أوري ديفيس .. من مواطن من أصل يهودي إلى مناضل فلسطيني فتحاوي ومسلم مناهض للصهيونية

Spread the love

مثقف وباحث يهودي انضم إلى حركة فتح وأصبح عضواً في مجلسها الثوري وفي المجلس الوطني الفلسطيني.

خاص بـ”شجون عربية” – رام الله – حوار: لبيب فالح طه |
إنه مواطن وليس مستوطناً؛ فهو من مواليد فلسطين التي كانت تضم في فسيفسائها الدينية طائفة اليهود، إلى جانب المسلمين والمسيحيين. كان اليهود طائفة تعيش في القدس ويافا وطبريا وغيرها بسلام مع بقية مكوّنات المجتمع الفلسطيني، قبل أن يقتحم الاجتياح الصهيوني المشهد كحركة «سيّست» الدين اليهودي –بحسب أوري ديفيس.
الحياة موقف، والموقف كلمة حق تقال، لقولها ثمن قد يصل إلى الموت. الشاعر الفلسطيني معين بسيسو يدعو لقول كلمة الموقف حتى لو كان ثمنها الموت: «إن قلت مت وإن سكت مت.. قلها ومت». لقد قالها أوري ديفيس بأنه منحاز للحق وللنضال الفلسطيني من أجل العدالة والحرية والسيادة – وهو لذلك يهودي معادٍ للصهيونية. رفض الصهيونية وتجلّياتها ونتائجها؛ رفض الخدمة في الجيش الإسرائيلي لينضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، زوجته فلسطينية، لغته العبرية والإنكليزية والعربية، عطاؤه الأكاديمي لجامعة القدس ومؤسسات الأبحاث الفلسطينية، إنه حالة فلسطينية خاصة من سِفر النضال الفلسطيني الطويل.
هذا الرجل صاحب التجربة العميقة مع الحياة يمتاز بدماثة ولطف خاص، حين تستمع إلى حديثه تشعر بعمق التجربة والنظرة، مع لمسة إنسانية مميزة.
تمكنا من التواصل معه برغم حالة الحصار التي تفرضها جائحة كورونا لنسجل تجربة تستحق أن تروى وتوثق للأجيال المقبلة.
لدى سؤاله عما الذي يريد إضافته إلى معرفتنا عن أوري ديفيس قال إنه مولود في القدس عام 1943 لأب يهودي بريطاني وأم يهودية تشيكية، هو يهودي سابق ومسلم حالي، بريطاني الجنسية وإسرائيلي الجنسية فلسطيني الهوى والانتماء والهوية، عضو في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس الثوري لحركة فتح، حاصل على الماجستير من الجامعة العبرية في القدس والدكتوراه من جامعة New School for Social Research في نيويورك بالولايات المتحدة، محاضر سابق في جامعة القدس العربية في أبو ديس. متزوج من ميسر أبو علي الناشطة الوطنية والنسوية الفلسطينية.
يتحدث ديفيس عن تربيته الأسرية ودورها في صياغة شخصيته فيقول إن والده كان مهتماً بفلسفة اللاعنف التي تبناها المهاتما غاندي، وحركة حقوق المواطن التي نادى بها مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة. تبنى والداه مبدأ رفض التعميم والأفكار المسبقة؛ فضحايا النازية لا يحق لهم تحميل الألمان كلهم أوزار النازية. رفض ديفيس الخدمة على مراحل في الجيش الاسرائيلي لأسباب ضميرية، انضم إلى «الحركة العالمية ضد الحروب» التي مركزها لندن، قُتلت أخت والدته وزوجها وأولادها على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.
عن خلفيات الشعور باللا انتماء إلى الدولة الاسرائيلية قال إن الدولة بحد ذاتها لا قيمة لها، وإنما القيمة في الدور الذي تلعبه والخدمات التي تقدمها. يقول إنه لم يشعر بالانتماء لدولة “إسرائيل” ولا للدولة البريطانية التي يحمل جنسيتيهما؛ وولاءه لقيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأن ضميره هو الذي يتحكم في خياراته.
لدى السؤال عن مدى تشابه تجربته مع تجربة الفيلسوف فرانز فانون، قال ديفيس إنه تأثر به بشكل عام، وإن فانون كان مرجعاً أساسياً في برنامج دراسته للدكتوراه في الولايات المتحدة. خلال فترة دراسته كانت حرب فيتنام وتداعياتها التي أثرت على المجتمع الأميركي بشكل جذري على المستوى الثقافي والأخلاقي والأكاديمي.
الخلفية الفكرية لموقف ديفيس من دولة “إسرائيل” ونضال الشعب الفلسطيني هو المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ داعية الحقوق المدنية الأميركي وستانلي دايموند أستاذ علم الأنثروبولوجيا الأميركي الذي أشرف على رسالة الدكتوراه لأوري ديفيس.
ومن خلال دراسة الدكتوراه، بدأ ديفيس يختلف مع فلسفة غاندي في رفض العنف بالمطلق، فالعنف في رأي ديفيس “ضد الاستعمار مبرر لكنه ليس دائماً حكيماً وضرورياً”، وهذا ما دفعه للانسحاب من «الحركة العالمية ضد الحروب» التي مقرها لندن، مع قناعته بأن معظم الحروب لا لزوم أو مبرر لها.
عن ردة فعل أهله وأصدقائه وأقاربه ومعارفه حين أعلن انحيازه لنضال الشعب الفلسطيني يقول ديفيس: حتى الآن التيار المركزي في “إسرائيل” يعاديه وينبذه من جهة، ويحترمه من الجهة الأخرى، ولم يكن ذلك معاداة عنيفة. أما والدته فكانت متفهمة له ولكنها كانت قلقة عليه. لدى السؤال عن أي مضايقات تعرض لها بسبب مواقفه من “دولة إسرائيل”، قال إن ما تعرض له لا يعدو كونه إزعاجاً وأن الثمن الذي يدفعه لا يقارن بالثمن الذي يدفعه الفلسطينيون بفعل الاحتلال والتطهير العرقي.
وعن تقييم ديفيس لتجربته مع الحركة الوطنية الفلسطينية بعد عقود من العمل معها، قال إن القيادة الفلسطينية تطبق برنامج النقاط العشر الذي تبناه المجلس الوطني الفلسطيني في السبعينيات من القرن الماضي، واتفاقية اوسلو تقع ضمن هذا السياق، والهدف بالنهاية هو الوصول إلى الدولة الديمقراطية.
وفي معرض الحديث عن وجهة الأمور بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت الحالي ومشروع الضم الإسرائيلي للغور الفلسطيني، قال ديفيس إن “إسرائيل” ستضم الغور الفلسطيني ويرى بأن مشروع الضم هو ضعف وليس إنجازاً إسرائيلياً. فإسرائيل قد ضمت وتضم الغور الفلسطيني فعلياً ولكن الجديد في الموضوع هو أنها جعلت ذلك علناً وقانوناً، وأن تبعات هذا الضم ستنعكس عليها سلبياً.
ينادي ديفيس بضرورة تعريف “إسرائيل” كدولة فصل عنصري (أبارتايد) والعمل على تبني ذلك من قبل الأمم المتحدة، وهو من عرّف “إسرائيل” كدولة أبارتايد على مستوى أكاديمي وساهم في حملة التضامن العالمي مع حقوق الشعب الفلسطيني منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
خلال استماعك لإجابات ديفيس، يحلق بك عالياً في فضاء الإنسانية تماماً كما يخوض في أعماق المعرفة ليخرج لك خباياً خبرة رجل عاصر دولاً وأزمنة مختلفة.