طبيعة العلاقات الإيرانية السعودية

Spread the love

شجون عربية – مراجعة: سليمان بشارات* |

الكتاب: “طبيعة العلاقات الإيرانية السعودية 1991-2001”
تأليف: الدكتور جابر عبد الله
الناشر: المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية- برلين -2021 – الطبعة الأولى 2021 –

محتويات الكتاب:
تشكل المحطات التي مرت بها العلاقات الإيرانية السعودية على مدار الزمن، ميدانا مهما للباحثين والكُتاب، لما تكتسبه من أهمية على مستويات عدة كما هي انعكاساتها وتأثيراتها لتشابكها مع قضايا محورية إقليميا ودوليا.
إحدى هذه الجهود، يقدمها الدكتور جابر عبد الله، في كتابه الصادر بطبعته الأولى عن المركز الديمقراطي العربي في ألمانيا الصادر حديثًا، حيث يناقش بين طياته في ثلاثة فصول العديد من المحاور الرئيسية محاولا من خلالها التأسيس لفهم أعمق لطبيعة العلاقة الإيرانية – السعودية ابتداء بدوافعها مرورا بطبيعة النظام السياسي وانعكاساته على العلاقة ما بين البلدين، وصولا إلى رصد بعض المواقف تجاه القضايا المؤثرة في العلاقة ما بينهما.
ينطلق الكاتب في طرحه من فترة حددها كإطار زمني ما بين 1991 وهي اندلاع حرب الخليج الثانية والآثار المترتبة عنها في كلتا الدولتين، و2001 وهو الموقف من قضية الإرهاب الدولي عقب أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001.
في مقدمته للكتاب، الذي اعتمد ثلاثة أنواع من المناهج العلمية في إعداده وهي التاريخي، والتحليلي والمقارن، يقدم الكاتب لمحة تأسيسية حول الأهمية الخاصة التي تكتسبها العلاقات الإيرانية السعودية نتاج موقعهما الاستراتيجي من حيث المساحة والكثافة السكانية والمخزون الضخم من البترول كثروة وطنية فضلا عن أهميته وتأثيره في اقتصاديات الدول الأخرى.
كما يعرج الكاتب في المقدمة على تبيان أهمية العلاقة ما بين البلدين انطلاقا من عوامل واعتبارات تاريخية تمتد بعلاقتها إلى بدايات انتشار الدعوة الإسلامية وكيف أضافت هذه الاعتبارات والعوامل طابع من التفرد ما بين العلاقات الإيرانية السعودية التي تبدلت في محطات مختلفة ما بين حالة من الصراع إلى التعاون؛ إذ يغلب عليها في بعض الأحيان طابع الحوار والتعاون وفي أحيان أخرى يسودها التوتر والتنافس وصولا لدرجة الصراع.
في فصله الأول، يستعرض الكتاب طبيعة العلاقات الإيرانية السعودية من خلال محطتين؛ الأولى تتمثل في لمحة تاريخية للعلاقات بين البلدين وصولا إلى العام 1991. إذ أن جذور العلاقة الدبلوماسية بينهما تعود إلى عام 1929 إثر توقيع الملك عبد العزيز آل سعود مؤسسة المملكة العربية السعودية والشاه رضا بهلوي على معاهدة الصداقة والمودة والتي على إثرها افتتحت طهران أول سفارة لها في المملكة عام 1930. واستمرت تلك العلاقة حتى العام 1943 إذ سادت ظروف التوتر بين البلدين لما يقارب أربعة سنوات على إثر قيام السلطات السعودية بإعدام احد الحجاج الإيرانيين في مكة المكرمة. واستمرت العلاقة على نحو من هذا القبيل في تقارب بعضها وتنافر محطات أخرى.
إلا أن الدور الأبرز والأكثر تأثيرا في تعزيز التقارب الإيراني السعودي خلال فترة السبيعينات، يعود إلى الاستراتيجية الأمريكية في السيطرة على منطقة الخليج العربي دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع أي دولة بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة ووجود الثروة النفطية وبالتالي محاول استعمال القوتين الإيرانية والسعودية لتعزيز حالة الاستقرار وبالتالي تسهيل تحسين موقعها في المنطقة لذلك سعت إلى توطيد حالة التحالف بينهما عن طريق دعم القوى الإقليمية خصوصا إيران والسعودية باعتبارهما نقطة الارتكاز في المنطقة.
ويستعرض الكاتب مزيدا من المحطات التاريخية، وصولا إلى العام 1991 حيث كانت العلاقات بين البلدين تتصف بالإيجابية واستئناف العلاقات الدبلوماسية بعد أن كانت تتسم بالتوتر والصراع خلال فترة الثمانينات نظرا لتغليب الاعتبارات الأيديولوجية على الاعتبارات الاقتصادية والجغرافية والسياسية.
فيما تستعرض المحطة الثانية في الفصل الأول العوامل الداخلية المؤثرة في العلاقة الإيرانية السعودية. والتي يقسمها إلى مجموعة من العوامل:
يتمثل أولها، في الدافع الجغرافي؛ إذ أن الموقع الجغرافي لكلا البلدين ضمن منطقة إقليمية واحدة (منطقة الخليج العربي) تعتبر ساحة للتنافس الإقليمي، وتحاول كل منهما أن تلعب دورا في القوة الإقليمية المهيمنة انطلاقا من موقعها من أجل تأمين الهدف الاستراتيجي، وهو ما دفع كل من الدولتين ضم الدول الصغرى في منطقة الخليج تحت إطارها كما حاولت فعله السعودية مع قطر وإيران مع البحرين.
أما الدافع الثاني، ضمن العوامل الداخلية فيتمثل في الدافع الديني؛ ويعد من أبرز العوامل المؤثرة في مسار العلاقات الإيرانية – السعودية، والسبب في ذلك أن كلا النظامين يطرح نموذجا للدولة الإسلامية وبنفس الوقت يتمسكان بالقيم الإسلامية العامة، وفي كون الشريعة الإسلامية القانون الأساس للدولة. كما أن الدولتيثن حاولتا من خلال الدين لعب دور القيادة والتنافس على زعامة العالم الإسلامي.
ويتمثل الدافع الثالث، في الدافع العسكري؛ وهو من أبرز العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية بشكل عام والعلاقة بين الدول، وفي هذا الإطار يرى البعض أن فشل إيران في تقديم نفسها نموذجَا حضاريًا أو اقتصاديًا كقوة إقليمية مهيمنة في منطقة الخليج دفع بها لتطوير قوتها العسكرية كإحدى وسائل السيطرة على المنطقة، الأمر الذي ولد حالة من التوتر الكامن وعدم الثقة بينها وبين السعودية.
ويتجسد الدافع الرابع، في العامل النفطي، وهو من المتغيرات على الصعيد الداخلي التي أثرت على العلاقات الإيرانية – السعودية نتيجة أن كلا منهما يعتمد بشكل أساس على عوائد الصادرات النفطية خصوصا وانهما يقعان ضمن منطقة الخليج العربي التي تعتبر الأغنى في العالم بالنفط. وعلى الرغم من أن منظمة أوبك التي تعتبر واحدة ضمن مجالات التنسيق ما بين إيران والسعودية فيما يتعلق بأسعار النفط عالميا وكمية الانتاج، إلا أن كانت في ذات الوقت ساحة للتنافس بين الدولتين بشأن طبيعة الدور الذي تمارسه كل منهما داخل المنظمة، فقد حاولت كلتا الدولتين لعب الدولة القائدة للمنظمة، وعلى هذا الأساس ارتسمت العلاقة بينهما بالتنافس الشديد مما سبب الدخول بأزمة اقتصادية حادة بإيران.
في الفصل الثاني من الكتاب، يستعرض المؤلف عددا من المحاور التي يحاول من خلالها تسليط الضوء على الفواعل الإقليمية والدولية المؤثرة في النظامين الإيراني- السعودي، حيث يناقش الفصل في محوره الأول؛ طبيعة النظامين السياسيين في إيران والسعودية من خلال التركيبة أو الهيكل التنظيمي، والتفاعلات السياسية التي تتم داخله وانعكاساتها على نمط وطبيعة العلاقة بين البلدين.
ويسرد الكاتب العديد من المحطات التي كان لتغيرات تركيبة النظام السياسي دور فيها على طبيعة العلاقة بين البلدين، إلا أهم ما في المحور الأول، أن هناك نقاط التقاء في شكل النظام السياسي بين البلدين في مقدمتها؛ أن كلا النظامين تتركز سلطاته بكافة أشكالها في يد شخص واحد، في إيران بيد (المرشد الأعلى)، وفي السعودية بيد (الملك). كما أن كلا النظامين يعتمد على الإسلام كأساس لشرعية الحكم وبالتالي تتخذ من الدين أساسا لشرعيتها. هذا الأمر يجعل من حالة التشابه النسبي في طبيعة النظام السياسي لكلا البلدين الأثر الواضح على تحديد نمط وشكل العلاقة الإيرانية السعودية عبر مختلف مراحلها.
في المحور الثاني، يناقش الكاتب؛ أثر الفاعل الإقليمي في مسارات العلاقات الإيرانية – السعودية، ويشير إلى أنه نظرا للارتباط الوثيق والتداخل ما بين النظام الإقليمي الخليجي والإقليمي العربي فإنه من الطبيعي أن تؤثر التطورات والتغيرات التي تطرأ على النظام الإقليمي والعربي على شكل العلاقة الإيرانية السعودية على اعتبراهما أكثر الدول تفاعلا وتأثيرا بتلك التطورات والتغيرات. ويستعرض الكاتب هذا المحور من خلال تشكيلتين الأولى المتمثلة في مجلس التعاون الخليجي وطبيعة انعكاسات تشكيلته وسياسته على العلاقة بين البلدين، والتشكيلة الأخرى المتعلقة بالنظام الإقليمي العربي وهو التأثير المتبادل ما بين التطورات العربية وانعكاساتها على النظام الخليجي.
في المحور الثالث، يبرز المؤلف؛ أثر الفاعل الدولي في مسارات العلاقات الإيرانية – السعودية، إذ تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أبرز وأهم العوامل الخارجية والدولية التي أثرت على شكل ونمط هذه العلاقة. ويشير إلى أن ما يعزز هذا الفاعل ودوره عدة محددات في مقدمتها عدم التجانس الإقليمي بين دول المنطقة بهدف التصدي لأي تدخل خارجي، وكذلك عدم تكامل القدرة الذاتية للدفاع عن الإقليم وبالتالي سعي واشنطن إلى إبعاد هذه المنطقة عن دائرة النفوذ المعادية لها. ويخلص الكاتب في هذا المحور إلى القول إن زوال التوتر بين طهران والرياض يمكن أن يحدث في حال زوال الحساسية المفرطة التي تشد العلاقة بين طهران وواشنطن.
في الفصل الثالث، والأخير من الكتاب، يستعرض الكاتب القضايا المؤثرة في العلاقات الإيرانية السعودية حتى العام 2001. وفي مقدمتها القضايا الأمنية في منطقة الخليج العربي؛ فقد كان للعديد من القضايا المرتبطة بقضية أمن الخليج أثراً كبيراً في رسم ملامح العلاقات الإيرانية السعودية بمختلف مراحلها وهذا نابع من مواقف وأطروحات متعددة تجاه العديد من الأحداث من بينها حرب الخليج الثانية سنة1991. وقد ساهم الموقف الإيراني المزدوج بين رفض الغزو العراقي للكويت وضمها، ورفض الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة في ذات الوقت، بكسر العلة الدولية للنظام الإيراني وفتح الباب لتحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون وأوصلت رسالة هامة بأن إيران ترغب في علاقات دولية وإقليمية قائمة على أساس من التعاون والتقارب في وجهات النظر مما دفع بدول مجلس التعاون للترحيب بالموقف الإيراني.
الملف الآخر فيما يتعلق بالقضايا الأمنية وانعكاساته على العلاقة الإيرانية السعودية ما يتعلق بقضية الجزر الثلاث(طنب الكبرى، الصغرى، أبو موسى)؛ إذ تعاني منطقة الخليج أزمات حدودية عدة ورثت منذ ترسيم الحدود ما بين دولها على يد القوى الاستعمارية، ولعل من أبرزها حالة النزاع الإيراني- الإماراتي حول الجزر الثلاث، والذي يعد من أسباب التوتر الدائم في منطقة الخليج نظرا لارتباطه ليس بدولتي النزاع فحسب بل بدول المنطقة بشكل عام.
القضية الثانية، التي يناقشها الفصل الأخير من الكتاب، هو الموقف الإيراني السعودي من القضية الفلسطينية؛ إذ يرى الكاتب أن القضية الفلسطينية تحتل موقعا خاصا لدى كل من إيران والسعودية، وساهمت القضية الفلسطينية على تعزيز أواصر التعاون الإيراني السعودي في ظل المواقف التي جاءت متقاربة بضرورة الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي مع التأكيد على حق الشعبي الفلسطيني في استعادة كافة حقوقه المشروعة. ورغم هذا التقارب إلا أن هناك بعضا من المحطات التي شابها الخلاف بين البلدين انطلاقا من المواقف تجاه القضية الفلسطينية.
ويستعرض الكاتب أن إعلان السعودية لمشروع التسوية الذي أعلنه ولي العهد فهد بن عبد العزيز في آب/أغسطس 1981، كان أحد الأسباب الرئيسية لقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد أن عارضته إيران باعتباره خطوة كبرى تمت بأمر أمريكي من أجل إذلال العربي والمسلمين خصوصا أنه قدم من دولة إسلامية. إلا أن الموقف الإيراني تجاه مبادرة الأمير عبدالله بن عبد العزيز في قمة بيروت 2002، شهد تغيرا إيجابيا وواضحا عندما شجعت بعض الأوساط السياسية الإيرانية الرئيس محمد خاتمي تأييد هذه المبادرة طالما أنها لا تلائم المصالح الإسرائيلية وأن إيران تؤيد ما يقرره الشعب الفلسطيني تجاه المبادرة.
أما القضية الثالثة والأخيرة، التي يناقشها هذا الفصل؛ تتمثل في قضية الإرهاب الدولي، إذ أصبحت هذه القضية حديث الساعة واتسعت دائرة الاهتمام فيها على مستوى العالم الأمر الذي أضر بالنظام الدولي العالمي ومصالح الشعوب وحقوق وحريات المواطنين. ويستعرض الكاتب هذه القضية من خلال محورين؛ الأول الموقف الإيراني من قضية الإرهاب الدولي، حيث يرى الكاتب أن رفض طهران المشاركة في العملية العسكرية في أفغانستان التي تقودها الولايات المتحدة جعلها من دول “محور الشر” كما وصفها الرئيس الأمريكي في حينه جورج بوش الابن، وبقيت الدولة الداعمة “للإرهاب” الدولي حسب المفهوم الأمريكي.
فيما ناقش المحور الثاني الموقف السعودي من قضية الإرهاب الدولي، وكيف أن هذه القضية وضعت المملكة في موقف شديد الصعوبة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكان لزاما عليها أن تستوعب موجة الاستياء الشعبي جراء السياسات التي اتخذتها عقب 11أيلول/سبتمبر من رقابة مالية على مؤسساتها وتعديل مناهجها التعليمية والأهم من ذلك كله التنصل من دعائم الشرعية الدينية الإسلامية.
ويخلص الكاتب في نهاية الفصل إلى أن قضية الإرهاب الدولي شكلت الاختبار الحقيقي لمستوى العلاقات الإيرانية السعودية، وأنها بقدر ما تركته من تداعيات على الأنظمة السياسية لكلا البلدين داخليا بفعل الضغوط الخارجية وبالتحديد الأمريكية، فإنها ساهمت وإلى حد كبير في تعزيز أواصر التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات والأصعدة.
في الخاتمة، يمكن القول إن كتاب “طبيعة العلاقات الإيرانية السعودية(1991-2001)، يعد وثيقة علمية مهمة لتوصيف المحطات التي شهدتها علاقات البلدين خلال الفترة الزمنية المحددة، وما يعزز من أهمية هذا الاستعراض أمرين؛ الأول مستمد من قوة ومكانة ودور إيران والسعودية في منطقة الشرق الأوسط والأدوار التي تلعبها وانعكاسات ذلك على القضايا المحورية والحساسة. الأمر الثاني مستمد من الدور المستقبلي المتوقع لهما، وهذا ما يمكن أن يبنى عليه دراسات استشرافية في إطار المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية وقدرة كل من الدولتين الحفاظ على دورها.

* سليمان بشارات مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، باحث في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأمريكية، فلسطين.

سليمان بشارات

Optimized by Optimole