صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية

Spread the love
 كتاب "صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية" للدكتور عقيل سعيد محفوض
كتاب “صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية” للدكتور عقيل سعيد محفوض

“شجون عربية” — صدر أخيراً عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات، مداد، كتاب بعنوان “صدوع الجزيرة: في تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية” للباحث السوري الدكتور عقيل سعيد محفوض.
تتناول الدراسة تحديات وتحولات المسألة الكردية في سورية، من خلال تحليل العلاقات بين دمشق و”كردها”، والتساؤل عن طبيعة التجاذبات بينهما قبل الأزمة وخلالها، ولماذا تعرضت تلك العلاقات لأزمات وخَضّات متتالية، والبحث عن العوامل التي دعت الطرفين للتعاون خلال الأزمة، وتحديد دينامية التفاعل، ثم المفاضلة الكردية بين روسيا والولايات المتحدة، ولماذا مالت الفواعل الكردية للأخيرة، وهل إن الدافع وراء الأزمة هو بحث تلك الفواعل عن “جغرافيا مؤسسة”، وكيف أثّر منطق “الفرص السانحة – المخاطر الماثلة” في موقف الكرد من الحدث السوري؟
تتألف الدراسة من مقدمة وثمانية محاور، أولاً: حول الجزيرة، وثانياً: كرد سورية والأزمة، وثالثاً: لماذا دعمت دمشق الكرد (حزب الاتحاد الديمقراطي)؟ ورابعاً: المفاضلة الكردية، وخامساً: البحث عن “جغرافيا مؤسِّسة”؟ وسادساً: الإرادة الأمريكية، وسابعاً: “الفرص السانحة-المخاطر الماثلة”، وثامناً: الإشارات والتنبيهات، وأخيراً خاتمة.
تَخلُص الدراسة إلى أن التوافقات بين دمشق وكردها قامت على ما عدّته دمشق علاقة “ابتزاز” متزايدة، ووصلت -من جانب بعض الفواعل الكردية- إلى استنفاد المكاسب، خاصةً بعد انفتاح تلك الفواعل على روسيا والولايات المتحدة، وميلهم المتزايد للأخيرة، وأن هذه ربما دفعت تلك الفواعل للانقلاب على تفاهماتها مع دمشق، وإحداث تغيير أو فوضى في طبيعة المشهد “شرق الفرات”، وإحداث خضَّة في علاقة الكرد بروسيا.
وأنَّ الأسئلة التي لم تطرح كما يجب حتى الآن، هي: هل كان للقوات الكردية المعروفة بـ “وحدات حماية الشعب” أن تنجح في مواجهة “داعش”، من دون دعم الحكومة السورية؟ وهل تُواصِل دمشق تفاعلاتها مع الكرد، حتى وهم في طريقهم إلى واشنطن؟ وهل كانت روسيا وإيران ستقيمان علاقات مباشرة وقوية مع الفواعل الكردية لولا أن قبلت دمشق ذلك أو تفهّمَته، وربما شجّعت عليه؟
وأن من المهم لسورية أن تتمكن من “إجهاض” المساعي لتوظيف “الورقة الكردية” ضدها وضد كردها أنفسهم. خاصةً أن ثمة شكوكاً متزايدة في مدى ارتباط “حزب الاتحاد الديمقراطي” وفواعله الرئيسة بالولايات المتحدة (حليفة خصمهم الرئيس في تركيا) ومخاوف من تعزيز الصور والمدارك النمطية لدى شريحة من السوريين من أن الكرد هم تكوين انفصالي.
لعبت مدارك وتقديرات الكرد حول الأزمة السورية دوراً كبيراً في سياساتهم، ذلك أن الشعور بأن الأزمة قد تفضي إلى تقسيم سورية، ربما عزز من النزعة الجغرافية والكيانية لديهم، وإذا لم يحصل التقسيم، فإن اتساع نطاق السيطرة، يعطيهم ميزة أو وزناً نسبياً أكبر، في مفاوضات التسوية و”إعادة بناء” الدولة في سورية.
برزت جغرافيتان، الأولى لـ “التأسيس” وهي جغرافيا كردية أو ذات أكثرية كردية، تتمثل بمناطق “كانتونات” القامشلي، عفرين، عين العرب، والثانية لـ “التمكين” وهي جغرافيا سوريّة بقيادة كردية، وقد أعلن الكرد ضم مناطق “تل أبيض” لسيطرتهم، وأعلنوا مراراً أنهم سوف يضمون أي مناطق يسيطرون عليها إلى “الفدرالية”.
لكن، تكمن المفارقة في أنَّ الولايات المتحدة التي دعمت القوات الكردية في الحسكة، هي نفسها التي دعمت هجوم الجيش التركي ضد القوات الكردية في جرابلس ومناطق مختلفة “غرب الفرات”. وثمة مفارقة أخرى ذات صلة أيضاً، تستبين في فهم أنَّ القوات الكردية “أخرجت” تنظيم “داعش” من منبج تحت غطاء طيران التحالف، ثم جاء تدخل الجيش التركي إلى جرابلس تحت غطاء طيران التحالف نفسه.
تنطوي “الورقة الكردية” – من منظور دمشق – على مخاطر كثيرة، سبق أن تمت الإشارة إلى العديد منها، ولو أن الهاجس الرئيس يتمثل بأن تكون جزءاً مما يسمى الخطة (ب) أو (ج) إلخ.. لكن على المقلب الكردي هذه المرة، وتمهيداً لإقامة وجود عسكري أمريكي دائم “شرق الفرات”، مقابل الوجود الروسي “غرب الفرات”، ولن يكون سهلاً تغيير ذلك، إذ ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل البلد. وقد تريد الولايات المتحدة فعلاً المضي بالكرد بوصفهم “قوة بديلة” لمواجهة دمشق. وهذا احتمال لا تظهر الكثير من المؤشرات عليه، لكن ذلك لا يقلل من احتماليته.
تغيرت تقديرات الحدث السوري، وتغيرت معها تفاعلات وعلاقات مختلف الأطراف والفواعل، ولو أن العلاقات بين دمشق وكردها، أو بين الكرد ودمشق، بقيت على حالها، لكانت الاستثناء شبه الوحيد في الأزمة السورية. وكل علاقة مديدة ومعقدة، معرضة لاختلالات وصدوع، كبيرة كانت أم صغيرة، ولا يبدو أن العلاقة بين دمشق وكردها استثناء.

Optimized by Optimole