تأثير ثقافة الحوار في تعزيز التعايش والسلام

الحوار الديني
Spread the love

بقلم د. هيثم مزاحم —
أصبح العالم قرية صغيرة، ويزداد الناس ترابطاً مع بعضهم البعض يوماً بعد يوم. لكنّ ذلك لا يعني أنّ العالم بخير وسلام وأمان حيث تنتشر الحروب وتزداد ضرواتها بالأسلحة الفتاكة وينتشر الإرهاب والتطرف، والتعصب القومي والديني. وعلى الرغم من أن المعلومات والتكنولوجيا والمعارف أضحت متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى التحلي بالحكمة الملائمة للحوار والتعايش السلمي ومنع الصراعات والحروب، وحل النزاعات بين الدول والشعوب وداخل الدولة الواحدة من خلال الحوار والتفاهم والتسامح وقبول الآخر، والقضاء على الفقر أو لتمكين جميع المتعلمين من الوصول إلى هذه المعلومات والتكنولوجيا والمعارف بهدف العيش في تناغم في عالم يتسم بالأمن.

من هنا يجب العمل على نشر رسالة إنسانية ودينية أساسية، هي أنّ السلام أفضل من الحرب، والعيش المشترك بين الشعوب والطوائف ضروري، على الرغم من اختلافاتها العرقية والقومية والدينية والسياسية، وكذلك تعزيز مفاهيم المواطنة والمساواة والعدالة والتسامح وقبول الآخر والاختلاف الديمقراطي والاحتكام في حل الخلافات والنزاعات إلى الوسائل الديمقراطية والسلمية. من هنا يأتي الحوار في مقدمة هذه الوسائل.

وقد شهدنا في لبنان حرباً أهلية سياسية وطائفية دامت 15 سنة ونشهد اليوم نزاعات سياسية ومذهبية وطائفية، وتشهد منطقتنا حروباً وصراعات عسكرية وسياسية ومذهبية، من العراق وسوريا إلى اليمن والبحرين وليبيا، وصولاً إلى فلسطين ومصر ودول الخليج العربية.

ولعل معظم هذه الحروب والنزاعات تقوم بسبب اللجوء إلى القوة والحرب لحل النزاعات أو لفرض سياسة الدول الكبرى على الدول الصغرى. لكن الحوار يمكن أن يحل هذه الخلافات سلمياً من خلال التفاوض والتحاور وقبول الآخر والإيمان بضرورة التسامح الديني والعيش المشترك، وأهمية العلاقات الحسنة بين الدول المجاورة وتفضيلها على الحروب من أجل طموحات توسعية أو خلافات حدودية أو على الهيمنة في المنطقة، أو خلافات مذهبية أو دينية أو سياسية.

ومن المهم اليوم تعزيز ونشر القيم والمواقف والسلوكيات التي تفضي إلى الحوار، واللاعنف وإلى تقارب الثقافات بما يتماشى مع مبادئ إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي الذي ينص على ما يلي:

“لا بد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعاً يوماً بعد يوم، من ضمان التفاعل المنسجم والرغبة في العيش معاً فيما بين أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة ومتنوعة ودينامية. فالسياسات التي تشجع على دمج ومشاركة كل المواطنين تضمن التلاحم الاجتماعي وحيوية المجتمع المدني والسلام. وبهذا المعنى فإن التعددية الثقافية هي الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي. وحيث أنها لا يمكن فصلها عن وجود إطار ديمقراطي، فإنها تيسر المبادلات الثقافية وازدهار القدرات الإبداعية التي تغذي الحياة العامة” (المادة (2): “من التنوع الثقافي إلى التعددية الثقافية”).

لقد أصبح الحوار ضرورة إنسانية وحضارية للتعايش والتفاهم والتعاون في مواجهة العدو المشترك للإنسانية جمعاء، المتمثل في تصاعد وانتشار خطاب الكراهية والتعصب والتطرف والعنف، في المنطقة العربية، وفي المجتمعات الغربية، على يد تيارين:

1- التيار اليميني الشعبوي المتصاعد في الغرب، والذي يرى في الآخر الوافد تهديداً لهويته وثقافته وقيمه وحضارته، وخطراً على وجوده وأمنه ومستقبله. ويعبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جيداً عن هذا التيار وكذلك غيره من الأحزاب اليمينية في أوروبا.

2- التنظيمات المتطرفة في المجتمعات العربية. ويأتي تنظيما داعش والقاعدة في مقدمة هذه التنظيمات الإرهابية التي عاثت في المنطقة فساداً وقتلاً وإرهاباً من تفجيرات للمدارس والمستشفيات والأسواق والمنازل إلى المجازر والإعدامات وأسر النساء الأطفال وبيعهم في سوق النخاسة.

ولتوسيع مساحة الحوار ينبغي على القادة السياسيين وممثلي الأديان والمثقفين والإعلاميين والفنانين، القيام بمزيد من التواصل والزيارات واللقاءات والحوارات الهادفة إلى تمتين جسور التفاهم بين الشعوب والنخب الثقافية والسياسية والاقتصادية، مع ضرورة وجود مراكز حوارية تسهم في تصحيح الصورة النمطية في الجانبين.

من هنا نجد مدى تأثير ثقافة الحوار في تعزيز العيش المشترك بين المواطنين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم ومناطقهم وتوجهاتهم السياسية والفكرية، من أجل تفعيل المواطنية.

Optimized by Optimole