الحرب على سوريا والتحولات الكبرى

Spread the love

بقلم: عبدالله أحمد * — مرت الأزمة السورية خلال السنوات الماضية بتحولات دراماتيكية على كل المستويات، حيث راهن الغرب والدول الوكيلة في المنطقة على إسقاط الدولة السورية وتغيير موقع سوريا الجيوسياسي من موقع الى موقع آخر موالٍ للغرب.
الحرب لم تكن تستهدف سوريا فقط، وإنما استهدفتت المنطقة ومسارات النفوذ الجيوسياسي في العالم عبر الشرق وصولاً الى الهيمنة على أوراسيا، تحقيقاً للعقيدة الجيوسياسية التي رسمها الى حدا ما مستشار الأمن القومي الأميركي السابق يفغيني بريجينسكي.
لم تخفِ الولايات المتحدة الأهداف والمبادئ الاستراتيجية للهيمنة على العالم، وأدركت أن الخطر الأساسي على استمرار هذه الهيمنة هو من الصين وروسيا.
شهدت سوريا حرباً مركبة تميزت في المرحلة الأولى بمحاولات كسر الولاء للدولة السورية، من خلال الحملات الدعائية والتضليل الإعلامي من قبل إمبراطوريات الإعلام الغربي والعربي الموالي لها، ومن خلال المشاريع الغربية الهدامة “مشروع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة”، والتي تمت إدارتها أميركياً حيث كانت وزارة الخارجية الأميركية تشرف على هذه المشاريع من خلال مؤسسات مختلفة منها المعهد الاجتماعي المفتوح “open society institute ” وغيرها من المؤسسات المرتبطة بالإدارة الأميركية.
أما المراحل الأخرى فهي معروفة حيث تم استثمار الإرهاب التكفيري من تنظيمي داعش وجبهة النصرة و”الأخوان المسلمين” لإسقاط الدولة السورية بعد فشل المرحلة الأولى، أي مرحلة استخدام القوة الناعمة.
لقد استطاع الجيش والقيادة السوريان الصمود في تلك السنوات الصعبة ولم يستطع الغرب تمرير المشاريع الغربية حيث فشلت مشاريع الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة، بعد أن حرر الجيش السوري مناطق باب عمر والقصير في حمص وسقط مشروع الأخوان المسلمين في المنطقة بفضل هذا الصمود.
التحولايات الأهم بدأت مع تحرير مدينة حلب وصولاً الى الإنجازات الكبيرة في الصحراء السورية وتحرير مناطق واسعة من الحدود الأردنية العراقية. أما تحرير السخنة ودير الزور الاستراتيجية فهي مسألة وقت، بما يعنيه ذلك من إفشال المخطط الأميركي بعزل سوريا عن العراق وايران وقطع الطريق أمام طريق الحرير القديم من الصين الى المتوسط وأوروبا وأفريقيا.
لم تكن سوريا وحيدة في مواجهة المشروع الأميركي في المنطقة، فقد كان الدور الروسي والإيراني مهماً من خلال التدخل على الأرض بطلب من الدولة السورية لمحاربة الإرهاب الذي استخدم لتحقيق غايات سياسية، إضافة الى الدور الأساسي والمهم التي لعبته الصين في مواجهة هذه المشاريع ومحاربة الإرهاب.
لم تنسَ الصين العلاقات التاريخية المميزة وطريق الحرير القديم، والصداقة والشراكة الحقيقة خلال العقود السابقة مع سوريا، فكان الدعم المميز لسوريا سياسياً واقتصادياً، وكان لاستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي مع روسيا أثر مهم في تعزير صمود الددولة السورية، إضافة الى ما قدمته الصين في مجال مكافحة الإرهاب على المستوى اللوجستي أيضاً، إضافة الى جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من المحاولات الأميركية الحالية لتغيير ديناميكات الصراع وقلب الموازين، إلا أن اللعبة في سوريا قد انتهت، فقد أفقد السوريون وحلفاؤهم الأميركيين القدرة على التخطيط المتوسط او البعيد المدى في سوريا، ولا بد من تسوية إقليمية، فورقة الإرهاب تتهاوى، والأزمات التي تفتعلها الإدارة الأميركية في أكثر من منطقة، من الخليج العربي التي تقوم بابتزازه دوله مالياً، وإحداث اضطراب في سوق النفط والغاز للتأثير على الصين وإيران في الدرجة الأولى والتحضير لمراحل الصراع المقبلة.
ليس من المتوقع أن تنتهي الأزمات فالمنطقة والعالم في حالة صراع جيوسياسي كبير، وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي وإيران ليست بعيدة عن التصعيد الأميركي وقد يحتاج العالم الى سنوات عدة من أجل استقرار المنطقة والعالم ورسم خطوط النفوذ الجيوسياسي.
سوريا تنتصر مع حلفائها وقد يتبور عالم متعدد الأقطاب ينهي أحادية القطب الأميركي، والمؤشرات كثيرة على الأرض من تقدم للجيش السوري وحلفائه وصولاً الى الحدود العراقية، وتقهقر الإرهاب وروسيا، كلها ترسم خطوط التسوية مع الولايات المتحدة، فيما تقدم الصين ملياري دولار من أجل مشروع المجمع الصناعي لإعادة الإعمار بما في ذلك من مساهمة فعلية في استقرار المنطقة وخلق فرض عمل جديدة.
ويبقى الدور الأهم للشعب السوري الداعم لقيادته وجيشه في مواجهة المشاريع الأميركية بما فيها من استخدام للإرهاب والتطرف. إنه زمن التحولات الكبرى، إنها حتمية التاريخ أن يهزم الإرهاب وتفتح بوابة العبور الى العالم الجديد … من دمشق الى الصين عبر طهران وموسكو.

*كاتب وباحث سوري.