وراء ماكرون مراهنة على تأجيل أزمة الغرب

Spread the love

الأربعيني اللامع في سماء فرنسا إيمانويل ماكرون لم يسقط عليها في ليل من ليالي “روبن هود” المشهور في ندهة “الفزعة” لتحقيق آمال المُفزَعين. فالمصرفي الحاذق الواثق في نفسه، ينضح حديثه ببعث الأمل بمقدار ما توحي هيئته بالصدق والتواضع. فهو يحلو له أن يشبه نفسه بأبطال الأفلام الذين يربحون الرضى في آخر الفيلم، من دون أن يوحي شكله ببطولة خارقة، ومن دون أن يخوض حروباً طاحنة.

هو هدية رئيس الوزراء الاشتراكي مانويل فالس إلى رئيسه فرنسوا هولاند الذي كان يتقهقر على سلّم الانتخابات، فأراد فالس دحرجته إلى القاع واحتلال موقعه أملاً برئاسة ثانية. لكن ماكرون قطف الفرصة للإطاحة بالاثنين معاً، في فخ قانون العمل. فالقانون الذي صنعه ماكرون بلع سمّه هولاند وفالس، لكنه كشف عن مواهب ماكرون الخارقة في ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

وهو حجر الزاوية في الصرح الذي أوصل ماكرون إلى خوض المعركة الانتخابية والوصول إلى المصاف الأول في الدورة الأولى، تمهيداً لجولة مريحة ضد مارين لوبان.

الحزبان الاشتراكي واليميني ــ الوسطي مزّقتهما سوياُ الانتخابات التمهيدية، ولم يعد متاحاً لهما الاستمرار في لعبة “أحدهما بديلاً للاخر في الحلبة نفسها” كما نشأت جمهورية شارل ديغول الخامسة عام 1958، وكما قال فرنسوا ميتران لرئيس وزرائه ميشال روكار الذي طمح في الثمانينات إلى إنشاء حزب الوسط من “أفضل اليمين وأفضل اليسار”.ماكرون يستعيد هذا الحلم كملجأ لمعظم اليمين والوسط الذي فقد قدرته على أفق غير أفق نيكولا ساركوزي، مثلما سعى فرنسوا هولاند عام 2012.

كما أن الحزب الاشتراكي فقد القدرة نفسها في حصيلة خمسية فرنسوا هولاند. ومن هذين المعينين تغذّى ماكرون ولم تكن فضائح فيّون وغيرها سوى جزء من معركة القوى السياسية والاقتصادية النافذة للمراهنة على ملجأ ماكرون. فالخيار الذي طرح نفسه في فرنسا على فرنسا والاتحاد الأوروبي، هو بين التعويل على الاستمرارية بوجه جديد قابل لتسويق الأمل وبين التحوّل العميق في اتجاه الفاشية الأوروبية التي تمثلها لوبان، والتحول العميق في اتجاه الجمهورية الشعبية التي يمثّلها تيار جان لوك ميلانشون. ولم يكن الخيار بين الحزبين ملائماً لتقطيع ارتدادات الأزمات في فرنسا والمجتمعات الأوروبية.على هذه القاعدة رست التقاطعات بين جماعات واسعة في فرنسا ذات المصالح الهائلة في سياسات الاتحاد الأوروبي.

واستقرّت بعد المناظرة بين المرشحين التي أدت إلى صعود ميلانشون على حرق فيّون من جهة ومحاربة ميلانشون لمصلحة مارين لوبان التي يمكن أن يكسحها ماكرون في الدورة الثانية. في هذه الحرب تدخّل فرنسوا هولاند بتنسيق مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي للتحذير من مخاطر ميلانشون على فرنسا وأوروبا. وتدخلت حكومته وأجهزتها الأمنية والإعلامية ضد فيّون فاتهم وزير الداخلية فيّون عشية “عملية داعش” بأنه سرّح عشرة آلاف من عناصر الشرطة والأمن. وتدخّل وزير الدفاع وغيره باتهام ميلانشون بالديكتاتورية ومساندة الاستبداد ناهيك عن الشعبوية الشافيزية وغيرها.لكن التدخل الأوضح جاء من بيار غاتاز رئيس مجموعة أرباب العمل، ومن هيئات المحامين وتجمعات الضغط في الاتحاد الأوروبي.

وفي لحظة حاسمة عشية الصمت الانتخابي استثمر بعض الاعلام “داعش” لقطع مسار الحملة الانتخابية من الشانزيليزية. الأمر الذي عزّز حظوظ مارين لوبان على حساب فيّون وميلانشون، بينما تبيّن في اليوم التالي أن أبو يوسف البلجيكي الذي تبنّى “داعش” عمليته، هو شخص آخر معروف في فرنسا عبر التنسيق مع الاستخبارات البلجيكية وأن منفذ العملية مريض نفسي تحت المعالجة.

واللافت أن مارين لوبان التي كانت الأصوات الفرنسية تحطمها بتهم العنصرية ومعاداة السامية، لم تسمع أحد ينبس ببنت شفة حين ادّعت أن فرنسا لم تشترك في محرقة اليهود، ولم يرشقها أحد من المسؤولين بزلة لسان إبان دعوتها للحجر الجماعي على الضواحي والمسلمين “حتى ينصاعوا إلى قوانين الجمهورية”.

ماكرون في مواجهة لوبان هي المعركة المثالية التي يراهن عليها سياسيو فرنسا والاتحاد الأوروبي لفوز ماكرون من الجولة الأولى. فهو يوزّع الوعود باستمرارية سياسات ساركوزي وهولاند والاتحاد الأوروبي في المنطقة العربية، كما أيّد ماكرون اعتداء ترامب على سوريا. ويزرع الآمال في فرنسا في تجديد سياسات الاتحاد الأوروبي وهو ما يؤدي إلى فوزه بالرئاسة.

لكن وعوده بوجوه جديدة لم يسبق لها الحكم، قد يضعه أمام أزمة سياسية مع أعيان اليمين واليسار الذين دفعوا به للرئاسة. فقد أثبتت التجربة أنه حاذق في خوض معركة الرئاسة، لكنه لم يثبت حذاقته في مواجهة الأزمات السياسية فكل إنجازاته تقتصر على قانون العمل.   

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole