من أعلام التجديد في الإسلام

Spread the love

بقلم: زينب الروبي — صدر حديثاً عن مكتبة الأسرة في مصر كتاب الشيخ أمين الخولي “المجددون في الإسلام” كتبه على أساس كتابي (التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة سنة) لجلال الدين السيوطى وكتاب (بغية المقتدين ومنحة المجددين على تحفة المهتدين) للمراغي الجرجاوى. حيث أن فكرة التجديد ظلت موجودة منذ السيوطي في القرن العاشر الهجري فقال الشيخ الخولى إنه قصد من هذا الكتاب التأكيد على فكرة تجديد الدين على رأس كل مائة ثم أكمل هذه الصورة التاريخية بترجمة من سموهم من المجددين وبيان أعمالهم وأفكارهم في التجديد.

الشيخ أمين الخولي (1895-1966) شيخ أزهري مصري ومن الشيوخ المجددين التقدميين كالشيخ محمد عبده، والشيخ علي عبد الرازق، والشيخ خالد محمد خالد وغيرهم كثير من شيوخ الأزهر. والشيخ الخولي، كان أستاذ الدراسات القرآنية والبلاغية والنقدية، في جامعة القاهرة. وكانت عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطىء 1912-1998، وهي أول امرأة عربية تنال جائزة الملك فيصل) من ضمن طلبته. فأحبها وأحبته، وتزوجا فيما بعد. وكانت له الزوجة الثالثة. والشيخ الخولي، مفكر، وأديب نشيط. وكان له أثره الكبير في تجديد مناهج التدريس، ونقد المناهج العلمية، وتجديد الأساليب التفسيرية والبلاغية.
يقول الخولي عن منهجه الجديد: “طفقتُ أتعرف على معالم الدراسة الفنية الحديثة عامة، والأدبي منها خاصة، وأرجع الى كل ما يجدي في ذلك، من عمل الغربيين، وكتبهم. وأوازن بينه وبين صنيع أسلافنا، وأبناء عصرنا في هذا كله. وكانت نظرتي الى القديم – تلك النظرة غير اليائسة – دافعة الى التأمل الناقد فيه، وإلى العناية بتاريخ هذه البلاغة، أسأله عن خطوات سيرها، ومتحرجات طريقها. أستعين بذلك على تبين عقدها، وتفهم مشكلاتها، ومعرفة أوجه الحاجة إلى الإصلاح فيها. وكنت أقابل القديم بالجديد، فأنقد القديم، وأنفي غثه، وأضم سمينه إلى صالح جديد. لذا قاربت أن أفرغ من النظر في القديم، بعدما ضممت خياره إلى الجديد، فألفت منها نسقاً كاملاً، يُرجى أن يكون دستور البلاغة في درسها”.
في كتاب “المجددون في الإسلام”، يقدم لنا الشيخ الخولي نماذج إسلامية قديمة قامت بالتجديد، منها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز كنموذج للحاكم المسلم المجدد فيرى فيه الشعور بالمسؤولية حيث كان يبكي في مصلاه فتسأله زوجته فيقول (إني تقلدت من أمر أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسل) أسودها وأحمرها فتفكرت في الفقير الجائع والمريض الضائع والعارى المجهود والمظلوم المقهور والغريب الأسير والشيخ الكبير وذوى العيال الكثير والمال القليل وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد فعلمت أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة فخشيت ألا تثبت لي حجة فبكيت). وكان لعمر بن عبدالعزيز صورة في حرية الرأي والاعتقاد لم يعرفها عصره في مفكريه ولا حكامه فلما كتب إليه عامله على خُراسان أن أهلها لا يصلحون إلا بالسيف فقال كذبت بل يصلحهم العدل والحق وضرب عمر بن عبدالعزيز مثلاً رائعاً في العدل الاجتماعي والاصلاح الثائر مما أصلح به البلاد والعباد.
والإمام الشافعي مجدد في تفكيره ومنهجه حيث إجلاله العلم وتقديمه على العبادة كصلاة النافلة. يقول الشافعى من أراد الدُنيا فعليه بالعلم ولم يعطَ الإنسان في الدنيا بعد النبوة أفضل من العلم. وأعلى الشافعى من العقل فأنكر رؤية الجن وقال إن الكفاءة في الدين لا في الحسب وقال إن كتمان النصيحة للحاكم ككتمان العلة المرضية.
ومن المجددين الذى ذكرهم الخولي أبو الحسن الأشعري وتسامحه الديني وجمع أهل السنة على كلمته. وأورد أيضاً ابن سريج القاضي البغدادي المجدد وهو فقيه شافعي عُرف بعلمه فلُقب بفارس العلم. وتناول من المجددين أبو سهل الصعلوكي النيسابوري المتوفى عام 369ه وذكر نواحي تجديده في أنه كان صوفياً عملياً فلم يكف عن نشر العلم رغم زهده وأنه لم يعتزل الحياة بل أسهم فيها.
وذكر الخولي من المجددين أبو بكر الباقلاني المجدد من أهل البصرة المتوفى عام 403ه فاعتبره مجدد القرن الرابع حيث كان لا يأخذ أجرًا على علمه ويحتسبه لله وعمل سفيرًا دبلوماسيًا للباقته وهو نموذج لرجل دين يعمل في منصب سياسي وكان ناجحا حين بعثه عضد الدولة إلى ملك الروم في عام 371ه.
وشرح الخولي في نهاية كتابه منهجه في التجديد، حيث أوضح أن الفكرة ليست جديدة وليست دعوة غربية مستوردة، وإنما هي موجودة في “البيئة الإسلامية”، منذ وقت مبكر. وفكرة التجديد القديمة، تصلح أساساً مسلماً للإفادة منها، والاعتماد عليها، في عصر اشتدت فيه الحاجة الى الاطمئنان الديني، وكثرت فيه صور المشادة، والمعارضة، التي يتأزم فيها التدين.
وقال الخولي إن فكرة التجديد، لا تُلزم العقيدة الإسلامية بشيء خاص، ولا تُكلفها قليلاً أو كثيراً من الشطط. فتقرير فكرة التجديد، هو قبول لأصل حيوي، لا يهون إنكاره، إذ أنه واقع لا يُجمَّد، ومشاهد لا تُطمس. وذلك هو مبدأ التطور في الحياة، والأحياء.
ولقد قدم المجددون الأوائل (الخليفة عمر بن عبد العزيز، الإمام الشافعي، الفقيه أبو الحسن الأشعري، الفقيه البقلاني، وغيرهم) للحياة الدينية ظاهرة التسامح الديني، الرحب الأفق، المُسالم، والذي يمثله عمل أبي الحسن الأشعري، وقوله، حين يشهد على نفسه، وهو على باب الآخرة. وإذا اطمأنت النفوس الى وقوع التطور مع هذا التسامح، وتلك الحرية، وسلامة الفهم، أمكن تحرر العقيدة الإسلامية تحريراً يحميها من عداء الواقع لها، وبمكن إيمانها بالعلم المدرك لطبائع الكون ولكن التسامح لن يتأتى إلا بمعرفة عقائد الآخرين معرفة تامة، ودراستها دراسة عميقة.
ومن الأجدى ما قدم المجددون الأوائل للحياة الدينية، فهمهم للدين على أنه إصلاح للحياة، لا طقوس وأشكال. وهو ما قام به الخليفة عمر بن عبد العزيز، حين أطعم الأفواه الجائعة بدلاً من أداء بعض الطقوس. كما يتجلّى في ما قام به الإمام الشافعي، الذي أمضى الليلة يفكر في حلول لمسائل فقهية، مؤثراً ذلك على أداء بعض الطقوس.

Optimized by Optimole