مدينة سورية في الأردن: 80 ألف لاجئ على مساحة 5.2 كلم2

مدينة سورية في الأردن: 80 ألف لاجئ على مساحة 5.2 كلم2
Spread the love

بقلم: مهى يحيَ — تسلّلت الإعلانات والعلامات التجارية أيضاً إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية، كحقائب الظهر التي يحملها الأطفال، وكأنها تذكير دائم لقاطني المخيم بحالة التيه والتخبّط التي يعيشونها داخله بسبب اعتمادهم الدائم على مساعدات الأغيار.

لأن 80 ألف نسمة، معظمهم من جنوب سورية، يقطنون مخيم الزعتري للاجئين السوريين في شمال الأردن، يُشار اليه غالباً كخامس أكبر مدينة في هذا البلد. لكن المخيّم، وإن كان يكتسب تدريجياً خصائص ديمومة مبنية على تلطُّف الغرباء، يبقى أشبه بسجن عملاق أو مساحة خارج نطاق الدولة.

زرتُ المخيم في 23 نيسان/أبريل الماضي، واستوقفتني قدرة لافتة للسكان سيما النساء منهم على الصمود. فعلى الرغم من المشهد القاحل والطبيعة المؤقتة للمساكن، يحاول سكان المخيم إعادة بناء حياتهم ببطء. عمل النساء لا يقتصر على الاهتمام بالمسكن ورعاية الأطفال وأحياناً الأقارب، بل بعضهن انخرط في أعمال مختلفة. تلحظ في المخيم شعوراً قوياً بالانتماء والتضامن الاجتماعي.

في هذه المدينة الأفقية المُتمددة التي يجري حالياً ربطها بالبنى التحتية للدولة، برزت أيضاً أعمال تجارية صغيرة، سمح ازدهارها ببروز بنية طبقية داخل المخيم. كما وُضع نظام واضح المعالم، وإن كان غير رسمي، يتكوّن من “قادة شوارع” مُعيّنين ذاتياً يتولون مهمة تنظيم العلاقات بين مسؤولي المخيم وبين أجهزة الأمن. ويَعتبر البعض أن هذا النظام سهّل بروز قبضايات الشوارع المحليين الذين يُحكمون سيطرتهم على المداخل إلى الخدمات، ويطالبون اللاجئين المعوزين بدفع المال لقاء حمايتهم.

بالنسبة إلى اللاجئين، لم يعد لديهم حياة خارج مخيم الزعتري. تروي جميلة، أحد سكان المخيم، التي فرّت إلى الأردن عام 2012، أن ابنتها قُتلت وجُرِحَ أحفادها خلال المعارك في درعا، “أرض الانتفاضة” كما قالت لي. أضافت: “كان علينا الهروب إلى مكان آمن. لا يمكننا العودة من دون توفّر الأمان مع أطفال لا يستطيعون إعالة أنفسهم. تُقت للعودة إلى منزلي، حتى أنني في أحد الأيام عزمت على العودة إلى درعا سيراً على الأقدام، لكن حارس الأمن عند بوابة المخيم استوقفني ودعاني إلى احتساء القهوة والتحدّث عن مشاكلي. عند انتهاء الحديث، شعرت بالراحة بعض الشيء وعدت أدراجي إلى داخل المخيم. بغض النظر عما سيحصل في المستقبل، فقد بنينا لأنفسنا حياةً جديدة هنا”.

لم يكن شعور عدم اليقين يخالج جميلة وحدها. فقد أعربت نساء كثيرات عن رغبة مماثلة في العودة، لكنهن قلن إن منازلهن دُمّرت. رغم ذلك، لا يرغبن في الهجرة إلى أوروبا، لاختلاف الثقافات، إذ يخشين فقدان سلطتهن على أبنائهن عند بلوغهم الثامنة عشرة، وكذلك من “ضياع بناتهنّ”. يبدو هذا الجهد المبذول للتشبث بنوع من البنية الهرمية للأسرة والتقاليد الاجتماعية مدعاة للاستغراب بين أناس واجهوا انهياراً اجتماعياً كارثياً. مع ذلك، سلّط هذا الواقع الضوء على أن الزعتري هو أكثر من مجرد مخيم للاجئين. فقد بات المكان الذي يحاول فيه السوريون التمسّك بحياة تحطمت فجأةً.

المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط

Optimized by Optimole