القيادي الفتحاوي رويد أبو عمشة لـ”شجون عربية”: المصالحة الفلسطينية ضرورية لمواجهة الضم الإسرائيلي

Spread the love

خاص بـ”شجون عربية” – رام الله | قال القيادي في حركة فتح والباحث الفلسطيني في العلاقات الدولية د. رويد أبو عمشة في حوار خاص مع مجلة “شجون عربية” إنه بعد مؤتمر مدريد توافق المجتمع الدولي على أن حل الدولتين هو الحل الممكن للطرفين، والمقبول للمجتمع الدولي والمتوافق مع قرارات الشرعية الدولية ولا سيما تلك القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بعد الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وأهمها القرار 242 و338 التي اعتبرت مرجعاً للتسوية السياسية التي استفردت الولايات المتحدة برعايتها بديلاً عن الأمم المتحدة، وبوصف الولايات المتحدة راعية للتسوية كانت سياستها تقوم على الالتزام الرسمي والدبلوماسي المعلن بتلك القرارات، ومن جهة أخرى وفرت الدعم المتواصل لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ووفرت لها الحماية في كل المحافل الدولية من الإدانة خاصة في مجلس الأمن الدولي. لكن الحال تغير مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، محاطاً بمجموعة متصهينة من المستشارين والمساعدين، وعينه على انتخابه لفترة رئاسية ثانية. لذلك ظل يسعى لكسب ود الجماعات الإنجيلية المتصهينة حيث يمثل الإنجيليون نحو 25% من الشعب الأميركي، فقام بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وواصلت الإدارة الأميركية سياستها تجاه القضية الفلسطينية بطريقة لم يسبق لها مثيل من حيث الانحياز لإسرائيل ولأطروحات اليمين الإسرائيلي بالذات. فأعلنت عن قطع مساهمة الولايات المتحدة في موازنة الأونروا، بل طالبت بوقف أعمالها في إشارة صريحة منها لإقفال ملف اللاجئين، وقطع المساعدات المالية عن مستشفيات القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والاعتراف الأميركي بالضم الإسرائيلي للجولان، وإعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير مخالفة للقانون الدولي. وبلغت تلك الإجراءات ذروتها مع الإعلان عن الخطة الأميركية للسلام المعروفة (صفقة القرن)، التي تهدف إلى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، فهي خطة أعدها صهاينة واشنطن وتل أبيب، تنكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وتخالف القانون الدولي في كل تفاصيلها، وتحمل إيحاءات دينية تخالف منطق التاريخ ولا مكان لها في القانون الدولي، فهي باختصار تسعى لاستبدال الاحتلال غير الشرعي بآخر قانوني من خلال شرعنة الاستيطان وفرض منطق القوة.
وأضاف أبو عمشة أن الحكومة الإسرائيلية التقطت الفرصة وأعلن رئيسها بنيامين نتنياهو عن تطبيق ما سمي بخطة الضم لمناطق في الضفة الغربية، وأعلن أن الموعد المستهدف سيكون في الأول من تموز / يوليو الفائت، والمناطق المستهدفة بالضم هي منطقة الأغوار الفلسطينية التي تشكل 30% من مساحة الضفة الغربية، منها 720 ألف دونم صالحة للزراعة، والسيطرة على الأغوار يعني السيطرة على حوض المياه الشرقي الذي يحوي 170 مليون متر مكعب، عوضاً عن سرقة حصة الضفة الغربية من مياه نهر الأردن. وهذا يعني فصل الضفة الغربية عن الأردن وأن لا يكون لفلسطين أي حدود مع أي دولة مجاورة بحيث تكون محاطة بإسرائيل من جميع الجهات، إضافة إلى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وجزء كبير من المناطق المصنفة ج وفقاً لاتفاق أوسلو. وهذا يعني التطبيق العملي لـ”صفقة القرن” مع خلاف بالتفاصيل، وقتل نهائي وعملي لأي كيان فلسطيني، وهنا يصبح التحدي الفلسطيني “وجود أو لا وجود”.
واعتبر القيادي الفتحاوي أنه على الصعيد الإقليمي كان الاعلان عن “صفقة القرن”، وخطة الضم في ظل ظروف عربية غاية في الفوضى وعدم الاستقرار وتفكك نموذج الدولة الوطنية في بعض الدول مثل (ليبيا، اليمن، سوريا) جعل هذه الأوضاع تنعكس سلباً على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للعرب. زد على ذلك أن الانقسام الحاد الذي تعاني منه دول المنطقة وصل حتى داخل التجمع الواحد كدول التعاون الخليجي، لذلك اعتبرت هذه الظروف فرصة سانحة لإسرائيل وللولايات المتحدة لفرض وقائع كان يتعذر طرحها سابقاً.
وأضاف أنه “على الصعيد المحلي الفلسطيني، لا يخفى الحال على أحد، والانقسام الحاصل لا يقل سوءاً عن الوضع الإقليمي من جهة إعطاء الفرصة لإسرائيل لإكمال مشاريعها التوسعية، ويعتبر الانقسام الذي تعيشه الساحة الفلسطينة، منذ 13 عاماً، أعظم هدية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، ومنفذاً لمن أراد أن يبرر تخاذله في دعم القضية الفلسطينية، وحجة لإسرائيل في عدم الدخول في أي حوار سياسي مع الفلسطينين. ومن دون العودة لتفاصيل حوارات المصالحة التي انطلقت قبل أكثر من 10 سنوات وتنقلت بين العديد من العواصم العربية وغير العربية، إلا أن واقع الحال هو أن الانقسام مستمر بل وآخذ في التعمق وهو انقسام سياسي قد يتحول إلى انفصال جغرافي وبمباركة إسرائيلية وإقليمية، لاسيما وأن إسرائيل تفصل الضفة عن غزة جغرافياً، على طريقة الهند التي تفصل بين بنغلادش وباكستان.
ورأى أبو عمشة “أن خطة الضم أثارت العديد من المواقف الدولية والعربية التي اعتبرتها خطة لتكريس الاحتلال وتصفية للقضية الفلسطينية، ولا يقل بطبيعة الحال الإجماع الشعبي الفلسطيني على رفضها حتى لو كانت هناك تباينات بين الفصائل الفلسطينية. فالقضية اليوم هي قضية وجود، ولكن الشعب الفلسطيني ينتظر من فصائل العمل الوطني كافة أن تعلق الجرس، وتقوده في مرحلة النضال لإسقاط هذه المخططات، ولن يتم هذا إلا بإنجاز المصالحة الوطنية التي يجب أن تنبثق عنها استراتيجية وطنية نضالية لإنهاء الاحتلال وليس لإسقاط مشاريع الضم فقط”.
وقال: “بقيت المصالحة الوطنية تراوح مكانها منذ توقيع اتفاق القاهرة 2011 برعاية الرئيس المصري المؤقت المشير طنطاوي، وجرى حينها الاتفاق على المقاومة الشعبية كأداة للمقاومة، وكانت نهاية الرعاية الأميركية (بمساع وزير الخارجية جون كيري) لمفاوضات التقريب بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي نتيجة الرفض الإسرائيلي لوقف الاستيطان، دافعاً هاماً في الوصول إلى هذه الاتفاقية، إلا أنه ومع وصول الرئيس الراحل محمد مرسي للحكم، توقعت حركة حماس كجزء من الأخوان المسلمين تبدل الحال كونها جزءاً من الكل الأخواني، لاسيما وأن مصر هي العمق الجغرافي الذي يصل قطاع غزة مع العالم الخارجي، فقلّت حاجتها للمصالحة الوطنية. وبعد تبدل الحال في القاهرة مرة أخرى، وتعامل النظام المصري الجديد (الرئيس السيسي) مع قطاع غزة بشكل مغاير تماماً، ومن دون طول سرد استمرت جولات وصولات المصالحة بلا نتيجة. ومع دخول عاملين هامين هما المحاور الإقليمية في المنطقة (تركيا، قطر) و(السعودية، مصر) على خط المصالحة والتأثير بها: فقطر على سبيل المثال تقدم سنوياً 130 مليون دولار لإدارة حركة حماس في قطاع غزة، وفقاً لتصريح السيد اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. ولا يقل أهمية بل ويزيد عن ذلك العامل الإسرائيلي كمؤثر هام في المصالحة الفلسطينية كونها القوة القائمة بالاحتلال وتملك العديد من عوامل التأثير في القرار الفلسطيني، لاسيما وأن نتنياهو صرح في نيسان 2019، في مؤتمر مركز الليكود قائلاً: “لن أسمح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة، لأن الانقسام مصلحة إسرائيلية ويعني نهاية الحديث عن الدولة الفلسطينية”. ومن ناحية أخرى قام بتوجيه التهديد الدائم للقيادة الفلسطينية في حال التوجه للمصالحة.
ولدى سؤاله عما يجب العمل عليه فلسطينياً وما هي الحلول المقترحة؟، رأى القيادي الفلسطيني أن “طرفي الإئتلاف الحاكم في إسرائيل يجمعان على موضوع الضم ويكمن الخلاف أن نتنياهو يريده وفقاً للخرائط الإسرائيلية التي تراعي الاحتياجات الأمنية لدولة الاحتلال، بينما غانتس يريده وفقاً للخطة الأميركية للسلام (صفقة القرن)، مع حشد أكبر عدد ممكن من الشركاء من دول المنطقة وبدعم دولي على حد تعبيره، فأصبح لزاماً علينا كفلسطينيين التعامل مع هذا الواقع المرعب بنوع من المسؤولية والواقعية، وانتهاز فرصة التأجيل المؤقت للضم الرسمي بترتيب الأوراق الفلسطينية مرة أخرى، لاسيما أن السيناريو المطروح هو تأجيل الضم لما بعد الانتخابات الأميركية القادمة. وفي حال فاز ترامب، سيتم دعوة الفلسطينيين للمفاوضات على أساس “رؤية ترامب” من جديد، مع استمرار إسرائيل في سياسة الضم الصامت.
وأضاف أنه في ظل استمرار السياسة الإسرائيلية ومحاولة فرض وقائع على الأرض لا مجال هنا لانتظار تفكيك كل الملفات العالقة في المصالحة المدنية منها كمصير موظفي “حماس” في قطاع غزة، وموظفي السلطة هناك، أو الملفات الأمنية المعقدة، وسلاح المقاومة وقرار السلم والحرب، فمن الضروري حالياً التوافق على برنامج ميداني يقوم على الحد الأدنى من القواسم الوطنية المشتركة، من خلال توحيد الخطاب الإعلامي أو على أقل تقدير وقف التراشق الإعلامي، والعمل على تطبيق أنشطة مشتركة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا ما تحدث به جبريل الرجوب وعصام العاروري في المؤتمر الصحافي، لتعزيز الثقة لدى الشارع الفلسطيني بشكل أكبر، أي الذهاب لوحدة ميدانية في مواجهة الأخطار المحدقة، قد تؤسس لحالة من التقارب مستقبلًا”.
وقال أبو عمشة إن تعزيز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وإشراك الكل الفلسطيني، على قاعدة: (الوحدة تكون في أرض المعركة)، مما قد يؤسس لوقائع جديدة تفتح فرصة لمصالحة جدية ونهائية، مع توفير مستلزمات الصمود للشعب الفلسطيني فوق أرضه المهددة بأي شكل من أشكال الضم، ولاسيما في المناطق المهددة في المصادرة وأن تتركز السياسات الحكومية على هذا الجهد. وفي جهد مواز للعمل على المستوى الداخلي ينبغي تكثيف العمل على المستوى الدولي والتوجه لكل المحافل الدولية كالأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية. ولا يقل أهمية إشراك فلسطينيي الشتات في هذا الجهد، وتفعيل الجاليات الفلسطينية في الخارج، ودعم حركة المقاطعة العالمية BDS.
وختم قائلاً: “من المحتمل أن يعاد انتخاب الرئيس ترامب لولاية ثانية، ومن المحتمل أن لا يحدث ذلك، لذا فإن الجماعات الموالية لليمين الصهيوني في الولايات المتحدة تسابق الزمن في تحصيل كل ما هو في صالح إسرائيل في هذه الفترة القصيرة جداً، فعلينا أن نكون يقظين لمنع فرض أي وقائع على الأرض”.

Optimized by Optimole