“سورية صناعة النصر”

“سورية صناعة النصر”
Spread the love

قراءة: حسن صعب* |

*تأليف: ميخائيل عوض.
*الطبعة الثالثة: أيلول 2017 (ط.2: أيار 2017/ط.1: نيسان 2017).
*الناشر: بيسان للنشر والتوزيع /

هذا الكتاب يجيب على الأسئلة التي تطرحها الأزمة السورية وتحولاتها من مطلبية جهورية إلى حرب محلية، فإقليمية، فالحرب العالمية العظمى الجارية معها وعليها.
ويضبط الكتاب، بتوثيق، الأسباب التي جعلت سورية وامتدادها التاريخي «العربية القديمة» مختبر استراتيجيات القوى الإقليمية والعالمية وتشكيلات جيوشها وتكتيكاتها، ويعالجها في واقع الاشتباك والاختبار العملي ليستخلص ما آلت إليه.
كما يستعرض المصطلحات والمفاهيم العسكرية والحربية ويجدّد فيها تبعاً لما تحقق مع ثورة التقانة والاتصالات وفروع الحرب الجديدة.

ويدرس الكتاب في الجغرافية، والأنتربولوجيا، والجيوبوليتيك، ويقف على خلاصاتها التي أكدت تربّع سورية على المثلّث الذهبي لصناعة مستقبل الإنسانية بزواياه الثلاث: بغداد – بيروت – القدس.
وإجمالاً، يحاول مؤلف هذا الكتاب أن يضع استخلاصات أوليّة للحرب في سورية من الناحية العسكرية والسياسية على ضوء ما ارتسم إلى حدّ الآن من نتائجها في الداخل السوري وفي الإقليم وفي العالم، على حدّ تعبير صديق المؤلف، الكاتب الجزائري ناصر خلفي، في تقديمه للكتاب.

في الفصل الأول (مصطلحات ومفاهيم)، يتحدث المؤلف عن الحرب وأنواعها، وعن الاستراتيجية وأنواعها، مع تبيانه بداية لمقاصد هذا الفصل، وأبرزها:
1 – الحرب والعدوانية والغرائزية الحيوانية صفات تلتصق بالبشر، أفراداً وجماعات. ولأن الحرب دائمة وقائمة، وقد تداخلت وتطورت تعريفاتها ومفاهيمها مع تفاصيل الحياة الإنسانية، صار لازماً متابعة ما لحقها من تغيرات في حقولها الدلالية، وبما يتفاعل مع المنظورات ومنظومات القيم والمفاهيم العلمية السائدة اليوم.
2 – بدأت الحرب كظاهرة منذ وجدت الحياة البشرية، وتطورت أدواتها وأسلحتها، وحفّزت على الإبداع والاختراقات العلمية الثورية، لكن قواعدها الأساسية ودوافعها ومقاصدها لم ترتق ولم تتطور كثيراً.
3 – الحرب في الأصل مرذولة ومتوحشة، لكنها شرٌ لا بدّ منه. وإلى أن ترتقي البشرية إلى كمالها الإنساني المأمول، ستبقى الحروب طريقة حياة وسبيل تطوير البشرية وصياغة أنماط الحياة والمكانة.
4 – في هذا الكتاب تمّ ضبط الكثير من المصطلحات والمفاهيم، والتي تؤدّي دلالات متناقضة ومتصادمة أحياناً، تبعاً للاستخدام الذي تؤثّر فيه خلفية منظومة القيم والمعتقدات الحاكمة على مسار الفكر، كالمقاومة والإرهاب، والهجوم والدفاع، والحرب العادلة وغير العادلة، وغيرها.

ومن الخلاصات التي توصل إليها المؤلف في هذا الفصل:
1 – الحرب هي استخدام كلّ أساليب ووسائط القوّة، والقهرية أساساً، وأدوات التدمير على تنوّعها، بطريقة منهجية، وفي مدى زمني تفرضه معادلات القوّة بين المتحاربين، بقصد إبادة الخصم، كلياً أو جزئياً، لتحقق أغراض وأهداف حدّدت مسبقاً أو أنتجتها العمليات الحربية.
2 – لكلّ حرب شروط وبيئات إذا لم تتوفر فلن تقع؛ وإن وقعت ستخلق هي شروطاً وبيئات جديدة تحدّد جهة النصر، كالقوّة، التقانة، العدوانية، التنظيم والإدارة والسيطرة، والمصلحة، الحالة الاجتماعية والاقتصادية، الإرادة وإرادة المجتمع.
3 – حروب العصابات، بما هي وسائط مجموعة منسجمة متحدة، قليلة العدد ومعدومة الإمكانات العسكرية التقليدية، تستخدم العنف والتخريب لتحقيق غاياتها أو لتأمين وسائطها للتحول إلى حرب نظامية، كحروب العصابات العدوانية والتوحشية الجارية في سورية والعراق وأخواتهما، أو تكون شعبية ثورية ووطنية.
4 – المقاومة هي فعل اعتراضي على احتلال جيوش دولة لدولة وشعب آخر. وهي الضمير الإنساني الحي وكفاحه الروحي ضد إغواء الشر. ومكلفة، يلوذ بها كلّ شعب حين يتعرض لعدوان واحتلال؛ وهي بمثابة حرب شاملة متعددة الوسائط والوسائل، ومن أمثلتها المعاصرة: المقاومة في فلسطين المحتلة، والمقاومة الإسلامية في لبنان، والتي أتمّت حقبة تاريخية للمقاومات المختلفة التي سبقتها، عندما فرضت على الاحتلال الإسرائيلي الانسحاب دون قيد أو شرط، في أيار 2000؛ وهو إنجاز إعجازي في توازنات القوة في حينه؛ ومن ثم نجحت هذه المقاومة في تثبيت توازن قوة وردع مع الكيان الصهيوني، على تفوّقه النوعي والاستراتيجي وبقوى دعمه الكونية، في حرب تموز 2006.
5 – الجيل الرابع من الحروب (4GW)، أو الحرب اللامتماثلة، هو الصراع الذي يتميز بعدم المركزية بين أسس وعناصر الدول المتحاربة من قِبل دول أخرى. وأطلق هذا الاسم على الحرب على المنظمات والجماعات المسلحة غير المتشكلة كجيوش نظامية و«الإرهابية» حسب المفهوم الأميركي، والتي يكون طرفا الحرب فيها جيش نظامي لدولة ما مقابل لا دولة أو عدو أو خلايا خفيّة منتشرة في أنحاء العالم.
6 – الحرب الثقافية: هي الحرب التي أتقنتها الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، واعتمدتها كواحدة من حروبها للسيطرة على العالم وإسقاط الاتحاد السوفياتي وإخضاع الشعوب والأمم عبر الثقافة والإعلام والفن، حيث اشترت وموّلت الكثير من الصحف والمجلات ووسائط الإعلام والتواصل، وأنشأت آلاف وسائل الإعلام والتاثير وصناعة الرأي العام؛ وبين أهم أدواتها: هوليوود.

ومن مصاديق هذه الحرب، الحرب الناعمة والذكية، والتي تستخدم الوسائط وفروع الجيوش والحروب غير العسكرية للتأثير في مجتمع الخصم، وكسب عقول وقلوب ناسه، بالترويج لنماذج أخرى، ولتأليب الناس على دولها وقادتها، بأساليب الترغيب والترهيب كافة.
7 – الإدارة والسيطرة في الحرب هي أساس النجاحات والانتصارات، وسبب محوري في الهزائم والانكسارات، السيادة أو الفناء.
والإدارة، بما هي أدوات إنضاج القرار، وآليات للقيادة، والتاحكم، ووسيلة إنفاذ القرارات، تشكّل الجملة العصبية في كل تشكيل عسكري أو مدني، وقد عوضت الإدارة والتنظيم وعناصر السيطرة في الحرب وفي الجيوش كثيراً عن النقص في العدد أو التجهيزات والتحضيرات.
8 – مسرح الحرب يكون بحسب طبيعة الحرب؛ فالحرب السبيرنانية مسرحها افتراضي، وأدواتها حواسب وهواتف الشبكات. وهي تصير واقعية مادية بنتائجها العملية. ومسرح الحرب هو مكان وزمان ومدى حدوثها وجغرافية ومسارات معاركها.
9 – الجبهة الداخلية تعني الدولة والمجتمع والحياة العامة والاقتصادية في عمق الدول والجماعات المتحاربة. وهي تكتسب، بصلابتها وجاهزيتها للحرب وتحمّل أعبائها، دوراً محورياً في تحقيق النصر.
10 – مصطلح الاستراتيجية مأخوذ من الكلمة الإغريقية Strato، وتعني الجيش أو الحشود العسكرية. ومن اليونانية القديمة مصطلح وStratego وتعني فن إدارة وقيادة الحروب؛ فهي علم وفن التخطيط والتكتيك والعمليات والمعرفة العسكرية.

والاستراتيجية في مفهومها العصري هي منظور ومخطّط رؤيوي، إرادوي، شامل، لتحقيق الغايات والأهداف العليا للدولة أو الأمة، باستخدام منتجات العصر من المناهج والعلوم والفنون، والتقانة، والمعرفة، والشبكات والوسائط، وعلوم الإدارة والتنظيم، والقوّة الاقتصادية، لتعظيم عناصر القوة الشاملة واستخداماتها، ومعالجة عناصر ومواطن الضعف أو إخفائها، بقصد فرض الإرادة على الخصم، وتحطيم قدراته، وسحقه، باستخدام العنف، أو بالتلويح به، والإدارة المتقنة للحرب، وأدواتها العسكرية وغير العسكرية.
أما التكتيك، فهو، بتعريف العلوم العسكرية، مجموع الخطط والإجراءات التفصيلية التي تعتمدها القيادة وتنفّذها التشكيلات والأجهزة المعنية لإنفاذ مراحل الخطة الاستراتيجية.
11 – الإرهاب، كما يعرّفه القانون الجنائي، هو تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من الخوف، وفيه استهداف متعمد أو تجاهل لسلامة المدنيين. وهو أعمال العنف غير المشروعة، ومنها الأفعال الإجرامية الموجّهة ضد الدولة، والتي يتمثل غرضها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معيّنة أو جماعات من الأشخاص أو عامة الشعب.
والإرهاب الدولي هو الذي تقوم به دولة واحدة أو أكثر؛ فهو إما أن يكون إرهاباً دولياً أحادياً، وهو الذي ترتكبه دولة واحدة، أو إرهاباً جماعياً، وهو الذي ترتكبه مجموعة من الدول، أو الذي يقع من دولة واحدة ولكن بدعم من دول أو حلف من الدول الأخرى.
والمقاومة هي غير الإرهاب قطعاً. فبحسب التوصيفات اللغوية والحقوقية الدولية، إن مقاومة الشعوب حق مصان في الأديان السماوية والفلسفات الإنسانية، وفي شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
أما الجهاد، فهو الدعوة الدينية للقتال من أجل قضية عادلة.
12 – العمليات الانتحارية – العمليات الاستشهادية: هي تعبير عن بلوغ المقاتل درجة الاستعداد للتضحية بنفسه من أجل قضيته أو قناعاته.

وقد سمّيت بالانتحارية تاريخياً، حتى دنو تجربة المقاومة الإسلامية، التي أعطتها مضموناً دينياً، حافزاً، لتعظيم شأن الانتحاري «الاستشهادي».
أما تسميات: الوحوش – الذئاب المنفردة، فأطلقتها وسائل الإعلام على الأفراد الموالين للجماعات الإسلامية «القاعدة وداعش»، والذين يقومون بعمليات ذات طابع حربي عسكري، بشكل منفرد تماماً. والانغماسي هو المقاتل الفرد، الذي قرّر أن يقتل نفسه، ليقتل أكبر عدد من قوات الخصم؛ فبالإضافة إلى سلاحه الفردي، يتزنر الانغماسي بحزام ناسف، ويندفع بقوّة وإصرار إلى مواقع الخصم ليفجّر نفسه فيها ويفتح طريقاً لرفاقه للتقدم واحتلال الموقع المستهدف.
ويعرض المؤلف في نهاية الفصل لمعاني المصطلحات الآتية:
المفاوضات – الهدنة – الصفقات – التسويات – الاحتجاجات – الاضطرابات الهبّة – الانتفاضة – الانتفاضة المسلحة – الثورة – الانقلاب – الانقلاب الثوري.
في الفصل الثاني (سورية والعربية القديمة)، يتحدث المؤلف عن مكانة سورية في التاريخ والحضارة والإنسانية، مورداً المعطيات الآتية:
– في أصل التسمية، فإن اسم سورية ظهر خلال العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وأول من تناوله معجم البلدان لياقوت الحموي، حين نسب الاسم على لسان الأمبراطوري هرقل. وقد سُمّيت سورية نسبة إلى الإمبراطورية الآشورية، نسبة إلى صور الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط؛ وقد عرفها الإغريق بهذا الاسم.
– الشام في العربية تعني اليسار؛ انطلاقاً من الموقع الجغرافي للحجاز سُمّيت بالعربية الشمالية، ومنها اتخذت اسمها، كما اتخذت اليمن اسمها من موقعها العربية الجنوبية.

– كتب «محمد أسعد بيوض التميمي» أن الذي يستقرئ تاريخ البلاد جيداً يجد أنها كانت ولا تزال (بوابة التاريخ التي مرّت منها جميع الحضارات التي نسجت تاريخ البشرية بجميع تناقضاته)؛ والشام هي سُرّة الجغرافية، وعقدتها التي تربط القارّات الثلاث ببعضها؛ فالذي كان يسيطر عليها كان يتحكم بجميع الممرّات والطرق التجارية ويتحكم ببوابة الجغرافية والتاريخ.
– الحرب الجارية في سورية، معها وعليها، هي الحرب الكونية العالمية العظمى، لأهميتنها وما سينتج عنها من تغييرات شاملة في التوازنات الكونية؛ حرب هي الأولى في طبيعة جيوشها وتشكيلاتها، ونماذج حروبها ونواتجها واسمة للقرن ومقررة للتشكيلات والاستراتيجيات والجيوش والأسلحة؛ تحترب فيها ثلاث قوى عالمية الطابع، وقد بدأتها أميركا وهي حاكم متفرد للنظام العالمي.

في الفصل الثالث (العالم في حقبة حرجة سمتها الارتباك والتوتر: حين تعيد الأطراف صياغة المركز)، يتحدث المؤلف عن مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وقصة فوز أميركا والغرب في الحرب الباردة، حيث انتقلت أميركا من شريك متنافس ومحترب في إدارة العالم وضبط توازناته إلى لاعب متفرد بإدارته وقيادته على هواها ونموذجها.

وكانت سنة 2000 مفصلية بوصول فلاديمير بوتين إلى رئاسة الحكم في روسيا، والذي بدأ باستعادة ما أمكن من مقدرات الأمة الروسية؛ فيما هيمن الصقور، في الضفة المقابلة، على الإدارة الأميركية، بوصول بوش الابن إلى سدّة الحكم، لتبدأ مسيرة «أمركة العالم» في القرن الجديد.
وفي عهد الأخير جاء زمن الحروب لتثبيت أو توسيع سيطرة الولايات المتحدة؛ لكنها لم تستطع معالجة الأزمات الاقتصادية فيها بالذات.
في المقابل، وبعد محاولة النظام الأميركي «تجديد شبابه» للخروج من مأزقي أفغانستان والعراق، بانتخاب باراك أوباما، الرئيس الأسود من أصل أفريقي لأب مسلم، ابتلع حلف المقاومة الطعم الأميركي، حين تجاهلت القيادتان الإيرانية والسورية «الاستثمار» في أخطاء العدو، لتقتصر أهدافهما على طلب التسوية والتفاوض، حسب المؤلف!
لقد تحالفت الإدارة الأميركية الجديدة مع «الإسلام السياسي والمسلح» في بعض دول المنطقة، بموازاة تصعيدها للحرب الاقتصادية على إيران، حتى مرحلة اندلاع شرارة تونس (أواخر العام 2010) التي أشعلت حقل العرب المتشبع يباساً، لتدخل المنطقة (والعالم) في مرحلة من الفوضى، وتبدأ مرحلة البحث عن نظام يرث الأحادية الأميركية المتداعية.

في الفصل الرابع (سورية: صناعة النصر)، يعرض المؤلف للتحولات التي شهدتها المنطقة، والتي لم تكن في معظمها في صالح الأميركيين، وخاصة في سورية والعراق، مقابل توسع كبير في نفوذ الروس والصينيين في البلدين المذكورين وغيرهما، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
ويُسهب المؤلف في شرح استراتيجيات روسيا والصين، والمسارات العسكرية والأمنية التي أدّت إلى فشل القوى والجماعات التكفيرية (الوهابية) في سورية والعراق (داعش، النصرة،…)، بعد مرحلة من «الانتصارات» التي فاجأت العالم، قبل انخراط إيران وحزب الله والفصائل الحليفة في الحرب السورية، والتي رسّخت الدور الإيراني (والشيعي) في قلب المعادلات الجديدة التي بدأت ترتسم في المنطقة.
أما تركيا، التي عززت كثيراً (مع قطر) من علاقاتها مع سورية قبل اندلاع ثورات (الربيع العربي)، فقد انقلبت على نظام بشار الأسد وانخرطت في المؤامرة الدولية – العربية ضدّه، عبر دعمها للمجموعات الإرهابية، متوهمة أن الوقت قد حان لتحقيق أطماعها في سورية وتوسيع نفوذها في المنطقة، ولم تحسب حساب الأكراد الذين تحرّكوا في سورية وداخل تركيا نفسها لإحياء قضيتهم بالدولة الكردية المستقلة!
لكن آمال تركيا – أردوغان خابت، كما خابت آمال السعودية والكيان الصهيوني، والذي اكتفى بتدخل محدود وبدعم للجماعات المسلحة، بهدف إنهاك الجيش السوري وإضعاف الدولة السورية ونفوذ حزب الله وإيران في سورية.

ويتوقف المؤلف عند دور الجيش السوري (وحلفائه)، والذي خاض حرباً عالمية على أرضه، وبناسه، احتشدت فيها جيوش العالم وقواه المباشرة وغير المباشرة؛ ويشرح استراتيجيات وتكتيكات هذا الجيش، والتي طبقها في كل مرحلة، بحسب تطورات الميدان وموازين القوى، ليثبت في المحصلة أنه الطرف الأقوى، في التخطيط والإدارة والدفاع والهجوم، برغم الخسائر الفادحة التي يتكبدها على مستوى العنصر البشري والعتاد والإمكانيات والتمويل، مقابل دعم هائل، وعلى كل المستويات، تلقّته الفصائل والجماعات المسلحة الإرهابية، والتي تمكنت من تحقيق «إنجازات» عديدة قبل أن تبدأ مسيرة تراجعها. فيما بعد، في حلب وحمص ودير الزور وتدمر والرقة وغيرها.
وفي النتيجة، فإن الوقائع والمسارات كلها تقول إن سورية عادت إلى وظيفتها التاريخية في توليد الجديد من القوى والإمبراطوريات، وفي وأد السابقات التي هُزمت في زوايا مثلّثها الذهبي لصناعة تاريخ مستقبل الإنسانية.

في الفصل الخامس والأخير (منتصرون ومهزومون: أسئلة المستقبل)، يعرض المؤلف لمفاعيل الحرب السورية وإفرازاتها في عدة مجالات، وأهمها:
*أولاً: في الحروب والجيوش وتشكيلاتها: حسمت بأن حروب التشكيلات المشتركة تتوازى فيها فاعلية الأسلحة الذكية بالتقليدية؛ فالإنسان أثمن أسلحتها؛ كما لم يعد للحروب ساحات ومسارح محدودة يمكن عزلها فيها، وانتفت قدرة الجيوش الغازية على حسم المعارك بسرعة. وفي الحرب أو النموذج السوري، نجحت القيادة في تأسيس وإطلاق تشكيلات عسكرية رديفة تستجيب للحاجات، وتتمتع باستقلالية عن التشكيلات النظامية وتبقيها تحت إشراف القائد العام.
كذلك، شهدت الحرب السورية، بتشكيلها بيئات الاشتباك الإقليمي والعالمي، على حقيقة أن الشعب والقيادة التي حققت الانسجام في نسيجها قادرة على استضافة الحلفاء في أرضها، لتحقيق الغايات المشتركة. كما يسجّل للقيادة الروسية أنها هضمت التجارب واستفادت منها، وأدركت عمق التحولات الجارية، وتعرفت بدقة على حرب الجيل الرابع، فأبدعت في استخدام تكتيكات عسكرية نظامية، وبالأسلحة والجيوش الاستراتيجية، تماثل تكتيكات حروب العصابات وقوانينها؛ وأيضاً، شرّعت روسيا وجودها الميداني ونشرت وحداتها العسكرية النوعية (بشرعية قتال داعش وتحرير مدينة تدمر)، وأمّنتها وشرّعتها قانونياً ودولياً، مع كشفها في المقابل تقادم استراتيجيات وتكتيكات أميركا، وعجز نخبتها العسكرية عن التكيف مع جديد الحروب والأسلحة، فكشفت أميركا عن حقيقتها أنها صاحبة ومنتجية الإرهاب المتوحش، تجاريه، وتتحالف معه، وتحاول توظيفه.
فيما اكتسبت المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله) وشقيقاتها، خبرات القتال في المدن، وفي حروب العصابات والتنسيق والتكامل مع الجيوش النظامية وحروبها وتشكيلاتها، وامتهنت الجيل الرابع للحروب، وجعلتها في أفضل حال لمواجهة مخاطر اعتداءات إسرائيلية جديدة على لبنان.

*ثانياً: في الأسلحة والتشكيلات: أسقطت الحرب مقولة الحرب بجيوش المرتزقة، أو النخبة، أو الجماعات المسلّحة الخدمية، والتخادمية، أو شركات الأمن الخاصة، فأكدت بشكل قاطع أهمية الجيوش الوطنية، والعقائدية، والتي تقوم بغالبيتها على خدمة العلم، والتعبئة الوطنية، والقومية؛ وزادت في أهمية الشعوب وحراكها ومصالحها، ووعيها، وصمودها.
كما أكدت أن الجيل الرابع للحروب يستلزم تقانة استخدام كل الأسلحة ومعاً، بتنسيق وتكامل، الأسلحة الفردية، والأسلحة المتوسطة أساساً «المحمولات بدل المدرّعات» والصواريخ المحمولة على الكتف، وعظّمت من قيمة الإنسان على التفوّق التقاني والتكنولوجي؛ وأصبح دارجاً استخدام السلاح الأبيض، كالطعن، والدهس، واستخدام وسائل النقل «السيطرة على الطائرات المدنية واستهداف برجي التجارة العالمية».
وألزمت الحرب الجيوش بشكل عام، والجيوش التي تستهدف النصر، بأن تعيد صياغة تشكيلاتها وفصائلها، وأن تُنشئ وتمتلك تشكيلات حروب العصابات والميليشيات الأهلية، وتعزيز دور ومكانة الوحدات الخاصة النوعية، وصياغتها جماعات على طرائق تشكيلات منظمات المقاومة وحروب العصابات وأسلحتها.
لكن، وفي الحرب السورية، ولأسباب غير مفهومة، لم تحضر تكتيكات وتشكيلات العمليات الخاصة، والعمل خلف خطوط العدو، واستهدافه في حصونه، ومناطق سيطرته، كما غابت في تلك الحرب، برغم أنها الجيل الرابع، وسائط وآلات عمل أتقنتها حركات ثورية من قبل «فييتنام – المقاومة اللبنانية – الانتفاضة الفلسطينية» أما في إفرازات الحرب السورية السياسية، فمن أبرزها، حسب المؤلف، أن الأطراف باتت تعيد تمحور المركز بل صياغته؛ وأن الجيوش الوطنية العقائدية ضرورة حامية للسيادة والاستقلال الوطنيين، وأن الإسلام السياسي، بحركاته المحورية (إخوان مسلمين ووهابية وسلفية متشددة) انكشف على حقيقته؛ وبينما وفرت الحرب السورية بيئات لإنهاض روسيا واستعادة مكانتها الدولية، عرّت التحالف الأميركي الدولي لمحاربة الإرهاب، وكشفته كحليف وصانع للجماعات الإرهابية التي تم استخدامها لاستنزاف سورية وحلفها؛ كما تقسيم المقسّم في العرب، وأعجزتها عن تقسيم سورية وفرزها طائفياً ومذهبياً وإثنياً؛ وتالياً انتفت مخططات إقامة دول وظيفية جديدة.

كذلك، أكدت الحرب سقوط أوهام قيادة السعودية للحقبة العربية، وأن الكيان الإسرائيلي تحوّل إلى عبء على أميركا، مقابل تعزيزها لخيارات إيران (قيادتها والحرس الثوري) في وجه اختراقات الليبرالية والنخب المتأمركة والمتأوربة في إيران.
وفي نهاية الفصل يطرح المؤلف أسئلة المستقبل حول: النظام العالمي، والنظام الإقليمي، ومستقبل العرب، ومستقبل سورية التي ستولد من رحم هذه الحرب الدامية والمدمّرة، والتي ستكون أقوى وأصلب عوداً، بشرط أن يعود الشعب السوري لأداء دور مركزي في تقرير مصيره، وفي الدفاع عن بلده ونظامه، في حالتي السلم والحرب، حتى يضمن لنفسه موقعاً مميّزاً في الحاضر والمستقبل، بعدما حجز لنفسه موقعاً متقدماً في تاريخ شعوب المنطقة والعالم.

Optimized by Optimole