بين القدس والجولان: من يدفع ثمن هذا الجنون؟

Spread the love

بقلم: أحمد الغندور — ربما لا زلنا نذكر أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة للاحتلال في 6 نوفمبر – تشرين الثاني 2017 جاء في الذكرى المئوية لـ “إعلان بلفور” لكي ينافس على مكانة في تاريخ المسيحية ـ الصهيونية مع ذلك الإعلان، ويعتبر بمثابة ثمن مقابل دعم اللوبي الصهيوني لـ “ترامب” في الانتخابات الأمريكية.
وكذلك يأتي قرار الاعتراف الأميركي بـ “السيادة الإسرائيلية” على هضبة الجولان السورية المحتلة عرضاً مسرحياً سخيفاً من قِبل الإدارة الأميركية التي اعتنقت أفكار هذه الطائفة من أجل دعم بنيامين نتنياهو في الانتخابات البرلمانية خلال الأيام القادمة، وحرصاً منه على تأكيد منح “ترامب” فرصة في إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة لدورة ثانية.
ولعلم من الغريب؛ أن نلحظ بأن هناك علامة فارقة هامة بين الأمس واليوم، فإن هذه القوى وفي ظل الاستعمار البريطاني كانت أكثر مكراً ودهاء ً حين عملت على تمرير “إعلان بلفور” ضمن قرار الانتداب الصادر عن عصبة الأمم ثم سعت إلى ترسيخه في قرارات تالية للأمم المتحدة ومنها “قرار التقسيم” أو قرار الجمعية العامة رقم (181).
لكن اليوم فإن الإدارة الأميركية الحالية فهي تمتاز بكم كبير من “جنون العظمة” بحيث لم تعد تكترث بالمنظمة الدولية ولا بالقرارات الدولية المتتالية والملزمة للولايات المتحدة قبل غيرها من المجموعة الدولية كونها دولة عضو دائم في مجلس الأمن الذي أصدر قرارات صوتت لصالحها الولايات المتحدة، واليوم تأتي هذه الإدارة وبخطوات أحادية الجانب ـ لا تحظى بأي ثقل في القانون الدولي ـ لتعمل على تغيير الوضع الدولي المستقر والمتعارف عليه في الأراضي العربية المحتلة.
ولكن ما يزيد الوضوح حول حقيقة جنون هذه الإدارة ما صرح به السفير الأميركي الصهيوني “دافيد فريدمان” حول ما يُسمى “صفقة القرن” في خطابه أمام مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية – الإسرائيلية “ايباك” بأن من أهم محددات تلك الصفقة؛ “سيطرة إسرائيلية على الضفة الغربية، ووجود أمني في الأغوار والقدس عاصمة لدولة الاحتلال”.
هذا الأمر يثير الكثير من السخرية والاستغراب حتى بين الأوساط الإسرائيلية نفسها التي باتت تتساءل كيف ستبرر الإدارة الأميركية هذا الأمر؟!
فإذا ما رجعنا بالإعلان الأميركي بشأن “السيادة الإسرائيلية” على هضبة الجولان، فإن مبرر “ترامب” إلى ذلك أنها أرض احتلت في حرب دفاعية، وأنها لا تزال تُشكل تهديداً أمنياً على “تل أبيب” من قٍبل وسوريا وحلفائها إيران وحزب الله، لذلك “وفي ظل هذه الظروف الخاصة يجدر الاعتراف بـ “السيادة الإسرائيلية” على هضبة الجولان” كما جاء في الإعلان!!
وهنا مثار السخرية والاستعراب بالنسبة لما يُتنظر من قٍبل الإدارة الأميركية بشأن “الضفة الفلسطينية المحتلة ” هل يلجأ “ترامب” إلى إعلان الضفة ” كياناً معادياً” يحق للاحتلال ضمها اليه بشكل نهائي؟
الإسرائيليون أنفسهم يجيبون على هذا التساؤل؛ بأن “هذه الظروف الخاصة لا توجد في الضفة، ثمة تنسيق أمني ـ ترعاه الولايات المتحدة ـ مع السلطة الفلسطينية، ومطلوب درجة غير قليلة من الخيال من أجل أن نرى في احتلال الضفة حرباً وقائية”.
إذا لا وجه للشبه بين الضفة الفلسطينية والجولان السوري حتى في التبريرات اللاقانونية واللاأخلاقية التي تستخدمها الإدارة الأميركية لتنفيذ “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”.
فالقانون الدولي العام الذي يُجرم العدوان، ويحث على الالتزام بالقرارات والاتفاقيات الدولية ثنائية أو متعددة، ويحترم سيادة الدول والشعوب على أراضيها ومواردها الطبيعية كما يحترم حق تقرير المصير للأفراد والشعوب لا يقبل بمبررات “جنون العظمة”.
كما أن القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي يُجرمان الاحتلال والاستيطان وجميع الجرائم الدولية التي تسعى الولايات المتحدة إلى توريط “تل أبيب” فيها، فمن يملك أن يدفع ثمن هذا الجنون؟
هل كل ذلك من أجل إعادة نتنياهو إلى سدة الحكم وبالتالي أن ينجو من المحاكمة على الجرائم المتعددة التي تنتظره؟
أم أن ذلك ليستمر ترامب في الحكم لفترة تالية، لعل وعسى أن ينجح في إعادة “هيكل سليمان” على ربا “صهيون” بغية وصول “المُخلص”؟
ترى ما الشكل الذي سيتخذه الرد العربي في اجتماع جامعة الدول العربية على هذه الممارسات الجنونية؟ هل سيكون موقف جدي داعماً للشرعية الفلسطينية؟ أم أنه داعياً إلى مزيد من التطبيع وترسيخ الانقسام؟
وعلى الجميع أن يتذكر أنه لابد أن يكون هناك ثمناً لهذا الجنون، فمن سيملك أن يدفع الثمن؟!

كاتب فلسطيني.

Optimized by Optimole