غزة: تحقيق في قضية استشهادها

غزة: تحقيق في قضية استشهادها
Spread the love

بقلم: نورمان فينكلستاين – قراءة: وسن فياض أبو بكر — صدر حديثاً كتاب في الولايت المتحدة الأميركية للباحث المرموق الدكتور نورمان فينكلستاين عن غزة. وفينكلستاين محاضر جامعي من أصول يهودية وكاتب ومحلل سياسي وناشط في حقوق الإنسان ويعيش في مدينة بروكلين – نيويورك. وقد ألف العديد من الكتب السياسية وهي في مجاله الأكاديمي في العلوم السياسية وأهمها دراسات عن الشرق الأوسط. وقد تحدث في كتبه الستة عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتحدث عن الهولوكوست. وفي مؤلفاته أبدى مناصرته للقضية الفلسطينية وهو في آرائه يتحدث عن حجم الألم والمعاناة التي يمر بها الإنسان الفلسطيني جراء السياسات التي تنتهك حقوقه الإنسانية والسياسية.
وفي المحاضرة التي استمعت اليها في البرنامج الشهير Democracy Now والتي قمت بترجمتها، بدأ الحديث عن نشأته وتطرق الى قصة والديه، فقال: “والداي من الناجين من الهولوكست. والدي استطاع الحديث عن تجربته في مخيم الاعتقال ووصف تفاصيل ما حصل معه، بعكس والدتي التي لا تستطيع أن تتكلم عن تجربتها حتى الآن. قالت والدتي: إن اليوم الذي تحررت فيه من مخيم الاعتقال هو أسوأ يوم في تاريخ حياتي، لأني فقدت كل أفراد أسرتي، والدي وأخوتي”.
وتم إنقاذ والديه من مخيم الاعتقال على يد القوات السوفياتية ومن ثم هاجر والداه الى أميركا وأسسا حياة جديدة لهما هناك. إن قصة والديه تركت أثراً كبيراً في نفسه وجعلته يتأثر بكبار المحللين السياسيين والكتاب أمثال نعوم تشومسكي.
يحتوي الكتاب على 400 صفحة، يسرد فيه الكاتب الحقائق والأرقام الحقيقية للعنف الإسرائيلي على غزة منذ عام 2008. ويكشف في كتابه عن عقد طويل من العنف الموجه لسكان غزة.
كتابه لا يثير فقط غضب القوى العسكرية والسياسية في إسرائيل وإنما يثير غضب المنظمات الدولية والحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان والتي دورها الرئيسي هو الحفاظ على حقوق الإنسان ومحاسبة من ينتهكها.
وفي حديثه يحمل المسؤولية الكاملة لإسرائيل وللمنظمات الدولية والحقوقية على حد سواء. إن ما يحصل في غزة هو عنف من طرف واحد. القوى غير متكافئة، الصراع يدور بين الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر من أقوى الجيوش المجهزة عسكرياً والمدعومة دولياً، وبين إمكانيات متواضعة تمتكلها حركة حماس.
ويؤكد فينكلستاين أن كتابه يهدف الى توعية العالم بما يجري في غزة من الممارسات اليومية غير الإنسانية تجاه شعب أعزل من السلاح، و ذي كثافة سكانية عالية . كتابي سيكون مصدرا غنيا بالارقام و الحقائق للباحثين و القراء من اجل اعطاء الصورة الكاملة عن ما يجري في غزة .
يوجه فينكلستاين في كتابه التساول الى: لماذا غزة هي هدف لكل هذه العمليات العسكرية غير الإنسانية؟ لماذا غزة؟ لماذا هناك؟
إن غزة هي ساحة للعنف غير المبرر، الذي يستهدف الأطفال والنساء والسكان المدنيين بشكل دائم، وهو أمر مؤلم للغاية. ولكن البطولات التي يقدمها أهل غزة في الصمود، إنما فخر عظيم.
تفتقر غزة الى الأسلحة الدفاعية، تماماً على العكس من الإمكانيات الهائلة للجيش الإسرائيلي، وكل الهجمات موجهة باستمرار لاستهداف المدنيين براً وبحراً وجواً.
ومن أمثلة هذه العمليات العسكرية، عملية الرصاص المسبوك أو معركة الفرقان، وقد استمرت لمدة ثلاثة أسابيع في عام 2008، وأسفرت عن استشهاد 1417 فلسطينياً على الأقل (بينهم 926 مدنياً و412 طفلاً و111 امرأة) وإصابة 4336 آخرين وتدمير 6300 منزل في غزة مقابل منزل إسرائيلي واحد. وقد استهدفت العملية أيضاً 29 سيارة إسعاف فلسطينية.
وكانت الرواية الإسرائيلية من أجل تبرير جميع الأعمال العسكرية العدوانية بحق الشعب الفلسطيني في غزة هو استيلاء حماس وتحكمها بهذه الطواقم الطبية، ومنها سيارات الإسعاف الفلسطينية.
ومن الادعاءات الإسرائيلية أيضاً أن حماس تستخدم المدنيين من سكان غزة دروعاً بشرية لها. وبهذا تستطيع إسرائيل أن تبرر كل ما تقترفه بشكل مستمر من عمليات عسكرية تستهدف المدنيين الفلسطينيين، من أجل أن تكون وسيلة للدفاع عن نفسها أمام العالم وإبطال حق الشعب الفلسطيني أمام المنظمات الدولية التي تدافع عن حقوق الإنسان وإسقاط حق الشعب الفلسطيني في المطالبة بفتح تحقيق أو كتابة تقرير يسجل هذه الانتهاكات والممارسات اللا إنسانية بحق المدنيين.
وهنا يعبّر الكاتب عن خيبة أمله من المنظمات الدولية لحماية حقوق الإنسان في العالم، المحاسبة الدولية من قبل تلك المنظمات تمارس فقط من لتبرير ما تقوم به إسرائيل تجاه أهل غزة، وتصغير الأمور وإعطائها المبررات لما تفعله. وبالعكس تماماً بالنسبة للفلسطينيين، فهم مخطئون وعلينا محاسبتهم لاستهدافهم المدنيين الإسرائيليين عندما يطلقون صواريخهم المحلية الصنع، والتي وصفها الكاتب بأنها ألعاب نارية لا تحدث ضرراً يقارن بالضرر الذي يتلقاه أهل غزة، ويستهدف المدارس والمساجد والمراكز الطبية والتجمعات السكانية الكبيرة.
في كتابه الأخير (غزة) يتحدث الكاتب فينكلستاين عن حجم الدمار الذي سببه الجيش الإسرائيلي لسكان غزة. لقد فقد أهل غزة الكثير من أبنائهم جراء الحرب، ولم تكن غزة أبداً قد بدأت الحرب على إسرائيل، ولم تكن غزة أبداً ساحة للحرب أو مكاناً يستحق كل هذا الدمار. إنها حرب غير متكافئة.
وواصل نورمان حديثه بأنها حرب بين أحد أقوى جيوش العالم وشعب أعزل السلاح ولايملك سكان غزة الإمكانيات التي يمتكلها الطرف الآخر.
ومن خلال وصفه الحرب على غزة يرى أنها حرب لا داعي لها والهدف منها قتل المزيد من الفلسطينيين.
فالتقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان العالمية وهيئات دولية وأهمها الأونروا تشير الى أن (غزة هي منطقة كوارث) وأن غزة كارثة إنسانية كبيرة وما يحصل فيها مختلف جداً عن أي منطقة في العالم. كما نعرف جميعا أن أي منطقة في العالم عندما تتعرض لكوارث إنسانية أو طبيعية، فإن أصحاب تلك المنطقة يبحثون عن مناطق أخرى آمنة طلباً للأمان والسلام. ويخص الكاتب بالذكر مجموعة من الدول التي عانت آلام الحرب في السنوات الأخيرة وهي: أفغانستان والعراق واليمن وسوريا. فحجم الدمار الذي أحدثته الحرب في تلك الدول كان كبيراً، مما دفع الملايين من أهلها الى طلب اللجوء والحماية. ولذلك نرى في العالم الاعداد الكبيرة من اللاجئين من تلك الدول المنكوبة وقد طلبوا اللجوء ووجدواً فرصاً للعيش أفضل بعيداً عن منطقة النزاع من أجل بدء حياة جديدة وإنقاذ ما تبقى لهم ومواصلة حياتهم لمستقبل أفضل لأبنائهم وأسرهم.
أما في غزة فان الوضع مختلف والصورة التي خلفتها الحرب مؤلمة. إن غزة تعيش في سجن ولا يوجد أي مكان يستطيع أهلها اللجوء إليه أو الاحتماء فيه. عليهم مواجهة ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من اعتداءات مستمرة على أطفالهم ونسائهم وشيوخهم في كل يوم. تعتبر غزة منطقة منكوبة وكارثة إنسانية والتقارير التي صدرت ولا تزال تصدر من المنظمات الحقوقية الإنسانية العالمية إحصائيات تثبت ذلك. فالمستشفيات والمراكز الطبية فيها الكثير من ضحايا تلك الانتهاكات، والكهرباء مقطوعة باستمرار، والمياه الصالحة للشرب شحيحة، والمدارس أصبحت اماكن غير صالحة لتعليم الأطفال. أما الأدوية التي يحتاجها الأطفال والكبار فمفقودة، والأساسيات التي يحتاجها الإنسان للعيش بأقل الإمكانيات فهي أشبه بمعدومة.
عبّر الباحث نورمان عن ألمه تجاه المأساة الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة. وقال إنه وفقاً لمصادر وتقارير أصدرها الجيش الإسرائيلي حديثاً، فقد أكدت أن غزة أصبحت مكاناً لا يصلح للعيش (Unlivable) وتحديداً في عام 2020 واستعمل الكلمة وكررها مرات عديدة وهو يتألم. وتحدث عن أقسام كتابه الأربعة ووصف في كتابه أن السجن الحقيقي الذي يعيشه أهل غزة لا يتوقف على إغلاق المعابر فقط، وإنما محاولة للتضييق على سكانها بشتى الطرق.

ومع إعادة النظر في هذه القضايا، يقول نورمان فينكلستاين: أجد نفسي متفائلاً أن التيار سيكون إيجابياً من أجل نشر وعي وطني وشعبي بين أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا الوعي قد بدأ منذ سنوات بعد اتفاق أوسلو من أجل إعادة النظر في كيفية تقييم الماضي، ووضع نهج سياسي واضح لمواجهة القادم.

Optimized by Optimole