قمة سوتشي والدستور الجديد

Spread the love

بقلم: ميادة سفر — ليست المرة الأولى التي يزور فيها الرئيس السوري بشار الأسد روسيا منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، فها هو يزور مجدداً مدنية سوتشي الروسية، تلك المدنية  المطلة على البحر الأسود التي شهدت محادثات سوتشي  أو مؤتمر الحوار الوطني السوري في كانون الثاني – يناير الماضي كي يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

هذا اللقاء الذي يأتي تتويجاً لانتصارات يحققها الجيش السوري وبدعم من روسيا وإيران وحزب الله والحلفاء، وتمهيداً لانطلاق العملية السياسية في سوريا. ففي الوقت الذي تعلن فيه محافظة حمص أول مدنية سورية خالية من الإرهاب وتستعد دمشق وريفها لإعلانها آمنة وخالية من أي تواجد مسلح بعد انتهاء القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في مخيم اليرموك جنوب دمشق. وبعد سلسلة من المصالحات التي تمت في كثير من المناطق السورية، وبرعاية روسية، يأتي هذا اللقاء غير المعلن مسبقاً وذلك لأسباب أمنية تتعلق بسلامة الرئيس الأسد.

لقد حمل هذا اللقاء بين بوتين والأسد العديد من النقاط الهامة والتي أثار بعضها جدلاً. فقد أكد الرئيسان على استمرار التعاون والتحالف بين بلديهما من مختلف النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية. وتم التأكيد على متابعة جهود مكافحة الإرهاب.

ولعل النقطة الأهم في مخرجات هذا الاجتماع الطارئ بين الرئيسين كانت الحديث عن ضرورة انطلاق العملية السياسية في سوريا، بعد تهيئة الأرضية المناسبة لها. ففي الميدان باتت الدولة السورية مسيطرة على معظم أراضيها، الأمر الذي يستتبع  موقف قوة للحكومة السورية في أية مباحثات قد تحدث في المستقبل. فهي صاحبة الكلمة الفصل في الميدان السوري على مختلف الجبهات، سواء في حربها ضد الإرهاب أو في حربها مع إسرائيل لاسيما بعد الاعتداءات الأخيرة والرد عليها بقصف مواقع اسرائيلية في الجولان السوري المحتل.

وقد بدا واضحاً التوافق والاتفاق بين روسيا وسوريا، ولاسيما وأن الرئيس الأسد أبدى استعداد بلاده لإرسال مندوبين عن حكومته للمشاركة في اللجنة الدستورية التي ستتولى صياغة دستور جديد للبلاد، والتي تعتبر خطوة إيجابية في طريق الحل السياسي للأزمة السورية.

ولكن في هذه النقطة تحديداً تبقى الأسئلة المشروعة المطروحة: هل سيكون هناك دستور جديد بشكل كامل؟ أم سيتم إدخال تعديلات على الدستور الحالي؟ هل سيطرح مجدداً مشروع الدستور الذي قدمته روسيا سابقاً؟ أسئلة كثيرة سيكشف النقاب عنها بعد البدء بالعمل أو إتمام العمل الذي ستقوم به اللجنة الدستورية المزمع تشكيلها والذي حتماً سيأخذ وقتاً طويلاً.

النقطة الأخرى التي تم التطرق إليها والتي أثارت جدلاً كبيراً كان حديث الرئيس بوتين عن ضرورة انسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا عند بدء العملية السياسية. وكان بوتين قد أشار إلى أنه بعد نجاح الجيش السوري في مواجهة الإرهاب وبدء العملية السياسية في البلاد فإن القوات الأجنبية ستبدأ بالانسحاب من الأراضي السورية.

ونقلت وسائل إعلام عدة كلاماً لمبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، قال فيه إن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا “يمس كل وحدات القوات الأجنبية، وهذا يعني الأميركيين والأتراك وحزب الله والإيرانيين”. وأضاف أن هذه العملية معقدة وتحتاج إلى بعض الوقت، ويجب أن تنجز وفقاً لتقدم العملية السياسية.

وكانت مراسلة قناة الميادين في دمشق قد نقلت عن مصادر سورية نفيها الموقف المنسوب إلى بوتين، بشأن طلب انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، وتأكيدها أنّ القوات الإيرانية والروسية موجودة بطلب من الحكومة، وبالتالي فإنّ مغادرتها تكون بطلب دمشق.

ونقلت المصادر السورية عن مسؤول روسي توضيحاً لكلام بوتين، بأنه لا يشمل القوات الروسية والإيرانية الموجودة بطلب من الحكومة الشرعية في سوريا.

من الواضح أن ثمة نوعين من القوات المتواجدة ضمن أراضي الدولة السورية، قوات موجودة بشكل شرعي وقانوني وبطلب من الدولة السورية. وهذا ينطبق على القوات الروسية التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في كل من طرطوس وحميميم وباتفاق بين الدولتين الروسية والسورية، وعلى القوات الإيرانية التي هي عبارة عن مجموعة مستشارين وبموافقة من الدولة السورية, والأمر ذاته ينطبق على القوات التابعة لحزب الله اللبناني والفصائل الشيعية العراقية وغيرها.

أما النوع الآخر من القوات فهي تلك المتواجدة بشكل غير شرعي والتي تعتبرها الحكومة السورية قوات احتلال، وهي القوات الأميركية والفرنسية والتركية التي تنتشر في شمال وشرق سوريا. فهذه القوات لابدّ أن تنسحب من الأراضي السورية مع انطلاق العملية السياسية السورية.

لقاء القمة بين بوتين والأسد قد يؤسس لبداية مرحلة جديدة في سوريا مع الحديث عن بدء العملية السياسية وكتابة دستور جديد للبلاد، وبالتالي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، مع التأكيد على أن أي حل وأي حديث عن مستقبل سوريا لابدّ أن توافق عليه الدولتان سوريا وروسيا.

 

Optimized by Optimole