أميركا وتوظيف مجلس الأمن للقيام بالعدوان على سوريا

Spread the love

توفيق المديني — في ضوء التحول الاستراتيجي والإنجازات الكبيرة التي تحققت في مجال الحرب على الإرهاب في كل من سورية والعراق، تواصل الولايات المتحدة الأميركية ومعها كل من بريطانيا وفرنسا، والمملكة السعودية و الكيان الصهيوني ،ممارسة سياستها المجنونة في دعم التنظيمات الإرهابية، و الوقوف على حافة الهاوية ، واللجوء إلى مجلس الأمن بهدف استصدار قرار أممي يشرعن لها عدوانها الجديد على سوريا و حلفائها، مستخدمة الكذبة القديمة –الجديدة، من خلال التحشيد الإعلامي واطلاق روايات مفبركة حول حقيقة ما جرى ويجري بعمق الغوطة الشرقية ،وحججها وفبركاتها دائماً جاهزة وعنوانها الرئيس « استخدام الاسلحة الكيمياوية والملف الانساني والمدنيين ».
لجوء الولايات المتحدة الأميركية و حلفائها إلى منصة مجلس الأمن ، يأتي في سياق عدم تخلي الإمبرياليين الأميركيين و الصهاينة و الرجعيين من العرب، عن مخططاتهم الرامية لإضعاف وتقسيم دول المنطقة عبر الاستمرار بتقديم الدعم المادي والغطاء السياسي للتنظيمات الإرهابية ، لا سيما في ضوء القرار الاستراتيجي الذي اتخذته قيادة الدولة الوطنية السورية بالحسم العسكري في التعامل مع ملف الغوطة الشرقية، بعد فشل جملة محاولات لإنجاز مصالحات وطنية في أكثر من منطقة وبؤرة مسلحة في عمق الغوطة الشرقية.
من منضور الدولة الوطنية السورية، الحسم العسكري اليوم في الغوطة الشرقية تحديداً يحقق للدولة السورية مكسباً كبيراً وورقة رابحة جديدة في مفاوضاتها مع كبار اللاعبين الدوليين المنخرطين بالحرب على سوريا، ومن خلال ورقة محيط دمشق ستفرض الدولة السورية شروطها على الجميع، وعندها لا يمكن أن تحصل أي تسوية إلا بموافقة الدولة ونظامها السياسي، ووفق ما يراه من مصلحة لسوريا الشعب والدولة، بعد كل ما لحق بهذا الشعب من أذى.
الجيش العربي السوري يتقدم بقوة من أجل تحرير الغوطة الشرقية، التي بات يسيطر على أكثر من نصفها في الوقت الراهن، و قسمها إلى ثلاث مناطق، وهي حرستا غرباً، (بعد أن قطعت قوات الجيش السوري كافة الطرقات حولها ، وعزلتها عن دوما، وباقي مدن وبلدات القطاع الجنوبي الأوسط من الغوطة الشرقية لدمشق) ،القطاع الشمالي ومركزه دوما، إضافة للقطاع الجنوبي الأوسط، وأشهر بلداته عربين وزملكا وعين ترما وصولاً إلى جوبر، وهو يحاول التقدم في محوري جبهة حرستا، إضافة لمواصلة هجماته البرية على مناطق القطاع الجنوبي الأوسط الذي يعتبر معقل «فيلق الرحمن» الإرهابي، لكي تصبح الغوطة الشرقية، أهم ورقة في يد الدولة الوطنية السورية.
الولايات المتحدة الأميركية لا تنظر بعين الرضى للانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري على التنظيمات الإرهابية التي ترعاها ، لهذا السبب بدأت مندوبتها في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي تتوعد و تعربد وتتحدث عن مسرحيات الكيماوي الملفقة وتبعها وزير الحرب الأميركي وهو يهدد ويتوعد بضرب سورية بحجة عدم امتثالها لقرار مجلس الأمن أو بذريعة الشكوك باستخدام الأسلحة المحرمة.‏ ولم تكتف جوقة العدوان بذلك بل راحت تعد حلفاءها داخل مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار جديد يتضمن رؤيتها العدوانية ويساهم في نشر الفوضى الهدامة والمزيد من القتل والدمار والخراب وتدمير بنية الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها خدمة للكيان الصهيوني ولأطماعها التوسعية.‏ ويأتي هذا التصعيد الأميركي باستخدام فزاعة «السلاح الكيمياوي»،في وقت عثرت فيه وحدة من الجيش العربي السوري خلال تمشيطها بلدة الشيفونية على معمل لتصنيع المواد الكيميائية والسامة تشمل أحماضا متنوعة منها الكلور من مخلفات التنظيمات الإرهابية، وهذا بدوره يؤكد ما قالته دمشق سابقا من أن التنظيمات الارهابية بأوامر غربية واميركية كانت تحضر لاستخدام الاسلحة الكيماوية ويؤكد حقيقة استخدامها لها فيما مضى في أماكن متعددة في سورية.‏
الردّ الروسي لم يتأخرفي مواجهة سياسة التلويح بالعدوان من جانب الإمبريالية الأميركية، فقد ، استنكرت وزارة الخارجية الروسية تهديدات المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بتوجيه ضربات إلى سوريا على خلفية المزاعم المفبركة باستخدام أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية. واعتبرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن «مثل هذه التصريحات المدوية وغير المسؤولة للمندوبة الأميركية تثير استياءً وقلقاً شديداً»، مضيفة أن موسكو، وعلى خلفية هذه التصريحات، «تشعر بقلق بالغ إزاء المعلومات حول تحضير المسلحين لتمثيلية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، واتهام الحكومة السورية بها، وذلك تمهيداً لتبرير ضربات أميركية أحادية الجانب ضد دمشق والمؤسسات الحكومية السورية».
كما أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تطرق إلى الموضوع خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي،مولود جاويش أوغلو،في موسكو،يوم الإربعاء 14آذار الجاري. واعتبر لافروف أن الولايات المتحدة على ما يبدو تخطط للتمركز في سورية لمدة طويلة. وقال «لا توجد هناك أسس للتشكيك في نوايا بعض ممثلي القيادة الأميركية للتمركز هناك لمدة طويلة أو للأبد والعمل على تفكيك الجمهورية السورية، ولتحقيق هذه الأهداف يستخدمون أساليب مختلفة. لقد قمنا بإبلاغ المجتمع الدولي عبر وزارتي الدفاع والخارجية بأنه يتم إعداد أعمال استفزازية تحاكي استخدام أسلحة كيميائية، خصوصاً في الغوطة الشرقية». واعتبر لا فروف أن «هذه المحاكاة لهجوم كيميائي ستشكل مبرراً للجوء التحالف الدولي إلى القوة بما في ذلك ضد العاصمة السورية». وأضاف «آمل ألا تتحقق هذه المخططات غير المسؤولة». واعتبر وزير الخارجية الروسي أن مشروع القرار الجديد حول الغوطة الذي تنوي واشنطن تقديمه في مجلس الأمن يشير إلى فشلها في تنفيذ القرار السابق وعدم رغبتها في محاربة الإرهاب، مبينا أن المشروع الجديد لا يتضمن أي استثناءات للإرهابيين أي يمنع الاقتراب منهم وهو لا يشمل سورية بأكملها كما كان في القرار 2401 بل يقتصر على الغوطة الشرقية فقط.‏ وأضاف لافروف: تصوراتنا تدفعنا إلى التفكير بأن التحالف الأمريكي لا يهتم كثيراً بالقضاء على بقايا الإرهاب بل الحفاظ على الإرهابيين لتهديد الحكومة السورية حيث تشكل الغوطة الشرقية المكان الأمثل للإضرار بالعاصمة دمشق وبذلك تحضير الأرضية للخطة البديلة التي تعمل واشنطن عليها وهي تقسيم سورية في مخالفة صريحة للقرار 2401 .‏
في الوقت الذي يريد محور العدوان على سوريا ، ولاسيما من جانب الإمبريالية الأميركية والمملكة السعودية و العدو الصهيوني أن تظل الغوطة الشرقية جرح دمشق النازف بغية مواصلة سياسة الابتزاز والضغط على الدولة الوطنية السورية ، يزداد الجيش العربي السوري إصرارًا على محاربة الارهاب واجتثاثه أينما وجد، ومواصلة عملياته النوعية المركزة ضد إرهابيي النصرة، والجماعات الإرهابية المرتبطة بهم في الغوطة الشرقية، حيث حقق تقدما واضحا في معركة تحرير عمق الغوطة الشرقية، إذ إنّه لم يترك للتنظيمات الإرهابية المتمركزة في الغوطة سوى خيارين لاثالث لهما، إما القبول بالمصالحات الوطنية «تحت ضغط النار »وهذا هو الحل الأفضل والأنجع لها، أو الاستمرار بمواجهة تقدم الجيش العربي السوري، وهذه المواجهة لن تصمد طويلاً نظراً لعدة عوامل ليس أولها ولا آخرها ان هامش وخيارات المناورة أصبحت محدودة أمامها. فالحصار الذي يفرضه الجيش السوري على حرستا، والذي سيقوده إلى تحريرها، جعل الولايات المتحدة الأميركية و المملكة السعودية والكيان الصهيوني يخشون من عمليات نوعية وخاطفة للجيش العربي السوري والقوى المؤازرة تؤدي إلى سيطرته الكاملة على عمق الغوطة الشرقية «دوما وما حولها » التي يتمركزها فيها تنظيم «جيش الإسلام » المدعوما سعوديًا، وهذا بحال حدوثه سيشكل ضربة قاصمة للدور السعودي في محيط دمشق وجنوب سوريا، وهذا ما لا يريده النظام السعودي فهو لايريد ان يتلقى هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمه في الآونة الأخيرة في مناطق عدة في محيط دمشق.
من وجهة نظر المحللين العرب الملمين بقضايا الأزمة السورية ، يشكل تحرير دوما تحديدًا ضربة قوية للأطراف الثلاثة : المملكة السعودية و الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة الأميركية المنخرطة بقوة بالحرب على سوريا ، لا سيما أن سقوط دوما في أيدي الجيش العربي السوري ، ستشكل خسارة كبيرة لكل هذه الأطراف، و لكن بشكل أخص للمملكة السعودية الداعمة الرئيس ل«جيش الإسلام» المسيطر على دوما. ولذلك اليوم نرى أنّ هناك حالة هلع وهستيريا في صفوف هذه القوى الداعمة للإرهاب .أمّابالنسبة إلى الكيان الصهيوني، فهو الآن كما تتحدث الكثير من التقارير والتحليلات يقرأ بعناية تفاصيل وتداعيات ونتائج معركة الغوطة الشرقية التي تأخذ المساحة الكبرى من المناقشات والتحليلات لنتائجها على الصعيدين السياسي والعسكري الداخلي، فتحرير الغوطتين يمهد لتحرير درعا كل درعا وصولاً للقنيطرة واطراف الجولان المحتل على أيدي الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله وهذا من شأنه إحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية لأطراف الصراع في عموم المنطقة الجنوبية وعلى الحدود السورية –مع الاراضي المحتله ومع الجولان المحتل، هكذا تقول التقارير والتحليلات الواردة من دوائر صنع القرار الصهيوني، وهذا ما لا يريده الكيان الصهيوني على أقل تقدير في الوقت الراهن.

المصدر: مجلة البلاد اللبنانية، العدد رقم 119، تاريخ 17مارس 2018

Optimized by Optimole