المخترعون اللبنانيّون.. من حسن الصبّاح إلى صانع الصواريخ

المخترعون اللبنانيّون.. من حسن الصبّاح إلى صانع الصواريخ
Spread the love
طابع لبناني لذكرى الصاروخ

بقلم: د. هيثم مزاحم — صحيح أن لبنان دولة صغيرة لا تزيد مساحتها الرسميّة عن 10452 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها لا يتجاوز الخمسة ملايين نسمة، لكن بلاد الأرز عرفها العالم القديم والحديث من خلال مبدعيها ومهاجريها. ولا داعي للتذكير بأن الفينيقيّين، سكان لبنان وسوريا القدامى، قد اخترعوا الأبجديّة ونشروها في العالم ووصلوا في مراكبهم إلى أوروبا وإفريقيا، وبحسب إحدى الدراسات كانوا أول من عبر المحيط الأطلسي واكتشف القارة الأميركيّة

أما في العصر الحديث، فقد بدأت هجرة اللبنانيّين باكراً جداً منذ نهاية القرن الثامن عشر، خصوصاً إلى أوروبا والأميركيّتَين وإفريقيا. ويبالغ بعض الباحثين اللبنانيّين في القول إن المهاجرين اللبنانيّين وأبناءهم وأحفادهم في الخارج يتراوح عددهم ما بين 11 مليون و16 مليون نسمة اليوم. ومن بين هؤلاء هاجرت أدمغة، برز منها مفكرون وعلماء ومخترعون. وغني عن القول إن بين أبرز هؤلاء المهاجرين كان المفكر والأديب جبران خليل جبران (1883-1931) الذي عرفه الغرب شاعراً ورساماً بعد هجرته إلى الولايات المتحدة ونشره لكتبه باللغة الإنكليزيّة. فاشتهر في العالم الغربي بكتابه “النبي” الذي نشره في العام 1923، وهو الشاعر الأكثر مبيعاً بعد الكاتب الإنكليزي وليام شكسبير والفيلسوف الصيني لاوزي.

ومن بين أبرز العلماء اللبنانيّين الذين عرفهم العالم، حسن كامل الصبّاح (1894- 1935) ابن مدينة النبطيّة في جنوب لبنان. والصبّاح مخترع لبناني، تُنسب إليه عشرات الاختراعات التي سجلت في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وأستراليا، بالإضافة إلى عدد من النظريات الرياضيّة في مجال الهندسة الكهربائيّة. وقد أُطلق عليه لقب “أديسون الشرق”. وهو على غرار جبران هاجر إلى بوسطن للدراسة الجامعيّة وعمل كمهندس في العام 1921 في شركة “جنرال إلكتريك”. وفي العام 1927 التحق بشركة الكهرباء العامة في ولاية نيويوك، وهناك تفتقت قريحته عن العديد من الاختراعات التي وصلت إلى 71 اختراعاً، من بينها اختراع جهاز لنقل الصورة في العام 1930 يُستخدَم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليه السينما الحديثة، بخاصة السينما سكوب بالإضافة إلى التلفزيون. كذلك اخترع جهازاً لتحويل الطاقة الشمسيّة إلى طاقة كهربائيّة مستمرة.

إلى الصبّاح، نذكر بيتر براين مدوَّر(1915- 1987) طبيب بريطاني من أصل لبناني. في العام 1953، اكتشف مدوّر أن حقن أجنة فئران في مرحلة التطوّر بخلايا مأخوذة من أنسجة فئران بالغة، يمكّن أجسام هذه الفئران الصغيرة من تقبّل رقع جلديّة تنقل إليها من الفئران الكبيرة بنجاح. وقد مهّد هذا الاكتشاف المتعلق بالتحمّل المناعي المكتسب الطريق أمام الأبحاث الراميّة إلى الحد من رفض الجسم للأعضاء المزروعة فيه. وقد حصل على جائزة نوبل في الطب في العام 1960 مناصفة مع الأسترالي السير فرانك بورنت لاكتشافهما التحمّل المناعي المكتسب.

ونجد أيضاً رمّال حسن رمّال (1951- 1991) وهو عالم لبناني آخر من بلدة الدوير في جنوب لبنان، حصل في العام 1977 على شهادة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة جوزيف فورييه (UJF) في غرونوبل في فرنسا. عمل رمّال في مجال المادّة المكثّفة والفيزياء الإحصائيّة والنظريّة في مركز البحوث حول درجات الحرارة الشديدة الانخفاض في غرونوبل.

حصل رمّال في العام 1984 على الميداليّة البرونزيّة التي يمنحها سنويّاً المركز الوطني للبحوث العلميّة في فرنسا (CNRS) تكريماً لأفضل الباحثين الشباب في بداية مشوارهم العلمي. وقد منحته مجلة العلوم والأبحاث الأميركيّة في العام 1984 لقب أصغر عالم في جيله. في العام 1988 حصل على الميداليّة الفضيّة من المركز الوطني للبحوث العلميّة في فرنسا، مع الإشارة إلى أن هذه الجائزة تكرّم الباحثين الشباب الذين ذاع صيتهم عالمياً. وفي العام 1989 اعتبرته مجلة “لو بوان” الفرنسيّة واحداً من بين مائة شخصيّة فرنسية مهيّأة لتغيير وجه فرنسا على أبواب العام 2000، إذ كان يعدّ أحد أهم علماء العصر في مجال الفيزياء بعدما تمكّن من التوصّل إلى اكتشافات علميّة مبهرة في مجال الطاقة البديلة.

إلى هؤلاء، يأتي مايكل إلياس دبغي (1908- 2008) وهو طبيب ومخترع ومرجع طبي أميركي لبناني الأصل وأحد رواد جراحة القلب. شغل دبغي منصب الرئيس الفخري لكلية بايلور الطبيّة في هيوستن في الولايات المتحدة، ومنصب مدير مركز دبغي الميثودي لطب القلب. وقد كان مستشاراً طبياً لجميع رؤساء الولايات المتحدة في خلال العقود الخمسة الماضية.

ابتكر دبغي وهو يبلغ من العمر 23 عاماً المضخّة الدوارة التي اكتشِفت أهميتها بعد عشرين عاماً لتصبح جزءاً أساسياً من آلة القلب-الرئة، ومنطلقاً لعصر جراحة القلب المفتوح. فهي تسمح بجريان الدماء بشكل طبيعي في خلال عمليات القلب. وبمساعدة معلمه ألتون أوشنر، وضع فرضيّة تربط التدخين ومرض سرطان الرئة. وفي العام 1953 كان أول من نجح في استئصال باطنة الشريان، وكان رائداً في تطوير القلب الصناعي وفي استعمال مضخّة قلب صناعيّة مع مريض وفي استعمال الألياف الصناعيّة في إصلاح الشرايين.

والمبدعون اللبنانيّون من أمثال جبران والصبّاح ورمّال ودبغي، كثيرون في لبنان والمهجر. بعضهم عرف الشهرة وبعضهم ظلّ مغموراً. إلا أن معظم اختراعات اللبنانيّين وإنجازاتهم العلميّة كانت تتمّ في الخارج، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا.

مشروع الصواريخ اللبناني

لكن ثمة مشروعاً علمياً تكنولوجياً عرفه لبنان بين العامَين 1961 و1966، لكنه غاب عن ذاكرة اللبنانيّين. هو مشروع الصواريخ الذي أبصر النور في جامعة هايغازيان في بيروت على يد أستاذ الرياضيات مانوك مانوكيان، إذ قام مع مجموعة من طلابه بتصميم صواريخ وإطلاقها في إطار تجارب علميّة فضائيّة. والأستاذ الذي بات أكاديمياً بارزاً في فلوريدا، يحتفظ بصور وتسجيلات عن حقبة مشروع الصواريخ الذي امتدّ ما بين العامَين 1960 و1966. وهي شكّلت المصدر الرئيس لفيلم وثائقي لبناني حمل عنوان “النادي اللبناني للصواريخ” للمخرجَين الزوجَين خليل جريج وجوانا حاجي توما، عُرِض في العام 2013 المنصرم في الصالات اللبنانيّة.

وتظهر الوثائق كيف كان طلاب مانوكيان يمزجون الوقود الصلب للصواريخ التي يصنعونها من الأنابيب المعدنيّة المتوفّرة في السوق، إذ إن الدول الكبرى كانت ترفض تزويد لبنان بوقود الصواريخ. كذلك يعرض الفيلم الوثائقي تجارب إطلاق الصواريخ في الجبال اللبنانيّة، حيث كانت أول تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ “أرز” الذي وصل مداه إلى كيلومتر واحد. وفي العام 1962، دخل الجيش اللبناني شريكاً في المشروع الذي أصبح تمويله من قبل الحكومة اللبنانيّة. وقد ساعد الجيش في تطوير التجارب ورفعها إلى مستويات أعلى، فكانت ولادة “النادي اللبناني للصواريخ”.

المشروع أثار مخاوف إسرائيل، كون لبنان كان السبّاق في مجال صناعة الصواريخ التي تطوّرت من “أرز1” وصولاً إلى “أرز 8”. وكانت تزداد ضخامة ودقّة إلى أن بلغ مداها أكثر من ستمئة كيلومتر.

هذه المغامرة شابها خطأ بعد إطلاق صاروخ “أرز 4” في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1966 الذي كان مؤلّفاً من ثلاث طبقات، إذ ارتفع 200 كيلومتر قبل أن يقع في البحر على مقربة من جزيرة قبرص، ما دفع بريطانيا إلى الاحتجاج رسمياً ضدّ لبنان أمام مجلس الأمن. ونتيجة الضغوط السياسيّة الخارجيّة، انتهى هذا الحلم العلمي اللبناني في العام 1967 بقرار من رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة آنذاك اللواء فؤاد شهاب قضى بوقف المشروع.

ولم يبقَ من هذا المشروع سوى طابع بريدي لبناني أُصدر في العام 1964 تظهر فيه صورة الصاروخ اللبناني، وكذلك “الجمعيّة اللبنانيّة للصواريخ” التي تحيي ذكريات برنامج الفضاء اللبناني والتي أنتجت الفيلم الوثائقي.

وعلى طريقة مانوك مانوكيان، يقول أفيديس تشاميتشي وهو مهندس شاب لبناني أرمني، إنه يطمح إلى صناعة صواريخ الفضاء مجدداً في لبنان، وإنه قام ببناء بعض الصواريخ وأطلقها.

لا يقتصر المبدعون اللبنانيّون على الأسماء التي ذكرناها، ولا تقتصر تجربة العلوم والصناعة والتكنولوجيا في لبنان على مشروع الصواريخ في ستينيات القرن الماضي، فثمّة تكنولوجيا المعلوماتيّة وصناعة برامج الكومبيوتر التي يحتلّ لبنان فيها مكانة بارزة وبات منافساً لعمالقة صانعي هذه البرامج عالمياً. فلبنان يصدّر برامج الكومبيوتر إلى مختلف دول العالم (أوروبا وإفريقيا والخليج العربي…) وتبلغ قيمة عائدات هذا القطاع 300 مليون دولار أميركي سنوياً.

المصدر: المونيتور

Optimized by Optimole