التنافس والسيطرة على البحر الأحمر .. الثروات النفط والممرات

Spread the love

بقلم: كمال مساعد* |

تكمن الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر من موقعه الجغرافي الذي وفر للقوى الإقليمية والدولية إمكانية الوصول إلى المحيطين الهندي والأطلسي وعظمة هذه الأهمية بعد اكتشاف النفط في دول الخليج العربي مما جعله من أهم البحار في العالم، حيث يتميز بموقع جغرافي واستراتيجي مهم، لأنه ملتقى ثلاث قارات العالم القديم، وهو وحلقة وصل بين ثلاث مناطق إقليمية هي: الشرق الأوسط والقرن الأفريقي والمحيط الهندي أضافة الى منطقة الخليج. وتطل عليه ثماني دول منها ست دول عربية هي: المملكة العربية السعودية ومصر والسودان والأردن واليمن وجيبوتي ودولتان غير عربيتان هما إسرائيل وإريتريا. وتقع أربع دول منها في قارة أفريقيا وهي مصر والسودان وجيبوتي وإريتريا، والأربع الأخرى في آسيا هي السعودية والأردن واليمن وإسرائيل.
أهمية البحر الاحمر
البحر الأحمر يشكل نظاماً فرعياً من إقليم الشرق الأوسط المضطرب والمثير للجدل الذي يوصف بأنه عالم بلا نهاية وتارةً بأنه نهاية العالم، ويقع في قلب قوس عدم الاستقرار، كما حدده البروفيسير برجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، وهو القوس الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي. كما يقع ضمن الإطار الجيويولتيكي لمنطقة الخليج الاستراتيجية، للبحر الأحمر أهمية إستراتيجية للأمن القومى العربى في ثلاث دوائر الأمن العربي والأفريقي والأمن العالمى مركزها القرن الأفريقي. فهو يعتبر قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة ومن هنا تزيد أهميته الإستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الأمنية، وهو الطريق الرئيسي الذى يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر وأيضاً نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأميركية عبره.
كما أن البحر الأحمر يشكل محوراً مهماً لأي عمل عسكرى محتمل يهدد المصالح الأميركية في المنطقة وما حولها، وكذلك ضمان أمن إسرائيل التي تتعهد به الولايات المتحدة الأميركية، لمنع سيطرة قوى معادية علىيه وخاصة مضائقه المهمة.
لذا تدور في البحر الأحمر مجموعة متداخلة من النزاعات السياسية ذات الطابع الدولي أو الإستراتيجي أو الإقليمي أو الحدودي أو الثقافي أو الإجتماعي أو العرقي أو العنصري. وتساعد الجغرافيا السياسية والاقتصادية ومقاصد الدول الكبرى على فهم أعمق لطبيعة النزاعات في البحر الأحمر، وأن هذه النزاعات هي اثني عشر نزاعاً تدور في الوقت الراهن في البحر الأحمر وفي المناطق المتاخمة له. ويمكن تقسيم هذه النزاعات إلى فئتين: النزاعات المباشرة والنزاعات غير المباشرة. وتضم الفئة الأولى مجموعة من النزاعات الدائرة بين طرفين من الدول المطلة على البحر الأحمر وتشمل الصراع العربي الإسرائيلي، وتوتر العلاقات المصرية السودانية، والتوتر السوداني الإثيوبي، ومشكلة جنوب السودان والصراع على السلطة بعد الإنقلاب على نظام الرئيس عمر البشير، واحتلال إريتريا جزيرة حنيش اليمنية، والوجود الفرنسي في جيبوتي وعدّة دول أفريقية، ونزاع أوجادين بين إثيوبيا والصومال.
أما النزاعات غير المباشرة فهي التي تقع بين طرفين أحدهما أو كلاهما ليسا من الدول المطلة على البحر الأحمر وهذه النزاعات هي: حرب الخليج، والعلاقات السودانية الكينية، والعلاقات الحدودية السودانية الليبية، والسودانية التشادية، والصومالية الكينية، حيث كان البحر الأحمر ومضائقه وخلجانه وجزره جزءاً من الحروب والصراعات الدولية .
في مقدمة الدول الكبرى الأكثر نفوذاً في البحر الأحمر تأتي الولايات المتحدة الأميركية حيث يمثل هذا البحر أهمية خاصة للولايات التحدة الأميركية، ورغبتها في السيطرة عليه لأهميته الاستراتيجية وارتباطه المباشر بمنطقة الخليج العربي ولضمان استمرار تأمين الخطوط الملاحية التي يمر بها النفط عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ولإستمرار دورها الفاعل في منطقة الشرق الأوسط مع إعادة ترتيب المنطقة، طبقاً لمصالحها الاستراتيجية.
تأسيس مجلس دول البحر الاحمر
وفي تقرير نشره مركز “سيتا” للدراسات الإستراتيجية، بعنوان “مجلس دول البحر الأحمر وخليج عدن: تعزيز للأمن المائي الإستراتيجي”، ( تحدث عن تأسيس مجلس يضم دول البحر الأحمر وبعض الدول الأفريقية في إطار التوجه إلى التكامل بين هذه الدول عبر خلق آلية تمكنها من مواجهة التحديات التي تواجهها في البحر الأحمر إلى جانب تعزيز آفاق تعاون دول المنطقة أمنياً وتجارياً واستثمارياً. وتجنب الاخطار المحدقة والأكثر أهمية، وأبرزها سد النهضة ومصير مياه نهر النيل بين مصر وأثيوبيا، التواجد الإسرائيلي العميق بقوة في تلك المنطقة).
لذا يأتي التسابق الدولي وإعادة التموضع بين أقطاب القوى الدولية في البحر الأحمر، موضع تساؤل، ويتضح مدى خطورة هذه المنطقة مستقبلاً في حال نشوب أي نزاع عسكري بين دول الإقليم (آسيا وأفريقيا) او كما نشاهد اليوم في الحرب على اليمن، بحيث إذا نظرنا إلى خريطة التحالفات الدولية في المنطقة، يتضح أن هناك نوعاً من الخطوة “الاستباقية” لكافة الدول التي لها موطئ قدم في الشرق الأوسط (الولايات المتحدة الأمريكية- روسيا- إسرائيل- فرنسا وبعض دول الاتحاد الأوروبي- الصين- تركيا- الإمارات العربية المتحدة التي تخوض حرباً مع السعودية على اليمن)، نجد أن منها الراغب ومنها المتواجد بالفعل على شريط البحر الأحمر (الآسيوي والافريقي) معاً وخاصة الساحل الغربي منه، وهذا يوضح مدى تكتل هذه بالمخاطر في المنطقة، بل إن هذا التواجد الكثيف لبعض دول العالم في منطقة البحر الأحمر يمكن أن يشكل تهديد للأمن القومي العربي في المستقبل بطريقة أو بأخرى.
أما منطقة القرن الأفريقي فهي تطل على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، ويمكن لمن يسيطر عليها أن يتحكم في مضيق باب المندب، الذي يعد واحدا من أهم الممرات المائية في العالم، تجاريا وعسكريا، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، التي أشارت إلى أن الدول الكبرى، تنفق ملايين الدولارات، لحماية ممرات التجارة العالمية.
وتحرص بعض الدول الكبرى على تواجد عسكرية دائم في المنطقة منذ عقود، وتسعى دول أخرى لإقامة قواعد عسكرية جديدة، خاصة في جيبوتي، التي تستضيف أكثر من 9 قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، ، وفي إريتريا، التي يوجد بها قاعدة عسكرية إسرائيلية.
وتسعى الدول، التي تمتلك قوات بحرية في المنطقة، إلى إنشاء حاميات عسكرية، تعمل كمراكز دعم لوجيستي، ونقطة انطلاق لعملياتها الحربية في المنطقة، ضمن عمليات مكافحة الإرهاب والتصدي لعمليات القرصنة.
ويعتبر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن القرن الأفريقي، يتم تعريفه على أنه المنطقة، التي تضم إريتريا، وجيبوتي، والصومال، وإثيوبيا، لكن من الناحية العسكرية، فإن القرن الأفريقي، (يشير إلى فضاء عسكري أمني بإمتياز)، يضم إضافة إلى الدول الأربع، كل من كينيا، وسيشيل، ودولة جنوب السودان، وجمهورية السودان ، وتشمل حسابات القوى العسكرية الأجنبية بتلك المنطقة، الوجود العسكري البحري في خليج عدن، وجنوب البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، كما يضع المخططين العسكريين، القوات الأجنبية، الموجودة في مناطق قريبة من القرن الأفريقي، وتتعاون مع القواعد الموجودة بالمنطقة، ضمن حسابات القوى الخاصة بالقرن الأفريقي، خاصة القوات الموجودة في الساحل الأفريقي والخليج والمحيط الهندي.
لكن وما جرى في الولايات المتحدة، إيقظ أنظار العالم نحو بناء استراتيجية عسكرية جديدة لمحاربة الإرهاب، عرفت بالحرب الوقائية الاميركية ، وكانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، نقطة تحول في توجه أنظار الدول الكبرى نحو منطقة القرن الأفريقي والبحر الاحمر.
قيادة عسكرية إفريقية (أفريكوم)
في 6 شباط 2007، أعلن وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس، أمام لجنة التسلّح في مجلس الشيوخ، أنّ الرئيس جورج بوش اعتمد قراراً بإنشاء قيادة عسكرية أميركية جديدة للقارّة الأفريقية بدلاً من الوضع الراهن الذي يقسّم القارة إلى ثلاث قيادات عسكرية، وهي القيادة التي عُرفت باسم «أفريكوم» AFRICOM كاختصار لعبارة Africa Command.
ومن أجل فهم أهداف القيادة الجديدة، لا بدّ من إدراك الأهمية الاستراتيجية للبحر الاحمر والقرن الأفريقي بالنسبة إلى واشنطن.
إن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر على الدوام هي محطّ أنظار الدول الاستعمارية الكبرى، نظراً لما تتمتّع به من أهمية جغرافية واستراتيجية؛ ونظراً لأنّ دوله تطلّ على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكّم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب. ومن ثم، فإنّ دوله تتحكّم في طريق التجارة العالمي، وخاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة. كما أنها تُعدّ ممرّاً مهمّاً لأيّ تحرّكات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي.
ولا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، بل تتعدّاها للموارد الطبيعية، وخاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في معظم الدول الأفريقيّة.
ولكي يمكن فهم أسباب ودوافع إنشاء قيادة إفريقيا الجديدة والأهداف الاستراتيجية الأميركية المراد تحقيقها ينبغي استعراض الخطوط العامة لأهداف القيادات العسكرية الموحدة الثلاث الموجودة حالياً، والتي تغطي تقريباً كل سطح الكرة الأرضية بالإضافة لقيادتين آخريين (قيادة شمال أميركا) و(قيادة جنوب أميركا).
انطلاقاً من تلك الاستراتيجية: شكّلت الولايات المتحدة عدداً من القيادات، نتناول منها القيادات العسكرية الموحدة التي كانت مسؤولة عن إفريقيا وهي: 1- قيادة أوروبا. 2- قيادة الباسيفيك. 3- القيادة الوسطى (المركزيّة) في قطر حالياً، ويمكن التأكيد، إنه لا توجد أي خطوط مواصلات جويّة أو بحريّة استراتيجية في العالم لا تقع تحت سيطرة تلك القيادات المدعومة بأعداد ضخمة من قوات البحرية الاميركية، بكفاءة نوعية متقدّمة، بالاضافة إلى الدعم المباشر المراقبة بنظم الأقمار الاصطناعيّة. ويمكن استعراض الحدود الجغرافية لتلك القيادات ومسؤوليّاتها، لاستنباط دور قيادة إفريقيا الجديدة وتكاملها مع تلك المنظومة العسكريّة الهائلة.
القيادة الوسطى المركزيّة: وتقع حدود قطاع المسؤوليّة الجغرافيّة لتلك القيادة في المسطح الجغرافي الممتد بين كلّ من القيادتين السابقتين، بحيث يمكنها تحقيق الاتصال الجغرافي بينهما. وقد تبلورت فكرة إنشائها في عهد الرئيس الأميركي (ريغان) بإنشاء قوات الانتشار السريع لتأمين وحماية منابع البترول في الخليج، ثم تطوّرت بعد ذلك إلى تكوينها كقيادة موحدة، وقد ظهر دورها واضحاً في حرب تحرير الكويت عام 1991 وتمتدّ الحدود الجغرافيّة لتلك القيادة من شرق إفريقيا وحتى الحدود الغربية للصين، وتشمل هذه المنطقة دولاً في إفريقيا هي: مصر، السودان، إثيوبيا، أريتريا، الصومال، جيبوتي، ليبيا. كما تشمل الدول العربيّة في آسيا: لبنان، سوريّة، الأردن، العراق، السعوديّة، اليمن، الكويت، الإمارات، عُمان، قطر بالإضافة إلى عدد من الدول الآسيويّة: باكستان، أفغانستان، إيران، كازاخستان، أوزبكستان، طاجكستان، تركمانستان، قيرغيزستان، أندونيسيا، ماليزيا، سنغافورة. وقد أخذت هذه القيادة على عاتقها احتلال العراق بادعاء وجود أسلحة الدمار الشامل فيه، بينما كان الهدف سرقة النفط العراقي والضغط على إيران.
ولكلّ هذه الأسباب، ظهرت ضرورة لإنشاء القيادة الإفريقيّة الجديدة، وتعديل النطاق الجغرافي للقيادة المركزيّة لينتهي عند السواحل الشرقيّة للبحر الأحمر. وستقع كل الدول الإفريقيّة في نطاق القيادة الجديدة عدا مصر، باعتبارها دولة محوريّة في الشرق الأوسط ومنخرطة في الصراعات الموجودة في المنطقة أكثر من انتماءاتها الإفريقيّة، بحسب وجهة النظر الأميركيّة، ويعكس إنشاء هذه القيادة الجديدة إعطاء القارّة الإفريقيّة الأسبقيّة الأولى في المصالح الأميركية، ورغبة الولايات المتحدة في تحجيم أي دور مستقبلي لأي دولة مستقلّة أو تكتّل إقليمي في القارة الإفريقيّة. كما يعكس الرغبة الأميركية في الانفراد التام بالترتيبات الأمنية وبالتالي السياسيّة والاقتصاديّة والسيطرة على النفط الإفريقي الواعد.
الهدف من إنشاء قيادة جديدة
وبالإجمال، يمكن حصر أهداف إنشاء القيادة الجديدة في أفريقيا بالأسباب الآتية:
ـ تأمين إمدادات النفط من الدول الأفريقية، حيث إنّ خليج غينيا وحده مصدر 15 في المئة من إمدادات البترول الخام الأميركية.
ـ مكافحة «الإرهاب» في القرن الأفريقي والبحر الاحمر.
ـ دعم القيادتين الوسطى (سنتكوم) والأوروبية (يوكوم)، والتخفيف من مهامهما.
ـ محطّة انتقال سريع إلى الخليج. ـ منافسة الصين، اللاعب القوي في أفريقيا.
بناءً على ما تقدّم، يمكننا تفسير الإعلان الأميركي عن تأسيس قوة عسكرية جديدة خاصة بالقارة الأفريقية، أما عن الأدوار الموكَلَة إلى القيادة الجديدة، علقت صحيفة «يونغا فيلت» الألمانية، إنّ «أفريكوم هي سادس قوة أميركية للتدخّل الإقليمي السريع في العالم، وجاء تأسيسها تنفيذاً لخطة وضعها المعهد الإسرائيلي ـــــ الأميركي للدراسات السياسية والاستراتيجيات المتقدمة التابع للمحافظين الجدد».
وأوضحت الصحيفة الألمانية أن الأهداف الحقيقية لتشكيل «أفريكوم» وأجراء مناورات عسكرية دورية في المنطقة ، هي لتأمين واردات النفط الأميركية القادمة من نيجيريا، والسيطرة على منابع النفط في القارة القريقية عامة ، وفي منطقة خليج غينيا الممتدة من ليبيريا إلى أنغولا. وأرجع الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة إلى اكتشاف النفط هناك أخيراً بكميات هائلة لم يسبق اكتشافها في أي مكان آخر في العالم.
المناورات أي إم إكس 2022
كشف قائد الأسطول الأميركي الخامس الأميرال براد كووبر أن مستوى أن المناورات العسكرية التي تجري حالياً في البحر الاحمر، “تبرهن عن التصميم المشترك على الحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد ( نظام الهينمة الاميركية)، فضلا عن تعزيز قدرات المشاركين والتشغيل المشترك للانظمة والروابط البحرية، ويعتبر تأمين المنطقة ، التي تمر عبر مياهها قرابة نصف الإمدادات النفطية للعالم، أحد مهام الأسطول الأميركي الخامس، وسط توترات تشهدها المنطقة بسبب الخلاف بين الغرب وإيران بشأن برنامجها النووي، وبسبب ما يجري من حرب منذ سبعة سنوات على اليمن واستهداف جماعة أنصار الله والرد على السعودية والإمارات .
ان هذه المناورات واهدافها، من وجهة نظر القيادة الوسطى الامريكية، وطبيعة الدول المشاركة فيها وجغرافيا المناورات، تكشف اشياء اخرى، لم يتضمنها بيان القيادة المركزية الامريكية للمناورات، حيث يشارك فيها دولا لا تقيم علاقات دبلوماسية مع بعضها البعض مثال إسرائيل ، وتشارك في هذه المناورت، الى جانب الدول العربية التي تقيم علاقات فيما بينها، وهي مصر والأردن، والإمارات والبحرين، بالاضافة الى دول عربية واسلامية لم تُطبع “رسميا” بعد مع اسرائيل، مثل بنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي وعُمان وباكستان والسعودية والصومال واليمن.
المعروف ان الدول التي تشارك في مناورات عسكرية ضخمة، يجب ان يكون بينها تنسيق سياسي وامني واستخباراتي وعسكري كبير، وإلا كيف يمكن تعزيز “الامن” الذي تعمل الدول المشاركة في المناورات للحصول عليه، رغم أن المناورة ستشمل التدريب على استخدام سفن الصواريخ ووحدة المهام تحت المائية مع الأسطول الأمريكي الخامس في منطقة البحر الأحمر لتعزيز الأمن في المنطقة والشراكة الإقليمية”!.
من هنا تأتي المناورات المعروفة باسم “آي إم إكس- 2022” (IMX 2022) بحريةُ القيادة الوسطى الأميركية، بالشراكة مع مناورات تقودها البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا بالخليج وبحر العرب وخليج عُمان والبحر الأحمر وشمال المحيط الهندي، وفق بيان للبحرية الأميركية، المناورات تتيح للقوات المشاركة فيها اختبار والذكاء الصناعي وتعزيز قدرات القيادة والسيطرة وعمليات الأمن البحري ومكافحة الألغام البحرية، وهذه المناورات هي الكبرى من حيث استخدام الأنظمة البحرية العسكرية والطائرات المسيرة وبمشاركة 80 نظاما مسيرا من 10 دول.
أثار الموقع الجيوسياسي لمنطقة ، البحر الأحمر (الممر الرئيسي لعبور 3.3 مليون برميل نفط يوميًا)، اهتمام الكثير من الدول لتعزيز حضورها في تلك البقعة السحرية ذات الأهمية الإستراتجية الكبيرة، فلم يقتصر التنافس على روسيا وأمريكا فحسب، فهناك العديد من القوى الأخرى كانت حاضرة بقوة في هذا المضمار.
وإذا كان المرور بقناة السويس يمثل واحداً من أهم مصادر الاقتصاد لدول حوض البحر الاحمر، خاصة الإقتصاد المصري، وتحرص مصر على تأمينه، ويرتبط هذا بتحقيق المرور الآمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، ويمثل قاسماً مشتركاً بين أمن التجارة الدولية والأمن القومي العالمي ؛ علماً أن المملكة السعودية تنظر أيضاً إليه باعتباره “ضرورة اقتصادية واستراتيجية”، فرؤيتها الاقتصادية 2030 تستهدف تطوير شبكات الطرق على طول ساحل البحر الأحمر، وتطوير 50 جزيرة صغيرة ضمن المبادرات السياحية وجذب الاستثمارات الأجنبية، كما تقع مدينة “نيوم” خلال الشريط الساحلي السعودي على البحر الأحمر، وهناك مشروع مشترك بين القاهرة والرياض لإقامة جسر فوق البحر الأحمر (مشروع الجسر العربي) لتسهيل المرور المباشر وتحقيق تكامل الأسواق بين البلدين، كما من مصلحة الرياض المباشرة الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحمايته بما يمكنها من الوصول الآمن جنوباً إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وشمالاً إلى البحر المتوسط عن طريق قناة السويس، واستراتيجياً تسعى بتركيزها على البحر الأحمر إلى تفادي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز مع أنتظار التداعيات التي لا بد قادمة من الحرب على اليمن.

*باحث في الشؤون الإستراتيجية.