عن أبعاد الاتفاقات الكويتية – الصينية

Spread the love

بقلم: مالك فلاح العنبر* —

في ظل ما يعيشه العالم العربي من إنصياع للإرادة الأميركية، وتعرض الدول الهزيلة دبلوماسياً إلى تحديات داخلية بسبب طاعة ما يملا عليها من الرئاسة الأميركية والتوجهات التي تصب في نهاية الأمر في بوتقت الإرادة الأميركية، تأتي الكويت لكسر القاعدة والخروج عن المألوف في ما تم توقيعه من اتفاقيات مع الصين في شهر تموز – يوليو من العام الحالي.
إن ما قامت به الكويت هو خروج من تحت المظلة الأميركية، وإيجاد نوع جديد من توازن القوى وتعددها في المنطقة العربية التي أصبحت عبارة عن دول ملتهبة من شدة النزاعات الداخلية والثورات، حيث أن هذه الاتفاقيات كانت تحمل في طياتها إتفاقاً أمنياً، لكن لم تأتِ بالإطار التقليدي المألوف بل كانت عبارة عن اتفاقيات اقتصادية وتبادلات تجارية وعسكرية ولكنها أمنية ضمنياً.
إن العلاقات الصينية – الكويتية علاقات القديمة وخاصة في مجال النفط، حيث أنه في عام 2014 أبرمت الكويت مع الصين اتفاقاً يقضي بتوريد ما نسبتة 15% من إنتاجها النفطي إلى الصين، أي ما يعادل 300 ألف برميل يومياً ومدة هذه الاتفاقية 10 سنوات. ومثل هذه الاتفاقية من شأنها أن تحقق أرباحاً عالية للكويت، وضمان بيع ما تنتجه من النفط لمدة طويلة، وأيضاً سيكون لهذه الاتفاقية ضمان للصين التي تعتبر من أهم المستوردين للنفط، حيث أن النمو الاقتصادي الصيني وإزدهار الصناعة قائم على وجود النفط. وهذه تعتبر نقطة ضعف إستراتيجية بحسب مؤشرات مقاييس القوة الشاملة، وما جاءت به الاتفاقات الأخيرة من الممكن أن يغطي هذا الضعف.
اما بالنسبة للاتفاقات التي أُبرمت موخراً بين الكويت والصين، فإنها إن دلت على شيء فهي تدل على حنكة سياسية وحسن إدارة يتمتع بها الأمير الكويتي، الذي نأى بدولته ومواردها عن البقاء تحت التوجيهات الأميركية، فقد ضمت الصفقة الأخيرة ما بين الطرفين سبعة اتفاقات، كان مفادها إقامة آليات للتعاون بين البلدين بشتى المجالات. ومن أبرز هذه المجالات التعاون بشأن الصناعات الدفاعية، والحفاظ على الصين كأكبر مستورد للنفط الكويتي، وضمت الاتفاقات إقامة مدن ذكية في الكويت، ومبادرة “الحزام والطريق” (طريق الحرير) وتشمل هذه المبادرة تشييد شبكات من الطرق وسكك الحديد وأنابيب النفط والغاز وتحويل ميناء مبارك إلى ميناء ذكي. وضمن هذه الاتفاقات أيضاً هناك إتفاقية ومذكرة تفاهم بشأن التجارة الإلكترونية بين البلدين، وتم كذلك توقيع مذكرة تفاهم أخرى بمجال تشجيع الاستثمار المباشر.
كما لا يفوتنا ذكر ما قاله اللواء الكويتي عدنان الفضلي في تصريحاته للصحافة، إن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين تقوم على أسس عده من أهمها التركيز على التدريب العسكري المتبادل وتبادل الخبرات العسكرية.
وتعتبر الكويت أول دولة عربية خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين، وهذه العلاقة ستحقق الكثير من الأهداف بالنسبة إلى الطرفين. فوجود الصين في المنطقة هو نوع جديد من توازن القوى لم يكن موجوداً من قبل.
ومن وجهة نظري – وبحسب المؤشرات – فإن العلاقة الكويتية – الصينية هي علاقة تكاملية قائمة على التعاون المشترك، حيث أن الصين تفتقد النفط الذي هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي والتطور الصيني، وتعمل على تغطية هذا النقص من خلال الكويت التي تقوم بدورها بتصدير النفط إلى الصين وفتح أسواق جديدة للصناعات الصينية وتوفير العديد من الاستثمارات التي تدعم نمو الاقتصاد الصيني. كما أن الصين تقوم بتوظيف التكنولوجيا في الكويت بالإضافة الى التبادلات العسكرية.
هذه الاتفاقيات جميعها تحتوي ضمنياً على حماية صينية للكويت في إطار اقتصادي جديد، وتكمن ديمومة العلاقات الصينية – الكويتية بأنها علاقة تشاركية تكاملية غير قائمة على الإملاء والتدخلات السياسية.
وهذا التغيير في التحالفات السياسية في المنطقة العربية يطرح تساؤلات عدة أبرزها:
هل هذا سيكون بداية تغيير في سياسات دول الخليج العربية؟
هل من الممكن أن تكون هذه الاتفاقيات بداية لدور صيني في المنطقة العربية؟
هل سيكون هناك من يحذو حذو الكويت من أشقائها؟

*باحث دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط

Optimized by Optimole