جدليّة الدّين والسياسة عند الحركات الإسلامية المعاصرة

Spread the love

شجون عربية-نشأت جبارين
إن الحركات الإسلامية، بما تشهده من تغيراتٍ على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، تعمل على إظهار أنشطتها في الساحة الدولية وتعتبر نفسها فاعلًا ضمن المتغيرات والصراعات الداخلية والخارجية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والعالم بأكمله.
بعد نهضة الحركات الإسلامية ووصول بعضها إلى سدة الحكم وإن لم تكن المدة طويلة أصبحت تعتبر نفسها بأن لها ثقلًا سياسيًا على الصعيد المحلي والإقليمي و تستطيع من خلاله أن تؤثر مستخدمةً العديد من الأدوات التي تمكنها من قيادة أي تغيير حتى لو كان نسبيا، أو اتخاذ قرارات من شأنها خلط الأوراق.
ولكن ما تزال الحركات الإسلامية في صراع فكري وأيديولوجي للموازنة، وربط الرؤيا الفكرية لهذه الحركات بالمتغيرات على الساحة الدولية سواء أكانت سياسية أم عسكرية ،وأيضًا هذا الصراع قد يكون سببًا لاتخاذ القرارات الحاسمة؛ لأن الظروف لم تتهيأ بشكل كامل لقيادة عملية التغيير إضافة إلى كيفية الاستفادة من التغييرات التي حدثت عالميًا وإقليميًا والتكيف معها بدلاً من المساس بالأصول الفكرية للحركات الإسلامية، وكيف ينظر إلى الدولة والسياسة في الإسلام، والتعرف على العلاقة بين الدين والدولة.
لا بد من القول أن التغيُرات في السياسات الأيديولوجية للحركات الإسلامية لم تنبع من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، بل من اجتهاد واحتراف وخبرة صناع القرار في هذه الحركات(المصالح الحزبية)، الأمر الذي أدى إلى خلافات وصراعات فيما بينهم والتي أدت الى تعدد الحركات الإسلامية مما أدى إلى وجود مُشرع للسياسة الحزبية ويركز على الجغرافيا السياسية للدولة والمتغيرات الإقليمية والدولية.
من أجل الفهم العميق لجدلية الدولة والإسلام السياسي لا بد من التطرق إلى عدة مواضيع منها:
أولًا: السياسة الشرعية في الفكر الإسلامي.
اهتم علماء الإسلام في السياسة والحكم، فكان للعديد منهم توضيح لمفهوم الحكم والسياسة الشرعية. فمنهم من عرّفها على أنها أقرب إلى الإصلاح، والبعد عن الفساد، وإرشاد الخلق الى الطريق القويم في الدنيا والآخرة، وتدبير شؤونهم في الدولة ضمن معايير وفق الشرع والدين والسن، ونستشهد بقول العلامة الدكتور(يوسف القرضاوي) حينما قال “إن للسياسة عند العلماء القدامى معنيين:
أ‌- معنى عام أي القيام بأمور الناس وشؤون دينهم وفق شرائع الدين وهو معنى الخلافة أي النيابة عن الرسول (ص) في حراسة الدين وسياسة الدولة.
ب‌- معنى يختص في الحكام وما يصدرونه من قرارات إصلاح الناس وواقعهم ومقاومة الفساد والسير في طريق التقدم”.
ترى الحركات الإسلامية أن الدولة هي مجتمع يوفر الأمن والحماية للفرد ودينه، فلا يمكن للمسلم أن يكون منعزلًا بمفرده عن الآخرين وكون الإنسان بطبعه كائنا اجتماعيا؛ فإنه يسعى للعيش ضمن نظام اجتماعي وسلطة تعمل على تطبيق ما ورد من القوانين والأحكام .
ثانيًا: جدلية الدولة في الإسلام ومفهوم السلطة الحاكمة
إن السلطة في الإسلام موجودة ضمن منهجية وقوانين تتمثل في الكتاب والسنة ضمن ضوابط تلزم الحاكم والولاة باتباعها وتطبيقها.
عندما يتم اتباع التعاليم المنصوص عليها شرعًا في الكتاب والسنة يتم التفريق بين أمور الدين والسياسة فالدين مضبوط بأحكام وضوابط شرعية، وأما أمر الدنيا فهو متروك لأهل العلم والاجتهاد.
ركزت الحركات الإسلامية على الشورى وتضمنتها الأحكام الشرعية، وأن الحاكم ينوب عن الأمة وهو مسؤول اتجاهها وأن تحرك الحكام والولاة ضمن التعاليم ووفق القرآن والسنة التي تعمل على إخراج الناس من الظلمات إلى النور والنجاة في الدنيا و الآخرة.
يظهر أنه لا يوجد نص شرعي محدد وفصل لدمج السياسة في أمور الدين وفصل الدين عن الدولة ،أو أن السلطة يساهم في رسمها الدين؛ لكنه يوجد ضوابط تحمي الدين ولا تجعل الخلط بين الدين والسياسة وإنما فصل الدين عن السياسة وإبقاؤها ضمن أمر الشورى على أن يبقى الأصل وعدم التخلي عنه؛ ألا وهو الفكر الديني.
ولقد ذُكرت الدولة في القرآن الكريم في عدة مواضع نذكر منها:
1. القرية: ورد ذكرها في سورة النمل الآية (34 ) قال تعالى “إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها” وهنا الحديث عن مملكة سبأ و قوتها وحكمتها وكيف كان أمرهم شورى بينهم.
2. المدينة: وهي تدل على منطقٍه صغيرة أو دولة بمساحة صغيرة كما قال سبحانه
وتعالى في سورة القصص آية(15) “ودخل المدينة على حين غفلةٍ من أهلها” وتحدث هنا عن دخول سيدنا موسى عليه السلام إلى المدينة على غفلةٍ من أهلها.
3. البلدة: كما ذُكرَ في سورة سبأ آية (15)”كلوا من رزق َربكم واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ وربٌ غفور”.
إن الدولة التي تقوم على أساس أحكام الشريعة الإسلامية، والسُنة النبوية والتوحيد وضمن إقليم معين فهي دولة إسلامية، وإن الدولة ليست من أركان الإسلام والإيمان إلا أن الإسلام وضع أمورًا لا تتحقق إلا بوجود سلطة (دولة) تقوم على تطبيق حقوق المواطنين وواجباتهم والحفاظ على أمنهم وممتلكاتهم وتهتم بأمورهم.
ثالثًا: الدولة ما بين الدين والسياسة.
تتحدث العديد من الدراسات وفق بعض التفسيرات التي تميز بين الدولة الدينية والدولة المدنية في الإسلام وفق متغيرات العصر، وهنا تنقسم الآراء إلى عدة أقسام منها:
1. الدولة الدينية: تعترف في دولة الخلافة ولا تعترف بمن لا يطبق الإسلام، ورفض هذا التيار مفهوم حكم الشعب أو حكم الأمة ،وإنما الحكم والسلطة المطلقة للحاكم ،سواء أكان ظالمًا أم لم يكن، على ألا يكون كافرًا، وأن يكون للعلماء دور التبرير والتفسير بشؤون الدنيا والسياسة. ويعيدنا هذا إلى القرون الوسطى المظلمة في العالم الغربي على أن الحاكم هو الله أو ابن الله وأن الحاكم مختار من عند الله، فكان لهذا التيار أثرٌ في الحكم الجائر والظالم للبشرية، مستغلًا الدين من أجل الحكم بما يراه الحاكم ولا يجب مساءلته، في هذا الفكر ويكون العلماء وسطاء للحاكم في الأرض، فكان الدور الأبرز للكنيسة ورهبانها بحيث انقسم الشعب الى ثلاثة أقسام وهم النبلاء والإقطاعيون والعبيد، على عكس نفس الفترة في الإسلام فكان أمرهم شورى بينهم وكان الحكم لله والسيادة للشرع وكانت السلطة للأُمه .
2. الدولة المدنية: وأصحاب هذا التيار ينادون في استئصال الاستبداد السياسي، فكانت الصحوة الفكرية في القرن التاسع عشر، بحيث أكد مُؤَيدو هذا التيار على أنه لا يوجد في الإسلام سلطة دينية، وإنما سلطة الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الخير، والابتعاد عن الشر، وهي تستمد أحكامها من الشريعة الإسلامية والكتاب والسنة فكانت واضحة وجليه في تعامل رسولنا الكريم بحيث كان الكتاب والسنة حكما بين الناس وإن لم يكن موجودا نصا قرآنيا أو حديثا نبويًا يوضح الحُكم، فإن الحكم بالاجتهاد هو الفصل من قبل أهل العلم.
وينادي هذا التيار بأن الأمة هي التي تختار الحاكم الذي يحكم بين الناس وأن الحاكم ليس سلطانا إلهيا. وهنا برز دور الاجتهاد والتشريع من قبل أهل العلم والفقهاء والعالمين بالدين، بأن سلطاتهم مدنية وأحكامهم مدنية ولكن وفق الشريعة الإسلامية.
كان للعلماء المسلمين والمفكرين أمثال طه حسين وغيره أثر في توضيح المفاهيم والفروقات بين “المقدس والمدنس و”الاستبداد والديمقراطية” والإسلام والعلمانية” وكان لهم دورٌ مهمٌ في مواكبة العصر والتفريق بين الدولة المدنية والدينية وبين الدولة العلمانية.
يتحدث أنصار هذا التيار على أن السلطة مدنية لا تفرق بين شخص وآخر، على أساس الدين أو الجنس وأن الدولة التي ليست مدنية هي دولة ظالمة، وأن الدولة يجب أن تسير على أساس المصلحة العامة للدولة.
وميز البعض من العلماءِ والفقهاءِ بين الدولة المدنية والدولة العَلمانية
الدولة العَلمانية هي دولة معادية للدين، أما الدولة المدنية: هي دولة تحترم الأديان وتحترم الاختلاف بين الناس في معتقداتهم ولا تفرق بينهم على أساس الدين، وتعمل على الفصل بين السلطات وتحافظ على حقوق مواطنيها و تعتبر أن الانتخابات هي طريق الديمقراطية.
إلا أنه يوجد مشاكل في التطبيق وذلك لوجود هويه إسلاميه لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عنها مرتبطة بقواعد ونصوص شرعية.
رابعًا: الدولة القومية الحديثة:
أعلنت أقطابٌ فكريةٌ وعلى رأسها الدكتور راشد الغنوشي حربها على الاستقطاب السياسي المقيت، وكان لهم التأثير على العديد من سياسيي العالم الإسلامي وكان منهم حزب العدالة والتنمية التركي الذي وازن بين الفكر الإسلامي الأصيل وبين المتغيرات في العالم.
يرى الفلاسفة في العالم الإسلامي أمثال طه عبد الرحمن وغيرهم أن المسلمين قادرون على تطوير نماذج الحكم الديمقراطي لدولهم بدلًا من نقل تجارب القوى الكبرى والغرب.
وبناءً على ما جاء به أحمد كورو بأنهُ من الممكن استخدام مخارج في الإسلام السياسي منها الدمج بين العلمانية والإسلام وإيجاد مرجعية دينية دون إقامة دولة دينية، بحيث تسمح هذه المرجعية المشاركة في المجتمع المدني، وخير مثال على ذلك هو حزب العدالة والتنمية التركي، متجاوزًا العقبات وجعل الخطابات تتماشى مع الشعب وآلامه وعدم استخدام كلمة دولة علمانية، والعمل على عدم فصل الدين عن الدولة كالغرب وإنما أخذ ما ينقصهم من المفاهيم العلمانية والغربية الضرورية لهم ووفق مصلحتهم.
الخاتمة:
إن الإسلام هو دين التوحيد ودين التسامح والسلام وهو أول من أعطى الإنسان حقوقه ولم يفرق بين الناس لا على دينهم أو عرقهم، وإنما كان دين تسامح ومحبة والحكم به بما أنزل الله، إلا أن الحكام بعد الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا يعملون وفق مصالحهم الشخصية هم ومن يسيطرون على البلاد، حتى أنهم تغنوا في العلمانية، وتسابقوا على الانخراط في الثقافات الغربية وممارسة الديكتاتورية على شعوبهم سواء أكان الحاكم يتبع فكرًا علمانيًا أم مدنيًا أم دينيًا أصوليًا دون مراعاة القوانين والتشريعات الإسلامية وحقوق مواطنيها.
تعتبر القوة في الإسلام ضرورية من أجل حماية الأمة، وأن القوة ليست مصدرًا للطغيان وإنما الحكام هم الطغاة، وقد كان للغنوشي أثرٌ كبيرٌ في تغيير فكر الإسلام السياسي ودخول السياسة في الإسلام، والمطالبة في الديمقراطية، والقبول في التغيير وتبني أفكارًا وتجاربًا إسلاميًة ناجحًة كتجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي وازن بين الإسلام والعلمانية وعمل على عدم إدخال الدين في السياسة وإبقاء الدين بعيدًا عن السياسة والتجاذبات في العالم.
مصدر: باحث في دراسات الشرق الأوسط الجامعة العربية الأمريكية فلسطين .

Optimized by Optimole