الرقة بين خروج “داعش” والانسحاب الأميركي منها

Spread the love

دمشق – تقرير علياء محمد — مضى أكثر من عام على تحرير مدينة الرقة من سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي، ولا يزال معظم أهاليها خارجها فيما يواصل بعضهم العودة إلى المدينة المدمرة، مع دخول فصل الشتاء، حيث يعيش بعضهم في مخيماتٍ على أطراف المدينة وضواحيها.
وتتبع الرقة إلى محافظة الرقة وهي محافظة تقع شمال وسط سوريا على الضفة الشمالية لنهر الفرات، على بعد 200 كيلومتر شرق مدينة حلب.
وتقول بعض المصادر إن الرقة قد أنشئت نحو عام 244 قبل الميلاد وسميت في البداية كالينيكوس، نسبة إلى سلوقس الأول، مؤسس المدينة. وكانت في العصر البيزنطي مركزاً اقتصادياً وعسكرياً.
وفي عام 639 ميلادية فتحت الجيوش العربية الإسلامية المدينة وتحولت تسميتها إلى الرقة وتعني في اللغة العربية الصخرة المسطّحة.
ونظراً لأهميتها التاريخية، يوجد في محافظة الرقة العديد من الآثار المهمة وفيها متحف تاريخي صغير يسمى متحف الرقة. وقد كشفت الحفريات فيها عن آثار تعود إلى العصر العباسي (750 هـ – 1258ه). ومن أهم الآثار الباقية في المدينة قصر العذارى أو قصر البنات، والجامع الكبير الذي بُني في القرن الثامن الميلادي. تحتوي المدينة القديمة أيضاً على أضرحة عدد من الشخصيات الإسلامية، منهم الصحابي عمار بن ياسر وأويس القرني وهاشم بن عتبة .

وفي عام 772 بدأ الخليفة العباسي المنصور ببناء عاصمة صيفية للدولة العباسية بالقرب من الرقة، سميت الرافقة. بنيت المدينة الجديدة بشكل حدوة فرس على الطراز المعماري لبغداد، وسرعان ما اندمجت مع الرقة. وبين عامي 796 و808 ه جعل الخليفة العباسي هارون الرشيد الرقة عاصمة له أيضاً، وأصبحت المدينة مركزاً علمياً وثقافياً مهماً.
وفي عام 1258 دمر المغول الرقة .
في عام 1981 تم افتتاح متحف الرقة الأثري والشعبي في مبنى السرايا القديم، الذي قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بترميمه وإعداده ليكون متحفاً يضم آثار محافظة الرقة من العصور الرومانية والبيزنطية والعصور العربية الإسلامية.
يبلغ عدد سكان المحافظة حوالي مليون نسمة قبل الحرب التي اندلعت عام 2011 في سوريا.
في عام 2013 سيطر تنظيم داعش على محافظة الرقة وعاصمتها الرقة، وجعلتها عاصمة “الخلافة” المزعومة. وبذلك تكون محافظة الرقة أول محافظة تخرج عن سيطرة الدولة في سوريا.
كما سيطرت قوات سوريا الديمقراطية، تحالف فصائل كردية وعربية تدعمه واشنطن، في 17 تشرين الأول/على مدينة الرقة التي كانت تعد المعقل الأبرز لتنظيم داعش في سوريا، بعد أربعة أشهر من المعارك والغارات الكثيفة مع وجود “30 ألف منزل مدمرين بالكامل و25 ألفاً شبه مدمرين”.

وفي 17 تشرين الأول – أكتوبر من عام 2017 سيطرت “قوات سوريا الديمقراطية” ذات الغالبية الكردية على المدينة وبعض مناطق المحافظة بدعم أميركي، وذلك بعد تدمير 70% من المدينة، بعد أربعة أشهر من المعارك والغارات الكثيفة مع وجود 30 ألف منزل مدمرة بالكامل و25 ألفاً شبه مدمرة. وتشير تقارير إلى حصول صفقة بين “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية قضت بالسماح بخروج مقاتلي “داعش” منها مقابل تسليم المدينة للقوات الكردية.
يتحدث معظم سكان محافظة الرقة اللهجة الرقاوية وهي لهجة عربية بدوية، تأثرت بمعظم اللهجات المجاورة كاللهجة الحلبية والشامية والعراقية وغيرها، وتتميز هذه اللهجة بخصوصيتها ومفرداتها.
وعلى الرغم من تحرير الرقة من تنظيم “داعش”، فإن المدينة لم تخرج من دمارها الكامل بعد. وأكدت “منظمة العفو الدولية” أن المدينة غارقة في الدمار بنسبة 80 في المئة وأن عملية انتشار الجثث من تحت الأنقاض مستمرة في بعض مناطق المدينة.
واستخرجت الفرق المحلية أكثر من 2500 جثة من مقابر جماعية في الرقة خلال عام فقط منذ خروج تنظيم داعش منها حتى تشرين الأول – أكتوبر 2018، بحسب منظمة “العفو الدولية”.
وقد انتدبت مدينة الرقة مجلسًا مدنيًا تابعًا لها لإدارة المدينة، تحت مسمى “مجلس الرقة المدني” الذي بدوره أعلن تأسيس لجنة الشباب والرياضة لتفعيل جميع الأنشطة الرياضية.

وأنشئ ملعب الرقة في عام 2006، لكن تنظيم داعش اتخذه سجنًا للمعتقلين في أثناء سيطرته على المدينة وكان يطلق عليه “النقطة رقم 11”. ويطالب الرياضيون في المدينة بإعادة تأهيل ملعب “الرشيد” كونه يشغل ألعابًا للفرق الشعبية وخاصة كرة القدم.
كما تم تأهيل الملاعب الموجودة في ريف المحافظة مثل قرى حزيمة والحكومية وتل السمن، إضافة إلى العمل على إعادة تأهيل نادي الفروسية.
تضم محافظة الرقة مدناً عديدة هي الثورة، تل أبيض، معدان، عين عيسى، المنصورة. كما تضم مناطق هي المنطقة الوسطى ، المنطقة الشرقية، المنطقة الغربية، المنطقة الشمالية، المنطقة الجنوبية والحمرات.
ومن يزور الرقة أو يشاهد فيديوات وصوراً لها، يرى حجم الخراب والدمار الهائل في مبانيها وبناها التحتية، نتيجة المعارك العنيفة التي دارت في المدينة التي اتخذها تنظيم “داعش” عاصمة له لثلاث سنوات، وكذلك نتيجة القصف العنيف والممنهج للتحالف الدولي بزعامة واشنطن.
وتقدر منظمات دولية دمار نحو 80% من مدينة الرقة، إلا أن سكانها يحاولون ترميم بيوتهم ومتاجرهم، التي باتت تكلفهم الكثير مادياً بسبب عدم توافر بعض المواد الأساسية للبناء، وغلاء ثمنها، إضافة إلى عدم وجود مشاريع رسمية ودولية بعد لإعادة إعمار المدينة.
ويمكن لزائر تلك المدينة رصد بيوت تبدو مهجورة، لكن هناك أناساً يعيشون بداخلها، فهم لم يتمكنوا من ترميم بيوتهم لسوء أحوالهم المادية، لذا تأقلموا مع العيش وسط الدمار والخراب.

ويعيد الناس أسماء شوارع المدينة الأصلية بعد منحها “داعش” أسماء تدلُّ على القتل. فخلال سيطرة التنظيم على الرقة، تغيّرت أسماء أماكنٍ كثيرة في المدينة، ومنها دوّار النعيم الّذي أطلق عليه الأهالي آنذاك اسم “دوّار الجحيم”، بالإضافة إلى دوّار الدلة الّذي أطلقوا عليه اسم “دوّار الموت”. فهذه الأسماء تدّل على وحشية التنظيم في التعامل مع السكان واتخاذه لتلك الأماكن ساحةً لجرائمه كالإعدام رمياً بالرصاص أو نحراً بالسكاكين، لكنهم اليوم يعيدون أسماءها القديمة وكأن شيئاً لم يكن.
ولا تزال الألغام التي تركها التنظيم الإرهابي موجودة في المدينة والمحافظة بأعداد مخيفة، ويتطلب التعامل معها الدقّة والحذّر.
وتعاني الرقة من نقص في الخدمات الطبية، فأكبر مستشفياتها والّذي يُطلق عليه “المستشفى الوطني” لا يزال خارج الخدمة ويبدو مدمراً بشكلٍ جزئي رغم إزالة المفخخات من بعض الغرف الّتي لم تُدمّر، فقد كان المستشفى بمثابة القلعة الّتي تحصّن فيها مقاتلو التنظيم خلال سيطرتهم على المدينة.وتسعى منظمة “أطباء بلا حدود” في الوقت الراهن إلى ترميم أقسامٍ من المستشفى، إلا أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً.
ومع اقتراب انسحاب القوات الأميركية من سوريا، والتي تقيم قواعد لها في شمال وشرق سوريا وبخاصة في محافظتي الرقة ودير الزور، فإن هناك خشية من محاولة “داعش” تنظيم قواته والهجوم مجدداً على بعض مدن وقرى محافظتي الرقة ودير الزور. كما أن ثمة احتمالاً لحصول مواجهات تركية – كردية في الشمال السوري، أو محاولة الجيش السوري وحلفائه لدخول محافظة الرقة ومدينتها وإعادة السيادة السورية عليها.

Optimized by Optimole