حزب الله وسياسات التذكّر

Spread the love

“شجون عربية” — مراجعة: هادي نعمة — يقارب الباحث بشير سعادة، في كتابه “حزب الله وسياسات الاستذكار”، صراعَ الحزب مع الاحتلال الإسرائيليّ، وعلاقـتَه بالآخر اللبناني، والآخر الآيديولوجي، في ضوء التراث الفكري لمنظّري حزب الله، في جريدة “العهد” التي أسّسها الحزب لترسيخ الاستقطاب الشعبيّ لقاعدة جمهوره.

فضل الله يُـشرعِـن المقاومة
يقول الكاتب إن الدراسة النظرية، المعنْـوَنة “الإسلام ومنطق القوّة”، للمفكّر الإسلاميّ الراحل السيد محمد حسين فضل الله؛ تُمظهِر المعالَجة العَمَلية للنصوص القرآنية، من خلال ترسيخ مبدأ “القوّة”، معطوفًا على الفهم العقيديّ للإسلام.
فقد كان السيد فضل الله من أنشط وأبرز الشخصيات، في ثمانينيات القرن الماضي (حين بزغ “حزب الله” تـنظيمًا مسلّحًا يحارب جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية)؛ وأصبح فضل الله من أهمّ علماء الدين الشيعة مع نهاية التسعينيات، متمتّعًا بمكانة موقّرة في العالم الإسلامي، لدى أصدقاء “حزب الله” وأعدائه، لِما دعا إليه من الحوار الدينيّ والوطنيّ.
وبحسب الكاتب؛ فإنّ كتابَ فضل الله هذا، الذي ألِّف في بدايات سبعينيات القرن الماضي، هو بمثابة نمط النصّ الذي يعتمد المنهج الفقهيّ الكلاسيكيّ، القائـمَ على إعادة تفسير العبارات القرآنية بنحو يجعلها وُجهَة سلوك، تفضي إلى نشوء حراك اجتماعيّ فاعل.
ويقول الكاتب إنّ فضل الله اعتمد أساليبَ حديثة في الإدلال البحثيّ وإنشاءِ المفاهيم. فقد طرح فضل الله مفهوم “القوّة الاجتماعية”، مُؤطَّرةً إسلاميًّا، بنحوٍ يجعلها معه تتناسبُ وتنسجمُ مع سوَر القرآن الكريم وأحاديث النبيّ محمد (ص). وبقيامه بذلك؛ فإنّ فضل الله ساهم بنظريّة تشريعيّة قتالية ناجعة، مؤصَّلَةٍ بالممارسة العقيدية، وفعّـل تطبيقَها في الواقع المُعاش، ممهّـدًا السبيلَ لبروز المقاومة الإسلامية المسلّحة ضدّ إسرائيل.
بروز منظّري المقاومة إلى العـلن
مع دخول “حزب الله” في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية؛ طرأ على الإنتاج الثقافيّ للحزب سلسلة تغييرات. فمع تطوّر الابتكارات في عالم الإعلام، ومع توالي تطوّرات مأسسة الحزب؛ صار منظّروه إلى هيكل جديد من العلوم، ذي تأثير على عموم الإنتاج الآيديولوجيّ. فاحتلّ مفكّرو الحزب مناصبَ في منظّمات وجمعيّات وأقسام إعلاميّة؛ مخصِّصينَ استراتيجيات للكتابة في مختلف مناحي الظاهرة الثقافية المتنامية داخل وخارج حزب الله.
وقد انتقل الإنتاج الثقافي من كونه موسومًا بالغموض، إلى صيرورته مذيّلًا بتواقيع كاتبيه ومفكّريه. حصل هذا في الوقت الذي قرّر فيه حزب الله خوضَ غمار الانتخابات التشريعية في العام 1992. فجأة بدأت الوجوه الجديدة، من الحزب، تظهر وتتحدّث على الملأ باسم الحزب، مناقِشةً شؤون الساعة، ومسطِّرةً مواقفَ سياسية، ومنتقدة الأحداث الجارية…
فقد غصّت أعمدة جريدة “العهد” بمقالات الرأي التي أدلى بها عدد من أعضاء الحزب في البرلمان؛ منهم محمد رعـد وحسين الحاج حسن، وغيرهما؛ مقدِّمين تصريحات عامّة، وحاضرين في جميع احتفاليات تأبين الشهداء وغيرها من الاحتفالات، ومعهم قادة عُلمائيّون، مثل الأمين العام السابق لحزب الله، السيد عباس الموسوي، والأمين العام الحاليّ السيد حسن نصر الله، ونائبه الشيخ نعيم قاسم.
كذلك؛ ساهم في تلك المرحلة، في جريدة العهد، أوّل أمين عامّ للحزب، الشيخ صبحي الطفيلي، من خلال مقاله الأسبوعيّ؛ وكذلك محمد فنيش ومحمد حسن ياغي والشيخ خضر طليس.
وتزامنت التغييرات في المناصب داخل الحزب مع تطوّرات في المجال الإعلاميّ؛ فقد أصبح محمد رعـد قائداً للكتلة البرلمانية الخاصة بحزب الله، وعضوًا في مجلس شورى الحزب. أمّا علي فياض، الذي دأب لفترة على كتابة مقالات في عمودٍ — في جريدة العهد — باسم “رشقة حجر”؛ فأصبح رئيسَ مركز الدراسات التابع لحزب الله—وهو “المركز الاستشاري للتوثيق والأبحاث”. كما أصبح محمد فنيش الناطقَ باسم حزب الله، بوصفه رئيسَ المجلس السياسي المؤسَّس حديثًا، وعضوًا في مجلس الشورى.
وبدأ منظّرو حزب الله بالعمل ضمن إطار اجتماعيّ جديد، متزايد التفاعل، فكانت لهم اهتمامات وطموحات عـدّة. فمنهم من صار محاضرًا جامعيًّا، أو صحافيًّا، أو مفكّرًا؛ وآخرونَ صاروا شـخصيات سياسية فاعلة وأعضاء حزبيّين مُمَأسَسينَ، مدافعِين عن مشروع المقاومة، ومبلورينَ أدوات رمزية جديدة للمفاضلة الاجتماعية. وصار كل هؤلاء مُلزمينَ بالعملية المعيارية للإنتاج الثقافيّ لحزب الله.
ففي بلد مثـل لبنان، حيث تغيب سلطة الدولة الفاعلة؛ تعمد الجهات الأهلية والهياكلُ شبهُ الدوَل، إلى خلق مضاميرَ آيديولوجيّة خاصة بها تستقطب جمهورًا شعبيًّا وفيًّا.
ومع بروز أعضاء حزب الله إلى الإعلام؛ تراجع دورُ جريدة العهد صوتًا ناطقًا باسم الحزب. وتزامن هذا مع تغييرات في الهياكل الإعلامية للحزب؛ وكذلك مع اعتراف وسائل إعلامية عدة بشرعية المقاومة، ومساهمتها في توثيق حراك الحزب المقاوم.

تراجع دور “العهد”.. وبروز “المنار”
لقد أدى استحداث الإعلام المرئيّ والمسموع، قناة المنار تحديدًا (في العام 1989)، إلى تراجع أهمية جريدة العهد. كما كان في تلك المرحلة استحداثُ حزب الله لوَحدة الإعلام، داخل التنظيم، لترتيب العلاقات مع وسائل إعلامية أخرى؛ واستحداثُ إذاعة النور.
وقد قال محمد رعد مرة، ردًّا على سؤال حول سبب انكفاء دور جريدة العهد؛ إنّ العُرف السائد في لبنان هو أن تكون المنشورات المقروءة مستقلة عن الأحزاب، فما عاد يجدر بحزب الله أن تظل جريدة العهد متصدرةً تمثيـله أمام الرأي العام. وهذا دليل، بحسب الكاتب، على حرص الحزب على الانسجام مع البروتوكولات الاجتماعية السائدة في لبنان؛ وهذا مؤشر على تنامي عملية مأسسة الحزب.
ولقد رأى حزب الله في السماح لسائر وسائل الإعلام بنقل رسالة الحزب إلى الرأي العام، أمرًا استراتيجيًّا يخدم أهدافه البعيدة الأمد. فمثلًا؛ كانت جريدة السفير إحدى أكثر الجرائد دعمًا للمقاومة، لا سيما خلال تسعينيات القرن العشرين؛ فوثّـقت تاريخ الأعمال القتالية لحزب الله بنمط لم يقدر على مثله الحزب نفسُه، بحسب الكاتب.
أمّا جريدة الأخبار؛ التي تأسست في العام 2006؛ فقد كانت إرهاصةَ التهميش الكلّي لدور جريدة العهد. فصار أفراد حزب الله قادرين على التعبير عن آرائهم، ورأي الحزب، وتوجّهاته الآيديولوجية؛ أمام طيف متنوّع من وسائل الإعلام (ذات الوجهات الثقافية المختلفة) التي تبث كل ذلك إلى الرأي العام.
ويقول الكاتب إنه مع تولي السيد حسن نصر الله أمانة عام حزب الله؛ استطاع الحزب ترسيخ مشروعه في السياسة الداخلية للبنان، وكذلك في المنطقة؛ من دون أن يَظهر المشروعُ هذا بنمط “لبنانيّ” صرْف، ولا أن يتخلّى عن شيء من سِمَتِهِ الآيديولوجية. بذلك؛ استطاع حزب الله المحافظة على منطقه في حماية سلاح مشروع المقاومة.
وبعد انطلاقتها؛ أصبحت قناة المنار منبرًا زاخرًا بالطابع الإسلاميّ، متطوّرةً مع الوقت حتى أصبحت تبثّ التسجيلات المرئية والمسلسلات والبرامج الحوارية وغيرها من أنواع البث التلفزيوني. ومع تطوّر حالة قناة المنار؛ ساهمت القناة في بلورة علاقةٍ بين ما كان يُعرف بـ”الحالة الإسلامية” وبين المشروع السياسي للمقاومة.
وصارت للإنتاجات الإعلامية الفنية، من تسجيلات مرئية وبرامج إذاعية وأفلام ووثائقيات، ومؤلفات موسيقية، خاصة بالنمط الإسلاميّ؛ مجالًا حيويًّا قائمًا بذاته، مستهدِفًا شريحة اجتماعية معنيّة بالمقاومة.

فلسفة الشهادة عند حزب الله
الشهيد ليس حكرًا على بُعدٍ زمنيٍّ معيّن – سواء كان الماضي أو الحاضر أو المستقبل –؛ بل هو يعيش بين أبعاد الزمان!
ينقل الكاتب عن أحد كتّاب جريدة العهد، “الغامضين”، مقالًا وصف فيه فهمَه للـ”شهيد” و”الشهادة”؛ من خلال مقاربته للجذر اللغويّ للفظ “الشهادة”، ومشتقاته المتنوّعة. يقول كاتب ذلك المقال: “الشهيد هو مَن ينظر إلى وضعه ويفهمه خيرَ فهم، ويتفاعل معه، ويتصرّف على أساسه… والشهيد في الفكر الإسلاميّ، هو المؤمن الذي ينظر إلى وضعه ومجتمعه، وإلى الوقائع السارية حولَه، فيتصرّفُ بوعي تجاهها… حتى لو استدعى ذلك موتَه”. فالشهيد يشهد لقضية محقّة، من خلال معايشة واقع لا ينبغي أن يبقى طيّ الكلمات فحسب، وإلّا ظلّ بدون فاعلية. فبقيام الشهيد بفعل الشهادة، هو يجسّـد القضية الوجدانية فيضفي عليها حضورًا واقعيًّا.
لكن – يسأل الكاتب – كيف يمكن للتجربة الراقية التي يعيشها الشهيد، أن يتمّ إفهامُها لجمهور بيئته؟ وهذا التحدي، بحسب الكاتب، يشترك في مواجهته جميع المفكّرين والسياسيين الفاعلين، الذين يشكّلون الوعيَ لدى الرأي العامّ، مؤطَّـرًا بالدلالة الإسلامية.
وينقل الكاتب دراسةً أعدّتها الباحثة شهلا طالبي، حول ثقافة الشهادة لدى الإيرانيين؛ تقول فيها طالبي إنّ الشهادة يمكن أن يُنظر إليها بوصفها مِنحةً: فهي مبادلة بين الحياة والموت، من أجل الحياة والعدالة. ويقول الكاتب إنّ هذا الفهمَ يصيب الدقّة وصفًا، إذ هو يجعل فعل الشهادة في مركز المجتمع الطائفيّ.
ثم ينقل الكاتب عن الباحثة طالبي استشهادَها، في الدراسة، بكلام للمفكّر الإيراني المعروف الذي نظّر للثورة الإسلامية، علي شريعتي؛ يقول فيه إنّ الشهيد يظلّ حيًّا، لا بجَسده، وإنّما… بوصفه أمثولة.
إنّ الشهيد يترك أثـرًا يقدر الفاعلون اجتماعيًّا على توظيفه بشتّى السُّبل. ويذكُر الكاتب أنّ المقالات التي كانت تُـنشر في جريدة العهد، نادرًا ما كانت تناقش قضايا الإيمان والعقيدة؛ بل كانت تركّز بشكل كبير على سرد يوميّات وسلوك الشهداء. ويقول الكاتب إنّ السردَ هذا يوفّر للقارئ فسحةً تُـفهَم فيها القِيَمُ العقيدية وتكون قابلة للتجسيد. فالسرد، إذن، بديل ناجعٌ عن فعل التبيان النظريّ للقيم.
ويستشهد الكاتب بوجهة الفيلسوف الفرنسي، جاك دريدا، حيال الصلة بين الشهادة ونشر القيم. فالشبح – وهو في هذه الحالة: “الشهيد” – قادرٌ على نقل الخطوط القيمية للسلوك، إلى حد ما، كونه يحيا بين أطُرِ الزمن. فالشهيد، إذن، يسودُ الزمنَ الحاضرَ بدون أن يكون حاضرًا فعلًا في الزمن الحاضر… الشبح (الشهيد) يستـثـيرُ حالة من التذكار، ومن الإرث المتناقَل عبر الأجيال…
الشهيد، إذن، بحسب ما يستنتج الكاتب؛ يستطيع من خلال شهادته أن ينتج مفاهيمَ للمجتمع، تفضي إلى حراك سياسيّ فاعل ومُجدي. ويشدّد مفكّرو حزب الله على مفهوم “العهد” بوصفه الفعل الذي يربط أبعاداً زمنية عدة ببعضها البعض… وبذلك يربط “العهدُ” الناسَ بالشهداء، والشهداءَ بالله (أو المفهوم العقيدي الإسلامي).
ويقول الكاتب إنّ مفهوم “العهد” يظهر في عدّة مواضع عدة في القرآن الكريم. وليس من الصدفة أنّ الصفحة الأولى من كل عدد من جريدة “العهد”، تُكتَب فيها، إلى جانب صورة للإمام روح الله الخميني (مفجّر الثورة الإسلامية في إيران)، الآية القرآنيّة: “إنّ العهدَ كان مسؤولًا”.

حزب الله.. و”الآخَـر”
كانت جريدة العهد تتضمّن مواضيع تُكتب بناء على قراءات معمّقة للنصوص التي يكتبها “الآخر” (في الوطن وخارجه). وهذه النصوص تشتمل على ما يظهر في الإعلام المحلّي (لا سيما الإعلام المسيحيّ)، كما ما يظهر في الإعلام الأميركي والإسرائيلي، من مراكز أبحاث ومؤسسات فِكر. ولا تشتمل قراءة الآخر على مجرّد فهم موضعه سياسيًّا؛ بل كذلك على تثبيت صوابية الخيار الذي ينتهجه حزب الله بوصفه مقاوَمة إسلامية تشكّل بديلًا فاعلًا في سبيل التحرير.
ودأب رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة”، محمد رعـد، على شرح ميزة المشروع الإسلامي (المتمثّل في حزب الله)؛ من خلال مقارنته بغيره من التجلّيات الاجتماعية-السياسية، كحركات اليسار السياسيّ، أو اليمين، أو العلمانيين، أو الاستعماريين.
ففي مقالة قديمة له، يقول محمد رعـد إنّ الثورة الإسلامية التي قام بها الخميني، هي بديل ناجحٌ عن القطبين اللذينِ كانا يحكمان العالم حينها؛ أي الولايات المتحدة الأميركية (بوصفها قوة غربية)، والاتحاد السوفياتي (بوصفه قوة شرقية).
وفي نهاية المقال؛ يشدد رعد على أنّ كون الثورة الإسلامية في إيران تفهم وتتقبّل “الخصوصية اللبنانية” (الشراكة الإسلامية-المسيحية) لا يعني أنّ على المسلمين في لبنان ألّا يكونوا ملتزمينَ بأمر القيادة في العالم الإسلاميّ. ويضيف رعد أنّه إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنّ من شأن “الخصوصية اللبنانية” تحييد المسلمين عن الطواعية للثورة الإسلامية وقادتها؛ وهذا بالضبط ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل. مع ذلك؛ رأى رعد في مقاله أنّ “الخصوصية اللبنانية” غير مقبولة، إذا كانت لتُبنى على التقسيم والانعزال، على نحو “الكنتونات” التي كانت سائدة في ثمانينيات القرن العشرين.
وبعد هذا المقال بسنتينِ؛ يرجّح الكاتب أنّ رعد هو من كتب مقالًا (افتتاحيًّا) آخر، بعنوان “حرّاس الثورة الذين يحمون… لبنان”؛ حدّد فيه دور إيران في دعم حزب الله بوصفه مقاومة إسلامية في لبنان تواجه العدوّ الصهيوني. فلو لم يكن دور حرّاس الثورة الإيرانيّة، لكان لبنان مجرّد مستوطنة إسرائيلية كمستوطنة الجليل الأعلى. وخلص المقال إلى أنّه “كنّا نقول إنّ الأرض هي ملك مَن بناها، لكن الآن نقول إنّ الأرض هي لمن حرّرها… وبوصفنا مَن يعمل الآن لتحريرها، سنستمرّ في مسارنا على النحو الذي نريد.”
ويلاحظ الكاتب أنّ رعد لم يسقط في شرَك الهجوم على طرح دولة لبنان؛ بل شدّد على وجوب أن يتغيّر النموذج التقسيمي الداخلي السائد في الساحة السايسية.
وفي مقال آخر؛ ردّ رعد على الصحافي في جريدة النهار جبران تويني. بدا تويني مقتنعًا بأنّ حزب الله كان فعلًا حليفًا لإسرائيل. حرص رعد على إظهار مدى سخافة مقولة تويني، وأنّ الحليف الحقيقي لإسرائيل، وفق السجلّ التاريخي، هو اليمين المسيحيّ. ويدلّل الكاتب بذلك على صدق رؤيته بأنّ حزب الله يقرأ “الآخر” جيدًا ويحدد موقفه منه.
ودأب مفكّرو حزب الله على الجزم بأنّ الإسلاميين يرمون إلى تحرير المسيحيين. فمثلًا؛ في مقالة بعنوان “انتفاضة أم جعجعة؟”؛ جزم الكاتب بأنّ الإسلاميين فعلًا قد حرّروا المسيحيين في لبنان من الخطر الصهيونيّ/الكتائبيّ (نسبة إلى حزب “الكتائب اللبنانية” ومسألة تحالفه مع الاحتلال الإسرائيلي).
ويقول الباحث إنّ الآخر المسيحي يُنظر إليه إسلاميًّا (لدى حزب الله) على أنه جزء من مجتمع متوقَّع يتشكّل في نطاق جغرافيّ وتاريخي خاصّينِ بدولة لبنان؛ ويشهد بذلك وثيقة التفاهم التي وقّعها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مع زعيم التيار الوطني الحرّ (المسيحيّ) ميشال عون في العام 2006. وعلى إثر ذلك، مدح منظّرو حزب الله شخصية عون بوصفه “مسيحيًّا طيّبًا”.
ولقد ركّزت وثيقة التفاهم هذه على بلورة فكرتَي “الدولة” و”المواطن”. ثـمّ تخطّى الطرف المسيحيّ هواجسه حيال احتمال إقامة حزب الله دولةً إسلامية في لبنان. كما أكّدت الوثيـقة على مبدأ “الديمقراطية التوافقية” بوصفها النظام الأمثل للبنان، لأنها تعبّر عن جوهر العيش المشتـرَك.
بذلك كله، يقول الباحث سعادة، لم يكن حزب الله جزءًا من نظام الدولة اللبنانية فحسب، بل مساهمًا في كيفية عمل هذا النظام، من خلال إعادة بلورته لمفهوم الإنتماء الوطني.

حزب الله يخطف الصدارة من “اليسار”
لقد كان الكفاح المسلّح، في سبيل القضية الفلسطينية، متمثّلًا في حركات اليسار، وما يسمى بـ”المنظمات السياسية العربية العلمانية”. وبفعل ذلك؛ كان الجنوب اللبناني الأرضَ الخصبة لتنظيم عمليات المقاومة ضدّ إسرائيل. وكان الحزب الشيوعي اللبناني أوّل الأحزاب التي خاضت معترك الصراع ضدّ العدو الصهيوني، ولعلّ ذلك كان متزامناً مع تأسيس كيان الدولة اللبنانية (بحسب الكاتب). وكان الحزب الشيوعي موجودًا في منطقة النبطية، ومرجعيون، وبيت جبيل وبعض المدن الساحلية—بمعنى آخر؛ كان الحزب الشيوعي متمركزًا في البلدات الشيعية البارزة، وبعض القرى الأرثوذكسية.
بعد ذلك، في خمسينيات القرن العشرين؛ كانت الحركة القومية العربية، ومعها حزب البعث، موجودة، في الغالب، في صيدا وصور. ومنذ منتصف ستينيات القرن العشرين، وحتى الاجتياح الإسرائيلي الأوّل في العام 1976؛ عمد الحزب الشيوعي اللبناني و”تنظيم العمل الشيوعي” إلى تدريب أهالي الجنوب اللبناني، على شـنّ هجمات عسكرية ضدّ أهداف إسرائيلية، من على حدود الجبهات، وفي ما بعد داخل أراضٍ لبنانية محتلة.
ومع كون حزب الله مدينًا، في العمل المقاوم، لحركات اليسار، أو ما كان يصنّف بـ”التنظيمات التقدّمية”؛ فقد كانت رؤية حزب الله أنه يجب تضافر جهود المسلمين والمسيحيين ليتّحدوا في سبيل تمتين التراث الديني الذي حرص اليساريون على تدميره – بحسب الكاتب – أو على الأقل كانوا ينظرون بفوقية تجاهه.
ويركّز الكاتب على مسألة جوهرية لم تكن في صالح التنظيمات اليسارية المقاوِمة، أدّت إلى انكفائها في ما بعد عن المضي بالكفاح المسلّح ضدّ إسرائيل؛ وهي أنّ هذه التنظيمات لم تكن قد بلورت فهمًا واضحًا لمسألة الانتماء الوطني، بمعنى أنها لم تستحدث بُـنى آيديولوجية وطنية تكون قابلة فعلًا للتنفيذ على أرض الواقع.
ويقول الكاتب إنه بسبب عدم مقدرة اليسار على بلورة فهم متين للتاريخ، أو على الأقل بلورة بناء هيكلي وطني موحَّد يسمح بالمحافظة على الإرث التاريخي؛ فقد انتهى الأمر باليسار إلى خسارة عنصر تواصله مع جمهوره. وليست المشكلة في أنّ اليسار كان ذا طابع نخبويّ، فحسب؛ بل في أنّه لم يقدر على المحافظة على عنصر التفاعل مع جمهوره – على نحو ما فعله حزب الله -، وكذلك في أنه لم يستطع بناءَ أسلوبِ حراك سياسي متين، بفعل أن جهوده في الواقع قد تـشتّـتَت.
ويقول الكاتب إنّ حزب الله سخّر الانتماء العقيدي لتفعيل الوعي الاجتماعي بين أفراد جمهوره؛ فيما لم يقم اليسار بمثـل ذلك، متذرّعًا بالمحافظة على عنصر “التقدّمية” (التي لا يراها اليسار تقبل دافعَ العقيدة الدينية). وبفعل ذلك؛ استطاع حزب الله أن يحوّل الدافع العقيدي الديني إلى حراك واقعيّ في السياسة.
ووفق الرؤية الخاصة بحزب الله؛ فإنّ عنصر الانتماء إلى الأمة يستطيع أن يساعد في الكفاح ضدّ المحتلّ. ومفهوم “الأمة” يتمثّل لدى حزب الله في الجمهورية الإسلامية (في إيران) التي تدعم الكفاح المسلّح. كذلك، كانت رؤية حزب الله في هذا الصدد، أن الاستقلال الحقيقي للبنان يكون من خلال انتمائه إلى الواقع السياسي الذي يحكمه الإسلام، في العالم، وأنّ الدولة الإسلامية الإيرانية هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتّع باستقلال حقيقيّ—على الصعيد الثقافي والسياسيّ. بالتالي، فإنّ الهدف هو الاستقلال والتحرّر، وهذا ينبغي أن يتحصّل في إطار العلاقة مع إيران التي تـدعم القضية المقاوِمة. فالإسلاميون هم من انتهى الأمر إليهم في الكفاح ضدّ الإسرائيليين.
وفي العام 1982، عندما حيّد الاجتياح الإسرائيلي عنصرَ الكفاح المسلّح الفلسطيني وأدواتِه؛ استطاع حزب الله أن يقتنص فرصة تغيير قواعد اللعبة. فقد سقطت الأراضي التي كان يسيطر الفلسطينيون واليسار عليها، في قبضة الجيش الإسرائيلي. لذا؛ تصدّر حزب الله المشهدَ، وفرض أسلوبه في الدفاع عن الأرض وعن القضية الفلسطينية. هنا؛ برز مفكّرو حزب الله بتقديمهم لمفاهيمَ بلوروها في خضمّ الكفاح ضدّ العدوّ.
ويقول الكاتب إنّ جريدة العهد لم تأتِ على ذكر الحركات اليسارية؛ إلّا نادرًا، حين تذكر ممثّـلي هذه الحركات عند حضورهم حفلًا يقيمه حزب الله، أو حين مشاركة هؤلاء في تظاهرات تخصّ القضية، أو عندما يقوم أحد أفراد اليسار بعملية تستقطب حالة تقدير واسعة. ولقد حصل هذا في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1988؛ عندما أطلقت المناضلة الشيوعية سهى بشارة ثلاث رصاصات على قائد “جيش لبنان الجنوبي”، أنطوان لحد.
أبدى مقال عدد جريدة العهد، الذي تلا هذه العملية، تقديرًا كبيرًا لشجاعة بشارة، ومدحها وحزبَها الشيوعي. واغتنم المقال تلك الفرصة ليؤكّد على أنّ ما يهمّ هو أن يكون ثمة جهود كفاح ضدّ إسرائيل، بمعزل عمّن يقوم بها من بين الأحزاب. وكان ذلك المقال بمثابة إنباءٍ عن أنّ زمن وجود منافسين حقيقيين لحزب الله في الحراك المقاوم، قد ولّى. وبدأ حزب الله، في تلك المرحلة تقلّد منصّة القيادة في الفعل المقاوِم ضدّ إسرائيل. وقد صار حزب الله متجذرًا في البيئة السياسية في لبنان.

وَحدة حزب الله واليسار في صفّ المقاومة
بفعل الهدف المشترك في مواجهة العدو الصهيوني؛ أصبح اليسار وغيره من الأحزاب العروبية والداعمة للقضية الفلسطينية، داعمينَ لحزب الله، إن لم يكونوا حتّى قد صاروا حلفاء سياسيين للحزب. وقد أبدى مسؤولو حزب الله آراءً مثيرة للاهتمام حيال اليسار. ففي مقابلة مع جريدة الأخبار، توجّه نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، إلى الذين يصنّفون الخطاب السياسي للحزب على أنه استعارة لخطاب اليسار ومفاهيمه (لا سيما حيال الوضع الدولي القائم، وموقف حزب الله من سياسات الولايات المتحدة)؛ قائلًا: “إنّ مفاهيم ’الاستكبار‘ و’المستضعفين‘، و’الأغنياء‘ و’الفقراء‘؛ هي مفاهيم لطالما وُجدت في الإسلام؛ قبل أن تكون مفاهيم يبلورها اليسار تجاه العالم”. وأردف قاسم بأنّه “مع كون رؤيتـنا العقيدية لشأن المقاومة تختلف عن تلك لدى اليسار أو القوميين، فإنّنا نظلّ نتّفق على أهميّة هذه المقاومة ووجوبها… وبدل أن نختلف على ’جنس الملائكة‘، نحن جميعًا نتّفق على مبدأ مقاطعة ومواجهة السياسات الإمبريالية للغرب”. لذا؛ فليس ثمة اختلاف بين اليسار والإسلام في هذا الصدد.
إنّ موقف حزب الله، إذن، حيال اليسار، هو التحالف الاستراتيجيّ بهدف محاربة ومقاومة إسرائيل بكلّ طريقة ممكنة. وكان نادرًا جدًّا، إن وُجِدَ، تفريقُ حزب الله بين مختلف الأحزاب، بوَصفِ هذا “شـيوعيّاً” وذلك “سوريّاً قومياً اجتماعياً”، أو “بعثيّاً”… فما يهمّ حزب الله هو التصنيف بحسب مَن يدعم المقاومة ومَن لا يدعمها.

حزب الله يتغـلّب على عـدوّه
يقول الكاتب بشير سعادة إنّ حزب الله يدرس الجدلَ الصهيونيّ، والتبريرات التاريخيّة الصهيونيّة؛ ولقد اعتمد السيد حسن نصر الله المَراجع النصيّة الصهيونية، لتفنيد ادّعاءات الصهاينة أنفسِهم. ويعتبر حزب الله أنّ النصوص التاريخية اليهودية لُطِّخت مِن قِبل منظّمات سياسية معاصرة ذات مشاريع ضيّقة لإقامة دولة.
كذلك؛ يعتبر الحزب أنّ بعض اليهود، المنحرفين، قد عرّضوا نصوصهم التاريخية للخطر، وبذلك باتوا على شفير الامّحاء من التاريخ. فالفساد الذي آل إليه اليهود تاريخيًّا، يتمثّـل في حالة الصهيونيّة اليوم.
هذه النظرة لدى الحزب تجاه العدوّ، تتخذ مَناحيَ محدّدة جدًّا، لجهة كيفية استثمارها لمصلحة الحزب.
ففي مقال قديم، ذي تفسيرٍ قيّم لحالة الصهيونية، ويقارب مفهومَ تسمية ’المتطرّف‘ في مقابل ’المعتـدل‘؛ يقول كاتبه: “ليس ثمة يهود غير متطرفين، لأنه ليس ثمة يهود ممّن لا يقبلون باغتصاب فلسطين… وإنّ الدعم اليهودي لإسرائيل من حول العالم، هو دليل على ذلك، كما غيابُ أيّ منظّمة يهودية معادية للكيان الصهيوني”.
كانت هذه الأفكار سائدة في لبنان والشرق الأوسط في تسعينيات القرن العشرين. ثـمّ بدأ حزب الله يكتـشف مجموعات يهودية جمّة معارضة للمشروع الصهيوني؛ ما حدا المؤسساتِ الإعلاميةَ للحزبِ على دعوة المفكرين والصحافيين اليهود، الشديدي الانتقاد لإسرائيل، إلى الاجتماع مع أعضاء الحزب عند كل فرصة. وقد مُنح مفكّرون وصحافيون بارزون، أمثال نعوم تشومسكي ونورمن فينكلستين وسيمور هيرش، فرصةَ مقابلة السيد نصر الله، وكانوا يُعطَون معلومات حساسة تخدم قضايا عدّة.
وينقل الكاتب مقالة بعنوان “خطوط الفاشية الصهيونية”، فيها كمّ كبيرٌ من طُرق فهم الأفعال الصهيونية على نحو أنها مثيلة للمنظمات الفاشيّة. فقد كان منظّرو الحزب ينقضون الفلسفة الصهيونية. تقول المقالة إنّ بناء دولة عنصرية في أرض فلسطين يساهم في نشر القيم اليهودية/الصهيونية، ويربط يهود العالم بإسرائيل، عبر إقناعهم بالأهمية الحيوية لتلك الدولة، ما يحفّزهم على الهجرة إليها. وما تبقّى من المقالة يتعرّض للنظام التعليمي في إسرائيل، الذي عن طريقه يتمّ نشرُ الأفكار الصهيونية بين جماهير الشعب (التلاميذ تحديدًا)، مغذّاة ومحميّة من قبل المؤسسات السياسية والدينية والاجتماعية القائمة.
كما دأب حزب الله على رصد ما يُقال عنه وعن ممارساته المقاوِمة، في الصحافة الإسرائيلية وغيرها من منتجي المعلومات… وفيها أنّ جهود المقاومة هي فعلًا مؤثّرة وناجحة. هذا الرصد تطوّر ليصير إنتاجًا إعلاميًّا مبلورًا مع بروز قناة “المنار”.
فقد أورد إعلام حزب الله كلامًا عن بروفسور في الجامعة العِبريّة، كان قد عمل وزيرًا للـ”دفاع” في الكيان الصهيونيّ؛ هو موشيه ماعوز. فقد اعترف ماعوز في مقابلة مع الإذاعة العِبريّة بأنّ المقاومة الإسلامية هي ناجحة جدًّا، وأنّ مقاتليها هم دائمًا على استعدادٍ للموت في سبيل قضيّـتهم، وأنّ مجموعات الشباب المسلم قد شكلّت، حتمًا، حالة من الأهمية الكبرى. كذلك، اعترف ماعوز بنجاح النموذج الإيرانيّ، لجهة المقاومة ضد إسرائيل، وبأنه إذا لم يتـمّ إيجاد حلّ لهذه المشكلة التي يواجهها الكيان الصهيوني، فإنّ الزخم الإسلاميّ المقاوِم سيبني المزيد على تجاربه الناجحة في الميدان.

الأفكار ترسخ.. والاستذكار ماضي
إذن؛ يعتقد حزب الله بوجوب تسخير القيم الفكرية (التاريخية) التي طابعها الرسوخ في أذهان المتلقيّ من جمهور مجتمع المقاومة. وبالفعل، فقد أدّى الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني إلى نشوء إطار سياسي-اجتماعي-عسكريّ (هو حزب الله) معطوفٍ على مخزون وافر من الزخم الفكري الذي يرفده النصُّ الديني التاريخي، أسّس لبلورة مجتمع متفاعل بين العقيدة والواقع، والنظري والتطبيقيّ؛ استطاع – ببساطة – أن يقلب معادلة الهيمنة الصهيونية في الأرض العربية.
وكل ما قد كتِب في جريدة العهد (واجهة حزب الله أمام مجتمعه في البدايات) لا يزال، بحسب الكاتب، ناتِـئـاً في صفحة الساحة السياسية والميدانية لمسار تاريخ لبنان، منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتى اليوم. ولا يزال السيد نصر الله، أمينًا عامًّا للحزب، يظهر بشكل متواتر على التلفزيون، يخاطب جمهورَه وجمهور “الآخر” اللبنانيّ، وجمهور العدوّ؛ شارحًا وجهات ومواقف الحزب حيال الراهنات من أحداث لبنان والمنطقة.
ولا يزال نصر الله، كذلك، قادرًا — كما عهِد به – على بلورة سياسة استذكار ناجعة تضفي على مسار وخيارات الحزب وضوحًا، من خلال تسخير الفهم العميق للماضي الفكريّ والحَدَثِيّ، بأساليب متنوّعة لجذب قاعدة مجتمع المقاومة نحو التمسّك بالنهج، وتطمين “الآخر” في الوطن، إلى حقيقة انسجام خطّ الحزب مع النسيج المتنوّع فيه، والتزامِه بأطُره المفروضة.
وما تنفكّ حشود وسائلِ الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، والمعاهـدِ الثقافية، والمفكّرين، والجهاتِ السياسية؛ تـدعم نصر الله ببثّ وتوزيع القوالب النمطية الخاصة بالمقاومة وفكرِها، إلى القريب والبعيد، في لبنان وخارجه، مشكِّلةً مجتمعًا رُؤيَويًّا ذا حدود مترامية، يدور في فلك المقاومة.
ولهذا كلّه؛ يترسّخ أنّ الوعي الصائب والحَرَكِيّ للتاريخ الفكريّ (الخاص بتوجّه حزب الله العقيدي)، يغذّي المشروعَ التفاعليّ-التواصليّ الذي يرومه حزب الله، لضبط حركة المستجدّات بما يخدم صالح المقاومة وبقاءَها.
*هادي نعمة كاتب وصحافي لبناني.

الكتاب: “حزب الله وسياسات الاستذكار: كتابة الوطن اللبناني”:Hizbullah and the Politics of Remembrance
Writing the Lebanese Nation
المؤلف: بشير سعادة

الناشر: دار كامبريدج – 2016

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole