بالعملية والحل السياسي”.

وأكدلافروف أن لبنان يجب ألا يتحول إلى رهينة لأزمة اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن روسيا تعارض التدخل الأجنبي في شؤون لبنان الداخلية، وتعمل على “العـودة الآمنة للاجئين السوريين منه إلى بلادهم”، لافتاً إلى أن “ظروف عودتهم ستتحسن”.ومع إشارةلافروف إلى أن “رفض الولايات المتحدة المشاركة في إعادة إعمار سورية يهدف إلى عرقلة عودة اللاجئين إلى بلادهم”، ولفت إلى أن “واشنطن مهتمة فقط بإعادة إعمار مناطق في شرق الفرات، حيث تسيطر قوات جهات تتعامل معها، وهناك تتم عمليات إعادة الإعمار ونزع الألغام وبناء المدارس والشوارع بسرعة”. كما اتهم الولايات المتحدة بأنها تحافظ على منطقة أمنية في منطقة التنف التي تنشط فيها “النصرة” لمهاجمة دمشق ومناطق أخرى، وتهدف إلى تعطيل عودة اللاجئين من الأردن. وشدد على أن موسكو ستواصل العمل مع تركيا والأردن وأوروبا لعودة اللاجئين السوريين، لافتاً إلى أن هناك دولاً أوروبية انضمت إلى الجهود الروسية”.

ومن جانبه أكد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أن “لبنان يجب أن يكون منصة لإعادة إعمار سورية ومن هنا أهمية التعاون اللبناني-الروسي”، داعياً إلى “خلق أو إعادة تفكير بخلق مساحة مشتركة مشرقية توفر الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين وتكافح الإرهاب والأحادية وتعمم التسامح والقبول بالآخر وترتكز إلى ازدهار اقتصادي وتنمية مستدامة عبر سوق مشرقية مشتركة بالتعاون مع شريك إستراتيجي هو روسيا من دون إغفال الدول الأخرى”، لافتاً إلى “اقتراح أن يدعو لبنان وروسيا إلى مؤتمر للبحث في هذه القضية”

وأشار إلى أن “لبنان ليس فقط مؤيداً للمبادرة الروسية بل معني بنجاحها عبر وضع كل إمكاناته لتصب في هذا الإطار فالظروف في سورية تغيرت ولم يعد من مبرر لبقاء النازحين وهذا ما يسهل الحل السياسي وليس العكس”، مؤكداً “أننا نشجع الشركات الروسية على المشاركة في مناقصة جديدة لتطوير مكامن النفط والغاز في الجرف اللبناني ونجاح الشركات من شأنه أن يعزز ذلك الاستقرار في المنطقة”.

وكان “المركز الروسي لاستقبال وتوزيع اللاجئين في سورية” أعلن في خلال الفترةالقليلةالماضية، أن الدولة الوطنية السورية نشرت نقاطاً لاستقبال وتوزيع اللاجئين العائدين قد تتسع لمليون و44 ألفاً و250 شخصاً في 343 تجمعاً سكنياً.ونقل موقع “روسيا اليوم” عن المركز أنه “يتم حالياً توزيع النقاط في 60 تجمعاً سكنياً في محافظات حلب ودير الزور ودرعا واللاذقية والرقة وريف دمشق وطرطوس وحماة وحمص والسويداء”.وأفاد المركز بعودة ثمانية آلاف و305 أشخاص إلى سورية من الدول الأجنبية (7.987 من لبنان و318 شخصا من الأردن) ابتداء من 18 من تموز (يوليو) الماضي.
رغم الحماس الروسي والترحيب اللبناني بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم ، فإنّ الدول الغربية ، لا تزال تضع الشروط في طريق عودة هؤلاء، وعلى رأسها طبيعة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في سورية، ومستوى استعداد الروس على تقديم ضمانات حقيقية للاجئين العائدين بسلامتهم وحفظ كرامتهم، ومدى قدرتهم على الوفاء بها .كما أنّ الأمم المتحدة

أكدت مرارا أن الأوضاع في سورية لا تفي بعد بالشروط الخاصة بالعودة إليها، بعد أكثر من سبع سنوات من الصراع الذي قتل مئات الآلاف وهجر الملايين.والواقع أن عودة اللاجئين السوريين من الشتات إلى وطنهم، تتطلب توافر مشروع إقليمي ودولي لإعادة إعمار سورية ،وعقدمؤتمر دولي خاص بهذا الموضوع، لإيجاد الحلول الكفيلة والضامنة للاجئين السوريين ، حتى يتجاوزون أزمات الحرب والنزوح، ويبتدؤن حياة جديدة في سورية في مناخ وطني مختلف.

المصدر: مجلة البلاد اللبنانية

Optimized by Optimole