الأسرى الفلسطينيون الشهداء في سجون الاحتلال

Spread the love

خاص بمجلة شجون عربية — بقلم: د.عقل صلاح* —

تعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين من القضايا المركزية عند الشعب الفلسطيني، لما قدمه الأسرى من تضحيات كلفتهم حريتهم وفي بعض الأحيان حياتهم ثمنًا لها. لقد بلغ عدد الأسرى في منتصف سنة 2018، “6500 أسير”؛ من بينهم 700 أسير مريض بحاجة إلى علاج عاجل.
وتتعمد إدارة مصلحة السجون حرمان الأسرى من أبسط الحقوق التي نصت عليها كافة المواثيق الدولية وهي حقهم في العلاج، من خلال سياسة الإهمال الطبي المتعمد، حيث استشهد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال أو بعد الافراج عنهم بفترة وجيزة بسبب الإهمال الطبي المتعمدة، مما يؤكد على أن الاحتلال جعل من السجون مكانًا لنشر الأمراض التي تلاحق الأسرى بعد تحررهم وتسبب لهم الوفاة. فقد ارتقى 219 شهيدًا منذ سنة 1967 وحتى بداية شباط/فبراير 2019، داخل سجون الاحتلال، فكان اخرهم الأسير البطل فارس بارود، الذي استشهد في بداية شباط/فبراير2019، بعد أن امضى 28سنة في السجون الإسرائيلية، فالإحتلال الإسرائيلي يهدف إلى معاقبة الأسير الفلسطيني على ممارسته حقه المشروع في المقاومة. فالإهمال الطبي هو عقوبة إضافية تفرضها سلطات الإحتلال على الأسرى المرضى ليعيشوا المعاناة المركبة والحقيقية، ألم القيد، وألم الجسد معاً.
أن عداد الشهداء لدى الحركة الأسيرة مرهون بردة فعل الأسرى والمستوى الرسمي وغير الرسمي، وإن المشهد سيتكرر مجددًا وسنظل نستقبل أسرانا بأكياس سوداء إذا لم تكن هناك ردة فعل حقيقية ابتداء من الحركة الأسيرة. وكانت قد توجهت النائبة زعبي للمستشار القانوني الإسرائيلي من أجل فتح تحقيق في قضية استشهاد الأسير عزيزعويسات. حيث كشف مدير نادي الأسير، قدورة فارس أن عويسات تعرض للضرب والتنكيل على مدى خمسة أيام متتالية مما أدى لمشاكل في القلب والرئتين قبل استشهاده .
لقد وثق الباحثون في مؤسسة الضمير في سنة 2012 استشهاد أسيرين عقب الإفراج عنهما نتيجة تعمد مصلحة السجون الإهمال الطبي بحقهما، وهما الشهيدان زكريا داوود وزهير لبادة. وفي سنة 2013 استشهد أربعة أسرى، نتيجة الإهمال الطبي، ففي نيسان/أبريل استشهد الأسير ميسرة أبو حمدية المحكوم مدى الحياة، في مستشفى سوروكا، والأسير أشرف أبو ذريع الذي استشهد في كانون الثاني/يناير وكان قد فقد قدرته على المشي في سنوات اعتقاله الأولى بسبب عدم تقديم العلاج له، وعرفات جردات الذي استشهد في سجن مجدو في 23 شباط/فبراير نتيجة تعرضه للتعذيب الشديد بعد 6 أيام من اعتقاله، والأسير حسن الترابي الذي استشهد في 5 تشرين الثاني/نوفمبر .
ولقد كشفت عائلة الأسير الشهيد معزوز دلال تفاصيل عملية تصفية ابنهم من قبل الاحتلال داخل السجن، حيث شكى الشهيد لعائلته الاهمال الطبي الذي عانى منه، فقد تلقى حقنة طبية أدت إلى تدهور حالته الصحية وفقدان شهيته بالكامل، والتقيؤ باستمرار، وخلال عدة أشهر فقد صحته بالكامل . وفي قضية مماثلة، طالبت وزارة الأسرى المؤسسات الدولية بفتح تحقيق جدي للتحقيق في ظروف وملابسات استشهاد الأسير رائد الصالحي 21 عاماً الذي استشهد في 3أيلول/سبتمبر 2017 في مستشفى هداسا جراء إصابات خطيرة كان قد تعرض لها وبقي ملقى على الأرض لأكثر من ساعة ونصف قبل أن يتم اعتقاله من قبل الاحتلال .
هناك عدة خطوات وفعاليات نضالية يقوم بها الأسرى في حال استشهاد أحد الأسرى، فما أن يتم سماع نبأ استشهاد أسير حتى يبدأ الأسرى بالضرب على الأبواب والتكبير، وتقوم مصلحة السجون قبل أن يتسرب نبأ استشهاد الأسير بنشر تعزيزات أمنية مكثفة حول السجن وأقسامه، وتدخل مصلحة السجون في حالة من الاستنفار العام حتى تحول دون سيطرة الأسرى على أبواب السجن. وقد تغض إدارة السجن النظر عن ما يجري داخل الأقسام من ضرب على الأبواب وإطلاق صيحات الله أكبر والهتافات وحرق بعض الفرشات لإمتصاص النقمة وتنفيس الاحتقانات لدى الأسرى، ولكن قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة تتدخل وحدات القمع الصهيوينة وتبدا برش الغاز والقنابل الصوتية وإخراج بعض الأسرى الى زنازين العزل. وقد يتفق الأسرى على وضع برنامج نضالي تصعيدي يبدأ بإرجاع وجبة عن الطعام، ويتوج بإضراب مفتوح عن الطعام. وقد يقوم الأسرى بمقاطعة العيادات ورفض تناول الدواء وما إلى ذلك من خطوات نضالية الهدف منها الضغط على إدارة السجون لإدخال بعض التحسينات .
فالمطلوب من الجهات الفلسطينية الرسمية القيام بواجبها تجاه الأسرى على جميع الصعد محليًا وإقليميًا ودوليًا. وعلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدم الوقوف في طريق المقاومة التي تؤدي واجبها تجاه تحرير الأسرى. فحكومة حماس في غزة حمت ظهر المقاومة خلال عملية خطف شاليط وما تلاها من عمليات خطف لجنود الاحتلال. فالسلطة لغاية الآن لم تصل لقناعة بأن إسرائيل لن تفرج عن الأسرى إلا مقابل تبادل مع أسرى إسرائيليين. فإسرائيل غير معنية بحل ملف الأسرى، ولعل تملص إسرائيل من إطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ماقبل أوسلو والتي كان من المقرر الإفراج عنهم في 29آذار/مارس 2014 أكبر دليل على ذلك. وفي حال لم تقم المقاومة بتحرير الأسرى بطريقتها، سنفقد الأسرى شهيداً تلو شهيد، وقافلة شهداء الحركة الأسيرة لم تتوقف وان الأسير فارس بارود لن يكون الأخير، فهناك العشرات من الاسرى يعانون من ظروف صحية صعبة للغاية، ويفقد الأسرى أعمارهم وشبابهم وهم ينتظرون أن يمن عليهم الاحتلال بإطلاق سراحهم .

*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

Optimized by Optimole