كيف يكون العصيان المدني ناجحاً؟

كيف يكون العصيان المدني ناجحاً؟
Spread the love

ثلاثة بيانات متتالية أصدرها تجمع المهنيين السودانيين يدعو الشعب فيها إلى المشاركة في العصيان المدني الشامل الذي سيطبق بشكل أوسع ابتداء من الأحد المقبل 9 حزيران/يونيو.

الدعوة إلى العصيان تأتي عقب مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص من المعتصمين على يد فرقة الدعم السريع التي يرأسها محمد حمدان دقلو نائب المجلس العسكري والمعروف أيضا باسم “حميدتي”.

وكان تجمع المهنيين قد هدد سابقا بتنفيذ عصيان مدني، عقب رفض المجلس العسكري أغلبية مدنية في المجلس السيادي، لكن العسكريين قلبوا طاولة المفاوضات تماما عقب فض الاعتصام ووضعوا خارطة طريق انتقالية تستمر لمدة تسعة أشهر تعقبها انتخابات، وهو مسار يرفضه التجمع.

والعصيان المدني، أو كما يطلق عليه المقاومة السلبية، هو رفض الامتثال لمطالب أو أوامر الحكومة أو سلطة قائمة بالاحتلال، دون اللجوء إلى العنف، ويكون الغرض عادة هو فرض تنازلات على الحكومة أو القوة المحتلة، وذلك وفق تعريف الموسوعة البريطانية.

وكان العصيان المدني بمثابة تكتيك وفلسفة كبرى للحركات القومية في إفريقيا والهند، وحركة الحقوق المدنية الأميركية، وغيرها من الحركات الاجتماعية في العديد من البلدان خلال القرن الماضي.

أحد أبرز من كتبوا في مجال المقاومة السلبية والسلمية، الكاتب الأميركي الراحل جين شارب، رئيس مركز “ألبرت أينشتاين” لدراسات “اللاعنف”، وقد أطلق على شارب إعلاميا لقب “ميكافيللي اللاعنف”، وذلك لإنجازاته الموثقة في هذا المجال.

في كتابه The Anti-Coup “ضد الانقلاب”، يشرح شارب كيفية مواجهة الانقلابات العسكرية من خلال وسائل الكفاح السلمي، والتي تعتمد بشكل رئيسي على استراتيجية العصيان المدني.

وقد أورد شارب في الكتاب قصص نجاح لتجارب الكفاح السلمي ضد الانقلابات العسكرية:

انقلابات فاشلة

وقد نجح الألمان في إسقاط انقلاب 1920 الذي استهدف الإطاحة بجمهورية فايمار التي نشأت عقب ثورة تشرين الثاني/نوفمبر 1918، بعدما شارك الشعب الألماني بكثافة في العصيان المدني الذي امتنع فيه العمال وموظفو الدولة عن التعامل مع قادة الانقلاب، ما أدى إلى فشله بعد أيام قليلة من تنفيذه.

كما نجح الفرنسيون في الجزائر في عام 1961 في مقاومة الانقلاب العسكري الذي استهدف سياسات الرئيس الفرنسي آنداك شارل ديغول.

وقد سيطر جنرالات بالجيش الفرنسي في الجزائر على عدة مدن، فيما كان آخرون يضعون السيطرة على باريس نصب أعينهم.

وقد فشل الانقلاب بعد أيام بسبب استجابة الفرنسيين في الجزائر لأوامر الرئيس ديغول، بعدم التعامل مع الانقلابيين، إذ أضرب آلاف العمال وعطل موظفو المطارات سير الرحلات من خلال وضع العربات على مدارج الطائرات.

في روسيا، حاولت لجنة الدولة لحالة الطوارئ عزل رئيس الاتحاد السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في 19 آب/أغسطس 1991، بحجة عجزه عن أداء مهامه بسبب تدهور حالته الصحية. وقد فرضت اللجنة سيطرتها العسكرية على العاصمة موسكو.

لم يستمر الانقلاب إلا ثلاثة أيام فقط، بعدما اجتمعت الحشود في وسط العاصمة، ووضع المتظاهرون المتاريس في شوارع موكسو ووزعوا المنشورات بمشاركة فئات مختلفة من الشعب في العصيان المدني.

​أشكال العصيان المدني

يقول شارب إن استراتيجية مقاومة الانقلابيين تقوم على مبدئي “اللا تعاون”، و”المواجهة” السلمية، وهذا تحدده كل مجموعة بحسب مجالها ومهنتها،

فعلى سبيل المثال:

– عمال المواصلات، كسائقي الحافلات وموظفي السكة الحديد والمطارات، يحددون الطريقة الأمثل إما بشل حركة المواصلات تماما من أجل عزلها عن سيطرة الانقلابيين أو تقليص معدل تشغيلها.

– في مجال الاتصالات، يجب الإبقاء على خدمات الهواتف والإنترنت التي يستفاد منها في تنسيق وتنفيذ تكتيكات المقاومة السلمية، ويجب التحضير لوسائل اتصال احتياطية في حين قررت الحكومات تعطيل شبكات ووسائل الاتصال عبر البلاد.

– إذا لم يستطع موظفو الخدمة المدنية الإضراب بشكل مطلق، فيمكنهم مواصلة عملهم في المكاتب الحكومية حتى لو كان مديروهم انضموا إلى الانقلابيين، لكنهم يستطيعون الاستمرار في مواجهة الانقلابيين من خلال المماطلة البيروقراطية والإخلال بالإجراءات الحكومية المهمة التي تصب في صالح الانقلابيين.

– يمكن للنقابات العمالية أن ترفض الرضوخ لمحاولات الانقلابيين من أجل التحكم في الأنشطة الاقتصادية المباشرة.

​العصيان المدني الطويل

يقول شارب إن نجاح العصيان المدني يعتمد على عوامل رئيسية مثل التكافل بين القوى الثورية، وروح المقاومة، وقوة المجتمع، ومدى التزام الناس بالكفاح السلمي، وكيفية إضعاف الانقلابيين.

وإذا أراد الناس الاستمرار في نهج دفاعي على مدى طويل، فإن عليهم مراعاة أمرين هامين:

الأول: يجب منع المعتدين من الحصول على أي أهداف رئيسية من وراء الدكتاتورية التي يمارسونها، سواء كانت مكاسب اقتصادية أم أيديولوجية أم سياسية.

لذلك سيقاوم الثوار من مختلف المهن والوظائف في أمور محددة فقط، كأن يستخدم العمال الإضرابات والتأخيرات والمعوقات، وكأن يشرح المدرسون المناهج من دون ممارسة أي دعاية سياسية لصالح الحكومة الانقلابية، وكأن تقبض قوات الشرطة على المجرمين دون المساس بالمحتجين الديمقراطيين.

الثاني: حماية استقلالية المؤسسات المجتمعية، كالنقابات والمحاكم والمدارس والجماعات المهنية والعمالية، والتي تعتبر عماد المقاومة السلمية والعصيان المدني.

يقول شارب إن سيطرة الانقلابيين على هذه المؤسسات ستؤثر سلبا على الكفاح السلمي على المدى الطويل.

ألوان النضال السلمي

في كتابه “من الدكتاتورية إلى الديمقراطية”، يضع شارب أنواعا مختلفة من النضال السلمي تتضمن العصيان المدني، والذي يشمل بدوره العصيان الاجتماعي والاقتصادي وبالطبع السياسي.

فيما يخص العصيان السياسي، عدد شارب عشرات التكتيكات التي يستطيع أنصار الديمقراطية استخدامها، مثل مقاطعة الهيئات التشريعية ومقاطعة الانتخابات ومقاطعة المراكز والوظائف الحكومية والدوائر والوكالات والهيئات الحكومية، ورفض مساعدة الجهات التنفيذية، ورفض حل المؤسسات القائمة.

أما فيما يخص العصيان الاقتصادي، فهناك الإضرابات الزراعية والصناعية والجزئية التي تتقيد بمقدار زمني محدد، بالإضافة إلى الامتناع عن قبول النقد الحكومي، والامتناع عن دفع الرسوم والمستحقات والضرائب الحكومية.

المصدر: موقع الحرة

Optimized by Optimole