عاشقو اللغة العربيّة يحتفلون بيومها

Spread the love

دمشق – عامر فؤاد عامر – عندما تتجاوزُ مسألةُ اللغة مهمّتها كوسيلةٍ للتخاطب، وتصبح رمزاً للهويّة، يتميّز بها شعبٌ عن آخر، عندها لا بدّ من الانتباه إلى أن الحرب غير المباشرة ستتوجّه بضرباتٍ متتالية لها، مع مرور الزمن، وهذا ما حدث ويحدث للغة العربيّة التي تعدّ رمزاً أساسيّاً لهويّتنا وصبغتنا الحضاريّة، على مسرح الوجود العالمي، واحتفاءً بيوم العربيّة خصصت وزارة الثقافة السوريّة يوماً من نشاطاتها في احتفاليّة توازعت قسم كبير منها أرجاء مكتبة الأسد الوطنيّة، ومن بينها ندوة جمعت اللغة العربيّة بالطبّ، والفنّ، والإعلام، عبر استضافة مميّزة شارك فيها كلّ من الفنان غسان مسعود، والإعلاميّة هيام حموي والأستاذ الدكتور بيان السيّد.

اللغة العربيّة والطبّ والعلوم
بدأ الطبيب والشاعر بيان السيّد حديثه باستعراض أهميّة العربيّة، ووزنها في الساحة الدوليّة، لا سيّما بعد حرب تشرين التحريريّة عام 1973، حيث أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة قرارها باعتماد اللغة العربيّة ضمن اللغات الرسميّة المقرّرة في الأمم المتحدة، وأصبحت ستُّ لغاتٍ أمّ. يضاف إليها كثرة عدد المتعاملين فيها، إذا يصل هذا العدد إلى 450 مليوناً يعيشون في الوطن العربي وما حوله، وأشار إلى حقيقة ترتيب اللغة العربيّة في المرتبة الرابعة على مستوى العالم بحسب عدد المتكلمين بها، فاللغة الإنكليزيّة في المرتبة الأولى، يليها الصينيّة، ثم الهنديّة، وبعد العربيّة يأتي في المرتبة الخامسة الإسبانيّة، فالروسيّة، والبرتغاليّة، والبنغاليّة، والفرنسيّة، والألمانيّة عاشراً، وبالتالي عدد المتعاملين بها على الشابكة “شبكة الإنترنت” عددٌ لا يستهان به، ومن الأفكار التي نوّه إليها “السيّد”، تعليّم العلوم باللغة الأمّ – الطبّ خاصّةً – وما المرجو منه، ومقارنته بالجامعات العربيّة التي تدرّس بغير اللغة الأمّ، مع أرقام، ونتائج، وإحصائيّات، تبيّن منها أن اللغة الأمّ تعطي نتائجها بصورةٍ أوضح، وأبرز، وأعمق.

اللغة العربيّة والفن والمسرح
تحدّث بدوره الفنان غسان مسعود، المعروف عن محبّته للغة العربيّة، وإصراره الدائم للتحدّث بها عبر الحوارات التي يظهر فيها، والأدوار التاريخيّة التي برع فيها دراميّاً، وقد أشار لنقاط ومسائل مهمّة ارتبطت بمسألة الهويّة واللغة، والتربيّة ومهامها الأساسيّة لفهم اللغة، والجيل الجديد والإعجاب بالجلاد – بحسب تعبير ابن خلدون – وأهميّة المطالعة والقراءة لجيل لا يقرأ، ومن تجربته المسرحيّة التي عرّج عليها يقول: “ربما كانت سوريا البلد العربي الوحيد الذي أقام شأناً للغة العربيّة، فعبر احتكاكي بتجارب المسرح في الدّول العربيّة، كان السوريون وحدهم يقدّمون المسرح باللغة الفصحى، في حين يقدّم الآخرون مسرحهم بالعاميّة، ومن دون تهجّمٍ على أحد أقدّمُ هذه الملاحظة من خلال تجربتي، مع ملاحظة أن العروض الأردنيّة أحياناً تقدّم بالفصحى وفقط! ولذلك عديد الأسباب منها التربيّة القوميّة في سوريا المرتبطة بخمسينات القرن الماضي، وكان لها الأثرُ البارز في محبّة اللغة العربيّة من قبل السوريين، على أن تكون الكتابة والمسرح والشعر والإذاعة والتلفزيون باللغة الفصحى”. وأشار “مسعود” أيضاً إلى دور الدّراما في الترويج للفصحى، ودورها كواسطة للمتفرج كي يتقرب من اللغة العربيّة، فيقبلها على حكاياتٍ وعبر تعريفهم بالشخصيّات التاريخيّة، وتقريبهم للغتهم، كما اقترح في نهاية حديثه كتاباً يُعمّم بعنوان التربيّة الاجتماعيّة أو اللغويّة أو أيّ اسم باستثناء أن يكون الثقافيّة، فالثقافة لا يمكن تعليمها.

اللغة العربيّة والإعلامُ على أصنافه
نوّهت الإعلاميّة هيام حموي عن اللغة العربيّة والإعلام؛ إلى أن مئات عناوين المحاضرات والندوات في محرك البحث تنتمي لهذا العنوان، الذي جاءته الندوة، ومنذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حين بدأ التراخي في استخدام اللغة العربيّة الفصحى عبر وسائل الإعلام المسموعة، والمرئيّة، مع ملاحظة أن الصحافة المكتوبة لم تتأثر إلا فيما ندر، ولكن اليوم يحضرُ عاملٌ خطيرٌ إضافيّ هو اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي لحياتنا، كما أشارت لحساسيّة ولادة الإعلام الخاصّ إلى جانب الإعلام الرسمي، والتجاوزات التي افتعلها، فقد كانت إجادة اللغة العربيّة الفصحى من أهمّ مقوّمات المذيع، إلى جانب الخامة الصوتيّة، وتحدّثت عن تجربتها في العمل في إذاعة “مونتي كارلو” على مدى عشرين عاماً، حيث كانت هذه الإذاعة حريصة جداً، في مرحلتها الأولى، على اللغة العربيّة الفصحى، بأن يجيدها المذيع، وعلى سلامة مفرداتها، بحضور أساتذة أقوياء في هذه اللغة، فكان امتحان القبول فيها قاسياً، وشاقّاً، وكانت هي وزملائها، ذلك الحين، يتحدّثون بالفصحى، ولكن بنغمة الحديث العادي، فيخيّل إلى السامع بأنها عاميّة، مع أنها فصحى! لكن بعد غزو الفضائيّات خاصّةً التي تبثُّ من خارج نطاق الدّول التي تريد حماية هويّتها، فكان غزواً إذاعيّاً وتلفزيونيّاً، ثم غزوٌ لوسائل التواصل، مترافقاً مع ثورة الرغبة في التعبير عن الذات، على مبدأ الشعر للجميع وكذلك الغناء والإعلام والشهرة للجميع، ثمّ تحوّل جانبٌ كبيرٌ من الإعلام إلى تجارة. كما ذكّرت “حموي” إلى مرحلة غزو العراق ومشكلة التدوين الشخصيّة، وتسريب المعلومات، والمشاكل الكتابيّة اللغويّة التي رافقت المرحلة، ثم انتقلت إلى شروط وسائل الإعلام التي غزت النفوس، والعقول، والقلوب بنجاح، ففرضت نفسها على حياتنا مع كلّ أسف.
في النهاية قالت: “نعم حلّت الكارثة، لكن هناك حلول، غير أنه كلّما تأخرنا في استعادة زمام الأمور تصبح الحلول أصعب، مع استمرار تطوّر لغات تدمير حضارتنا، ولغتنا، وهويّتنا.
تشخيص الحالة ضروري وهو الأساسُ، لكن يجب التفكير بحلٍّ إسعافي، وهي مَهمّة تتطلّب اجتماع كفاءات كثيرة، وجهود عديدة، وعلى المجمع اللغوي إيجاد مصطلحات سهلة وبسرعة كبيرة، وضرورة إجراء دوراتٍ تدريبيّةٍ في تمكين اللغة العربيّة للإعلاميين الشباب، وتعزيز مهنة المدقق اللغوي في المؤسسات الإعلاميّة، ولدى بعض المسؤولين الذي يتوجّهون بخطاباتهم للجمهور، والتشجيع على القراءة، والوسائل إلى ذلك متعددة، وإعداد وتقديم برامج بالفصحى، إذاعيّة وتلفزيونيّة، لا تقلّ جاذبيّةً عن البرامج بالعاميّة…”.

Optimized by Optimole