زياد غصن لـ”شجون عربية”: الصحافة الورقية لن تموت والانبهار بالإعلام الجديد لن يدوم

Spread the love

دمشق – حوار فاطمة الموسى | منذ سنوات، والحديث عن قرب نهاية الصحافة المطبوعة يتردد مع كل تطبيق جديد يضاف إلى وسائل الإعلام الجديد، لدرجة أن البعض يؤمن أن اليوم الذي يتسيد فيه الإعلام الالكتروني الساحة الإعلامية بات قريباً، وذلك بعدما توقفت صحف مطبوعة عدة عن الصدور، وتحول أخرى إلى الإصدار الالكتروني.
فما دقة ذلك؟ وهل فعلاً تتراجع الصحافة المطبوعة مع صباح كل يوم في مواجهة الإعلام الالكتروني؟ وماذا بقي للصحافة المطبوعة لتنافس به وتستعيد جزءاً من جمهورها؟
أسئلة تختلف الإجابات عنها والمقاربات لها، وخصوصاً من العاملين في المجال الإعلامي. وفي هذا الحوار مع مدير عام مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر، زياد غصن، نقف على إجابات أحد الصحافيين العريقين العاملين في الصحافة المطبوعة السورية، الرسمية منها والخاصة.

*منافسة متجددة
* بعض الصحف الورقية أغلقت، وبعضها تحول إلى صحف الكترونية، هل هذا يعني تراجع للصحافة المطبوعة في ظل التطور التكنولوجي الحاصل؟

– منذ ظهور التلفزيون كوسيلة إعلام بدأت المخاوف العالمية على مستقبل الصحافة المطبوعة، وهناك حقيقة لا يمكن إنكارها، وهي أن الصحافة المطبوعة خسرت جزءاً من جمهورها مع انتشار التلفزيون، لكن سرعان ما عادت واستعادت مكانتها وقوتها كوسيلة إعلام منافسة وقوية.
أما اليوم مع ظهور وسائل الإعلام الجديد، والمتمثلة في المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي وغيرها، فإن الصحافة المطبوعة تعرضت مرة أخرى لتحدٍ كبير خسرت معه جزءاً آخر من جمهورها. لكنني شخصياً بخلاف ما يذهب إليه البعض من أن الصحافة المطبوعة تموت، وذلك لأسباب عدة أبرزها أن علاقة الإنسان بالقراءة والمطبوع لاتزال وثيقة ولاسيما في منطقتنا العربية. كما أن الصحافة المطبوعة – كما كل الوسائل الإعلامية – لديها شريحة “أصلية” من الجمهور، واليوم هذه الشريحة قوامها النخب المجتمعية التي اعتادت لسنوات طويلة على قراءة المطبوع. كما أن جزءاً من هذه الشريحة مرتبط بالفئة العمرية، ففي الوقت الذي نجح فيه الإعلام الجديد باستقطاب جزء كبير من شريحة الشباب المولع بالتقنيات والتكنولوجيا ومتابعة إصداراتها، فإن الصحافة المطبوعة لا تزال تستقطب الشريحة العمرية الأكبر، والتي كانت لها تجربة أوسع في الحياة.
ومع ذلك، فإن استمرت الصحافة المطبوعة على حالها أو على تجاهل المتغيرات، التي حدثت خلال السنوات الأخيرة، فهذا سيضعها أمام مأزق حقيقي. في بعض الدول اتجهت الصحافة المطبوعة إلى تطوير ذاتها، واللجوء إلى أدوات جديدة لجذب المزيد من القراء أو الاحتفاظ بالشريحة التي تتابعها. فمثلاً هناك صحف في بعض دول العالم اتجهت نحو التحقيقات الاستقصائية لتقديم قيمة مضافة تميّزها عن وسائل الإعلام الأخرى. كما أن معظم الصحف والمجلات المطبوعة قامت باستخدام منصات شبكات التواصل الاجتماعي للترويج لها، ولحمل أفكارها ونشر موضوعاتها وتحقيقاتها، وبالتالي فهي أوجدت حالة جديدة من المواءمة بين الحالة التقليدية للإعلام وبين الحالة الجديدة منه. والأهم أن الصحافة المطبوعة تتسم بأعلى درجات المصداقية والمهنية مقارنة بوسائل الإعلام الجديد.
وللأسف، فإن الصحافة المطبوعة في المنطقة العربية لم تتجه حتى الآن نحو هذه المواءمة، برغم وجود بعض الحالات الاستثنائية، التي قدمت فيها بعض الصحف أنموذجاً رائعاً من الإعلام أكد أن الصحافة المطبوعة قادرة على الاستمرار، وقادرة على كسب مزيد من القراء. لكن في المقابل هناك صحف كثيرة أخرى أوضاعها لا تسر، وهي لا تبشّر بالخير بالنسبة إلى الاستمرارية على المدى القريب وليس البعيد، وخاصة في ظل البيئة التي تعمل فيها داخل هذا البلد أو ذاك، لجهة مستوى الحريات الموجودة، وعملية تأهيل كوادر صحافية، والإمكانات المالية والتقنية المتاحة وغير ذلك.

*هناك صحف مطبوعة توقفت نهائياً عن الصدور.. وهناك صحف أوقفت طبعتها الورقية واستمرت الكترونياً. برأيك ما أسباب ذلك؟

-عندما تتوقف وسيلة إعلامية عن الصدور نهائياً، فإن ذلك غالباً ما يكون نتيجة لأسباب تمويلية أو قسرية متعلقة بالحريات في البلد الذي تصدر فيه. من هنا، فإن ماهية قرار التوقف الذي يتخذه مجلس الإدارة أو الجهة الممولة تستند غالباً إلى نظرة الجهة المموّلة لمستقبل الوسيلة الإعلامية والوظيفة المطلوبة منها. ففي النهاية الإعلام مشروع مموّل لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية، وبغض النظر عن تصنيفنا لهذه الأهداف سلبياً كان أم ايجابياً. لذلك هناك صحف توقفت عن الصدور نهائياً ورقياً والكترونياً لأنها لم تعد قادرة على تأمين نفقاتها أو لأنها حققت الوظيفة التي أرادها المموّل، وهناك صحف توقفت ورقياً واستمرت الكترونياً في محاولة للتخفيف من خسائرها والاستمرار في الوقت نفسه بأداء وظيفتها الإعلامية.

* حسن حظ المطبوع
*هل تعتبر أن الصحافة الالكترونية هي بديل عن الصحافة المطبوعة؟
قناعتي الشخصية أن جميع الوسائل الإعلامية مكملة لبعضها البعض، ومعظمها يمتلك جمهوراً واحداً. والالكتروني لن يكون بديلاً عن المطبوع لسنوات أخرى قادمة بل سيكون مكملاً له بدليل التمايز الحاصل اليوم في التعاطي المهني لكل من الالكتروني والمطبوع مع الأحداث والمعلومات. فالإلكتروني يهتم بالأخبار العاجلة والسريعة، وبالمواد القصيرة والمختصرة بالنظر إلى عادات التصفح لدى المتلقي، ويعتمد في جزء ليس بالقليل من مواده على المطبوع، بينما المطبوع يهتم بالتحليل والتحقيق والتدقيق ويلتزم بالأصول والقواعد المهنية والأخلاقية في النشر والبحث عن المعلومة.
ولو عدنا إلى الأرشيف سنجد أن التوقعات بزوال أو تلاشي الصحافة المطبوعة في مواجهة الالكتروني مضى عليها سنوات ولم تتحقق، فكثيراً ما كان يقال إن العام 2020 سيشهد تراجعاً كبيراً في عدد الصحف المطبوعة. وما حدث أن هناك صحفاً ومجلات مطبوعة جديدة ظهرت إلى العلن خلال السنوات الأخيرة وفي الدول الغربية تحديداً، ومن يتابع أوضاع الصحافة المطبوعة في الدول الغربية سيجد أنها منتشرة بكثرة على المستوى الوطني والإقليمي لكل دولة.

الصحافة المطبوعة تتسم بأعلى درجات المصداقية والمهنية مقارنة بوسائل الإعلام الجديد

*هل الصحافة المطبوعة اليوم بحاجة إلى خطط جديدة لتطويرها والحفاظ على دورها؟

-إن الاستمرارية تمثل اليوم تحدياً أساسياً أمام الصحافة المطبوعة، والعمل على مواجهة ذلك التحدي والنجاح به يتطلب الإقرار بالحاجة إلى استراتيجية جديدة تقوم على تعزيز مقوّمات المنافسة الموجودة لدى الصحافة المطبوعة، بدءاً من إعادة النظر بالأنواع الصحافية المستخدمة، وطرق الإخراج المتبعة، والمعلومات التي يجري التركيز عليها، وعمليات التسويق والترويج ودراسة السوق، وفئات وشرائح الجمهور المستهدف وعادات القراءة وغير ذلك.
ومن حسن حظ الصحافة المطبوعة أن المنافس العصري له، وأقصد المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، لديه كثير من الثغرات والسلبيات المهنية التي تشكل نقاط ضعف جوهرية، من تراجع المصداقية فيما ينشر إلى الفوضى وعدم التدقيق في المعلومة، والخرق الفاضح للقواعد والأصول المهنية والأخلاقية… وهذه كلها نقاط يمكن أن تبني عليها الصحافة المطبوعة كي تستعيد جمهورها وتعاود الانتشار من جديد كوسيلة إعلام موثقة ومهنية. وليس غريباً أن بعض الدول بدأت بقوننة الإعلام الالكتروني وهناك تجارب كثيرة في هذا المجال وسوريا كانت آخرها. في بعض الدول مثل الإمارات هناك قانون جديد يطبق منذ نحو عام يصل إلى مرحلة أن الصفحات التي تعنى بالشأن العام على شبكات التواصل الاجتماعي هي بحاجة إلى ترخيص، كذلك الأمر بالنسبة إلى الصفحات التي تنشر إعلانات على شبكات التوصل الاجتماعي أو التي تقوم بتقديم خدمة بيع وشراء. كلها بحاجة إلى ترخيص، وهذه أحد أوجه القوننة في الإعلام الالكتروني.
وباعتقادي أن قوننة الإعلام الالكتروني الهادفة إلى ضبط هذه الفوضى الحاصلة خطوة في مصلحة المطبوع الذي سيعاود التفوق بحكم التجربة، وبحكم الخبرة، وبحكم طبيعة العمل التي تقوم على التحقق من المعلومة، والتأكد من مصدرها، والتوسع فيها، والبحث عنها، بينما الإعلام الالكتروني غالباً ليس لديه الوقت للبحث عنها، إذ توجد المعلومة جاهزة. هذا لا يعني أن الإعلام الالكتروني لم يؤسس قاعدة شعبية، ولم ينتشر، لا على العكس من ذلك هو له قاعدة شعبية واسعة، وأصبح يتغلغل في فئات المجتمع بشكل كبير، وهنا تكمن خطورة. وما نعانيه في سورية أن جزءاً كبيراً من المعلومات غير صحيحة، جزء بلا مصدر، بلا أدنى تدقيق، بلا أدنى تحقق، جزء كبير منها يهتم بالاسم بالشأن العام، لكنه للأسف أصبح ينال من الشأن الخاص.

*في سورية
*قلتم إن فئة الشباب اتجهت نحو وسائل الإعلام الجديد…هل هذا يعني أن الصحافة المطبوعة فقدت تماماً هذه الفئة، وماذا على الصحافة أن تفعل لتستعيدها؟

– من دون شك، تستهوي وسائل الإعلام الجديد فئة الشباب أكثر لاعتبارات متعلقة بالانتشار الهائل لأجهزة الهاتف والحاسب (الكومبيتور) واستخداماتها ومزاياها الواسعة والرغبة بالتصفح العاجل للأخبار وغير ذلك. وبالتالي فإن جمهور الصحافة المطبوعة من الشباب هو الباحث عن المعرفة والمعلومة. وبقدر ما تهتم الصحافة المطبوعة بقضايا الشباب وتطرح همومهم ومشاكلهم فإنها ستكون قريبة من هذه الفئة أو لنقل من فئة الشباب المهتمة بتحصيل المزيد من المعرفة والاطلاع على ما يجري في بلدها والعالم. باختصار يجب ألا نترك الشباب لوسائل الإعلام الجديد.

* ما هو وضع الصحافة المطبوعة في سورية؟ ما مستقبلها في مواجهة الإعلام الالكتروني؟ هل توقفت صحف مطبوعة عن الصدور؟

-مع بدايات القرن الحالي سمح للقطاع الخاص بالحصول على تراخيص إصدار وسائل إعلام، وعلى إثر ذلك صدرت مجموعة واسعة من الصحف والمجلات وصل عددها لأكثر من 200 مطبوعة، معظمها اتجه نحو التخصصات الاقتصادية والاجتماعية والفنية. ومع بداية الأزمة في العام 2011 بدأت هذه المطبوعات تنسحب تدريجياً من السوق بسبب ارتفاع تكاليف الإصدار نتيجة تقلّبات سعر الصرف، وتراجع المبيعات والإعلانات، وتعثر عملية التوزيع وغير ذلك. وهذا أيضاً كان حال المواقع الالكترونية التي في حال عدم توقيفها تراجع أداؤها بشكل واضح. وحتى الصحافة المطبوعة الرسمية، اضطرت تحت ضغط العقوبات الغربية على البلاد وارتفاع التكاليف واستهداف كادرها إلى توقف الإصدار الورقي لخمس صحف محلية كانت تصدر في المحافظات وذلك في العام 2013، وإلى تقليص عدد صفحات صحيفتي “تشرين” و”الثورة” إلى النصف تقريباً.
لكن اليوم هناك ثلاث صحف محلية عادت إلى الإصدار الورقي في اللاذقية وحماة وحمص، وقريباً ستعود أقدم صحيفة سورية كانت تصدر منذ خمسينات القرن الماضي، وهي صحيفة “الجماهير” في حلب ستعود إلى الصدور الورقي خلال أشهر قليلة، وكذلك الأمر بالنسبة لصحيفة “الفرات” في دير الزور. كذلك فإن هناك صحفاً خاصة عادت إلى الصدور مثل “الاقتصادية” و”الخبر”. ومع ذلك علينا أن نعترف بتأثيرات الحرب على الصحافة المطبوعة وأنها ستكون بحاجة إلى وقت ليس بالقليل حتى تعاود حضورها بشكل أفضل وأكثر مهنية من السابق. وهذا ما تؤكده بعض البيانات التي قالت بتراجع الصحافة المطبوعة، لكنها أيضاً لم تؤكد سيطرة الإعلام الالكتروني بشكل كامل. فوفق نتائج مسح السكان الذي جرى في العام 2014، فإن نسبة الذين استغنوا نهائياً عن الصحافة المطبوعة في تحصيل المعارف والمعلومات وصلت إلى نحو 45% من السوريين، بينما نسبة غير المتابعين للمواقع الإلكترونية المحلية ارتفعت من نحو 14.6% قبل الأزمة إلى نحو 24.9% خلال سنوات الأزمة.
وكما هو حال الصحافة المطبوعة في كل دول العالم، فإنها في سورية تواجه منافسة غير متكافئة مع الإعلام الجديد، والذي يعيش حالة واسعة من الفوضى والعشوائية والفردية. إلا أن حالة الانبهار بالإعلام الجديد لن تدوم وهي فعلاً بدأت بالتلاشي مع انعدام مصداقية كثير من معلوماته المنشورة وتناوله لخصوصيات الأفراد وتسرّب كثير من المنتفعين وأصحاب المصالح إليه وافتقاره إلى القواعد المهنية. وبقوننة هذا الإعلام وتوجيهه إلى الممارسة والعمل بما تقتضيه المهنة ستكون المنافسة عندئذ للأقوى مهنياً.

Optimized by Optimole