“لماذا تحدث الثورات”؟.. دراسة في مفهوم الثورة وأسبابها

Spread the love

بقلم: روز سليمان – في كتابه “لماذا تحدث الثورات”؟ الصادر حديثاً عن “دار الرافدين” في بيروت، يسترجع د. هيثم مزاحم نماذج من الدراسات النظرية حول الثورة ومفهومها ودوافعها وأسبابها؛ في محاولة معرفة لماذا وكيف تحدث الثورات، من خلال “التوصل إلى القواسم المشتركة للثورات من جهة، ومعرفة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب الثائرة قبل الثورة”.

يتناول الكتاب بالدراسة كتاب “في الثورة” للباحثة والفيلسوفة الأميركية – الألمانية حنة أرندت، ودراسة “تشريح الثورة” للباحث والمؤرخ الأميركي كرين برينتن، ودراسة الباحث والمؤرخ البريطاني اريك هوبزباوم”عصر الثورة: أوروبا(1789 – 1848)”، وآراء المؤرخ الفرنسي ألكسي دو توكفيل في كتابه “النظام القديم والثورة”، إضافة إلى كتابات أخرى عن الثورات الفرنسية والأميركية والروسية والإيرانية والعربية.

يسعى الكتاب إلى توليد خطاب سردي عن الثورات قائم على تلك الدراسات، باعتبارها نماذج فاعلة يمكن الاستناد إليها في البحث الأكاديمي في هذا الخصوص، مثلاً في تعريفها للثورة، تشير حنة أرندت إلى أنه مصطلح قديم نسبياً ولم يكتسب معناه الجديد إلا ببطء وتؤدة، تقول:إن الكلمة (revolution) يعود استخدامها الأصلي لدورة الفلك، أي إلى دورات الكواكب التي لا يمكن تغييرها أو تبديلها أو حتى التأثير عليها، وعندما نقلت إلى المجال السياسي، كان معناها تعاقب الحكومات والدول في دورة لا يمكن للبشر تبديلها وتغييرها.

في هذه الدراسة البحثية، نجد المفاهيم تغادر عموميتها، وتتجلى في النسيج المتين الذي يجمع أفكار الكتاب عن الثورات ضمن قوالب بسيطة منفصلة عن بعضها غير معقدة تمكن من قراءتها بشكل مستقل.

يستشهد الباحث بكتاب “تشريح الثورة” للباحث والمؤرخ الأميركي كرين برينتن الذي طبع عام 1938 وأعيد طبعه عام 1956 وقام برينتن بتوسيعه عام 1964. ويعد الكتاب أفضل كتب يرينتن وأشهرها، حاول فيه تأسيس نمط تتبعه معظم الثورات. وقد جمع المعلومات من أربع ثورات كبرى: الثورة الأميركية، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية البلشفية، والحرب الأهلية في إنكلترا.

يُحسب للكاتب القدرة على المزاوجة بين تلك الدراسات على تنوعها والقدرة على التفاعل معها ومعايشة القارئ لها، تلامس له دلالته في الدقة التي تمت الدراسة من خلالها والقدرة على ضبط النص في الحيز المطلوب بعيداً عن الإطالة التي أحياناً لا تحمل إضافتها معها، فالثورة لدى برينت ذات أهمية معاصرة تماماً في منتصف القرن العشرين؛التغيير لا يزال سمة ثقافتنا إلا أنه تغيير منظم وسلمي وتدريجي أي بحسب العبارة الشائعة لدى أجدادنا “تطور وليس ثورة”، وهو يشير إلى استقرار دولة الولايات المتحدة، فهي أقدم من بريطانيا الاشتراكية، ومن الجمهورية الفرنسية الخامسة، ومن أي جمهورية سوفياتية، ومن حكومات البلدان الغارقة في القدم كالصين والهند، فالمجتمع الأميركي مستقر وسط مجتمعات تشهد تغييراً ثورياً، لأن الأميركيين يخافون قليلاً من الثورات ويتمسكون بشعار القرن التاسع عشر “تطور وليس ثورة””.

وتحت عنوان “التلقائية أم التخطيط” ينقل الباحث عن برينتن قوله: “ثمة فروق لافتة للنظر في التخطيط المسبق للخطوات الأولى في الثورات الأربع. اندلعت الثورة الإنجليزية في إحدى أقدم الهيئات البرلمانية وأرسخها، ونشبت الثورة الأميركية بشكل رئيسي في نيو إيغلاند بين ناس تعودوا على اجتماعات مجالس المدن والمستعمرات، وتطورت الثورة الفرنسية من اجتماعات هيئة تشريعية بلا سوابق، وبدأت الثورة الروسية في أعمال شغب في شوارع العاصمة واستمرت من دون الاستفادة من أية هيئة برلمانية، وثمة فروق بين الثورات الأربع في الشخصية وفروق في الوقت والمكان؛ في المراحل المبكرة من الثورة ثمة متماثلات واضحة في سلوك الأفراد في تلك المجموعات – مشاعر الأفراد وخطاباتهم، والثوار عموماً ليسوا من الأغنياء أو الفقراء، بل هم من متوسطي الحال في فرنسا، وفي انجلترا تمتّع هؤلاء بالاحترام والازدهار الاقتصادي، وفي الولايات المتحدة، كان التجار أول من نظم المعارضة للتاج البريطاني ولبى أصحاب المزارع ومالكو الأراضي الصغار الدعوة،والثورة الروسية شارك فيها النبلاء وأصحاب المهن الحرة والموظفون والمزارعون الأغنياء والعمال.

كما يخصص الكتاب بحثاً موسعاً عن الثورات في التاريخ الإسلامي: “عرَفَتْ إيران خلال عهد الملوك القاجاريين استبداداً شديداً، إذ كان هؤلاء الملوك يوسعون صلاحياتهم بلا حدود ويعززون سلطانهم، إلى الحد الذي جعل الشاه ناصر الدين (1848 ــ 1896م) يمنح الامتيازات للشركات الأجنبية بلا حدود وبلا استشارة أحد من الشعب الايراني بمن فيهم مراجع الدين، وكان من أبرز هذه الامتيازات اتفاقية حصر بيع وشراء التبغ مع شركة بريطانية، إذ ضرب الشاه ناصر الدين بعرض الحائط كل الاعتراضات والمطالبات الشعبية بإلغاء هذه الاتفاقية الاحتكارية الاستعمارية التي كانت تؤدي إلى هيمنة بريطانيا على 20 في المئة من الاقتصاد الإيراني، وألحق ضرراً كبيراً بفئات كبيرة من الشعب الإيراني، وهذا ما دفع بالمرجع الديني الأعلى للشيعة، الميرزا محمد حسن الشيرازي، الذي كان يقيم في مدينة سامراء في العراق آنذاك، إلى إصدار فتواه التاريخية الشهيرة بحرمة التدخين واستعمال التنباك بأية صورة، زراعة وشراء وبيعاً وتدخيناً، وذلك سنة 1309هـ/ 1891م، وكان لهذه الفتوى أثر كبير جداً في الشعب الإيراني الذي يطيع المرجعية الدينية بصورة تامة، حيث التزم الإيرانيون، بمن فيهم زوجات الشاه، بعدم التدخين، مما اضطر ناصر الدين إلى إلغاء امتياز الشركة البريطانية عام 1892، ودعوة العلماء إلى طهران للتعهد لهم باستشارتهم في المستقبل في جميع الأمور”.

أما فيما يتعلق بالثورات العربية،نجد في الكتاب بأن العالم العربي عرف في القرنين التاسع عشر والعشرين ثورات وانتفاضات عديدة ضد الاحتلال والاستعمار الأجنبيين، بدءاً من الحركة السنوسية وجهاد عمر المختار في ليبيا، مروراً بالثورة العربية الكبرى ضد السلطنة العثمانية عام 1915، وثورة العشرين في العراق(1920) وثورة عرابي في مصر(1919)، والثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى الثورة الجزائرية(1954 – 1962)، وغيرها من حركات التحرر الوطني.

ويختتم الدكتور مزاحم فصول كتابه بملاحظات تم استخلاصها من الدراسات عن الثورات ومن التجارب الثورية العالمية والعربية، نذكر منها:

1- الثورة تحتاج إلى فترة زمنية حتى تختمر هذه العوامل وتتراكم الدوافع وتنضج ظروف الثورة، فكم من ثورة فشلت في التاريخ، بسبب عدم نضوج ظروفها وعدم توافر عواملها الموضوعية، والثورات الشيعية في العهدين الأموي والعباسي شواهد على ذلك، بينما كان مآل الثورة العباسية الانتصار بسبب نضوج الظروف وتوافر عوامل النجاح.

2- الثورة تحتاج إلى عقيدة أو أيديولوجيا تحدد المبادئ والأهداف المنشودة لها، وتساعد في تحريض الجماهير على الخروج والانتفاض والاحتجاج في سبيل تحقيق هذه الأهداف، وقد تكون هذه العقيدة دينية – فلسفية، أو سياسية – اقتصادية، إسلامية أو ليبرالية أو شيوعية.

المصدر: صحيفة الثبات

Optimized by Optimole