قراءة في كتاب دراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة

Spread the love

شجون عربية – مراجعة: علا محمد مرشود* |

الكتاب: دراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة
الناشر: مجموعة البنك الدولي- واشنطن
تأليف: هذا التقرير نتاج عمل موظفي البنك الدولي مع إسهامات خارجية.
مراجعة: الباحثة علا محمد مرشود*
يشكل الكتاب الصادر عام 2018 عن البنك الدولي بعنوان “دراسة عن التمكين الاقتصادي للمرأة” محاولة لتقييم أوضاع المساواة بين الجنسين في مصر، ودراسة ما يمكن عده حواجز أو فرص متصلة بتمكين المرأة الاقتصادي، معتمدًا بذلك على استراتيجيات البنك الدولي المعنية بالمساواة بين الجنسين، وبناء على طلب المجلس القومي للمرأة، ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولي في مصر وهذا في مجموعه يكشف عن المرجعية المعرفية التي قامت عليها الدراسة، واستحضار هذه المرجعية مهم في سياق مراجعة ونقد ما ورد في هذه الدراسة.
محتويات الكتاب:
يبدأ الكتاب بعرض “موجز واف وسياق التقرير” احتوى على المقدمة التي اشتملت على الهدف الرئيس للدراسة، متمثلًا في تقييم العوامل التي تسهم في استمرار تدنِّي مُعدَّل مشاركة المرأة المصرية في قوة العمل، وتحديد السياسات والحلول من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، وفي الوقت نفسه تضييق الفجوات بين الجنسين. وفي هذا الهدف افتراض مسبق بتدني معدل مشاركة المرأة المصرية في قوة العمل غير مستند إلى إثبات. على الرغم من أن المقدمة جاءت بها بعض الدراسات، وأن الفصل الأول تحدث عن أوضاع المرأة المصرية بشكل عام، وأن الفصل الخامس جاءت به نتائج بحوث الدراسة، ففي هذا كله ما يمكن اعتباره إثبات يعتمد عليه، على اعتبار خلوها من أنماط التحيز، ولكن وجود الفرض المسبق المشار إليه آنفًا، بالإضافة إلى الاعتماد على دراسات صادرة عن البنك الدولي نفسه، أو على دراسات تعتمد على وجود رؤية مسبقة يحاكم ويقاس إليها المجتمع المصري -أجنبية عنه-، ينقص من فرصة الإنصاف معه. فهذا في مجموعه يدفع للشك في موضوعية ما جاء في هذه المقدمة أو ذَانك الفصلين. والأولى بالباحث الموضوعي أن يهدف إلى تبين أوضاع المرأة أولاً، ثم يهدف إلى تقييم عوامل الخلل –إن وجد- وبيان ما يمكن أن يوصى به في سبيل معالجة ذلك الخلل.
كما بُين في هذا الموجز، منهجية البحث ونطاقه وهيكله، فالدراسة تعتمد على البيانات الكمية، ومن تلك البيانات ما هو صادر عن مراكز إحصاء مختلفة، ومنها ما تم إجراءه لاستكمال الدراسة. كما أن نطاق البحث يدور في فلك سوق العمل الرسمي، والنساء المتعلمات.
الفصل الأول: أوضاع المرأة المصرية:
يدرس الفصل الأول أوضاع المرأة المصرية في إطار رؤية البحث وسياقته من جميع النواحي، كمعدلات حصولهن على خدمات التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية وفرص العمل اللائق، وكذلك قدرتهن على المشاركة في العملية السياسية، والتمتع بالحق في عدم التعرض للعنف. وفيه إشارة إلى تحقق مكاسب واضحة على كافة هذه الأصعدة منذ عام 2010، حتى صدور هذه الدراسة.
ينتهي الفصل بخلاصات وتوصيات بما يتعلق بالسياسات على ضوء موضوع هذا الفصل.
الفصل الثاني: مشاركة المرأة في سوق العمل:
في هذا الفصل تظهر الدراسة وضع المرأة ومشاركته في النشاط الاقتصادي وتصفه بالفجوة التي تظل دون تغيير، على الرغم ما أقرت به من تحسن أوضاع المرأة المصرية على الأصعدة الأخرى في الفصل الأول. واستندت لإثبات هذه الفجوة على عدة ظواهر ومسوحات، في بعضها حقيقي وواقع سيء يمكن اعتباره وفي بعضها الآخر ما يحتاج إلى إعادة نظر، وأمثل بذلك فيما يلي: فمما يثبت وجود هذه الفجوة ما أوردته الدراسة عن تقاضي النساء أجورًا متدينة يغيب فيها الضمان الاجتماعي حتى، وهذا في القطاع الغير الرسمي (وهذا يمكن اعتباره خروج عن نطاق الدراسة الذي حدد في أولها). بالإضافة إلى معدلات البطالة بين النساء، ومما يحتاج إلى إعادة نظر ولا يمكن اعتباره علامة على سوء نشاط المرأة الاقتصادي: عدم تقاضي المرأة الأجر على تربية الأولاد والتدبير المنزلي، وعدهم ذلك من الإهانات لكيان المرأة ومن تسلط الذكور عليهن، وهذه فكرة غير صحيحة في مجملها، يقول علي عزت بيجوفتش: ” هذا الضغط المتواصل من أجل تشغيل المرأة خارج البيت ومساهمتها في الإنتاج له جانب نفسي، إنه يقوم على عدم معرفة كلّ تلك القيم الاقتصاديّة التي تحقّقها النساء في البيت، بالولادة وتربية الأطفال والمحافظة على الأمور البيتيّة.” فمجهود المرأة في بيتها ليس نشاط بعيد عن تحقيق القيم الاقتصادية، وعدم تلقيه الأجر كالوظائف الأخرى فيه قصور عن فهم بيئة المجتمع المسلم، فرغم كون المرأة لا تتلقى أجرًا بالمعنى المقصود لديهم، إلا أن الإسلام ضمن لها النفقة الواجبة التي تلبي كافة احتياجاتها الاقتصادية، فعلى الزوج أو المعيل هذه النفقة وجوبًا لا محيص عنه، وهذا مما لا يوجد في النموذج الذي تحاكم إليه الدراسة المجتمع المصري، وتعتبر تأخرها عنه، تأخرًا عن تحسن أوضاع المرأة، والأحرى بالدراسة أن تدرس المجتمع المصري في سياق بيئته وثقافته ودينه، لا في سياق ثقافة أو أفكار أجنبية عنه.
كما ترجع الدراسة تباطؤ النشاط الاقتصادي، وزيادة معدلات الفقر من 2010 إلى سنة 2015 إلى عدم المساواة والمساوئ الاجتماعية الواقعة على المرأة، وفي هذا ضعف نظر وإغفال لعوامل أخرى مهمة ولا يمكن عدم اعتبارها، أهمها وأبرزها الأوضاع السياسية التي عاشتها البلاد في تلك الفترة، وما مر عليها فيها من ثورات، وسلطة غير مستقرة بيد، وصولًا إلى انقلاب وحكم العسكر الجاثم على صدر المجتمع المصري إلى اليوم، فكل هذه ظروف وسياقات تعتبر سبب رئيسي في تباطؤ النشاط الاقتصادي أو قل تأخره وزيادة معدلات الفقر.
وعلى الرغم من إصرار الدراسة على سوء أوضاع المرأة الاقتصادي وإرجاع هذا إلى أسباب مما يتعلق بعدم المساواة وسلطة المجتمع الذكوري، والثقافة السائدة، وإهمال ما يتعلق بأثر سياسات البلاد وما مرت به في سوء الأوضاع الاقتصادية سواء على المرأة والرجل، فإن الدراسة ذكرت أسباب تبعث التفاؤل، منها: رؤية مصر 2030 وما تشتمله من إصلاحات. إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 عامًا للمرأة. ما أعدته الحكومة المصرية من استراتيجية وطنية لتمكين المرأة للمرة الأولى. توقيع بروتوكول الشمول المالي للمرأة بين البنك المركزي المصري والمجلس القومي للمرأة. وما بين وقت نشر هذه الدراسة (2018) وحتى (2022) أربع سنوات حري بها أن تكشف حقيقة هذا الأسباب وأثرها في تقدم أو تأخر الاقتصاد المصري بشكل عام واقتصاد المرأة بشكل خاص، وحري بها أن تكشف مقدار موضوعية هذه الأسباب، أم كونها مجرد شعارات تزلف للحاكم، وللمؤسسات الأجنبية المانحة.
ينتهي الفصل بخلاصات وتوصيات بما يتعلق بالسياسات على ضوء موضوع هذا الفصل.
الفصل الثالث: الشمول المالي للمرأة:
يدرس هذا الفصل الشمول المالي للمرأة المصرية، ويعني الشمول المالي أن يُتاح للأفراد ومؤسسات الأعمال فرص الحصول على مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات المالية الرسمية الكافية وميسورة التكلفة على نحو مسؤول. وتصف الدراسة هذا الشمول بثلاثة أبعاد، هي: إمكانية الحصول على الخدمات المالية، واستخدامها، وجودتها، وتثني الدراسة على جهود الدولة المصرية من أجل تحقيق مزيد من الشمول المالي في تبنيها والتزامها بعدد من المبادرات العالمية.
ثم تتطرق الدراسة إلى معوقات الشمول المالي، ومن ذلك: انخفاض مستوى الإلمام بالأمور المالية بين النساء. والتحيز المؤسسي ضد المرأة لدى مقدمي الخدمات. الأعراف الاجتماعية والثقافية المُقيِّدة. والفجوات في القدرات ومنها المهارات التقنية ومهارات التواصل الشخصية اللازمة لإدارة منشأة أعمال. وفي هذه المعوقات ما يمكن رده إلى بعض، فقد يكون التحيز المؤسسي ضد المرأة بسبب ما جاء في المعوقات الأخرى من انخفاض مستوى الإلمام بالأمور المالية بين النساء، والفجوات في القدرات. ولكن البينة المعرفية التي تقوم عليها الدراسة تتبنى رؤية النظر إلى المرأة على الدوام بصفتها فئة مظلومة، يقول الباحث أحمد دعدوش: ” في العقلية الليبرالية لا يكفي عدم توجيه أصابع الاتهام إلى المرأة والأقليات في أي خطأ قد يحدث، لأنها فئات لا يمكن إلا أن تكون مظلومة، بل يجب الامتناع أيضا عن مبدأ “تمييزها” بأي إجراء وقائي. فعلى الرجل والأكثرية أن يتعلموا “حقوق” تلك الفئات المقدسة، لأنها فئات لا تحتاج أصلا إلى تعلم أي شيء طالما هي على الحق دائما!”
ينتهي الفصل بخلاصات وتوصيات بما يتعلق بالسياسات على ضوء موضوع هذا الفصل.
الفصل الرابع: مشاركة المرأة في سوق العمل: نظرات متفحصة في المفاهيم والممارسات:
يقدم هذا الفصل ما يسميه رؤى نوعية متبصِّرة بشأن مفاهيم النساء فيما يتعلَّق بظروف العمل، والتحديات، كالتوفيق بين متطلبات العمل والزواج، والعلاقة بين المسؤوليات الأسرية، والدخل، وديناميكية اتخاذ القرار في الأسرة. استندت نتائج هذه النظرات إلى 18 مناقشة جماعية مركزة جرت في يناير وفبراير من عام 2018م. تفاوتت فيها خصائص المشاركين حيث المستوى التعليمي، والسن، والوضع الوظيفي، ونوع العمل. وأول ما يبدأ به الفصل في سياق اتجاهات مشاركة المرأة في قوة العمل: “البحث عن وظيفة” بعده أول تفاعل للمرأة المصرية مع سوق العمل. بتصوير صورة معينة لنجاح المرأة وفعاليتها ومشاركتها في بناء المجتمع بهذه الوظيفة، وبعد الخروج عن هذه الصورة –ولو عن رغبة شخصية من المرأة-تخلفا وبعدًا عن أي نجاح ممكن خارج هذا الإطار المرسوم بعيون زرقاء أجنبية عن ثقافة وبيئة هذه المرأة.
وقد تطرقت الدراسة في خضم هذه الاتجاهات إلى: ظروف عمل المرأة وما يحيط بها. وما تتعرض له المرأة من صعوبات في أوقات العمل، وفي التنقل في المواصلات كالتحرش وغيرها. الرضا عن الأجور المتدينة، وهو ما يمكن أن تلام عليه المرأة، فقبولها بالأجور المتدنية جعل من أرباب العمل يتمادون في ظلم النساء وإنقاص أجورهن. والتمييز بين الجنسين في مكان العمل، ومما تجدر الإشارة إليه أن أرباب العمل يفضلون عمل المرأة لكونها ترضى بالأجور المتدنية مقارنة بالرجل. وختم هذا الفصل بنقاش الدراسة المطول عن أثر الزواج على تشغيل المرأة، وما يتماس مع التوفيق بين العمل والأسرة.
ينتهي الفصل بخلاصات وتوصيات بما يتعلق بالسياسات على ضوء موضوع هذا الفصل.
الفصل الخامس: دراسة التحيُّز غير الواعي لأحد الجنسين في القطاع الخاص:
يناقش هذا مختلف أشكال التحيُّز على أساس نوع الجنس التي تُؤثِّر على عمل المرأة في القطاع الخاص، ويُقدِّم توصيات لسياسات ممكنة هدفها التشجيع على التنوُّع بين الجنسين في مكان العمل، وتعزيز اشتمال النساء، لاسيما في المواقع القيادية. ويتناول المفاهيم المتعلقة بعمل المرأة في جانبي العرض والطلب في مختلف القطاعات، ومنها الاتصالات السلكية واللاسلكية، والبنوك، والزراعة، والغزل والنسيج، والسلع الاستهلاكية سريعة الدوران (لاسيما في قطاع إنتاج الغذاء).
الفصل السادس: صناعات واعدة في تشغيل النساء في الاقتصاد المصري:
حدَّد في هذا الفصل 12 قطاعا (منها: الرعاية الاجتماعية-التعليم –صحة الإنسان) تلعب دورًا غير متناسب في تشغيل النساء في القطاع الخاص، حيث يعمل فيها 78 % من كل النساء العاملات بأجر في المنشآت الخاصة، وتُؤلِّف النساء في المتوسط نسبة أقل من ثلث قوة العمل في هذه القطاعات. ويخلص هذا الفصل من خلال تحليل ما يتعلق بهذه القطاعات إلى أنه يمكن تحقيق زيادة كبيرة في الطلب على الأيدي العاملة من النساء باتباع استراتيجية تقوم على النهوض بصادرات الملابس الجاهزة، والأدوية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمنتجات الزراعية.
الفصل السابع: الاستنتاجات والتوصيات:
في هذا الفصل تخلص الدراسة إلى وضع سياسات بين يدي واضعي القرار في سبيل النهوض بالنشاط الاقتصادي إلى المرأة. يما يتلاءم مع رؤية الدولة وإطارها الزمني، وما يتوافق مع اتفاقياتها وتوجهاتها السياسية. فهناك تتعلق التوصيات قصيرة الأجل بإجراءات ينبغي اتخاذها خلال عامين 2019-2020، ولتوصيات متوسطة الأجل فتُغطِّي الفترة حتى 2025، بحد نهائي هو عام 2030. ويختتم التقرير بجدول مختصر يجمع توصيات على مستوى السياسات وفقًا لمختلف الأبعاد، مع تحديد للأُطُر الزمنية والمنتفعين المستهدفين، ومتخذي القرار وواضعي السياسات، وغيرهم من أصحاب المصلحة المعنيين. وفي ظل هذه الأطر الزمنية أداة فعالة لتقييم هذه التوصيات وأثرها الحقيقي على الاقتصاد، لاسيما أن الكثير منها متحقق، ويسير وفق الخطة، ولكن يبقى الخلل أن الاقتصاد مستمر بالتباطؤ والتأخر.
* باحثة في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأمريكية، فلسطين.