الغزو الإسرائيليّ لغرب أفريقيا

Spread the love

ممدوح مبروك _ باحث سياسي مصري/

انطلاقاً من تعاظُم النفوذ الإيرانيّ والتركيّ في منطقة غرب أفريقيا، تحرص إسرائيل على تعظيم نفوذها في تلك المنطقة التي باتت تمثِّل عمقاً استراتيجيّاً وقوّة استهلاكيّة ضخمة لا يُستهان بها، فضلاً عن حرصها على تحسين الصورة الإسرائيليّة السيّئة وصرف الأنظار عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها ضدّ الشعب الفلسطيني، مُعتمدةً في ذلك على سياسة الدبلوماسيّة الفاعِلة والحضور السياسي والاقتصادي المؤثِّر.

تمتلك القارّة السمراء من المُميّزات ما يجعلها مطمعاً لدولة استعماريّة كإسرائيل؛ فمن ناحية تشكِّل الكتلة الأرضيّة لأفريقيا كتلةً أكبر من أراضي كلٍّ من: الولايات المتّحدة، وشرق أوروبا، والهند، والصين مجتمعةً؛ ومن المتوقَّع أن يتضاعف سكّان أفريقيا البالغ عددهم مليار نسمة حالياًّ، وذلك بحلول العام 2050. ومن ناحية أخرى، تشير التركيبة العمريّة لسكّان أفريقيا إلى أنّ نصفهم هُم دون الخامسة والعشرين من العمر، ما يجعلهم قوّة عمل مهولة ومؤثِّرة اقتصاديّاً إذا أُحسن استثمارهم وعدم تركهم فريسة التنظيمات المتطرّفة.

أوّلاً: دوافع الغزو الإسرائيليّ لغرب أفريقيا

أ. تشويه المُقاومة الفلسطينيّة وربطها بالإرهاب

استغلَّت إسرائيل أزمة ظهور الجماعات الجهاديّة في غرب أفريقيا خلال السنوات الأخيرة مثل: جماعة بوكو حرام، وجماعة أنصار الدّين، وجماعة المُرابطين، وغيرها، لمصلحتها من خلال تشويه المُقاومة الفلسطينيّة، ووصفها بالوجه الآخر لتلك الجماعات، معتمدةً في ذلك على هشاشة وعي النُّخب السياسيّة الأفريقيّة لأبعاد الصراع العربي- الإسرائيلي بفعل تأثير الإعلام الغربي الموجَّه لمصلحة المشروع الإسرائيلي. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ جميع المسؤولين الإسرائيليّين الذين زاروا أفريقيا، لعبوا على هذا الوتر، أبرزهم وزير الخارجيّة الإسرائيلي الأسبق “أفيغدور ليبرمان” – خلال زيارته العاصمة النيجيريّة “أبوجا” في العام 2010- عندما وصف حركات المُقاومة الفلسطينيّة، وبالتحديد حماس بالإرهابيّة، وحمَّلها مسؤوليّة تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط، بهدف الحدّ من التعاطُف مع القضيّة الفلسطينيّة في هذا التكتّل الاقتصادي (نيجيريا) الذي يُمثّل المسلمون فيه تقريباً ربع سكّان القارّة الأفريقيّة.

ب – كسب التأييد الإفريقيّ في المَحافِل الدوليّة

السبب وراء ذلك هو ما حدث في كانون الأوّل (ديسمبر) 2016، حينما صوَّتت السنغال مع كلٍّ من نيوزيلندا، وماليزيا، وفنزويلا، على مشروع قرار في مجلس الأمن ضدّ “الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة”، وتمّ التصديق عليه، وترتَّب عن ذلك آنذاك سحب السفير الإسرائيلي في السنغال، وإلغاء زيارة وزير الخارجيّة السنغالي لإسرائيل التي كان من المقرَّر القيام بها في كانون الثاني (يناير) 2017، فضلاً عن إلغاء كلّ بَرامج المُساعدة للسنغال.

بعد تلك الواقعة، أَدركت إسرائيل أنّ التعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة لا يزال قائماً في مواقف الحكومات والأنظمة الرسميّة في أفريقيا، وأيقنت أنّ الغياب الإسرائيلي عن مجريات الحدث الدبلوماسي والسياسي بهذه المنطقة قد يصبّ في مصلحة القضيّة الفلسطينيّة.

ج – تعظيم التبادُل التجاريّ مع منطقة غرب أفريقيا

اقتصر الاهتمام الإسرائيلي بمنطقة غرب أفريقيا على عددٍ محدود من الدول؛ ووفقاً لتقرير صادر عن معهد الصادرات الإسرائيليّة في العام 2015 ، كشف أنّ حجم صادرات إسرائيل نحو أفريقيا يبلغ 1.6% فقط، في حين تصل الواردات من أفريقيا إلى 0.5%، ما يعني أنّ استفادة إسرائيل من هذه السوق التي يبلغ حجْم مستهلكيها 340 مليون نسمة، وتمتلك مقدّرات اقتصاديّة هائلة ومتنوّعة مثل مَناجم الذهب، والنفط، والأراضي الزراعيّة، واليورانيوم، والقطن، والكاكاو، والذهب، والثروة الحيوانيّة، لا تزال ضعيفة.

ثانياً: الاقتصاد: إحدى أدوات الغزو الإسرائيليّ لغرب أفريقيا

تعتمد إسرائيل سياسةَ انفتاحٍ جديدة على منطقة غرب أفريقيا، وقد حَصرت أدوات اختراقها في جوانب التعاون الأمني، والعسكري، والاقتصادي، مركِّزةً على الاقتصاد بوجهٍ خاصّ بالنسبة إلى الدول التي يصعب فيها تحقيق اختراقٍ على مستوى الشعوب، والتي تكون في الغالب دولاً ذات أغلبيّة مُسلمة؛ فعلى سبيل المثال، نجد أنّ التعاوُن الإسرائيلي السنغالي يَعتمد بشكلٍ أساس على ملفّ الزراعة الذي يُعتبر أحد أهمّ أركان الاقتصاد السنغالي، بهدف اختراق الوسط الريفي في بلدٍ يعتنق أكثر من 95% من سكّانه الدّين الإسلامي، ويُعتبر الوسط الريفي فيه أكثر مُحافظةً من سكّان المناطق الحضريّة. كما أنّ نسبة 70% من سكّانه يعتمدون على الأنشطة المرتبطة بالقطاعَين الزراعي والرعوي.

الإكواس: التكتّل الاقتصاديّ لدول غرب أفريقيا

تأسَّست المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا المعروفة بـ “الإكواس” في شهر أيّار (مايو) من العام 1975، وذلك بموجب اتفاقيّة لاغوس التي وقَّعتها 15 دولة من دول المنطقة.

تشتمل الأهداف، التي نصَّت عليها معاهدة الإنشاء، على خلق التعاوُن بين الدول الأعضاء وتشجيعه في جميع المجالات الخدميّة والإنتاجيّة، وبخاصّة في مجالات الصناعة، والزراعة، والطّاقة، والنقل والمواصلات، والمُبادلات التجاريّة؛ وذلك من أجل رفْع المستوى المعيشي والتنموي لشعوب القارّة الأفريقيّة.

على الرّغم من أنّ منظّمة “الإكواس” هي ذات طبيعة اقتصاديّة أساساً، إلّا أنّ رؤساء الدول الأعضاء أدركوا ضرورة أن يكون للقضايا السياسيّة والأمنيّة وجودٌ في اختصاصات هده المنظّمة، واتّفقوا على وضع ميثاق للدفاع المُشترَك بين بلدانهم في القمّة الرابعة للمنظّمة في العاصمة السنغاليّة داكار في العام 1979؛ وهو الميثاق الذي دخلَ حيّز التنفيذ في العام التالي مباشرةً، ليكون أوّل خطوة تُتَّخذ من نَوعها في إطار الأمن الجماعي الأفريقي للتجمّعات الإقليميّة في القارّة.

تضمّ المنظّمة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا في عضويّتها الآن، أربع عشرة دولة وهي: ساحل العاج، بنين، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، توجو، غينيا بيساو، النّيجر، نيجيريا، ليبيريا، سيراليون، زامبيا، غانا، جزر الرأس الأخضر.

ثالثاً: الاختراق النّاعم لدُول غرب أفريقيا

عُقدت القمّة قبل الأخيرة رقم 51 لـ”الإكواس” في حزيران (يونيو)2017 في العاصمة اللّيبيريّة “مونروفيا”، وشاركَ فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” إثر دعوة تلقّاها للمُشارَكة، وذلك بهدف توقيع اتّفاقيّات اقتصاديّة عدّة تتعلّق بالزراعة، والمَوارد المائيّة، والتجارة، والتعليم، والصحّة، والأمن، والطّاقة، وغيرها؛ وعلى حدّ قول رئيس الوزراء الإسرائيلي “هذه هي أوّل مرّة يتمّ فيها توجيه دعوة إلى زعيم دولة خارج القارّة الأفريقيّة”.

كما أعلَن نتنياهو أنّ إسرائيل تعود إلى أفريقيا بشكلٍ كبير، وأنّه يسعى من خلال هذه الزيارة إلى حشد مزيدٍ من دعْم أغلبيّة الدول الأفريقيّة في الأُمم المتّحدة والمؤسّسات الدوليّة للتصويت لمصلحة الكيان الإسرائيلي.

استغلّ “نتنياهو” هذه الزيارة بإنهاء الأزمة التي نشبت بين إسرائيل والسنغال في كانون الأوّل (ديسمبر) 2016 على خلفيّة دعْم السنغال للتصويت الذي جرى في مجلس الأمن ضدّ المستوطنات الإسرائيليّة، وتمثَّل حلّ الأزمة في إعادة السفير الإسرائيلي إلى العاصمة السنغاليّة “داكار”. كما التزمت السنغال بدعْم ترشيح إسرائيل لتكون دولة مُراقِبة في منظّمة الوحدة الأفريقيّة. هذا فضلاً عن الاتّفاق على تجديد المشروعات المُشترَكة التي تمّ تعليقها في أعقاب الأزمة، والتعاون الأمني والزراعي بين البلدَين، كما دعا نتنياهو وزيرَ الخارجيّة السنغالي لزيارة إسرائيل.

ومن المُفارقات التي خدمت إسرائيل آنذاك، امتناع المغرب عن المُشارَكة في القمّة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا، وذلك على خلفيّة مُشارَكة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، على الرّغم من أنّه كان من المُفترض أن تُناقِش القمّة قضايا واتفاقيّات عدّة، من بينها مسألة طلب المغرب الانضمام إلى الإكواس كعضو كامل العضويّة الذي تقدّم به الملك محمّد السادس في شباط (فبراير)2017. وأشارت وزارة الخارجيّة المغربيّة في بيانٍ لها آنذاك إلى أنّ ” الملك محمّد السادس يأمل ألّا يأتي حضوره الأوّل في قمّة المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا في سياقٍ من التوتّر والجدل، ويحرص على تفادي كلّ خلط أو لبس”؛ هذا فضلاً عن قرار بعض الدول الأفريقيّة تقليص مستوى تمثيلها في هذه القمّة إلى الحدّ الأدنى، لعدم موافقتها على الدعوة الموجَّهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي.

فشل أوّل قمّة إسرائيليّة أفريقيّة

لم تكتفِ إسرائيل بذلك فحسب، بل دعا “نتنياهو” إلى تنظيم أوّل قمّة إسرائيليّة – أفريقيّة في تشرين الأوّل (أكتوبر)2017 في توغو، التي آلت إليها الرئاسة الدوريّة لمنظّمة “الإكواس” أثناء القمّة قبل الأخيرة للمنظّمة التي عُقدت في ليبيريا، وذلك على غرار القِمم الأخرى كالقمّة الفرنسيّة – الأفريقيّة والقمّة الهنديّة – الأفريقيّة، والقمّة الصينيّة – الأفريقيّة، والقمّة التركيّة – الأفريقيّة التي تسعى من خلالها هذه القوى إلى إحراز نفوذٍ اقتصادي في أفريقيا، الأمر الذي جعل بعض الصحف تصف هذه القمّة بخروج العلاقات الإسرائيليّة الأفريقيّة من السرّ إلى العَلن.

نتيجة لردود الأفعال المتباينة بعد الإعلان عن انعقاد تلك القمّة، تمّ إلغاؤها بناءً على طلب رئيس توغو “فور غناسينغبي”، مع العلم أنّه كان مقرّراً أن يرافق نتنياهو إلى قمّة توغو 70 من رجال الأعمال وممثّلي الشركات الإسرائيليّة الكبرى؛ وفي هذا الصدد قال وقتها “إفرايم نجيسو”؛ رئيس رابطة الأعمال الأفريقيّة الإسرائيليّة في الكنيست الإسرائيلي ” إنّ إلغاء قمّة توجو يُعدّ خسارة لإسرائيل التي كانت تأمل من خلالها تدشين شراكة استراتيجيّة مع الأفارقة تقوم على الدبلوماسيّة ومشروعات الأعمال، كما كان مقرَّراً أن تُشارِك في هذه القمّة شخصيّات مؤثِّرة من مجلس الصداقة الإسرائيلي الأميركي “إيباك”، وقياديّون في الرابطة اليهوديّة الأميركيّة التي تُعدّ إحدى جماعات الضغط على السفراء الأفارقة في الأُمم المتّحدة”.

في ضوء ما سبق، يُمكن القول إنّ تحرُّك إسرائيل لتحسين علاقاتها مع الدول الأفريقيّة، يُعَدّ جزءاً من جهود إسرائيل لكسب الشرعيّة والدَّعم والتأييد لمَواقفها وقراراتها في الأُمم المتّحدة، ولاسيّما بعد نجاح الدبلوماسيّة الفلسطينيّة في الأُمم المتّحدة في إجهاض مساعٍ إسرائيليّة للحصول على عضويّة مُنتخَبة في مجلس الأمن الدولي. وأَرجع المُراقبون في تلّ أبيب سبب فشل التحرُّك الإسرائيلي إلى اعتماد الدبلوماسيّة الفلسطينيّة على ورقة التصويت الأفريقيّة، وكشفت مَصادر إخباريّة إسرائيليّة عن أنّ بعض الرُعاة الماليّين للقمّة الإسرائيليّة الأفريقيّة المُلغاة، هُم من الضّالعين في دعْم توريد الأسلحة الإسرائيليّة إلى أفريقيا.