بين نكبة 1948 و”نكبة القرن” هل تضيع فلسطين؟

بين نكبة 1948 و”نكبة القرن” هل تضيع فلسطين؟
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم —

تحضرنا الذكرى الـ71 لنكبة فلسطين التي وقعت باحتلال الصهاينة لمعظم أراضيها وإنشائهم كيان “إسرائيل” عليها في 15 أيار – مايو 1948، قبل أسابيع من الموعد المفترض لإعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطته للتسوية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي اصطلح على تسميتها بـ”صفقة القرن”.

وقد أعلن المبعوث الأميركي الخاص بشأن الشرق الأوسط جيسون غرينبلات قبل أيام أن “صفقة القرن لن تعلن إلا بعد إنتهاء شهر رمضان وتشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل والإحتفال بعيد “شافوعوت” اليهودي في العاشر من شهر حزيران – يونيو المقبل”، ما يعني أن الإعلان سيتم ما بعد منتصف الشهر المقبل.

وقال غرينبلات إن “صفقة القرن” هي خطة إقتصادية وسياسية معاً، “وهناك شوط طويل يتعين على الجهات المعنية قطعه قبيل التوقيع النهائي على صفقة القرن، وإن مسألة التفاوض متروكة للأطراف المعنيين أنفسهم”. وأكد أن “هناك شيئاً واحداً لن تقدم الولايات المتحدة عليه وهو المساومة على أمن إسرائيل”.

ويعتبر جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره عراب هذه الصفقة، ويضم فريقه عدداً محدوداً من الأعضاء، بينهم غرينبلات، وهو محامٍ يهودي أرثوذكسي كان مقرباً من ترامب منذ عقود. وقد قام كوشنر وفريقه بزيارات سرية ومعلنة إلى عواصم إقليمية، من بينها الرياض والقاهرة وتل أبيب، من أجل الترويج لصفقة القرن.

وكان كوشنر قد أعلن خلال مؤتمر نظّمه معهد واشنطن للأبحاث في أوائل أيار – مايو الجاري، أنّ خطته المنتظرة للسلام ستكرّس القدس عاصمة لـ”إسرائيل” ولن تأتي على ذكر “حلّ الدولتين”. وقال “إن هذا المصطلح يعني شيئاً بالنسبة للإسرائيليين، ويعني شيئاً آخر للفلسطينيي، ولذلك تقرر عدم قوله. فلنقل فقط إنّنا سنعمل على تفاصيل ما يعنيه ذلك”.

وبحسب كوشنر فإنّ خطة السلام “تعالج الكثير من الموضوعات بطريقة قد تكون أكثر تفصيلاً من أي وقت مضى”. وأكّد أنّ الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” “سيكون جزءاً من أي اتفاق نهائي”، ودعا الطرفين إلى تقديم تنازلات من أجل التوصل إلى سلام، مؤكداً أن “الإدارة الأميركية لن تطلب من إسرائيل فعل أمور تعرض أمنها للخطر”.

وعلى الرغم من عدم إعلان الإدارة الأميركية بعد عن بنود هذه الصفقة أو عن خطوطها العريضة، إلا أنه جرى تسريب بعض بنودها أو مبادئها العامة في الإعلام الأميركي والإسرائيلي والعربي. كما أحيط الأطراف المعنيون، “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية وبعض الدول العربية، بأهم هذه البنود لجس النبض وبلورة هذه الخطة.

فوفقاً للتقرير السياسي الذي قدمه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات إلى اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الذي عُقد يومي 14 و15 يناير/كانون الثاني الماضي، تحمل الخطوط العريضة للخطة الأميركية 13 بنداً، أولها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى “إسرائيل” إذ يطرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ضم 15 بالمئة من مساحة الضفة، فيما يقترح ترامب 10 بالمئة.

ويتمثل البند الثاني في اختراع إدارة ترامب عاصمة لدولة فلسطين في ضواحي القدس خارج إطار ستة كيلومترات عن حدود عام 1967.

وبحسب البند الثالث يتم الإعلان عن قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع إبقاء السيطرة الأمنية لـ”إسرائيل” على الضفة.

البند الرابع يتحدث عن إعلان واشنطن عن “مفهوم أمني مُشترك لدولة إسرائيل ودولة فلسطين كشركاء في السلام”. ويشمل هذا المفهوم أن دولة فلسطين “منزوعة السلاح مع قوة شُرطة قوية”، و”وجود قوات إسرائيلية على طول نهر الأردن والجبال الوسطى لحماية الدولتين”، و”تُبقي إسرائيل على صلاحيات الأمن القصوى، بيدها لحالات الطوارئ”.

وذكر عريقات أن البند الخامس في الخطة ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة تموضعها تدريجياً، خارج المناطق (أ + ب)، في الضفة الغربية، مع إضافة أراض جديدة من المنطقة (ج)، وذلك حسب الأداء الفلسطيني (من دون تحديد جدول زمني) وتعلن عن دولة فلسطين بهذه الحدود”.

أما البندان السادس والسابع فينصان على “اعتراف دول العالم، بدولة “إسرائيل” كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني”. ويقول البند التاسع إن “على إسرائيل تخصيص أجزاء من ميناءي أسدود وحيفا، ومطار اللد للاستخدام الفلسطيني، على أن تكون الصلاحيات الأمنية بيد دولة إسرائيل”.

البند العاشر ينص على “إيجاد ممر آمن بين الضفة وقطاع غزة تحت سيادة إسرائيل”. وتكون “المعابر الدولية بمشاركة فلسطينية فاعلة وصلاحيات الأمن القصوى بيد إسرائيل”، بحسب البند الحادي عشر.

وينص البند الثاني عشر أن “المياه الإقليمية، والأجواء، تكون تحت سيطرة إسرائيل، من دون الإجحاف بحاجات دولة فلسطين”.

وبحسب عريقات، فإن البند الثالث عشر في الخطة يقضي بإيجاد “حل عادل لقضية اللاجئين من خلال دولة فلسطين”.

ويعلق عريقات أن “هذه هي معالم الصفقة التاريخية التي سوف تسعى إدارة الرئيس ترامب لفرضها على الجانب الفلسطيني”، ويدعو إلى رفضها بشكل كامل كونها تؤسس لإقامة حكم ذاتي أبدي.

السلطة الفلسطينية أعلنت رفضها الكامل للصفقة، ووصفها الرئيس محمود عباس “بصفعة القرن”، وقال إن مشروع ترامب لحل القضية الفلسطينية مرفوض، وأكد أن إسرائيل أنهت مسار أوسلو، وأنه لا مجال للتنازل عن القدس عاصمة لدولة فلسطين.

عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني قال في مقابلة مع تلفزيون فلسطين (يناير/كانون الثاني 2018) إن المقترحات الأميركية نقلت إلى الفلسطينيين عن طريق الجانب السعودي. وأضاف أن الصفقة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإنشاء حلف إقليمي ضد النفوذ الإيراني في المنطقة تكون “إسرائيل” جزءاً منه.

صحيفة القبس الكويتية نقلت في ديسمبر/كانون الأول الماضي عن مصدر فلسطيني مسؤول قوله إن الصفقة تتضمن التخلي عن فكرة حل الدولتين وترفض أي سيادة على المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط ونهر الأردن سوى السيادة الإسرائيلية، وتبقي على القدس موحدة وعاصمة وحيدة لإسرائيل، مع رفض عودة اللاجئين حتى إلى المناطق الفلسطينية.

أما الوثيقة التي سرّبتها وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى وسائل إعلامها باعتبار أنها نص “صفقة القرن”، فقد تطابق جزء من بنودها مع كلام كوشنير وغرينبلات، بينما تتعارض تفاصيل أخرى مع تسريبات أخرى بشأن الخطة.

وأبرز ما جاء في الوثيقة:

أنه “يتم توقيع اتفاق ثلاثي بين إسرائيل ومنظمة التحرير و”حماس” وتقام دولة فلسطينية يُطلق عليها اسم “فلسطين الجديدة” على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المستوطنات اليهودية”، وأن “الكتل الاستيطانية كما هي ستبقى في يد إسرائيل وستُضم إليها المستوطنات المعزولة، وسيجري توسيع مساحة الكتل الاستيطانية كي تشمل المستوطنات المعزولة”.

أما القدس – بحسب الوثيقة – فـ”لن يتم تقسيمها وستكون مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وعاصمة إسرائيل وفلسطين الجديدة، وسيصبح السكان العرب مواطنين في فلسطين الجديدة. وستصبح بلدية القدس مسؤولة بلدياً عن جميع أراضي القدس باستثناء التعليم الذي تتولاه حكومة فلسطين الجديدة، وستدفع فلسطين الجديدة إلى بلدية القدس ضريبة أملاك الدولة والمياه، ولن يُسمح لليهود بشراء منازل العرب، ولن يُسمح للعرب بشراء منازل اليهود. ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس. ستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم”.

أما بشأن غزة، فـ”ستقوم مصر بتأجير فلسطين الجديدة أراضٍ بهدف إقامة مطار ومصانع وتبادل تجاري زراعي، من دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها. حجم الأراضي وثمنها يصار الاتفاق عليه بين الأطراف بواسطة الدول “الداعمة” .. وسيجري شق طريق أوتستراد بين غزة والضفة الغربية يسمح بإنشاء قناة جوفية للمياه الحلوة من غزة إلى الضفة الغربية”.

أما الدول الداعمة فهي الدول التي ستدعم اقتصادياً تنفيذ الاتفاق ورعايته وهي: الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج المنتجة للنفط. وسترصد الدول الداعمة لهذه الغاية مبلغ 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات لمشاريع وطنية تخص فلسطين الجديدة. ويتم توزيع المساهمات بين الدول الداعمة كما يلي: الولايات المتحدة الأميركية 20٪، الاتحاد الأوروبي 10٪، دول الخليج المنتجة للنفط 70٪. وتتوزع النسب بين الدول العربية بحسب إنتاجها النفطي.

وتقول الوثيقة إنه “لن يُسمح لفلسطين الجديدة أن يكون لها جيش، والسلاح الوحيد المسموح به هو السلاح الخفيف الموجود بين يدي الشرطة”، و”سيتم توقيع اتفاق دفاعي بين إسرائيل وفلسطين الجديدة تتعهد فيه إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة في وجه أي عدوان خارجي، بشرط أن تدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل ثمن الدفاع والحماية”.

وتنص الوثيقة على أن تتخلى حركة “حماس” عن جميع أسلحتها ويشمل ذلك السلاح الفردي والشخصي لقادة “حماس”، ويجري تسليمه للمصريين، على أن يواصل عناصر “حماس” وقادتها الحصول على رواتب شهرية من الدول العربية حتى قيام الحكومة. وتفتح جميع حدود قطاع غزة لعبور البضائع والعمال إلى “إسرائيل” ومصر كما هو الحال اليوم مع الضفة الغربية وكذلك من طريق البحر .

وخلال عام من الاتفاق تجرى انتخابات ديمقراطية، ويجري انتخاب حكومة لفلسطين الجديدة. وبعد مرور عام على الانتخابات وتشكيل الحكومة، يجري إطلاق سراح جميع الأسرى بالتدريج لمدة ثلاث سنوات.

وفي غضون خمس سنوات، يتم إنشاء ميناء بحري ومطار لفلسطين الجديدة، وحتى ذلك الوقت يستخدم الفلسطينيون مطارات وموانىء “إسرائيل”.

“الحدود بين فلسطين الجديدة و”إسرائيل” تبقى مفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة”.

ويقام جسر معلق يرتفع عن سطح الأرض 30 متراً ويربط بين غزة والضفة، وتوكل المهمة إلى شركة صينية، وتشارك في تكلفته الصين بـ50%، واليابان 10%، كوريا الجنوبية 10%، اوستراليا 10%، كندا 10%، أميركا والاتحاد الأوروبي معاً 10%.

وسيظل وادي الأردن في يدي “إسرائيل” كما هو اليوم. ويقام معبران من فلسطين الجديدة إلى الأردن، ويكونان تحت اشراف فلسطين الجديدة.

وتنص الوثيقة أنه في حال عارضت “حماس” ومنظمة التحرير هذا الاتفاق، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتعمل جاهدة لمنع أي دولة اخرى في العالم من تحويل أموال إليهم. وإذا وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على شروط هذا الاتفاق ولم توافق “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”، يتحمل التنظيمان المسؤولية عن أي جولة عنف جديدة بين إسرائيل و”حماس”، وستدعم الولايات المتحدة “إسرائيل” لإلحاق الأذى شخصياً بقادة “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. أما في حال رفضت “إسرائيل” الصفقة، سيتوقف الدعم الاقتصادي الأميركي لها.

وبمقارنة هذه الخطط المسرّبة فهي تتقاطع على 6 مبادئ أساسية هي:

1-عدم تقسيم القدس والاعتراف بها عاصمة لـ”إسرائيل” وحرمان الفلسطينيين من عاصمة لهم في القدس الشرقية.

2-ضم جميع المستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة “إسرائيل” واقتطاع من الضفة مساحة كبيرة تجعل إمكان قيام دولة فيها تواصل جغرافي شبه معدوم.

3-ضم غور الأردن وإبقاء السيادة الإسرائيلية على الضفة وحصر الأمن في يدي “إسرائيل”.

4-تجاهل قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين بشكل تام ونهائي.

5-عدم السماح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعدم السماح لها بالتمتع بجيش وحصر قوات الأمن بقوات شرطة.

6-جعل عاصمة الفلسطينية خارج القدس في أبوديس أو غيرها.

أما الجديد في هذه الصفقة فهو يكمن في تغيير اسم فلسطين إلى فلسطين الجديدة” ورفض حتى الاعتراف بها كدولة ذات سيادة وإنما كمنطقة حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية وفي ظل الحماية العسكرية الإسرائيلية المدفوعة.

الأمر الثاني الجديد في الخطة الأميركية إذا صحت هذه التسريبات هو عدم التخلي عن أي من المستوطنات بما فيها الصغيرة منها، واقتطاع مساحات أكبر من الضفة الغربية، وضمها إلى “إسرائيل”.

والأمر الجديد الثالث هو الطلب من مصر تأجير “فلسطين الجديدة” أراضٍ بهدف إقامة مطار ومصانع وتبادل تجاري زراعي وبتمويل الدول “الداعمة”، وتحميل الدول العربية النفطية عبء قيام فلسطين الجديدة وبناها التحتية واستئجاء الأراضي من مصر.

ولا شك أن “صفقة القرن” هذه هي نكبة أخرى للشعب الفلسطيني هدفه تصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية القضايا الجوهرية، ومن بينها القدس وحق العودة للاجئين الفلسطينيين والاستيطان والحدود.

لكن الأسوأ في هذه الصفقة – النكبة أن الولايات المتحدة الأميركية، وخلافاً لمشاريع التسوية السلمية السابقة التي رعتها وكانت تحاول إقناع الفلسطينيين وإغراءهم لقبولها، ها هي اليوم تريد فرض هذه التسوية الظالمة والاستسلامية على الفلسطينيين بالقوة تحت طائلة الحصار الاقتصادي والتجويع والتهديد بحرب وتصفية قيادات المقاومة. ولا يستبعد أن تشن إسرائيل حرباً عدوانية على قطاع غزة أو عدواناً شاملاً في المنطقة لتمرير هذه الصفقة، التي لن يقبل بها أي قائد أو فصيل فلسطيني.

بين نكبة 1948 ونكبة القرن، هل تضيع فلسطين؟

Optimized by Optimole