السلطة الفلسطينية و الإنتخابات … و الإستعباط السياسي

Spread the love

بقلم: د. رائد أبو بدوية _ أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية/

بعد أن تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب الموافقة على ذلك، أعلنت إسرائيل موقفها ” باللاموقف ” من مسألة السماح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة بالإنتخابات الفلسطينية إن إجريت في المناطق الفلسطينية المحتلة .
موقفين محل إستغراب وإستعباط سياسي في ذات الوقت؛
فالموقف الفلسطينيي المعلن من عدم إجراء إنتخابات فلسطينية عامة حتى يشارك فيها سكان الفدس الشرقية، يحمل أكثر من سيناريو أحلاهما مرّ؛ فإن كانت الغاية من هذا الأعلان هو التأكيد على فلسطينية القدس إثر المواقف الإسرائيلية و الأمريكية الاخيرة من قضية القدس، تكون هذه الغاية قدسية بقدسية هذه المدينة المقدسة.
ولكن هذا الإشتراط ولأجل هذه الغاية يكون أمراً في غاية التعقيد و السذاجة معاً؛ فممارسة الضغط الفلسطيني على إسرائيل للقبول بإجراء الإنتخابات في القدس الشرقية ينقصه من وسائل الضغط (الإقتصاي و السياسي و العسكري) ما نقصها و ينقصها لأجل وقف ما تمارسه إسراائيل و تفرضه في الأراضي الفلسطينية من حقائق جغرافية و ديمغرافية لغايات الضم، سواءً كان ذلك عبر الإستيطان أو مصادرة الأراضي أو عمليات الضم القانوني التي تمارسها إسرائيل؛ فقد عجزت السلطة الفلسطينية سابقا و ما زالت عاجزة أمام هذه السياسة الإسرائيلية، ليس في الضفة الغربية فقط و إنما -قبل ذلك- في القدس الشرقية أيضا.
أما أن تعول السلطة الفلسطينية على الضغط الأوروبي لكبح جماح إسرائيل لأجل ذات الغاية، تكون السلطة بذلك عاجزة عن قراءة معطيات الواقع الدولي الجديد بعد مجيء ترامب للحكم؛ فأوروبا باتت عاجزة -هي أيضا- حتى عن الدفاع عن مصالحها في العالم و خاصة في الشرق الأوسط أمام السياسة الخارجية الأمريكية الجامحة.
أما الموقف الإسرائيلي من طلب السلطة الذي جاء في توقيت سياسي سيء للغاية ، يشهد فيه النظام السياسي الإسرائيلي حالة من الفوضى و التجاذب بعد دورتين متتاليتين من الإنتخابات العامة في ذات العام ، أنتجت عجزا يمينياً و ليبرالياً من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. فمن حيث المبدأ تتناغم مشاركة سكان القدس الفلسطينيين في الإنتخابات الفلسطينية العامة مع المخطط الإسرائيلي اليميني الذي يحكم إسرائيل منذ 2002؛ حيث تنسجم هذه المشاركة بالرغبة الإسرائيلية لإستبعاد السكان الفلسطينيين -أينما وجدوا- من التمثيل السياسي في مؤسسات الحكم الإسرائيلية المختلفة، وهذا ما يتفق مع الرؤية الإسرائيلية في الرغبة بضم المناطق الفلسطينية دون سكانها. خاصة و أنه قد سبق لإسرائيل الموافقة على مشاركة سكان القدس الشرقية في الإنتخابات الفلسطينية السابقة عبر مكاتب البريد الإسرائيلي المنتشرة بالقدس الشرقية. لكن توقيت هذا الطلب الفلسطيني جاء في وقت لا يستطيع فيه اليمين الإسرائيلي الحاكم المؤقت المجازفة بأصوات اليمين المتشدد – في الإنتخابات الإسرائيلية الوشيكة- و الذي يطالب بحل السلطة الفلسطينية و إنهاء وجودها، إضافة لما تفتقده الحكومة الإسرائيلية اليوم من شرعية برلمانية لمثل هذا القرار.
من المؤسف القول أن السلطة الفلسطينية بموقفها هذا تكون قد منحت الجانب الإسرائيلي فرصة ذهبية لإستغلال الطلب الفلسطيني هذا والمساومة السياسية عليه لأجل فرض المزيد من الخضوع السياسي و الإقتصادي على السلطة الفلسطينية. فلا السلطة الفلسطينية ستكون قادرة على فرض إلزام إسرائيل بالموافقة ولا إسرائيل ستقدم للفلسطينيين موافقتها دون ثمن . لقد كان الأجدر بنا أن نبحث عن الحلول الوطنية الخالصة لأجل تمكين أهل القدس المشاركة دون الإرتهان بإرادة الإحتلال .
غريب حالنا و أمرنا؛ فقد كان الإحتلال قديماً يسلب قرارناً الوطني بقوته الإحتلالية الباغية، وكنا ننتزع منه ما إستطعنا من مظاهر إستقلالنا الوطني، و نفرض عليه بإرادتنا العصية متطلبات هذا الإستقلال، أما اليوم، فإننا نربط أنفسنا بموافقتة لممارسة أهم مظهر من مظاهر حريتنا و إستقلالنا وهو الصوت الشعبي.

Optimized by Optimole