كيف نفهم سياسة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الانتشار النووي؟

Spread the love

خاص بمركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

إعداد: محمد هشام إسماعيل
باحث في العلاقات الدولية

مقدمة:
اكتسبت قضية منع الانتشار النووي، على مدى العقود القليلة الماضية، أهمية متزايدة باعتبارها قضية الأمن العالمي الرئيسية، فضلا عن تجدد الاهتمام بالطاقة النووية في جميع أنحاء العالم وذلك لاعتبارات اقتصادية وجيوسياسية واستراتيجية، ولم يكن الاتحاد الأوروبي عبر مختلف أطوار تطوره كفاعل دولي بمعزل عن الاهتمام بتلك القضية لاسيما في ظل رغبته في لعب دور فاعل فيها لاعتبارات تتعلق بأمنه ومكانته علي الساحة الدولية.
وقد وجدت الأسس القانونية والسياسية لعدم الانتشار النووي منذ الأيام الأولى للجماعة الأوروبية، من خلال الاتفاقية الأوروبية للطاقة الذرية عام 1957 ، والتي هدفت في المقام الأول إلى تعزيز تطوير الطاقة النووية ولكنها احتوت أيضا على نظام متقدم نسبيا من ضمانات وضوابط التصدير، الأمر الذي منحها دورا واضحا في مجال عدم الانتشار، إلا أن نطاق عملها كان محدد للغاية في المجال المدني وذلك نظرا لأن الاتفاقية اعفت جميع السلع المتصلة بالأمن القومي من لوائح الجماعة.
وبدأ دور الجماعة الأوروبية في مجال عدم الانتشار في التبلور خلال ثمانينات القرن الماضي، عندما قرر المجلس الأوروبي انشاء مجموعة عمل بشأن المسائل النووية في سياق التعاون السياسي الأوروبي (EPC) عام 1981 ، وأصدر وزراء خارجية الدول الأعضاء العشر بالجماعة الأوروبية أنذاك اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية لسياسة الصادرات النووية.
ومع تحمل المسئولية المجتمعية بشأن العلاقات النووية التجارية الخارجية، أدركت الدول الأعضاء ضرورة تنسيق المواقف الوطنية في المحافل الدولية، إذ أصدرت مجموعة العمل بعض البيانات المشتركة في محافل الأمم المتحدة ومجموعة موردي المواد النووية (NSG)، مع التركيز على مجال الضمانات والتحويلات النووية، فعلي سبيل المثال فرض المجلس الأوروبي حظرا على الإمدادات النووية الكبرى إلى جنوب أفريقيا عام 1986.
وفي بداية التسعينات، ومع تراجع فرنسا عن معارضتها التقليدية لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وانضمامها إليها عام 1991، أصبح بالامكان تفعيل سياسة الجماعة الأوروبية بشأن عدم الانتشار، وبدأت أهداف عدم الانتشار تذكر في أعلى مستوى في هياكلها، مع إصدار المجلس الأوروبي أول بياناته حول منع انتشار الأسلحة النووية في قمتي دبلن ولوكسمبورج عامي 1990 و 1991.
كما وصل التكامل الأوروبي إلى الحالة التي شعرت الدول الأعضاء فيها أنها مستعدة للشروع في إقامة تنسيق أوثق للسياسات الخارجية، فقد أحدثت معاهدة ماستريخت 1992 المنشأة الاتحاد الأوروبي نقلة نوعية في تنسيق السياسة الخارجية عبر استحداث السياسة الخارجية والأمنية المشتركة ، والتي ساعد تعزيز أدواتها وآلياتها إلى حد كبير على تطوير دور الاتحاد في مجال عدم الانتشار. وعلي هذا يمكن تناول ذلك الدور من خلال المحاور التالية:
أولا: تطور دور الاتحاد الأوروبي كفاعل دولي في مجال عدم الانتشار النووي
ثانيا: إطلاق استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة أسلحة الدمار الشامل عام 2003
ثالثا: سياسة العقوبات الأوروبية كأداة لمكافحة الانتشار النووي
رابعا: القيود والتحديات التي تواجه الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الانتشار النووي

أولا: تطور دور الاتحاد الأوروبي كفاعل دولي في مجال عدم الانتشار النووي:
خلال عقد التسعينات برزت مبادرات هامة للاتحاد الاوروبي في مجال عدم الانتشار النووي:
– اعتماد مجموعة الموردين النوويين عام 1992، اشتراط ضمانات كاملة النطاق كشرط مسبق لاتخاذ قرارات التصدير بناء علي اقتراح من الدول الاثني عشر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي آنذاك.
– حملة الاتحاد الأوروبي للتمديد اللانهائي لمعاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) الذي جري عام 1995، والذي بموجبه أصبحت جميع الدول التي تمتلك برامج نووية مهمة منضمة إلي معاهدة عدم الانتشار أو إلي إحدي المعاهدات الإقليمية التي تحظر انتشار الأسلحة النووية فيما عدا ثلاث دول وهي (إسرائيل والهند وباكستان).
– التحرك المشترك “Joint Action” بشأن مشاركة الاتحاد الأوروبي في منظمة تنمية الطاقة في شبه الجزيرة الكورية (كيدو) عام 1995 وذلك بالاستناد إلي الاتفاقية الأوروبية للطاقة الذرية. وقد شكل سابقة لتمكين مشاركة أكثر نشاطا من قبل الاتحاد الأوروبي في قضايا عدم الانتشار في جميع أنحاء العالم، كما أظهر تعاونا غير مسبوق وتنسيقا للعمل المشترك بين المفوضية الأوروبية والمجلس والبرلمان الأوروبيين بغية تبسيط مواقفهم بشأن تلك القضية الهامة والشائكة.
– التحرك المشترك بشأن تعزيز الشفافية في ضوابط التصدير في المجال النووي عام 1997، وكان أكثر أهمية سياسيا من سابقه كونه يهدف إلى زيادة الشرعية والطابع الدائم للنظم الرقابة على الصادرات، وهو عنصر هام لبناء الثقة بين البلدان المصدرة للتكنولوجيا النووية والبلدان التي تشتريها.
وتجدر الإشارة هنا، إلي أن التقدم نحو المعايير المشتركة والعمل المشترك فيما يتعلق بمكافحة الانتشار النووي كان ذو تأثير محدود للغاية في مواجهة الأزمات الحقيقية، وأبرز مثال علي ذلك، أنه مع نشوب الأزمة النووية بين الهند وباكستان عام 1998، جاء رد فعل الاتحاد الأوروبي ضعيفا للغاية نظرا للانقسامات بين الدول الأعضاء بشأن التعامل مع الأزمة، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الجهود الدبلوماسية لاحتوائها.
وشكل الحد من المخاطر النووية في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق – سواء كانت مدنية أو عسكرية – ساحة رئيسية للجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لمكافحة الانتشار، ويرجع ذلك إلي أن هذه الأراض تقع في الجوار المباشر للدول الأعضاء، وهي مصدر رئيسي محتمل لتحويل المواد الانشطارية أو حتى الأسلحة إلى الدول أو الجماعات الإرهابية.
وقد تركزت جهود الاتحاد الأوروبي بشأن السلامة والأمن، والتخلص من البلوتونيوم وتوظيف العلماء والمهندسين النوويين، وكان في طليعة تلك الجهود برنامج المساعدة الفنية لرابطة الدول المستقلة (TACIS)، فضلا عن المساعدات لدول الاتحاد السوفيتي السابق والتي كانت موضعا للعديد من التحركات المشتركة للدول الأعضاء.
وتحت مظلة الشراكة العالمية ضد انتشار أسلحة ومواد الدمار الشامل، تعهد الاتحاد الأوروبي بتخصيص مبلغ مليار يورو في الفترة من ( 2002-2012)، وقد تم تخصيص ما يقرب من نصف هذا المبلغ للسلامة النووية بشكل عام.
ثانيا: إطلاق استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة أسلحة الدمار الشامل عام 2003:
تعد استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة أسلحة الدمار الشامل إلى حد كبير وليدة هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة وتداعياتها، فعلى الرغم من أن أسلحة الدمار الشامل لم تستخدم في الهجمات، إلا أن حجم الدمار الهائل سلط الضوء على احتمالات وجود صلة بين الإرهاب الدولي وأسلحة الدمار الشامل.
وقد ربط المجلس الأوروبي في أكتوبر 2001 بين احتمال وجود صلة بين التهديد الإرهابي وجهود الاتحاد الأوروبي بشأن عدم الانتشار والسيطرة على صادرات الأسلحة، ما جعله يفتتح مسار التطور التدريجي لحقل تلك السياسة الجديدة على المستوى الأوروبي، عبر إطلاق مبادرة في ديسمبر 2001 تستهدف الاستجابة بصورة فعالة لقضايا عدم الانتشار ونزع السلاح والحد من التسلح في ظل التهديد الدولي للإرهاب.
كما أعطي اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية لاستراتيجية الأمن القومي الجديدة في سبتمبر 2002 واستراتيجية مكافحة أسلحة الدمار الشامل في ديسمبر من العام ذاته دفعة قوية للجهود الأوروبية في هذا المجال.
وفي فبراير 2003، وبناء على مبادرة من السويد، وافق مجلس الشئون العامة والعلاقات الخارجية (GAERC) رسميا على إعادة النظر في سياسة الاتحاد الأوروبي لعدم الانتشار.
وفي يونيو من العام ذاته، مهد المجلس الأوروبي في اجتماعه في سالونيك باليونان الطريق لحقبة جديدة في استراتيجية الاتحاد الأوروبي لعدم الانتشار ، وأعقب ذلك اعتماد المجلس الأوروبي رسميا في ديسمبر 2003 لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفي حين لم تضمن هذه النصوص أي اختراقات سياسية أو مفاهيمية الكبرى، إلا أنها شكلت أول نهج منتظم وشامل للاتحاد الأوروبي للتصدي لمشكلة انتشار الأسلحة النووية.
بالإضافة إلي اعتماد المجلس الأوروبي استراتيجية الأمن الأوروبية ((ESS، وتعد هذه الوثيقة هي الأولى من نوعها حيث وضع فيها كبار القادة السياسيين في الاتحاد الأوروبي تسلسلاً هرمياً للتهديدات المشتركة، حيث جاء انتشار أسلحة الدمار الشامل في المرتبة الثانية بعد الإرهاب.
وفيما عرفت استراتيجية الأمن الأوروبية، الانتشار النووي بأنه “يحتمل أن يكون أكبر تهديد لأمننا”، أكدت استراتيجية مكافحة أسلحة الدمار الشامل أن “انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها… تشكل تهديدا متزايدا للسلم والأمن الدوليين، وأن مواجهة تحدي الانتشار “يجب أن يكون عنصرا أساسيا في العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي”.
في السياق نفسه، شددت استراتيجية مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل علي ضرورة استغلال الاتحاد الأوروبي جميع ما يتاح له من أدوات لمنع وردع ووقف الانتشار النووي، حيثما كان ذلك ممكنا، والقضاء علي البرامج النووية التي تسبب قلقا على الصعيد العالمي.
أما عن أبرز النقاط التي تضمنتها الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، فتنمثل فيما يلي :
أ- التشديد على النهج التعاوني المتعدد الأطراف لتعزيز التحقق والامتثال وإنفاذ الأنظمة الدولية الموجودة بشأن مكافحة الانتشار النووي مثل معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1969.
ب- استخدام الإكراه الاقتصادي أو العسكري للقضاء على تهديدات الانتشار وذلك فقط كخيار أخير، مع التأكيد على أن اللجوء إلي التدابير القسرية يكون فقط بموجب الفصل السابع من الأمم المتحدة، وذلك في إشارة لاستبعاد التحركات المنفردة حيث أن الدور المركزي في تلك القضيا يجب أن يضطلع به مجلس الأمن الدولى.
ج- التعاون بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للعمل من أجل إضفاء الطابع العالمي لنزع السلاح وقواعد عدم الانتشار.
د- مساعدة دول العالم الثالث في الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقيات المتعددة الأطراف المنظمة لتلك القضايا.
ه- التركيز على سياسة تعزيز الامتثال والإلتزام بالمعاهدات الدولية المنظمة لتلك المجالات، والسعى نحو إستحداث تحسينات في آليات التحقق القائمة وعند الضرورة المساعدة على تطوير تلك الآليات من خلال إجراءات إضافية.
و- تأكيد أن تعزيز وجود بيئة دولية وإقليمية مستقرة شرط هام وضروري لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وأطلق الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة بالاتحاد الأوروبي آنذاك، خافيير سولانا على هذا النهج الأوروبي الجديد مسمي “التعددية الفعالة”، والتي تتسم بالعزم على تحقيق ومتابعة الأهداف الأمنية المشتركة في إطار المؤسسات متعددة الأطراف وبالتحديد، (الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية) وسيادة القانون مع التأكيد على أن القوة العسكرية وحدها لا يمكنها التغلب على التحديات والتهديدات الأمنية الرئيسية.
وأعد مجلس الاتحاد الأوروبي عام 2008 تقرير حول تطبيق الاستراتيجية الأمنية الأوروبية، بعد خمس سنوات من إقرارها خلص فيه إلي الحاجة الملحة للعمل علي مواضيع محددة، من ضمنها: دعم الاتحاد الأوروبي لتوجه متعدد الأطراف فيما يتعلق بدورة الوقود النووي، مكافحة تمويل الانتشار، اجراءات خاصة بالأمان والأمن البيئي، احتواء انتشار أنظمة الايصال خاصة الصواريخ البالستية، ووجوب البدء في مفاوضات حول اتفاقية متعددة الأطراف تمنع إنتاج المواد القابلة للانشطار للاستخدام في الأسلحة النووية.
وقد عزز اعتماد استراتيجية مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل من نشاط الاتحاد الأوروبي في هذا المجال إلى حد كبير وهو ما يتضح في أكثر من مؤشر:
– تزايد الوعي بأهمية قضايا الانتشار النووي بشكل كبير في أوساط الاتحاد الأوروبي، ما يتضح في تخصيص حوالي 25 % من ميزانية السياسة الخارجية والأمنية المشتركة CFSP)) لأنشطة عدم الانتشار.
– اعتماد الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي منذ عام 2003 لأكثر من 20 إجراء مشترك لدعم عمل المنظمات الدولية في مجال منع الانتشار النووي ونزع السلاح، فعلي سبيل المثال يعد الاتحاد الأوروبي أكبر المانحين لصندوق الأمن النووي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ يساهم بأكثر من 20 مليون يورو كدعم مالي للصندوق.
وقد ساهم ذلك الدعم في توفير الحماية المادية للمرافق النووية، وحماية ومراقبة المصادر المشعّة، واتخاذ تدابير لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمواد النووية والإشعاعية، والمساعدة التشريعية لغرض تنفيذ البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
– مساعدة الاتحاد الأوروبي العشرات من البلدان في أفريقيا والبلقان وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا لمنع الإرهاب النووي من خلال تعزيز الحماية والأمن ومراقبة المواد النووية والمشعة الأخرى ، ما جعله لاعب عالمي في مجال عدم الانتشار النووي على الأقل من الناحية الجغرافية.
– يعتبر الاتحاد الأوروبي معاهدة حظر الانتشار النووي لعام 1968 بمثابة “حجر الزاوية” لنظام حظر الانتشار النووي العالمي، لذلك فهو ينظر إلى مؤتمرات استعراض المعاهدة بأهمية شديدة، ويتبني نهج متعدد الأطراف من خلال توفير الدعم السياسي والمالي القوي لمجموعة واسعة من المنظمات الدولية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجموعات مثل لجنة زنجر ومجموعة موردي المواد النووية أو معاهدات و قرارات دولية مثل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1996 و قرار مجلس الأمن 1540).
– بالإضافة إلى التعددية، انتهج الاتحاد الأوروبي عدم الانتشار من خلال أدوات السياسة الخارجية التقليدية، فقد أشار الاتحاد الأوروبي إلى عدم الانتشار في حواراته مع العديد من المنظمات الإقليمية وتعاون في هذا الشأن مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) واجتماع آسيا-أوروبا (اسيم).
وأطلق أيضا مبادرات مثل مراكز التميز الأوروبي لتجنب المخاطر الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية (CBRN)، والتي تهدف إلى تعزيز وتعميق التعاون الإقليمي لمكافحة الانتشار. كما أنشأت الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية المعروفة بـ” يوراتوم”، مركز البحوث المشتركة، الذي يطور المنهجيات والتقنيات اللازمة لتنفيذ نظام الضمانات وحماية مرافق دورة الوقود النووي وتدريب مفتشي الاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتنفيذ برنامج الدعم الأوروبي للوكالة.
وقدمت “يوراتوم” من خلال أداة التعاون للسلامة النووية نحو 524 مليون يورو بين عامي 2007 و 2013 إلى بلدان خارج الاتحاد الأوروبي لتحسين السلامة النووية، والحماية الإشعاعية، وضوابط السلامة الفعالة.
بالإضافة إلي ما سبق، اعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي في 13 ديسمبر ٢٠١٠ مبادئ توجيهية جديدة لعمل الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها بهدف إبراز أهمية تدابير عدم الانتشار داخل الاتحاد الأوروبي عبر تحويل هذه المسألة الأمنية الأساسية إلى أولوية شاملة لعدة قطاعات بالنسبة لسياسات الدول الأعضاء في هذا اﻟﻤﺠال، فضلا عن تحديد أفضل الممارسات المتبعة وتعميم هذه الممارسات على الدول الأعضاء.
كما كثف الاتحاد الأوروبي العلاقات الثنائية مع الشركاء الاستراتيجيين، فعلى مدى العقد الماضي، وسع الاتحاد الأوروبي أفق تلك الشراكات واعتبارا من عام 2013، بات للاتحاد شراكات استراتيجية مع 10 دول، وهي: البرازيل، كندا، الصين، الهند، اليابان، المكسيك، روسيا، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.
ويبقي هذا التعاون ربما أقل طموحا ومؤسسية، ولكنه مع ذلك يستند إلى التزامات سياسية رفيعة المستوى، وحتى لو كانت هذه الشراكات ليست كلها نفس القدر من الأهمية لمنع انتشار الأسلحة النووية بالنسبة للاتحاد الأوروبي ، إلا أنها تشكل أداة مفيدة في خدمة استراتيجية أكثر فعالية.
ثالثا: سياسة العقوبات الأوروبية كأداة لمكافحة الانتشار النووي:
شكل اعتماد “المبادئ الأساسية بشأن استخدام الإجراءات التقييدية) العقوبات)” في عام 2004 أول وثيقة محددة بشأن سياسة عقوبات الاتحاد الأوروبي. وتتمحور هذه المبادئ حول ثلاثة موضوعات عامة، وهي:
– احترام القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة.
– الوحدة العضوية لأراضي الاتحاد الأوروبي، وتشجيع السلام والتعاون الدولي.
– تعزيز قيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وكانت هذه الموضوعات الثلاثة ترسخت أيضا في استراتيجية الأمن الأوروبية لعام 2003، كمبادئ توجيهية لسياسة الأمن والدفاع الأوروبية.
وتؤكد وثيقة “المبادئ الأساسية” أن الطرف الرئيسي المخول فرض العقوبات هو الأمم المتحدة، مشيرة لحق الاتحاد الأوروبي أيضا في استخدام تلك الآلية، مع تفضيل أن يجري ذلك في إطار تأييد دولي واسع.
وتشير إلي أن فرض العقوبات الأوروبية، يجب أن يكون جزءا من سياسة أكثر شمولية تشمل حوار سياسي وحوافز وشروط، فالعقوبات تبقي خيار أخيرا.
وتضمنت الوثيقة أمثلة للمجالات التي قد يستخدم فيها الاتحاد الأوروبي العقوبات ومنها: دعم جهود مكافحة الإرهاب، مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وكذلك استخدامها كإجراء تقييدي لتعزيز احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون والحكم الرشيد.
ومن الملفت للنظر أن هذه هي المجالات التي تمثل أيضا التهديدات الرئيسية للدول الأعضاء في الاستراتيجية الأمنية الأوروبية، إضافة إلي النزاعات الإقليمية والأعمال الإجرامية.
إضافة إلي ذلك، لم تهتم الوثيقة فقط بأهداف العقوبات بل أيضا فصلت معلومات أكثر احكاماً عن نوع العقوبات التي يمكن أن يستخدمها الاتحاد الأوروبي، موضحة أنها يجب تكون عقوبات موجهة (أي تستهدف قطاع بعينه) بدلا من العقوبات الاقتصادية الشاملة، وقدمت ثلاثة أمثلة في هذا الصدد وهي حظر الأسلحة وحظر تأشيرات الدخول أو السفر وتجميد الأرصدة.
وجاءت جهود الاتحاد الأوروبي بشأن مسائل عدم الانتشار متوازية مع تصاعد دور مجلس الأمن الدولي في هذا المجال، إذ أضحت قضية عدم الانتشار ظاهرة دولية واسعة النطاق، ففي عام 2006، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على كل من كوريا الشمالية وإيران للمرة الأولى. وباتت لقضية عدم الانتشار مكانة ثابتة في جدول أعمال مجلس الأمن، فخلال 3 سنوات وتحديدا الفترة من 2006 إلي 2009 كانت نظم الجزاءات الجديدة الوحيدة التي وافق عليها المجلس تلك التي تهدف إلى تحقيق أهداف عدم الانتشار أو مكافحة الإرهاب.
رابعا: القيود والتحديات التي تواجه الاستراتيجية الأوروبية لمكافحة الانتشار النووي:
بشكل عام، هناك تحديين رئيسيين يواجهان نظام عدم الانتشار النووي، أولهما أنه يمكن لأي دولة تطوير قدرات نووية رغم كونها جزء من معاهدة حظر الانتشار النووي، ويكون بإمكانها حينها إما أن تنسحب من المعاهدة أو تبقي مع الحفاظ على قدرتها الكامنة لوضع اللمسات الأخيرة علي نحو سريع لبرنامجها للأسلحة النووية كجزء من استراتيجية دعم قوتها أو كحماية ضد التهديدات المستقبلية، وهو المسار الذي تعتقد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن كلا من كوريا الشمالية وإيران قد اتبعته.
أما عن التحدي الثاني، فيتمثل في الفاعلين من دون الدولة، مثل الجماعات الإرهابية، التي يمكن أن تسعى للحصول على المواد النووية، وهو تحدي خطير للغاية نظرا لكون الجماعات الإرهابية أكثر ميلا لاستخدام هذه الأسلحة عن الدول.
وفي هذا السياق توجد أدلة على أن تنظيم القاعدة سعي بنشاط للحصول على مواد وتكنولوجيا نووية، إما لمحاولة صنع أسلحة نووية أو للحصول عليها جاهزة. ومع ذلك، فقد أشار بعض المحللين إلى أن هذا الأمر لا يزال صعبا للغاية وغير محتمل.
وبعبارة آخري، لا يزال الاتحاد الأوروبي بعيدا عن كونه ممثل وحدوي في مجال عدم الانتشار النووي، فرغم اطلاقه لاستراتيجيته لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل 2003، إلا أنه لم يزل بحاجة أولا إلى تحقيق إجماع داخلي بين الدول الأعضاء بشأن أي حالة من حالات الانتشار النووي، قبل أن يتخذ زمام المبادرة فيها، لذا تركز معظم الأنشطة بشكل كبير على عدم الانتشار، بدلا من نزع السلاح.
وأرجع نفرا من الباحثين تجاهل مسألة نزع السلاح النووي داخل الاتحاد الأوروبي لتجنب المواجهات مع بريطانيا وفرنسا بوصفهما الدولتان الوحيدتان اللتان تملكان أسلحة نووية بين الدول الأعضاء في المنظمة، وأيضا للسماح بتمرير هادئ لأجندة الاتحاد والمضي قدما في جهوده للتصدي لتلك القضية الخطيرة.
ومع استمرار تهميش مسألة نزع السلاح ، لا تزال سياسة الاتحاد الأوروبي لعدم الانتشار “انتقائية”، وهذا يؤكد عدم العدالة في تنفيذ ما كان من المفترض أن يكون صفقة عادلة وينال من مصداقية تلك السياسة.
وعلاوة على ذلك، أدى التوسع الكبير للاتحاد الأوروبي في السنوات الـ 10 الماضية إلي أن أصبح بين صفوفه عدد كبير من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) المضيفين لأسلحته النووية.
ففي عام 2003 كان الاتحاد الأوروبي يضم 11 عضوا في حلف الناتو و دولتان تملكان أسلحة نووية و4 مضيفة لأسلحة النووية للحلف، أما في عام 2014 أصبح لدى الاتحاد 22 دولة أعضاء في الناتو، وبالتالي هم تحت مظلته النووية، ما يدفع لاستبعاد تحقق دفعة لأي جهد وتنسيق مشترك لنزع السلاح داخل الاتحاد الأوروبي من غير المرجح.
وتزامن ذلك مع تراجع جهود ودعوات نزع السلاح علي مستوي القارة العجوز، فبينما كان هناك 4 دول منشغلة بمسألة نزع السلاح في عام 2003 وهم: النمسا وفنلندا وأيرلندا والسويد، تقلص العدد إلي دولتان فقط، مع تراجع جهود فنلندا وايرلندا في مجال نزع السلاح في السنوات الأخيرة.
من ناحية آخري، تأثر دور الاتحاد الأوروبي في قضايا الحد من التسلح بالتقسيم المستقبلي للعمل في هذا المجال مع حلف “الناتو”، وذلك في ضوء العلاقة التنافسية بين المنظمتين بشأن القضايا الخارجية والدفاع.
ونظرا لاهتمام البعض داخل حلف الناتو بمنحه دورا أقوى في قضايا منع ومكافحة الانتشار النووي، فقد فرضت تلك الرغبة علي الاتحاد الأوروبي حتمية اعادة تأكيد دوره في تلك القضية. ولاشك أن انضمام فرنسا إلى البنية العسكرية المتكاملة لحلف الناتو عام 2009 ، أعطي دفعة جديدة لإعادة تنظيم تلك العلاقة بين المنظمتين.
ويتضح مما سبق، أنه لم يتم توجيه جهود الاتحاد الأوروبي لعدم الانتشار عبر استراتيجية طويلة المدى، ولكن وضع الاتحاد لنفسه أهداف متوسطة المدى تمثل “طريقا وسط” ما بين الحفاظ على الوضع النووي الراهن ومقترحات بعيدة المدى لدول راغبة في نزع السلاح.

Optimized by Optimole