“الري بالخوابي لتوفير المياه”

Spread the love

تأليف: الدكتور ك. جوبال. مدير مركز المصالح البيئية. حيدرآباد. الهند/
خاص “شجون عربية”
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو/

يسعى مركز المصالح البيئية في حيدر آباد في الهند لمواجهة نقص المياه وتوفير طريقة ري شاملة تلائم المناطق ذات الهطول المطري المنخفض. قام المركز بتطوير نظام يوفر الرطوبة المضمونة والموجهة مباشرة لمنطقة الجذور.

تظهر الاختبارات الأولية فوائد جمة إذ لا يتطلب هذا النظام سوى خُمس (20%) كمية المياه اللازمة في نظام الري بالتنقيط وفي الوقت ذاته يدعم نظاماً ايكولوجياً صحياً في التربة.
يكمن سر فعالية هذه الطريقة بالترطيب التدريجي للتربة عوضاً عن تقديم المياه دفعة واحدة.
تعاني المناطق شبه الجافة في الهند من تدني كميات الأمطار وفترات جفاف قد تطول أحياناً بين مواسم الأمطار مما يجعل الزراعة بالغة الصعوبة ويؤثر على أعداد كبيرة من المزارعين الصغار حيث يعتمد معظمهم على التهطال الموسمي من أجل الري.
لجأت الحكومة الهندية في ضوء ندرة المياه إلى الري السطحي عبر الأقنية مستفيدة من مخازين السدود والبحيرات وسحب المياه الجوفية من أعماق تزيد يوماً إثر يوم وتطبيق الري بالتنقيط واستخدام البيوت الزجاجية.

ساعد توجيه الموارد المائية في مناطق معينة لزراعة محاصيل الحبوب على تحويل الهند من “وعاء الاستجداء إلى سلة الخبز” ولكن كثير من مناطق الثورة الزراعية تلك تعاني من التملح الشديد وتشهد انخفاضاً في الإنتاجية.
كما أن الاستخدام غير المستدام للمياه أدى إلى استنفاذ مخزون المياه الجوفية بشكل متسارع مما دعا رئيس الوزراء إلى إطلاق حملة” محصول أكبر مقابل كل قطرة”. وما لم تتحسن جدوى استخدام المياه والتربة وابتكار حلول زراعية جديدة لن تتحقق الآمال الكبرى المعقودة عليها.
تقنية الري.
عمل مركز المصالح البيئية على مدار العقود الثلاثة الماضية على تحسين الظروف المعيشية للمزارعين في المناطق المعرضة للجفاف في اندرا براديش. توصل المركز إلى قناعة جازمة بأن الري هو المفتاح لنجاح أية زراعة. ولذلك عملنا على استنباط حلولاً بديلة تخفف من استخدام المياه والعمالة إلى الحد الأدنى بحيث يتمكن كافة المزارعين في المناطق المعرضة للجفاف من الوصول لمياه الري عند الحاجة.

جذور تقليدية.

تبين لنا خلال تبادل أطراف الحديث مع العديد من المزارعين حول تخفيض الاحتياجات المائية ورفع فعاليتها أن الكثير من المزارع المقدسة التي احتوت على الفواكه والنباتات الطبية ونباتات الزينة قد زُرعت ونجحت باستخدام جرار فخارية مدفونة تحت سطح التربة. تستفيد هذه الطريقة التقليدية لزراعة الأشجار باستخدام القليل من الماء من مقدرة التربة والجذور على الارتشاف بالتوازي مع خواص التعرق(النضح) والتحرير البطيء للمياه في الجرار الفخارية.
تكمن المشكلة في توفير المياه لكل جرة بشكل فردي وعدم تناسق الجرار ومشاكلها المتمثلة في الانسداد على سبيل المثال. ولذلك قررنا استخدام المعرفة والمواد الحديثة والاستفادة من تجارب المزارعين.

كان الهدف الأساسي لتصميم نظام الري الجديد تخفيض الاحتياجات المائية للنبات عبر توفير المياه لمنطقة الجذور على شكل رطوبة ملائمة ومضمونة وموزعة بشكل متناسق.
إضافة إلى ذلك يجب أن يعمل النظام بدون الحاجة للكهرباء وفي الوقت ذاته يكون تلقائياً للتخفيف من العمل الشاق.
بعد سنتين من الأبحاث العملية توصلنا إلى أول نموذج واختباره على أرض الواقع.
تحقق الهدف الأول أي وصول المياه إلى منطقة الجذور ولكننا عانينا من بعض المشاكل مثل انسداد الأنابيب. بعد عامين من تعديل التقانة وفي بداية عام 2014 تم تجربة المنتج النهائي الذي أطلقنا عليه اسم نظام المياه للزراعة الاحيائية في مزرعة تجريبية لأشجار الفاكهة.
آلية العمل.
يتم حصاد مياه الأمطار أو يضخ الماء من مصادر المياه القريبة من الموقع. ثم يضخ إلى خزان مرتفع عن سطح الأرض باستخدام مضخة يدوية.
تنقل أنابيب كبيرة الماء إلى الحقل. ويتفرع من هذا الأنبوب أنابيب فرعية أصغر قطراً مقاومة للأشعة فوق البنفسجية والقوارض توصل الماء إلى خطوط الأشجار.
وقرب كل نبات يرشح منقط خاص الماء ببطء عبر أنبوب إلى جرة فخارية مدفونة في التربة.
توضع الجرة(الخابية) على عمق 30 سنتيمتر تحت سطح التربة قرب منطقة جذور النبات. يخرج من كل جرة أنبوبين شعريين مجهزين بكيس رملي تسمح للماء بالرشح ببطء عبر التربة. بعد وقت قصير تبدأ الجرة بالتعرق ويعتمد ذلك على مقدرة الارتشاف لكل من التربة وجذور النبات. يتم تنظيم كمية المياه الواردة للخوابي عبر صمامات معايرة بحيث تصل لجميع النباتات عبر الاسالة ودون حاجة للضخ.
ومن أجل تسهيل النمو الميكروبي وتوزيع الرطوبة بشكل متناسق أضفنا ملقحات ميكروبية مجهزة في الموقع.
النتائج الأولية.
تبدو النتائج الأولية واعدة. إذ لم تتجاوز الاحتياجات المائية سوى 20 إلى 25% من الكمية المستخدمة في الري بالتنقيط. وبالرغم من استخدامها لقليل من المياه كان نمو النباتات ممتازاً من حيث الساق وتعداد الأوراق والحجم والنضج المبكر للثمار. بقيت رطوبة التربة لمدة أسبوع بعد عملية الري. لم يكن هناك أية أعشاب ضارة لعدم توفر رطوبة على سطح التربة ونمت الكائنات الدقيقة في التربة بشكل رائع ونتيجة للبيئة الملائمة للأوكسجين والرطوبة في التربة.
قمنا في عام 2015 بتأسيس حقولاً للمقارنة بين الري بالتنقيط والري بالخوابي وتشير النتائج إلى تفوق الأخيرة بشكل كبير. وبما أننا مررنا بموجة حر شديدة ونقص في المياه عبر الولاية لاحظنا تأثيرها على مواقع التجارب. وشهدنا أيضاً ملاحظة ملفتة للنظر.
إذ تمكنا من المحافظة على حياة النبات حتى موسم المطر التالي عند استعمال طريقة الري بالخوابي فيما فشلت النباتات المروية بالتنقيط في هذا الاختبار.
أبدت النسوة المشاركات في التجربة ملاحظة قيمة عندما قالت إحداهن:” تعمل الخابية كالأم التي تطعم كافة أفراد الأسرة بما تيسر من طعام بينما يشبه الري بالتنقيط الرجل الذي يستولي على معظم الطعام لنفسه ويذر الفتات لبقية العائلة.”
نسعى عبر التجارب التالية لاستكشاف منظور تخفيض الاحتياجات المائية بشكل أكبر عبر الري بالخوابي.
قمنا في عام 2015 بتجربة النظام في زراعة الخضار والزهور. وأظهرت تلك الطريقة نتائج مباشرة خاصة على مدخول المزارعين وصحة النباتات والتربة. وتبين لنا في الخضار والفواكه حيث تكون الزراعة على مسافات متقاربة استخدام ثُمن (12%) كمية المياه بالمقارنة مع الري بالتنقيط.
حصل الري بالخوابي على الجائزة العالمية للابتكار في مجال المياه والتحريج في المعرض الزراعي الدولي في باريس. لا شك أن تقبل التقانات الجديدة يتطلب بعض الوقت ورغم مشاركة المزارعين في هذه الابتكارات سوف يكشف الاختبار الحقلي لتلك الابتكارات وتطويرها المزيد من القيمة العملية لتلك التقانة على المزارعين الذين يصارعون الجفاف. تبدو الهند سوقاً كبيرة ذات حاجة ماسة لتقانات الري الفعالة.
لقد حان الوقت للتحول من الزراعة المعتمدة كلياً على الأمطار إلى حصاد وتخزين مياه الأمطار واستخدامها بشكل فعال لزراعة المحاصيل.
سيجعل الاستخدام الأمثل للمياه أي توفير الرطوبة بدلاً من “أحمال مركزة” من المياه-بالترافق مع الممارسات الزراعية السليمة مثل تحسين التربة-الزراعة في الهند أكثر استدامة ويقدم مداخيل محسنة للمزارعين الصغار.

المصدر: https://issuu.com/agricultures/docs/31-3-water

مجلة LEISA الهولندية.