تراجع ترامب عن توجيه ضربة لإيران لا يعني انتهاء الأزمة

Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —

الانعطاف الذي قام به رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، بقراره التراجع عن توجيه ضربة إلى إيران رداً على إسقاطها طائرة التجسس الأميركية من دون طيار الأسبوع الفائت، لا يمثل بداية النهاية للأزمة في الخليج، بل لا يمثل نهاية البداية حتى.
إن الهجمات الإيرانية ضد أهداف تابعة لحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط (وعلى هدف أميركي، في حادثة الطائرة من دون طيار) لم تحقق أهدافها، حتى الآن. في المقابل، لم تحصل طهران أيضاً على ما يمكن اعتباره تجسيداً مدوياً للثمن الذي قد تدفعه لقاء أعمالها. ولذا من المحتمل جداً أن تتواصل العمليات الإيرانية، سواء بواسطة تنظيمات تابعة مثل المتمردين الحوثيين في اليمن أو المليشيات الشيعية في العراق، أو بواسطة منظمة الحرس الثوري الجمهوري نفسها، من دون تحمّل مسؤولية رسمية عن هذه العمليات. وأول أمس (الأحد)، أفادت بعض التقارير بأن طائرات من دون طيار تابعة للمتمردين الحوثيين في اليمن شنت غارات على اثنين من المطارات في السعودية. وكانت الدول الغربية قد نسبت إلى إيران أيضاً هجوماً مماثلاً وقع قبل نحو شهر.
والمدائح التي تلقاها ترامب على امتناعه، المبرَّر في حد ذاته، من تصعيد المواجهة بشن هجوم عقابي متعدد الضحايا، ليس في وسعها حل المشكلة التي تشكل صلب الأزمة الراهنة. ما تريده إيران الآن هو إرغام الولايات المتحدة على تخفيف ضغوط العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. لكن واشنطن تشترط هذا بالعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى صيغة جديدة من الاتفاق النووي، تقوم على إلزام الإيرانيين بشروط أقسى بكثير. ويبدو أن هذه الفجوة غير قابلة للتجسير الآن. وفي غياب الحل من المرجح أن تواصل إيران ممارسة الضغوط، وربما في الوقت القريب جداً.
من الواضح أن إيران ليست معنية بحرب، لن تُباد فيها نهائياً حقاً، كما هدد ترامب في نهاية الأسبوع الأخير، لكن موازين القوى فيها في غير مصلحتها بصورة جلية تماماً. ومع ذلك، يبدو أن شيئاً مما فعلته الإدارة الأميركية حتى اليوم لم يقنع الإيرانيين بأن من الأفضل لهم التوقف عن الأعمال التحرشية الاستفزازية.
في تصريحاته إلى وسائل الإعلام في إثر التراجع وإلغاء شن الهجوم على إيران، عرض ترامب قراره هذا باعتباره حسماً لمعضلة كان فيها أمام خيارين اثنين فقط: المصادقة على هجوم ضد منظومات من الدفاعات الجوية الإيرانية، كان من المحتمل أن يؤدي إلى مقتل نحو 150 إيرانياً، كما أشارت توقعات خبراء وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أو إلغاء العملية. وفعلياً كانت تشكيلة الخيارات المتاحة أمام الأميركيين أوسع بكثير.
هدد الرئيس ترامب، في تغريدة نشرها يوم السبت الأخير في حسابه على موقع “تويتر”، بفرض عقوبات إضافية جديدة على إيران، لكنه لم يفصح عن فحواها. ربما كان ترامب يقصد الرد على نية إيران تجاوز الحد المسموح لها حيازته من اليورانيوم المخصب، بدرجة متدنية. وضبط النفس الأميركي الذي تجسد في قرار عدم مهاجمة إيران بالقنابل والصواريخ، قد يؤتي ثماره حقاً عندما تنشأ الحاجة إلى تجنيد جزء من المجتمع الدولي في تأييد موقف الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اليوم، بناء على طلب الأميركيين، جلسة مغلقة للبحث في التصرفات الإيرانية. ومن الأسهل بلورة تفاهمات واسعة، وبصورة خاصة مع الدول الأوروبية، إن لم تكن مشتبهاً بها في تصعيد الوضع بصورة متعمدة.
يُلاحَظ أن تهديدات ترامب تأتي مصحوبة بإغراءات أيضاً، على الرغم من أنه من الصعب – في حالته – معرفة ما إذا كان الأمر يندرج ضمن خطة منظمة ومحكمة أم مجرد قرارات عفوية ارتجالية. في حديثه مع الصحافيين في نهاية الأسبوع الأخير، قال الرئيس ترامب إنه منفتح على إمكان التوصل إلى صفقة سريعة مع طهران يكون في مقدورها انتشال اقتصادها من أزمته. “دعونا نسمي ذلك: إعادة إيران لتكون عظيمة، من جديد”، قال الرئيس في إعادة صوغ شعاره الانتخابي الناجح. الناجح.
ووفجر يوم أمس أفادت صحيفة “واشنطن بوست” بأن ترامب أمر، كبديل من إلغاء الهجوم العسكري، بتنفيذ هجوم سيبراني ضد منظومة الصواريخ الإيرانية. كما استهدف هجوم سيبراني إضافي آخر وحدة استخبارات إيرانية كانت المسؤولة المباشرة عن تنفيذ الهجمات ضد ناقلات النفط في الخليج الفارسي. ويمكن الافتراض أن هذا التسريب جاء للتغطية على جزء من الضرر المعنوي الذي لحق بصورة الرئيس شخصياً جرّاء قراره إلغاء الهجوم العسكري وكردّ على الانتقادات التي قالت إن تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران سببت ضرراً للردع الأميركي في المنطقة.
لم تُنشر، حتى الآن، أي معلومات عن حجم الضرر الذي سببته الهجمات السيبرانية. في السابق، كانت تمضي أشهر، وربما سنوات في بعض الأحيان، قبل أن تتضح تفصيلات مثل هذه الهجمات. تستخدم روسيا، مثلاً، السلاح السيبراني الهجومي بصورة واسعة جداً خلال العقد الأخير، بما في ذلك ضد جورجيا، دول البلطيق (أستونيا ولاتفيا وليتوانيا) وتركيا. ولا يُحجم الإيرانيون عن ذلك أيضاً، على الرغم من أنهم يستخدمونه على نطاق أضيق بكثير. أمّا الولايات المتحدة وإسرائيل فقد طوّرتا الدودة الحاسوبية الخبيثة (فيروس) المسماة “ستوكسنت” لتشويش وعرقلة تقدم البرنامج النووي الإيراني في بداية العقد الحالي.
يقوم مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، بزيارة إلى إسرائيل الآن للمشاركة في القمة الثلاثية مع زميليه من إسرائيل وروسيا. وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في القدس، اقترح بولتون – الذي يُعتبر أحد أبرز الصقور في الإدارة الحالية وخصوصاً تجاه إيران – “عدم الخلط بين الحذر والضعف”. وأضاف أن الجيش الأميركي مستعد للتحرك والعمل وتعهد بألاّ تمتلك إيران أي سلاح نووي أبداً.
لكنّ معارضة الحرب مع إيران ليست حكراً على أوساط الديمقراطيين فقط الذين لا يصدقون أي كلمة مما يخرج من فم الرئيس. بل إن ترامب نفسه كان قد عبّر في الماضي عن تحفظه اللاحق عن تورط الولايات المتحدة العسكري في كل من العراق وأفغانستان. وطبقاً للتقارير الإعلامية، فقد تأثرت اعتبارات ترامب وحساباته في نهاية الأسبوع الماضي بما قاله المذيع التلفزيوني اليميني تاكر كارلسون من شبكة “فوكس”، والذي حذّر من مغبة الضرر الذي ستسببه الحرب لبرنامج ترامب بشأن العودة إلى كرسي الرئاسة الأميركية في الانتخابات التي ستُجرى بعد أقل من سنة ونصف السنة. فالمشاعر الانفصالية قوية لدى قطاع غير قليل من الناخبين الجمهوريين أيضاً.
ربما تكون الولايات المتحدة قد اهتدت إلى طريق للحوار مع الإيرانيين، بصورة سرية، في خضم الأزمة نفسها. لكن من دون مفاوضات بين الطرفين ومن دون تخفيف الضغط الناجم عن العقوبات، من المرجح الافتراض أن إيران ستواصل قـَرْص الأميركيين، وربما خلال الفترة القريبة جداً. وقد يُفسد التوتر في الخليج الأجواء الاحتفالية في الورشة الاقتصادية التي ستُعقد في المنامة، عاصمة البحرين، خلال الأسبوع الجاري، بعد أن بذل طاقم السلام في الإدارة الأميركية جهوداً كبيرة استغرقت أشهراً طويلة لتخطيطها وتنظيمها. والصحافيون الإسرائيليون المغادرون إلى هذه الدولة قد يجدون أنفسهم يعدّون تقارير عن التطورات الأخيرة في الخليج، أكثر من تقاريرهم عن الوعود بشأن تحويل مبالغ طائلة من الأموال إلى الفلسطينيين في المناطق المحتلة.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole