خطر توظيف عاشوراء في الفتنة المذهبية

Spread the love

شجون عربية-
بقلم: محمد حنفي
تكتسب احتفالات ذكرى عاشوراء اهتماماً متزايداً عاماً بعد آخر. في العاشر من محرم من كل عام يتزايد انطلاق مسيرات حاشدة في بلاد مثل لبنان والعراق وإيران واليمن وباكستان والهند وبعض الدول الأفريقية بالاضافة الى احتفالات الجاليات الاسلامية الشيعية في أوروبا والولايات المتحدة وكلها تلفت اهتمام المراقبين في تلك الدول والمجتمعات.
من الطبيعي أن تستثمر هذه الاحتفالات في السياسة وفي التعبئة الدينية بأشكال متفاوتة .
أسهمت عبارة “انتصار الدم على السيف” في تعبئة الجمهور ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان في ثمانينات القرن الماضي واستلهم المقاومون تصميم الإمام الحسين سيد الشهداء وعزمه وتضحيته في مقاومة الظلم وطلب الإصلاح في الأمة ومضوا نحو مواجهة العدو والتضحية بالذات من أجل تحقيق تلك الأهداف السامية. كانت مواجهة النبطية بين المحتفلين بذكرى عاشوراء وقوات الاحتلال الإسرائيلي مثلاً صارخاً على الاندفاع الروحي للمؤمنين لمقاومة الاحتلال.
في بلدان ومجتمعات متعددة أسهمت احتفالات عاشوراء في إظهار قوة ووحدة الجماعة الإسلامية الشيعية .
تستغل وسائل إعلام دولية الذكرى لإظهار الفروقات بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي والسعي لمزيد من الانشقاق، وقد اعتبرها البعض مظهراً للتحدي وإظهار حجم التأييد وصلابته ما يستلزم رداً مماثلاً. ولهذا وضع كثيرون هذه الاحتفالات في إطار التنافس السني الشيعي.
هذه الادعاءات وإن أخذت طريقها في الإعلام نحو العامة في المجتمعات الإسلامية لكنها مخالفة لواقع ذكرى عاشوراء ولحقيقة الصراع الذي كان يخوضه الإمام الحسين.
من دون أن ندخل في التفاصيل الدقيقة يمكننا القول إن الحسين ومجموعة من مؤيديه ممن اصطلح على تسميتهم بالحزب الهاشمي في قريش وهو المنافس للحزب الأموي قد ثاروا ضد يزيد بن معاوية ورفضوا مبايعته وصمموا على القتال حتى الموت على ألا يتراجعوا عن هذا الأمر. وذلك ما حصل فعلاً إذ تمكن جيش يزيد من قتل من تبقى من أهل بيت النبي محمد ومؤيديهم وسبي نسائهم وسوق السبايا من كربلاء الى دمشق.
ما أن هزت هذه الفاجعة ضمير المسلمين في العراق حتى حشد المختار الثقفي جيشه وطارد القادة الذين شاركوا في مقتلة عاشوراء وأبرزهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر بن ذي الجوشن وقتلهم جميعاً وأطلق شعار “يا لثارات الحسين”.
لكن هذا الانتقام لم يمنع الأمويين من بسط سلطتهم وبناء أول إمبراطورية عربية وراثية في التاريخ. توسعت هذه الإمبراطورية ووصلت في عهد الوليد بن عبد الملك الى الأندلس في أوروبا والى الصين في آسيا. لكنها وبالرغم من هذا التوسع شهدت ثورات واضطرابات وقلاقل ما لبثت بعد أقل من مائة عام أن تحولت الى ثورة شاملة قادها الحزب الهاشمي ممثلاً بالعباسيين الذين ينتسبون إلى العباس بن عبد المطلب عم الرسول محمد. انتصر العباسيون وأطاحوا بحكم بني أمية ونفذوا تطهيراً عائلياً وأبادوا بني أمية ونبشوا قبورهم ولم يتركوا أثراً لهم على الأرض.
يرى البعض أنه لغاية ولادة الدولة العباسية لم يكن مصطلح السنة والشيعة متداولاً بل كان النزاع بين الهاشميين والأمويين. وعندما وطد العباسيون سلطتهم وبنوا دولة ومؤسسات اتجهوا الى التدوين والذي لم يعرفه بنو أمية أو عرفوه ولم يصلنا منه شيء. تطورت أعمال التدوين وبعد نحو 150 سنة على وفاة النبي محمد كتب إبن هشام السيرة النبوية وبعدها بعقود بدأ تجميع أحاديث النبي وجمعت في كتاب أهمها صحيح البخاري وصحيح مسلم. كما كتب إبن ماجة والترمذي عن السنن وجميع هؤلاء من الفرس وليسوا عرباً.
لم يكن ورثة الحسين من أهل البيت راضين عن أداء أبناء عمهم العباسيين وبدأت تظهر تكتلات لشيعة أهل البيت داخل الإمبراطورية العباسية. في تلك الأثناء ظهر مصطلح السنة أي من يتبع القران وسنة رسوله كما وردت في كتب السيرة والصحاح، فيما كان للشيعة روايتهم حول سيرة النبي وأحاديثه .
لن ندخل في التفاصيل بل نلفت الانتباه إلى أن الخلاف السني الشيعي ظهر في عهد السيطرة الهاشمية العباسية على السلطة في العالم الإسلامي وأن العباسيين هم من اوجد المذاهب السنية بفقهاء فرس وهم من أباد الأمويين وهم من انتقم لمقتل الحسين. أي أن موقعة عاشوراء لا علاقة لها بما ظهر فيما بعد من خلافات فقهية بين سنة وشيعة وإن توظيف احتفالات عاشوراء من قبل بعض الجهات السياسية والإعلامية في هذه الخلافات لا يستند الى الحقائق التاريخية ويناقضها. كما أن المراجع الفقهية السنية غالبيتها من تأليف فقهاء فرس وأول فقيه، أبو حنيفة النعمان هو فارسي .
إن استغلال عاشوراء والمذاهب الفقهية من أجل فتن سنية شيعية أو عربية فارسية لا يستقيم تاريخياً ولا ينطلي على المطلعين على المذاهب الإسلامية .
فلتكن ذكرى عاشوراء مناسبة للحث على التضحية في سبيل مقاومة الظلم والطغيان وإحقاق العدل وإصلاح شؤون الناس وليس تحفيزاً على تفرقة وتمهيداً لفتنة.

Optimized by Optimole