الصين والخشية من “الجهاديين” الأيغور في سوريا

Spread the love

خاص “مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط – بقلم: د. هيثم مزاحم* — في 21 نيسان – أبريل 2016، زار المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا شي شياو يان دمشق والتقى بوزير خارجيتها وليد المعلم، وأكد دعم بلاده “لعودة الأمن والاستقرار إلى سوريا، والحوار السوري لحل الأزمة، وحق الشعب السوري في اختيار ما يراه للحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم جواز التدخل في شؤونه الداخلية”.
والجدير ذكره أن هذا المبعوث قد تم تعيينه في هذا المنصب نهاية آذار – مارس 2016.
كما التقى المبعوث الصيني برئيس وفد النظام السوري إلى محادثات جنيف، بشار الجعفري، الذي اعتبر أن “ما يجري في سوريا هو حرب عالمية إرهابية”، مشيراً إلى وجود إرهابيين من الأويغور، وهو مسلمون صينيون من أصول تركية، في صفوف “داعش” و”جبهة النصرة” الأمر الذي “يشكّل قاسماً مشتركاً بين سوريا والصين من حيث ضرورة محاربة الإرهاب العالمي”.
من جهته أكد المبعوث الصيني أهمية متابعة التنسيق ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب منوهاً بتجاوب سوريا وتعاونها فيما يتعلق بالإرهابيين الأويغور الموجودين في صفوف الجماعات الإرهابية في سوريا.
ولا شك أن وجود المقاتلين الأويغور في صفوف تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” وفصائل أخرى في سوريا، هو ما يؤرق الحكومة الصينية، ولعله السبب الأول الذي جعلها تعيّن مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، وضاعف اهتمامها بالبحث عن حل سلمي للأزمة السورية لتأمين عودة الأمن والاستقرار إليها.
ويشير عدد من التقارير الإعلامية والأمنية إلى وجود الآلاف من المقاتلين الصينيين الأويغور في سوريا، يقاتلون مع “جبهة النصرة”، فرع القاعدة في بلاد الشام، ومع “أحرار الشام”، وكذلك مع تنظيم “داعش”.
والأويغور هم من الأقلية المسلمة ذات الأصول التركية التي تقيم في اقليم شينغيانغ في غرب الصين، والتي يسمّونها بتركستان الشرقية قبل أن تحتلها الصين وتطلق عليها تسمية “شينغيانغ.” أي “الأرض الجديدة”.
ويتواجد الجهاديون الأويغور بشكل رئيس في كل من محافظة إدلب، شمال سوريا، وريف اللاذقية ومدينة منبج ومحافظة الرقة. وقد شوهدوا بأعداد كبيرة في العديد من مناطق إدلب، وبخاصة في بلدتي جسر الشغور وأريحا، ومرتفعات جبل الزاوية.
وهناك بضعة آلاف منهم جاؤوا مع عائلاتهم من الصين، وبعضهم جاء من باكستان بعد ضغوط مارستها عليهم إسلام آباد بطلب من الحكومة الصينية، حيث شنت حملة ضد قواعدهم على الحدود مع أفغانستان، في أعقاب اغتيال القيادي في الجماعة، عبد الحق، عام 2010.
وقد استقر بعضهم مع عائلاتهم في البلدات العلوية المهجورة في منطقة جسر الشغور. وأظهرت أشرطة الفيديو قتالهم في سهول الغاب في الريف الغربي لحماة، وفي الجبل الأحمر في محافظة اللاذقية.
وينتمي معظم المقاتلين الأويغور، الى الحزب الإسلامي في تركستان (TIP) المتحالف مع جبهة النصرة.
وتقول بعض التقارير الإعلامية إن المقاتلين الأويغور ينوون البقاء في سوريا، على الأقل لسنوات عديدة، لأنهم قاموا برحلة طويلة ومكلفة من إقليم شينغيانغ أو من الحدود الباكستانية-الأفغانية وصولاً إلى تركيا ومن ثم إلى سوريا، حيث باع بعضهم منازلهم لتحمّل تكاليف الرحلة مع أفراد أسرهم. كما أن الكثيرين منهم، خلافاً للعديد من المقاتلين الأجانب، لا يخفون وجوههم، على الرغم من أن هذا ينطوي على خطر كبير في حال عودتهم إلى الصين، وهو ما يشير إلى عدم نيتهم العودو القريبة إلى الوطن.
والحزب الإسلامي في تركستان، هو وريث الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، وقد طبع مجلة باللغة العربية، باسم “تركستان الإسلامية”، لتقديم أنفسهم للسكان المحليين والجماعات المسلحة الأخرى، كثورة ضد الحكم الشيوعي في شينغيانغ.
وتقدر مصادر سورية وجود ما بين 2000 – 2500 من مقاتلي الأويغور في شمال سوريا مع الحزب الإسلامي في تركستان، في حين أن يوجد بين 500 و1000 منهم مع تنظيم “داعش”، تحت مسمّى “ولاية خراسان”.
وتشير مصادر أخرى إلى وجود ما يقرب من 4000 – 5000 من المواطنين الأويغور (رجال ونساء) يعيشون في جبل التركمان في محافظة اللاذقية وفي قرية الزنبقة قرب جسر الشغور في محافظة إدلب.
ويعتمد المقاتلون الأويغور بشكل كلّي على “جبهة النصرة”، على الرغم من عددهم الكبير نسبياً، وقد لعبوا دوراً حاسماً في تحقيق مكاسب للجبهة و”جيش الفتح” في محافظة إدلب في العام الماضي (2015) حيث كان للحزب الإسلامي في تركستان دور حاسم في معركة مطار أبو الظهور في سبتمبر – أيلول 2015 عندما تمكن “جيش الفتح”، الذي تضم جبهة النصرة و”أحرار الشام” وجماعات سلفية أخرى، من السيطرة على قاعدة المطار في محافظة إدلب .
ويبدو أن تحالف الحزب الإسلامي في تركستان مع جبهة النصرة هو استمرار لعلاقات طويلة مع تنظيم القاعدة، ونتيجة ولائهم لحركة طالبان وبيعتهم لمؤسسها وزعيمها الراحل الملا عمر.
وعلى الرغم من وجود مئات المقاتلين من الأويغور مع تنظيم داعش في سوريا والعراق، في محافظة الرقة وفي مدينة منبج، إلا أن الحزب الإسلامي في تركستان على علاقة متوترة مع تنظيم “داعش” بسبب الصراع بين الأخير و”جبهة النصرة” وكذلك بين “داعش” وحركة “طالبان” الأفغانية، وارتباطهم بالبيعة لحركة “طالبان” واعتبارهم زعيمها “الخليفة”.
في فيديو صادر عن الحزب الإسلامي في تركستان يظهر المقاتلون الأويغور يقاتلون جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة والجبهة الأوزبكية. وأشارت مصادر إعلامية إلى مشاركة نحو 700 من المقاتلين الأويغور في هذه المعركة. وكان المقاتل الأبرز في أشرطة الفيديو في جسر الشغور هو المتحدث باسم الحزب الإسلامي في تركستان في “فرع سورية”، أبو رضا الله التركستاني. وقد خسر الحزب نحو 300 من مقاتليه في معارك محافظتي إدلب واللاذقية.
وفي الفيديو يثني “الجهاديون” الأويغور على هجمات إرهابية وقعت في الصين مؤخراً.
وتخشى الصين من أن يكون هؤلاء المقاتلون الأويغور يسعون للعودة إلى إقليم شينغيانغ والعمل على انفصال الإقليم عن الصين من جهة، والانتقام منها عبر عمليات إرهابية في كامل أراضي الصين من جهة أخرى. وتتهم الصين تركيا بالعمل على تسهيل وصول هؤلاء المقاتلين إلى سوريا والعراق، وبتدريبهم وتسليحهم، باعتبار أن تركيا تنظر إليهم بأنهم امتداد عرقي وقومي لها، وأن تركستان الشرقية(شينغيانع) هي جزء من أراضي الخلافة العثمانية.
من هنا نفهم زيارة المبعوث الصيني إلى سوريا وقبله زيارة وفد عسكري – أمني إلى دمشق لتبادل المعلومات وبحث سبل التنسيق الأمني والعسكري ضد هؤلاء “الجهاديين” الأويغور.
لكن الصين، التي تتبع سياسة حذرة وهادئة في مجمل سياساتها الدولية، لن تغامر بالتدخل العسكري في سوريا، كما فعلت روسيا. وأقصى ما يمكن أن تقدمه إلى النظام السوري بعض الأسلحة وبعض الدعم السياسي في مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى. فالصين لا تريد إغضاب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كي تحافظ على استثماراتها ومصالحها معها من جانب، وهي تخشى من أن تدخلها العسكري السافر في سوريا قد يؤدي إلى تصعيد التوتر مع المسلمين في إقليم شينغيانغ من جانب آخر.
في المقابل، لن تتسامح الصين في مسألة حماية أمنها القومي، ولهذا السبب أقر البرلمان الصيني قانوناً مثيراً للجدل بشأن مكافحة الإرهاب في ديسمبر – كانون الأول 2015، والذي يسمح للجيش الصيني بالتدخل في الخارج. كما بدأت الصين في بناء أول قاعدة بحرية لها في الخارج في جيبوتي، كما أجرت قواتها في يناير كانون الثاني الماضي تدريبات لقوات النخبة في عمليات في الصحراء في منطقة غير مألوفة للجيش الصيني.
ويخشى بعض الخبراء من تحوّل منطقة شينغيانغ مستقبلاً إلى أفغانستان أخرى في حال كرّس تنظيم “داعش” أو “القاعدة” دعمه للحزب الإسلامي في تركستان، على غرار الدعم الذي تلقته حركة طالبان سابقاً، وإمكانية جذب المقاتلين الأجانب، والتمتع بالدعم المادي والدبلوماسي من تركيا وقوى خارجية أخرى لها خلافات أيديولوجية واستراتيجية مع الصين.
باحث صيني أبلغ الكاتب أن بلاده تعتقد أن الاستخبارات الأميركية هي التي تدعم المقاتلين الأويغور وهي تريد استخدامهم ضدها في حرب بالوكالة لإضعاف الصين واستنزافها في اضطرابات داخلية.
*رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

Optimized by Optimole