“مهرجان سينما الشباب”: السينما السوريّة ترثي قاماتها الراحلة وتشجع طاقاتها الشابة

Spread the love

{المخرج باسل الخطيب رئيس لجنة تحكيم المهرجان: الشباب مستقبل السينما السورية، رغم أن أمامهم طريق شائك وطويل ،لكن التحديات الصعبة تقود لنجاحات غير متوقعة}

{الأستاذ نضال قوشحة: التحدي يمكن دائماً بقدرة المؤسسة على الاستمرار بإطلاق هذا المشروع سنوياَ}

{الناقد السينمائي علي العقباني: يجب الاشتغال على النصوص المختارة، وإنشاء ورشة عمل كي نقدم قالباً سينمائياً عالياً يخرجنا من إطار الهواة الذي يطولنا بالانتقاد}

{الممثل السوري عارف الطويل: هذا أول تكريم لي، أحصده ببلدي على مجمل أعمالي الفنية!}

خاص شجون عربية – تقرير: بيان عزالدين – تصوير: هيا الباشا |

كعادتها، لا تزال المؤسسة العامة للسينما السوريّة مواظبة على الاستمرار بطرح مشروع دعم سينما الشباب الذي يقوم بإنتاج أفلام سينمائيّة روائية قصيرة عدة، تتم صناعاتها من قبل مجموعة شباب هواة لا يملكون سوى روح المغامرة، والاعتماد على الفن للتعبير عن اشتباكاتهم مع واقعهم المعاش. وسرعان ما وجدوا بهذا المشروع ملاذهم وتنافسوا للتقديم عليه، حالمين بتحصيل فرصة عالمية تبدأ أولى خطاها من تجربة محلية، غير آبهين بما يدور حولهم من حروب مدمرة وأوبئة قاتلة.
بالفعل هذا ما رأيناها يوم أمس بدار الأوبرا القائمة في العاصمة دمشق، التي شهد مسرحها حفل ختام فعاليات مهرجان سينما الشباب بدورته السابعة على التوالي، بحضور وزير الثقافة الأستاذ محمد الأحمد، والقائمين على هذا المهرجان، إلى جانب ثلة من نجوم الفن السوري الذين حظيوا بلفتة تكريمية تقديراً لمسيرتهم الفنية، ونال الفائزون نصيبهم من الجوائز المشجعة لقدراتهم على إثبات ذواتهم بالسينما السورية مستقبلاً.
تضمن الحفل رثاء لصناع السينما الذين فارقوها هذا العام أمثال المخرج ريمون بطرس، والناقد بندر عبد الحميد، وعروضاً شبابية راقصة، إلى جانب بروتكولات تقليدية.

*دورة مهرجانية جديدة شكلاً ومضموناً*
أبصرت دورة مهرجان سينما الشباب السابعة النور بعد ما طالتها تأجيلات عدة فرضتها الاجراءات الاحترازية التي ترافقت مع انتشار أزمة كورونا العالمية، حول هذه الدورة الجديدة أخبرنا واحد من الأعمدة الإدارية في المؤسسة العامة للسينما الأستاذ نضال قوشحة قائلاً “نسعى خلال كل دورة مهرجانية جديدة إلى ضم طاقات شبابية متحمسة للتجربة على أمل أن نقدم لهم ما يليق بموهبتهم، بالتالي عليهم عرض أفضل ما لديهم من أفكار”. وأضاف: “التحدي يمكن دائماً بقدرتنا على الاستمرار بإطلاق هذا المشروع سنوياً”.
عن كمية الأفلام السينمائية التي قدمها المهرجان أخبرنا قوشحة :” انخفض عدد الأفلام من 30 فيلماً إلى 23 منتجاً، نتيجة أسباب عدة لكن أبرزها الخلخلة الزمنية التي خلقتها حالة الحجر الصحي، لكن في رأيي العدد ممتاز ويستحق قيام حدث يفتح المجال أمام صناع الأفلام لتقديم أنفسهم أولاً، ولجمهور السينما الشبابي لمشاهدة النتاجات ثانياً”.
عند سؤالنا له عن رأيه بعودة الحركة الثقافية والفنية إلى البلاد بظل استمرار كوفيد 19، هل شهد الفيروس تهويلاً إعلامياً يفوق حجم خطورته أجابنا قوشحة معبراً: عودة استمرار الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، شجع رديفاتها الثقافية على الحركة مع مراعاة الاجراءات الوقائية المجسدة بالتباعد والاجتماعي والتعقيم.
وتابع قوشحة القول “في رأيي الشخصي كوني لست مختصاً بالطب والجوائح أرى ثمة دعاية اعلامية حيكت حول الفيروس، وأوضح: “في المقابل هناك دول أوروبية طبقت الحد الأدنى من الاجراءات ومازالت وتيرة الحياة قائمة بشكل سليم، لاسيما أنه صاحب ظل ثقيل ربما سيستمر طويلاً، لابد من التأقلم معه” .
وتفاءل قوشحة خيراً بالجمهور السينمائي الشبابي الذي تعد نسبته جيدة مقارنة بكل الظروف المحيطة.

*لجنة تحكيمية متنوعة *
تنافس في المسابقة الرسمية للمهرجان ثلاثة وعشرون فيلماً قصيراً من الأفلام المُنتجة، شهدت لجنة التحكيم للمهرجان هذا العام تناغماً يشمل صناعة الفيلم كافة من نص وإخراج مروراً بالتمثيل، وصولا للموسيقى التصويرية التي تعد الحس الخفي للطرح الفني.
ترأس لجنة التحكيم المخرج باسل الخطيب، وضمت عضويتها كلاً من المايسترو عدنان فتح الله والممثلة كندا حنا.
عن رؤية اللجنة التحكيمية بسوية الأفلام المقدمة صرّح المخرج باسل الخطيب قائلاً: “بالبداية أوجه الشكر إلى وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما على هذا المشروع الفني، شاهدنا خلال الفترة الماضية 23 فيلماً جميعها مختلف، لكن ما يشجع وراء كل فيلم يوجد مخرج أو مخرجة حالم بمشروع سينمائي خاص به يعبر عن أفكاره”. وتابع الخطيب: “الشباب مستقبل السينما السورية، رغم أن أمامهم طريق شائك وطويل، لكن دائماً التحديات الصعبة تقود لنجاحات غير متوقعة”.
بدوره، قدم الخطيب نصيحة فنية للشباب كي لا يتوقفوا عند تجربة المهرجان وحسب، بل عليهم المضي بخطوات أكبر لخص بها القول:” هذه المهنة اسثنائية، والإخراج السينمائي حياة يعيشها الإنسان تتطلب منه ولاء مطلقاً وشغف المتابعة لتطوير أدواته. وأكد الخطيب: “مفتاح التميز يكمن بالاجتهاد والاطلاع على تجارب الآخرين الصحيحة والمغلوطة، وألا يكون للإحباط والفشل تأثير على عزيمته المهنية”.

*لفتة تكريمية للجيل الذهبي”
تضمن حفل توزيع الجوائز وتكريم عدد من المبدعين، هم: الفنان أسعد فضة، الفنانة وفاء موصلي، الفنان عارف الطويل، ومشرف الإضاءة ابراهيم مطر.
أمام هذه الحالة عبر الممثل عارف الطويل عن امتنانه لها قائلاً: يعني لي التكريم كثيراً، كيف اذا كان من بلدي، وهذا لتكريم الأول لي في سوريا على مجمل أعمالي الفنية .
حول رأيه عن السينما السورية الجديدة ونتاجاتها القادمة التي له نصيب بها قال: “دور السينما مرتبط بدور الفن والثقافة اللذين يعتبرا الرافعة الحقيقية لنا كي نخرج من واقعنا المرير، وآثار الحرب الظالمة التي شهدناها على مدار عشر سنوات”.

*رؤية نقدية تفسر حدوث هكذا فعالية *
ربما يرى البعض بإطلاق فعاليات ترفيهية أمر لا يليق بالحالة الواقعية التي يكابدها السوريون اليوم، المتراوحة بين حصار اقتصادي أو ترد مستوى معيشي، وما يخلفوه من عدم قدرة الكثير من المواطنين التواجد بقاعة عارضة لتظاهرة سينمائية هاوية!
لكن للأمر منظوراً آخر، يتمثل باعتبار الأحداث الثقافية مثل أي صناعة وطنية تضمن قطاعاتها
يد عاملة، وتصدر نتاجاتها اسم بلدها للخارج.
ومن المعلوم امتلاك الناقد عين ثالثة شاركنا بنظرتها الأستاذ علي العقباني متحدثاً عن هذه الدورة المهرجانية قائلاً: “بظروف استثنائية قام الحدث، لأن من المفترض حضّر له مجموعة من الأفلام العربية المشاركة والضيوف، هي حصيلة سنوات طويلة من الاشتغال على الشباب، ويفترض تطورها نحو الأفضل، لكن مازالت بحاجة لدقة”.

حول الحديث الدائر عن إمكانيات بعض الشباب لا تتناسب مع الفرصة المستحقة، يوضح عقباني بالقول: “الشباب يقدمون سيناريو فقط، والإشكال يكمن بآليه تنفيذه، نحن لا نحدد لهم ما يتوجب كتابته بالنص ، بدوري اطلعت على عدد من السيناريوهات المنفذة ولاحظت مفارقة قسم كبير منها نفذ بطريقة مختلفة نتيجة الظروف الانتاجية الخاصة التي تتعلق بضيق الوقت، ضعف الميزانية، لذلك ينجح الفرد الذي يكون نصه مطابق للمواصفات المتاحة! هذا ما تميز به صناع هذا العام”.
وأضاف عقباني: “مهما تعددت الفرص البقاء للموهبة، خلال هذا المشروع ندير العملية السينمائية أمام الجميع، ونستخلص الأكثر استحقاقاً، لأنها تبقى تجارب أولية لم تكتمل بطريقة احترافية”.
عن تساؤلنا حول الآلية التي يجب اتباعها لنهوض بهذه الفكرة، أوضح العقباني قائلاً: يجب الاشتغال على النصوص المختارة، وإنشاء ورشة عمل تشمل الشباب والخبراء تعيد صياغتها بقالب يتناسب مع إمكانية إنتاجها، كي نقدم قالباً سينمائياً عالياً يخرجنا من إطار الهواة الذي يطولنا بالانتقاد.
نوه العقباني إلى كمية النتاجات المتعددة وعدم إمكانية استبدالها بأعداد قليلة يعود لسبب كثرة النصوص المقدمة التي وصلت هذا العام إلى 120 سيناريو، اختير منه 20 واحداً والباقي مختصة بطلاب دبلوم الاخراج السينمائي الذين ملزمون بتقديم أفلام أيضاً. وتابع: هذا النظام متبع بكافة دول العالم لديك مصر مثلا تنتج 25 فيلماً روائياً طويلاً لا يتصدر الشهرة منهم سوى 4 طروح.

بدورنا طرحنا تساؤل ازاء الهجوم النقدي الذي تتعرض له السينما السورية مؤخراً، لاسيما من قبل أشخاص كانوا يوماً ًما تحت مظلتها، أجابنا العقباني قائلاً: “في رأيي هذا أمر طبيعي، واللوم ليس على المؤسسة العامة للسينما التي يمكن أن تقدم أكثر من فرصة للشخص الواحد، لكن السبب الجوهري يكمن بغياب الصناعة السينمائية لدينا، هذا ما لمسنا عبر التظاهرة التي فسحت المجال أمام القطاع الانتاجي الخاص لتقديم نتاجاته، للأسف بدت خارج المستوى الفني المقبول، حتى على صعيد المشاهدة”.
وأضاف العقباني ناصحاً: “مقولتي الدائمة للشباب أنت أمامك فرصة فنية قدمت لك من قبل جهة حكومية استثمرها بشكل صحيح، لأن القطاع الخاص لن يغامر برأس ماله مع مبتدأ”. وأكد: “بالتالي اسعى إلى تقديم نفسك بشكل جيد يليق بسوية طموحك، لا تكتفي بتمرير اسمك وحسب، دع عنك النقد المبالغ به غالباً ما يكون ناتجاً عن نظرة عشوائية، بعيدة عن المتابعة الدقيقة للنتاجات السينمائية”.

Optimized by Optimole