الانسحاب الأميركي من سورية: الوقائع والدلالات

Spread the love

بقلم توفيق المديني* — في الوقت الذي تزامنت فيه حشود تركيا قواتها لتنفيذ عملية شرق الفرات، جاء إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب مساء الأربعاء 19كانون الثاني/ديسمبر2018، رسمياً انسحاب القوات الأمريكية من سورية، ليشكل إخفاقًا حقيقيًا للإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عامة، وسورية خاصة،حيث حاولت الولايات المتحدة الأمريكية استغلال الحرب الإرهابية الكونية على سورية لتأسيس نمط جديد من توازنات الضعف الإقليمي،تعفيها من التدخل في شؤون المنطقة.ويتمثل جوهر تلك الاستراتيجية في تقسيم سورية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية بين كيانات متناحرة ،يستنزف بعضها بعضًا،ولا يمكن لأي منها الانتصار والهيمنة، بما يخفض أي حجم تهديد للكيان الصهيوني، ويبقي جميع الأطراف الإقليمية تدور في مدار البحث عن رضا الولايات المتحدة ودعمها.
لا شك أنّ هذا الانسحاب الأمريكي الكامل من سورية في أسرع وقت ممكن، يفسح في المجال أمام المحللين في المنطقة العربية طرح التساؤلات الحقيقية حول أسبابه و تداعياته، التي لن تقتصر بطبيعة الحال على الساحة السورية، بل ستمتد إلى الشرق الأوسط وحتى مناطق بعيدة، حيث لأميركا وجود عسكري، من دون الإغفال عن الانعكاسات الداخلية في واشنطن، مقابل استفادة أطراف أخرى، لا سيما روسيا وإيران .كما يطرح هذا الانسحاب الأميركي تساؤلات حول تداعياته على منطقة شرق الفرات وحتى الحدود العراقية الخاضعة للحماية الأميركية ، وبطبيعة الحال على القوى المحلية المختلفة المتصارعة على هذه المنطقة، وهي الدولة الوطنية السورية ، والأكراد من «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) ، وقوى المعارضة المسلحة سواء المدعومة من تركيا أم القوى العشائرية المحلية وأصحاب الأرض في تلك المنطقة.فما هي الأسباب الحقيقية لهذا الانسحاب؟
أولاً: انتصار الجيش العربي السوري في الميدان
رغم إنّ الولايات المتحدة الأميركية تنشر أكثر من ألفي جندي في شرق سورية حيث يساندون تحالفاً عربياً – كردياً لدحر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي ، من دون التورط في شكل مباشر في الصراع ،فإنّ الإنتصارات الحقيقية التي حققها الجيش العربي السوري في الميدان هي من أرغمت واشنطن وكل القوات المحتلة على الانسحاب من سورية وتغير المعادلات ورسم خارطة الشرق الاوسط الجديد.‏فقد حاصر تواجد الجيش العربي السوري كامل الشريط الحدودي الممتد من البوكمال إلى قاعدة التنف،وبدأ يقض مضاجع الأميركان وحلفائهم، حيث من المتوقع في المستقبل القريب أن يصعد وتيرة المعركة بمجموع مناطق الشرق السوري بعد إطباق الجيش العربي السوري الحصار على القاعدة الأميركية في منطقة التنف قرب الحدود السورية –العراقية،و بعد سيطرته على كامل الشريط الحدودي الممتد من البوكمال إلى التنف، وعزله وتطويقه كامل المنطقة التي يتواجد فيها المحتل الأميركي في جنوب شرق سورية وتحديدا التنف ومحيطها، وصولا إلى قطع الطريق على مخططات الإمبريالية الأميركية الاستعمارية الجديدة التوسعية شرق وجنوب شرق سورية، التي تستخدم بعبع تنظيم«داعش» الإرهابي .ومن الواضح أنّ هذه المعركة ‏ التي يستعد لها الجيش العربي السوري في عمق مناطق شرق وجنوب شرق سورية ،أصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا للتواجدالعسكري الأمريكي في عموم مناطق الشرق السوري،‏ قبل أن يصبح 2000 مقاتل من المارينز رهائن في الشمال السوري في أي مواجهة مقبلة فى سورية.
فالولايات المتحدة الأميركية المنخرطة في الحرب العدوانية على الدولة الوطنية السورية طيلة السنوات السبع الماضية ، تلقت هزيمة «استراتيجية» جديدة في جنوب شرق سورية، وقد تكررت هزائمها مؤخرا بمناطق عدة من مثلث الحدود العراقية السورية وصولا لعمليات الجيش العربي السوري وحلفائه بعمق البادية السورية تزامنا مع ترقب توسع عملياته شرق وغرب دير الزور.‏ وهاهي اليوم الدولة الوطنية السورية التي صمدت في هذه الحرب الضروس تسير بخطوات سريعة نحو إعلان نصرها الكبير على هذه الحرب العدوانية،وفشل ‏الاستراتيجية الأميركية حيال سورية. فالانتصارات المتلاحقة التي حققها الجيش السوري وتمكن عبرها من تحرير أغلب المناطق من ربق الإرهاب، ستجعله يتوجه صوب الشمال الشرقي عاجلا أم آجلا، الأمر الذي يجعل التحالف الأميركي في مواجهة مباشرة مع كل من سورية وحلفائها الروس والإيرانيين، مما قد يفضي إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط برمتها واستنزاف أميركا بشريًا وماديًا وعسكريًا.
ثانياً: الصراع داخل المؤسسة الأمريكية
لم يكن مفاجئا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب «الكامل والسريع» من سورية،فقد سبق له في بحر هذا العام (2018) أن أعلن رغبته في هذا الانسحاب، وأمام ضغط وزارة الدفاع قرر آنذاك إرجاء الأمر بعض الوقت، وها هو ترامب يعاود اتخاذ القرار عينه، بعد تيقنه أنّ الإمبريالية الأمريكية التي أنفقت سبعة تريليونات دولار في حروبها بالشرق الأوسط التي ابتدأتها منذ سنة 2001 ، لم تحقق نصرًا استراتيجيًا، لا بل هي تحصد الشوك في مغامراتها الطويلة، الأمر الذي جعل الرئيس الأمريكي ترامب يقول،يجب توجيه الانفاق الأميركي في المستقبل لخلق وظائف وبناء بنية تحتية في أمريكا.
الرئيس الأميركي ترامب اتخذ قراره بالانسحاب من سورية ، بعد أن «ألحقنا الهزيمة بتنظيم «داعش» في سورية ، التي كانت السبب الوحيد لوجودنا هناك»، كما قال في تسويغ قراره.
ومن الواضح أنّ هذا القرار كان أحاديًا، ومن دون تنسيق مع أحد، وإلا كيف نفسر أقوال ممثل وزير الخارجية الأميركية، و المبعوث إلى سورية، جيمس جيفري، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي صرح بأن القوات الأميركية ستبقى في سورية لضمان عدم عودة «داعش»، والذي قال بضعة أيام ، إن قوات بلاده باقية في سورية إلى أن يتم انتقال سياسي جذري، وتخرج إيران منها؟ فقرار ترامب بالانسحاب من سورية ،يتعارض مع أركان إدارته و قيادات الكونغرس، ومع مواقف الرؤوس الحامية في البنتاغون والأجهزة الاستخباراتية التي تريد إبقاء القوات الأميركية في سورية من أجل منع تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من العودة، ولحرمان ايران من فرصة «تعزيز موقعها في سورية».ومنذ مجيء ترامب للسلطة، طرح فكرة الانسحاب من سورية،لحسابات انتخابية أولاً نظراً للرفض الشعبي العام للمشاركة في حروب خارجية. وفي مارس/آذار الماضي، جدّد تعهده بتنفيذ هذا الانسحاب «قريباً جدا».
وتعيش مؤسسة الحكم الأميركية صراعًا حقيقيًا بين الدولة العميقة ممثلة بالأجهزة الأمنية (وكالة الاستخبارات الأميركية) ووزارة الدفاع (البنتاغون)،وبين الدولة الترامبية ممثلة النزعة الشعبوية –القومية،في نطاق رؤية كل طرف للأزمة السورية ، وآفاق تسويتها.وهاهي الولايات المتحددة الأمريكية التي أنشأت قوة عسكرية في الشمال السوري (قوات خاصة ومستشارين في شرق الفرات قوامها 2000عسكري أمريكي )،وفق استراتيجيتها الجديدة المرتكزة على البقاء الأميركي في سورية،ودعم الأكراد «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) ،ومواجهة النفوذ الإيراني،بما يؤرخ لمواجهة جديدة مع روسيا،تقرر الانسحاب من سورية.
فمن وجهة نظر المحللين المتابعين للسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، انطوى إعلان الرئيس الأميركي ترامب على تناقض،إذ سبق له أن انتقد خلال حملته الرئاسية سلفه باراك أوباما لسحبه القوات الأميركية «مبكراً» من العراق،على نحو أتاح لـ«داعش» احتلال ثلثي أراضيه. وكان ترامب تراجع في سبتمبر/أيلول الماضي عن قرار سحب القوات الأميركية من سورية،بعد تدخّل أقطاب المؤسسة في الإدارة والكونغرس وشرح الاعتبارات الجيوسياسية التي تبرر البقاء هناك.وكل الإدارة تحدثت آنذاك عن أهمية التواجد في سورية.مستشار الأمن القومي جون بولتون أكّد أن القوات الأمريكية لن تغادر«طالما بقيت القوات الإيرانية خارج حدود بلادها».وزير الدفاع جيم ماتيس حذر من التسرع الذي قد«يؤدي إلى عودة داعش». كما أنّ المبعوث الخاص إلى سورية جايمس جيفري شدّد على «أن القوات الأميركية باقية في سورية لضمان مغادرة الإيرانيين». كل تلك التأكيدات أطاح بها إعلان ترامب الأربعاء قرار الانسحاب. وبدا تبرير الرئيس الأميركي بأنّ المهمة انتهت مع هزيمة «داعش»، واهية لمعظم الأوساط، إذ إنّ التنظيم ما زال يحتفظ بما بين 20 ألفاً و30 ألف مقاتل، بحسب التقديرات.
ومن المتوقع أن يؤدي تجاهل ترامب لموقف ماتيس،الذي أوصى بضرورة صرف النظر عن ترك الساحة السورية كلياً «لاعتبارات تخص الأمن القومي الأميركي»،إلى تزايد التوتر بين الرجلين، بما قد يسرّع من استقالة الوزير،لا سيما أن علاقته صارت مهتزة أخيراً مع الرئيس. هذا الأمر تحدثت عنه صحيفة «واشنطن بوست»،التي نقلت عن مصادر أن ماتيس قد يستقيل من منصبه في المرحلة المقبلة.وفي رسالة بعث بها إلى ترامب قال ماتيس إن نظرته إلى العالم التي تميل إلى التحالفات التقليدية والتصدي لـ«الجهات الخبيثة» تتعارض مع وجهات نظر الرئيس.وأضاف ماتيس «لأنه من حقك أن يكون لديك وزير دفاع وجهات نظره تتوافق بشكل أفضل مع وجهات نظرك حول هذه القضايا وغيرها، أعتقد أنه من الصواب بالنسبة إلي أن أتنحى عن منصبي».
وكان رحيل ماتيس متوقعاً منذ أعلن ترامب يوم الأربعاءالماضي،أنه سيسحب قواته من سورية، رغم اعتراض حلفاء للولايات المتحدة ومسؤولين عسكريين أميركيين كبار.ولم تكن استقالة ماتيس مفاجئة بالكامل للمراقبين في واشنطن، فلطالما تجاهل ترامب نصائح وزير دفاعه وخاصة في الآونة الأخيرة. وكان قرار ترامب سحب 2000 جندي من سورية بمثابة صفعة مفاجئة لماتيس، الذي حذّر من أن انسحابا مبكرا من سورية قد يكون «خطأ استراتيجيا فادحا».
ثالثًا: الإبقاء على التحالف الأميركي-التركي
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي أن القوات التركية ستدخل مدينة منبج السورية، لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من مراكزها في شرق الفرات، حيث أصبحت تشكل كيانًا خاصًا، ويتكون من قوات سورية الديمقراطية«قسد» التي باتت تسيطر على نحو25في المئة من مساحة سورية،وله مؤسسات وهياكل أمنية وعسكرية برعاية أميركية في هذه المناطق.وتشكل وحدات حماية الشعب الكردية العمود الفقري لـ«قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، وهي تحالف كردي عربي مدعوم من الولايات المتحدة يخوض معارك ضد تنظيم «داعش» في شرق سورية. ولكن تركيا تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية منظمة «إرهابية» وفرعاً من حزب العمال الكردستاني الذي خاض تمرداً منذ العام 1984 ضد الحكومة التركية.
ما من شك بأن عدوان النظام التركي على منطقة عفرين قد أفرز واقعًا جديدًا في الشمال السوري نجم عنه خلافات أميركية تركية نتيجة الدعم الذي تقدمه للجماعات الكردية الانفصالية التي تصنفها أنقرة بالإرهابية، ودفع إلى نوع من التوتر في العلاقات بين حليفي الناتو جعل من أنقرة على حافة التفكير بالانسحاب من الحلف الأطلسي مع ما يعنيه ذلك من خسارة الغرب لدولة مهمة في الشرق ـ ثاني قوة عسكرية في الناتوـ لطالما استخدمت كرأس حربة في المواجهة الطويلة مع الاتحاد السوفيتي وتاليا مع روسيا.ولذلك فإنّ الانسحاب الأميركي من شرق الفرات سيشجع نظام أردوغان للاندفاع باتجاه ملء الفراغ الأميركي ومطاردة خصومه الأكراد في منطقة استراتيجية حيوية لن تقف سورية مكتوفة الأيدي إزاء التمدد التركي فيها مع معرفتها بأطماعه ونواياه.
وهكذا تختلط الأوراق من جديد فتنتقل المواجهة التي كانت على وشك الوقوع بين أميركا وتركيا بسبب المجموعات الكردية، إلى مواجهة أخرى محتملة بين أنقرة وأعداء واشنطن بسبب الأطماع التركية في سورية، فالأميركيون بالأصل لا تعنيهم مصالح الأكراد ولا طموحاتهم، ولم يكونوا بالنسبة لهم سوى أداة داعشية لتقسيم سورية بعد انهيار تنظيم «داعش» الإرهابي على يد الجيش العربي السوري وحلفائه.‏وبالتالي فإنّ الذَّريعة التي استخدمها ترامب لتبريرالانسحاب لا علاقة لها بالواقع أي انتهاء مهمة القوات الأميركية وتمكنها من هزيمة داعش، ولو كان الأمر لواشنطن لاستمرت الحرب مع التنظيم لعشر سنوات قادمة إن لم يكن أكثر،ولعلّ الأسرار التي كشفتها موسكو حول العلاقة المريبة بين واشنطن والتنظيم الإرهابي والصفقات التي تمت بينهما في الرقة تكفي لدحض أي ادعاء أمريكي في هذا المجال.
ويُعد الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية من أسباب التوتر الرئيسية مع تركيا منذ أكثر من عامين،وإحدى النقاط الخلافية الرئيسة الوضع في منبج، المدينة الواقعة في غرب الفرات والتي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية ويتمركز فيها جنود أميركيون.
ففي اطار تسليط الضوء على حجم الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لأداتها التركية لشن العدوان على شرق الفرات قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»إنّ الجيش الأميركي يبدأ استعداداته للانسحاب كليا من شمال شرق سورية لفتح المجال أمام تركيا لارتكاب المجازر في شرق الفرات ،وبحسب الصحيفة الأميركية، فإنّ القرار يأتي بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ورئيس النظام التركي رجب أردوغان.‏
رابعًا: تفاهمات أميركية –تركية
نشرت صحيفة«حرييت » التركية( )،صباح الجمعة 21كانون الأول/ديسمبر2018،مضمون المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيسين التركي والأميركي قبل أيام من إعلان قرار الانسحاب الأميركي من سورية.وبحسب المعلومات التي حصلت عليها مديرة مكتب الصحيفة في أنقرة هاندي فرات، وهي صحافية مقربة من أردوغان، كانت قد أجرت معه مكالمة الفيديو الشهيرة عبر الهاتف ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة، أجرى كل من أردوغان وترامب قبل أسبوع مكالمة هاتفية، أوضحت الصحيفة أن مساعدي الرئيسين والمترجمين التفوا خلالها حولهما، ليسأل ترامب أردوغان «في حال انسحابنا من سورية، هل يمكنكم تنظيف بقايا عناصر تنظيم داعش؟»، فرّد أردوغان: «خلال عملية درع الفرات جرى القضاء على أربعة آلاف عنصر من داعش، ولهزيمة التنظيم لا حاجة لتنظيمات من مثل وحدات حماية الشعب، وكنا أكدنا سابقاً إمكانية قيامنا بالعملية، والأمر ذاته نقوله الآن». وأضافت الصحيفة أن ترامب قال عندها «جيد. إذاً أنتم قوموا بالمهمة»، وبعدها مباشرة قال في إشارة إلى مستشاره للأمن القومي جون «بولتون هل أنت هنا؟»، ليجيب الأخير بأنه موجود، فيقول له الرئيس الأميركي «ابدأوا بفعل اللازم»، مصدراً تعليماته لمستشاره، ليتم التوصل إلى قرار تنسيق هذه المرحلة ما بين بولتون والمتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالن.وأشارت الصحيفة إلى أن بولتون وكالن أجريا مكالمة هاتفية في 17 من شهر كانون الأول/ديسمبر الحالي، ليبلغ المسؤول الأميركي نظيره التركي ببدء عمليات التحضير للانسحاب، في وقت أبلغت فيه واشنطن أنقرة، بأن الإدارة الأميركية بدأت بإبلاغ الأمر لأعضاء الكونغرس والحلفاء، وكان التقويم الأولي للانسحاب يصل لشهرين، ولكن جرى الحديث لاحقاً عن مائة يوم .كما أوضحت الصحيفة أن عسكريي البلدين توصلوا لتوافق مهم أيضاً في اجتماع مشترك آخر عقد لبحث مصير الأسلحة التي جرى تسليمها للوحدات الكردية بحجة قتال «داعش».
وكانت واشنطن وافقت منذ بضع أيام على عقد صفقة مع تركيا لبيعها منظومة «باتريوت» للدفاع الجوي والصاروخي، بقيمة 3.5 مليارات دولار.‏ والمقرر أن يستخدم نظام أردوغان منظومة باتريوت من أجل تطوير قدراته الجوية والصاروخية، وخصوصاً بعدما أعلنت تركيا عن نيتها شن عدوان جديد على شرق الفرات.‏
من وجهة نظر استراتيجية،يرى المحللون أن الولايات المتحدة الأميركية وتركيا حليفتان وشريكتان في حلف الناتو،لذا يستحيل أن تضحي واشنطن بعلاقتها مع تركيا كي تدافع عن «قسد » التي تعتبر أداة من أدوات أميركا التي ترميهم عند انتهاء صلاحيتهم .‏وإذا ربطنا بين توقيت الانسحاب ، وبين المحادثة قبل أيام والتي أجراها ترامب مع أردوغان بشأن العملية العسكرية المحتملة لتركيا في شرق الفرات لطرد ما تبقى من الإرهابيين في منطقة نفوذ القوات الأميركية ، وقد أعلن أردوغان أنّه حصل على جواب إيجابي من الرئيس ترامب حول الموضوع ، فإنّنا نخلص إلى وجود ثمة تفاهم أو تخادم بين الطرفين ،وهذا التفاهم ترجمه ترامب بقرار الانسحاب وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا لملئ الفراغ وشن العملية المرتقبة شرق الفرات وحتى منبج ، وهذا التفاهم يندرج في إطار عملية استعادة الحليف التركي إلى الحظيرة الأميركية وإعادة توظيف الدور التركي في الشق السياسي بالضدّ من روسيا وايران ،والحصول على مكاسب سياسية في الحلّ السياسي ومخرجات اللجنة الدستورية .
الأكراد هم الخاسرون
يجمع المحللون في المنطقة أنّ الخاسر الأول من القرارالأميركي هم أكراد سورية، حيث تحدث الناطقون باسمهم عن «خيانة» و«طعنة في الظهر»، وخرجوا للإعلام يتهددون ويتوعدون… لكأنهم لم يتعلموا الدرس من أسلافهم، ولم يصغوا لنصائح أصدقائهم وخصومهم «المتغطي بالولايات المتحدة… عريان»… إن ما سيحدث للأكراد هو سؤال مفتوح، ففي حال قيام أردوغان بتنفيذ تهديده، وشن حملة على الأكراد، الذين يتراوح عدد مقاتليهم ما بين 30 ألف مقاتل إلى 60 ألفا، ولا يتناسب هذا العدد مع العدد الأكبر من القوات التركية.
وبعدأن طاش سهمهم وخابت رهاناتهم، وليس على الأكراد اليوم سوى الإسراع، ومن دون مماطلة، وفي غضون أسابيع وليس أشهر، أن يحسموا أمرهم ويسلكوا واحدا من طريقين: إما انتظار الجحافل التركية المتحفزة للمنازلة الكبرى مع «الكيان الإرهابي»… وإما فتح الأبواب لعودة الدولة الوطنية السورية إلى مناطقهم ،وهذا يعني التخلي عن حلم الاستقلال عن بقية سورية ، والوصول إلى تسوية مع دمشق، تسرع في نشر الجيش العربي السوري في منبج وشرق الفرات، برعاية روسية، تنجيهم من «حمى الحسم» التي ترتفع حرارتها في صدور الأتراك.
والحال هذه،تقتضي مصلحة«قسد»الحقيقية بعدإعلان الانسحاب الأميركي من سورية الابتعاد عن لغة الخطابات والتصريحات المتناقضة، لجهة توجيه دعوات للجيش العربي السوري والدولة السورية للدفاع عنها واللجوء الى الحضن السوري الذي لا يتخلى عن أبنائه والاندماج ضمن صفوف الجيش العربي السوري، ووقتها فإنّ النظام التركي سيضطر لسحب الذرائع التي يتذرع بها لتبرير عدوانه على شرق الفرات ، وسيتم سحب البساط من تحت واشنطن وتحرير «قسد »نفسها من التبعية لها .
الأكراد يخطؤون دائما حين يتحالفون مع الولايات المتحدةالأميركية التي وسّعت أسباب بقائها في سورية من خلال ربط بقاء قوّاتها بمسألتي خروج الإيرانيين من سورية، والإشراف على شكل النظام السياسي المستقبلي في البلاد،غير أن المسألتين تدخلان القوات الكردية في صراع مع إيران، وهوما يعدّخطأً استراتيجياً فادحاً، أويتم استخدامها في التضييق على الروس في شرق الفرات،وهوأمرٌ جالب للمتاعب، وربما يفوق قدراتها وإمكاناتها، إذ قد يؤدي الصراع الروسي الأميركي على سورية إلى مواجهة روسيّة كرديّة مكشوفة.
لذا من الضروري على « قسد » أن تقوم بقلب الطاولة على رأس الناتو، متحصنة بالشرعية الوطنية السورية التي ستوفرها دمشق وحلفاؤها ، موضحة أن تنظيم «داعش» الإرهابي هو أول المستفيدين من التصعيد التركي شرق الفرات، فكلما ضاق الخناق عليه، ترمي له تركيا وواشنطن بحبل النجاة لافتين إلى أنّ رئيس النظام التركي هو أكبر المستفيدين من العدوان على شرق الفرات وذلك من خلال تصدير أزمته الداخلية للخارج، حيث تعاني تركيا وضعاً اقتصادياً حرجاً، إضافة إلى تزايد التقارير الغربية عن انتهاكات لحقوق الإنسان وقمع للحريات في البلاد، وعن التعذيب في السجون التركية.‏ وكذلك واشنطن مستفيدة من العدوان من خلال محاولتها تأمين غطاء دولي يضفي شرعية مفقودة على وجود قواتها الغازية على الأراضي السورية عبر تسويقها لأكذوبة ما تسمى قوة حفظ سلام تفصل بين جهتين متحاربتين، وبالتالي، إطالة أمد الحرب في سورية وتعطيل حل الازمة في سورية.‏
الأكراد يطالبون بفرض حظر جوي في شمال سورية
بعد خيبة التحالف مع الإمبريالية الأميركية ،أعلنت القيادة الكردية في شمال سورية أنها تعوّل على فرنسا للعب دور أكبر في سورية على خلفية قرار واشنطن سحب قواتها من البلاد، وطالبت باريس بالمساعدة في فرض حظر جوي في المنطقة. وجاءت هذه التصريحات في مؤتمر صحفي أجراه اليوم في باريس رياض درار، الرئيس المشترك لـ«مجلس سورية الديمقراطية»، الجناح السياسي لتحالف «قوات سورية الديمقراطية»(قسد) ذات الغالبية الكردية والمدعوم أمريكيا، وإلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية للمجلس.
وقال رياض درار: «نأمل أن تلعب فرنسا دورًا أكبر في سورية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قوات بلاده من سوريا»، وفقا لوكالة «رويترز».وبدورها أكدت إلهام أحمد أن المسلحين الأكراد لن يتمكنوا من الاستمرار في احتجاز أسرى «داعش» لديهم في حال خروج الوضع عن السيطرة.وأضافت: «نطالب فرنسا بالمساعدة في فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا لمواجهة التهديدات الإرهابية المحتملة».
كما أكد القياديان في «مجلس سورية الديمقراطية » أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد ستقوم «بجولات في دول أخرى غير فرنسا لبحث الوضع في المنطقة بعد التطورات الأخيرة».وشدّد المجلس على أن انسحاب القوات الأميركية من الساحة السورية سيؤثر على الجميع، مشيرًا إلى أن التدخل التركي في سورية سيؤدي لمزيد من سفك الدماء، فضلا عن أنه يعطي مزيدًا من حرية التحرك للفصائل المتشددة.وحذر من إعادة إنتاج تنظيم «داعش» في المنطقة، معبرًا عن مخاوفه من تكرار مأساة عفرين، وطالب بـ«اتخاذ موقف أخلاقي تجاه المنطقة» وحمايتها من «التهديد التركي».واجتمع وفد «مجلس سورية الديمقراطية»، يوم جمعة21كانون الأول/ديسمبر الجاري ، في باريس مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لبحث آخر المستجدات في سورية، وخاصة في شمال البلاد( ).
الخاسر الثاني الكيان الصهيوني
الخاسر الثاني من القرار الأميركي بالانسحاب من سورية ، هو الكيان الصهيوني ، وقد رددت القناة الصهيونيةالثانية بلسان عبري ما سبق للأكراد أن قالوه بلغة كردية، في وصف القرار: «خيانة» و«صفعة» و»طعنة»… الآن، وبعد القرار، ليس على تل أبيب سوى أن تقلع شوكها في سورية بيديها، وهي مهمة كانت صعبة قبل القرار، وباتت أشد صعوبة بعده… إيران باقية في سورية، ما طاب لدمشق وطهران ذلك، وضربات إسرائيلية متفرقة، وغالبا استعراضية، لن تفلح في تحقيق هدف نتنياهو «الاستراتيجي» في اقتلاع الوجود الإيراني من سورية».
واذا كان رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو حاول التقليل من وقع خسائر الانسحاب الأميركي على كيانه بالقول إنّ «إسرائيل ستواصل الحفاظ على أمنها والدفاع عن نفسها على الساحة السورية حتى بعد انسحاب القوات الأميركية منها»،فإنّ ذلك لم يغير في حقيقة أن القرار وجه ضربة قوية للسياسة الصهيونية في المنطقة في توقيت مفصلي وحساس من عمرها، على إيقاع تكريس انتصار الدولة الوطنية السورية وحلفائها في المعركة الوجودية التي فرضت عليها وما يترتب على هذا الانتصار من تداعيات تطال التحولات التي طرأت على موازين القوى الدولية، وطبيعة الصراع العربي-الصهيوني . وفي هذا الإطار توضح صحيفة معاريف الصهيونية «خطورة» القرار الأميركي وتقول «إسرائيل معنية بالوجود العسكري الأميركي من أجل موازنة التأثير مع القوات الروسية في سورية وتشكيل قوة صد أمام جهود إيران لتعزيز وجودها ونيتها نشر صواريخ ومجموعات قرب الحدود»، مضيفة أن« الانسحاب الأميريكي انتصار لما سمته التصميم الإيراني في التمسك بسورية وتخل أمريكي لروسيا ليس عن الساحة السورية فحسب وإنما العالمية أيضاً». وإذ ترى أن لهذا التحول تأثير كبير في تحقيق «المصالح» الصهيونية في سورية وفي مقدمها انسحاب إيران منها، تسلط الصحيفة العبرية واسعة الانتشار الضوء، على العبر السلبية المستفادة من القرار المتسرع، وتشير في هذا السياق إلى ان انسحاب القوات الأميركية من سورية «رسالة صارخة لبقية حلفائها في الشرق الأوسط مثل السعودية والأردن والإمارات ومصر وغيرها تفيد أن ليس بالإمكان الاعتماد على الولايات المتحدة»، كما أنها «ضربة قاضية للأكراد الذين أحسوا بالخيانة بعد أن حاربوا داعش بمساعدة التحالف الذي تقوده أمريكا ليجدوا أنفسهم لوحدهم أمام النظامين التركي والسوري»( ).
خيبة الأمل الصهيونية من قرار سحب القوات الأميركية من سوريةعبر عنه أيضاً أحد أبرز المعلّقين العسكريين في كيان العدو عاموس هرئيل الذي كتب في صحيفة «هآرتس» بأن الرئيس الأمريكي« وعلى الرغم من تعاطفه المعلن مع إسرائيل، الا أن تحركه يتعارض مع موقف نتنياهو ويزيد عزلة إسرائيل في محاولتها وقف النفوذ الإيراني في سورية».وبدورها فسّرت صحيفة «يديعوت احرنوت» التداعيات الاستراتيجية للانسحاب الأميركي من سورية على السياسية الصهيونية هناك في هذه المرحلة «فمن دون الوجود الأميركي قرب الحدود الشمالية، فقدت إسرائيل مصدراً هاماً للردع والمساعدة العسكرية المحتملة في حال حدوث تصعيد إقليمي»، وخطورة هذا الامر من وجهة نظر الصحيفة تتعزز أكثر في ظل استمرار الأزمة مع روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق الساحل السوري – وتحميل موسكو لتل أبيب المسؤولية عن ذلك – فمن سيصبح الآن الحاكم الرئيسي لسورية، تقول الصحيفة، «لا يلتزم بإسرائيل، وفي الواقع، فإن البلدين يتواجدان بالفعل في أزمة سياسية».
تأثير الانسحاب الأميركي على قوة الردع الإسرائيلية توقف عنده أيضاً الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين الذي رأى أن «صورة الردع العسكري الإسرائيلي لا تكتمل إلا بسب التحالف مع الولايات المتحدة»، مؤكداً أن «حقيقة التواجد الأميركي في سورية، وطبيعة الأنشطة العسكرية هناك، كانت تركز على خدمة المصالح العسكرية والأمنية الإسرائيلية، سواء السرية منها أو المعلنة»( ).
تمركزالقوات الأميركية في المناطق النفطية
تتمركز القوات الأميركية، بشكل دائم أو مؤقت، في مناطق مختلفة من سورية، ضمن خريطة انتشار جعلتها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات، داخل مناطق تسيطر على غالبيتها مليشيات «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا.
وتحتوي الأراضي السورية على حقول نفطية مهمة، وقع بعضها خلال الحرب التي شهدتها سورية تحت سيطرة تنظيم«داعش» الإرهابي ، وكذلك ما يعرف ب«قوات سورية الديمقراطية»(قسد)وتأثر القطاع النفطي بالأحداث الجارية منذ عام 2011، وبلغت خسائره أكثر من 62 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة النفط السورية .وكانت سورية تنتج قبل الحرب حوالي 380 ألف برميل يوميا، ولم تعدالآن تنتج سوى بضعة آلاف من البراميل يوميا ،إثر تراجع إنتاج النفط.
وفيما يأتي أبرز حقول النفط في سورية:في محافظة دير الزورتحتوي على أكبر الحقول النفطية في سوريا، وهو «حقل العمر» الواقع شمال شرق مدينة الميادين على بعد 15 كيلومترا شرقي بلدة البصيرة بريف دير الزور، ويعتبرمن أضخم حقول النفط بالشرق الاوسط ومن اغناها وهو الحقل الذي أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية السيطرةعليه في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2017 .وهناك أيضا «حقل التنك»، وهو من أكبر الحقول في سوريا بعد «حقل العمر»، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي. إضافةً إلى حقل الورد بالقرب من قرية الدوير بالريف الشرقي، وحقل التيم بالقرب من مدينة موحسن جنوب المدينة، والجفرة على بعد 25 كيلومترًا شرقًا، ومعمل غاز كونيكو ويبعد 20 كيلومترًا شرق المدينة، ومحطة نفط الخراطة 20 كيلومترًا جنوب غرب، ومحطة »T2» وتقع على خط النفط العراقي السوري.
ويعتبر حقل «كونيكو» من أكبر الحقول المنتجة للغاز الطبيعي في سورية ، حيث أنشئ من قبل شركة «كونيكو فيلبس» الأمريكية، وكان ينقل الغاز منه عبر أنابيب إلى محطات الطاقة الكهربائية في محافظتي حمص وحماة وسط سوريا، قبل أن تسيطر عليه «قسد»في 22 أيلول 2017،بعد اشتباكات مع مواجهات مع تنظيم داعش الإرهابي الوهابي،وهو يستطيع سد حاجة 20 مليون انسان من الغاز..وجميع تلك الحقول كانت إلى قبل نهاية أيلول/سبتمبر 2017،تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية«داعش»، ثم بدأ يتساقط بعضها في يد قوات الدولة الوطنيةالسورية ،وأخرى في يد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»التي قاتلت تنظيم الدولة بدعم من ضربات جوية وقوات خاصة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وتوجد في محافظة الرقة بعض النقاط النفطية الصغيرة، وجميعها باتت تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية».وخرجت أغلب حقول النفط الكبيرة وذات الإنتاج العالي في الحسكة من يد تنظيم الدولة إلى سيطرة القوات الكردية، إذ باتت تسيطر الأخيرة على كامل حقول رميلان في أقصى شمال شرق سوريا، كما تسيطر أيضا على مصفاة الرميلان. ويستطيع حقل رميلان ان يجعل من سوريا قطر رقم 2 ، لكميات الغاز المسال الهائلة الموجودة فيه.أما حقل الجبسة بالحسكة فلدية قدرة على توليد الكهرباء من عنفات الغاز الموجودة فيه
بسبب شدة تدفق الغاز فيه .
ويقدر بعض الخبراء عدد الآبار النفطية التابعة لحقول رميلان بقرابة 1322 بئرا، إضافة إلى وجود قرابة 25 بئرا من الغاز في حقول السويدية بالقرب من حقل رميلان، كما تسطير على الحقول الواقعة في مناطق الشدادي والجبسة والهول، والحقول الواقعة بالقرب من مركدة وتشرين كبيبة الواقعين في ريف الحكسة الجنوبي.
وفي ريف حمص الشرقي تحتوي هذه المنطقة على «حقل شاعر»الذي استعاد النظام السوري السيطرة عليه بعد معارك مع تنظيم الدولة. وبحسب وزارة النفط والثروة المعدنية بدمشق، فإن إنتاج النفط الذي يسيطر عليه نظام الأسد قد زاد بنحو ألفي برميل يوميا، بعد تأهيل حقل الشاعر شرق مدينة حمص.وتوجد في مدينة تدمرالواقعة في بادية الشام وسط سوريا حقول نفطية، منها: جحار والمهر وجزل والتي سيطرت عليها القوات الروسية مع الفيلق الخامس التابع للنظام السوري في مارس/آذار 2017، بعد انسحاب تنظيم الدولة منها.

خاتمة:
على نقيض هذا التطور في الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب،بانسحاب القوات الأميركية من سورية، بدت المملكة السعودية من أشد الممتعضين جراء إعلان الرئيس الأمريكي بالإنسحاب من سورية ، إذ لم يعد خافيًا على أحد دورها القذر في رعاية الإرهاب وتمويل الإرهابيين وتسليحهم في سورية،ورغبتها في الإبقاء على الاحتلال الأميركي للأراضي السورية لفترة أطول ، بينما لا ترى الولايات المتحدة بأن ثمة مصالح حيوية تجعلها تلبي تلك الرغبة المتمثلة باستمرار وجودها العسكري في سورية ،لاسيما وأنه أمر يفتقد للشرعية، فضلا عن كونها ستعرض حياة جنودها للخطر في حال الامتثال لرغبة سعودي أرعن ومتهور، خاصة بعد أن أصبحت الدولة السعودية منذ أن تسلم قيادتها محمد بن سلمان تشكل تهديدا للاستقرار الإقليمي.
ويرى خبراء صهاينة أن الجيش العربي السوري وحزب الله هما المنتصران في هذه الحرب. وبينما يتحدث الكيان الصهيوني عن حرب محتملة على جبهاته مع لبنان وحزب الله وقطاع غزة، يتملكه هلع من احتمالات تراجع دعم واشنطن لحاجاته الأمنية جراء الانسحاب الأميركي من سورية.ويرى المحللون العرب أن الانسحاب الأميركي مرتبط بما هو أهم من سورية ، أي بتواجد القوات الايرانية في سورية .فالانسحاب الأمريكي يزيد من الضغط على روسيا وسورية ،من أجل مقايضة انسحابها مقابل انسحاب القوات الإيرانية من سورية ،مع إغراءات لروسيا بتخفيف العقوبات ،وإغواءات لسورية بإعادة الإعمار وإرجاع سورية للجامعة العربية،والهدف من وراء ذلك كله احراج وعزل ايران وتشكيل ناتو عربي جديد من أطراف الصراع .

*باحث تونسي.

المصدر: مجلة البلاد

Optimized by Optimole