“حاوي الثورة المصرية”: دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة

"حاوي الثورة المصرية"
Spread the love

يقوم الباحث بدراسة الثورة المصرية التي وقعت في 25 كانون الثاني – يناير 2011، وفق مقاربة أنثروبولوجية، تختلف كثيراً عن المقاربات السياسية والسيسيولوجية.

قراءة: د. محمد يسري أبو هدور — في كتاب “حاوي الثورة المصرية (دراسة أنثروبولوجية لظاهرة توفيق عكاشة)”، يقوم المؤلف والتر أرمبرست بدراسة الثورة المصرية التي وقعت في 25 يناير – كانون الثاني 2011، وفق مقاربة أنثروبولوجية، تختلف كثيراً عن المقاربات السياسية والسيسيولوجية، تلك التي اهتم الكثير من الباحثين باستخدامها فيما يتعلق بتحليل وتفكيك وفهم أحداث ثورات “الربيع العربي”.

المؤلف هنا قرر أن يستدعي شخصية الإعلامي المصري توفيق عكاشة، ليجعل منها نموذجاً في ما يخص دراسة الطبيعة الأنثروبولوجية الخاصة بالثورة ككل، فعكاشة هنا ليس مجرد إعلامي عُرف بجذبه للطبقات الدنيا والكادحة في المجتمع المصري فحسب، بل إنه في الحقيقة يمثل “ظاهرة عابرة للثقافات”.

مؤلف هذا الكتاب والتر أرمبرست، هو أستاذ مساعد لدراسات الشرق الأوسط الحديث بكلية الدراسات الشرقية في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وتتركز أبحاثه على مسألة الثقافة الجماهيرية وعلاقتها بوسائل الإعلام في الشرق الأوسط، وفي مصر على وجه الخصوص. كما تهتم أبحاثه بدراسة بعض الظواهر الأنثروبولوجية التي ظهرت خلال مرحلة الثورات التي اندلعت في المنطقة العربية في الفترة الأخيرة، والتي اشتهرت باسم “ثورات الربيع العربي”.

من أهم دراسات أرمبرست، “الإسلاميون في السينما المصرية” الصادرة في عام 2002، “الأفلام السياسية في مصر المعاصرة” الصادرة في عام 2011، “الحلم بالثورة المضادة” الصادرة في عام 2012، و”أصحاب السمت الإسلامي والأماكن البرجوازية” الصادرة في عام 2012.

مفاهيم أنثروبولوجية: الحاوي ووضعية المجاز

في الجزء الأول من الكتاب، يعمل المترجم على شرح بعض المفاهيم الأنثروبولوجية الشهيرة، التي قد لا تكون مفهومة بشكل واضح لدى القارئ العادي الذي سيقوم بقراءة هذا الكتاب.

المفهوم الأول، هو “وضعية المجاز أو العتبة”، وتشير تلك الكلمة إلى الشيء الذي يقع بين شيئين، فيُطلق مثلاً على الحدود الفاصلة بين دولتين، أو على العتبة التي تفصل بين الشارع والمنزل، أو على الشفق الذي يفصل بين عتمة الليل ونور النهار.

بحسب ما يذكر المترجم، فإن هذا المصطلح دخل كثيراً في توصيف بعض الحالات المرضية أو النفسية، ومنها على سبيل المثال، وصف مزدوجي الجنس أو مزدوجي الميول الجنسية، الذين يقفون في منطقة وسيطة بين الذكورة والأنوثة.

عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي أرنولد فان جينب، كان أول من استخدم ذلك المفهوم بشكل أنثروبولوجي في كتابه المشهور “طقوس العبور”، حيث قصد به الممارسات الطقوسية التي تصاحب لحظات التحول المجتمعي الرئيسة في حياة الشخص، حينما ينتقل من وضعية مجتمعية معيّنة إلى وضعية مجتمعية أخرى مختلفة عنها كليةً، مثل لحظات الولادة، والبلوغ، والتخرّج من الجامعة، والالتحاق بالخدمة العسكرية، والزواج، والأبوة، وأخيراً الموت.

يرى جينب أن طقوس العبور تنطوي على ثلاثة مراحل مائزة، المرحلة الأولى وهي الانفصال، وفيها ينفصل الشخص عن الوضعية المجتمعية الأولى، والمرحلة الثانية، وهي وضعية المجاز أو العتبة، وتكون مرحلة وسيطة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فهي مرحلة إعادة الإدماج، وفيها يدخل الشخص في الوضعية الاجتماعية الجديدة، فيصير شكلاً مختلفاً.

المفهوم الثاني الذي يهتم الكتاب بتوضيحه، هو مفهوم “الجماعات المتساوية” أو “وضعية ضد البنية”، وقد استخدم هذا المصطلح العالم الأنثروبولوجي فيكتور تيرنر، وكان يقصد به الفترة التي تتلاشى فيها الفوارق المائزة بين الطبقات الاجتماعية وبعضها البعض، بحيث يختفي التباين الطبقي، ويصير الجميع متساوين مع بعضهم البعض.

أما المفهوم الثالث، فهو مفهوم “المحتال”، ونلاحظ هنا أن ذلك المفهوم لا يتشابه مع مثيله اللغوي الشائع الذي يشير إلى الاحتيال أو النصب، بل إن المؤلف يستخدمه بشكل مجازي، للإشارة إلى شخصية موجودة في جميع الثقافات الإنسانية، وكذلك لها حضور قوي في تاريخ الأديان.

كلمة الحاوي التي يستخدمها المؤلف لوصف توفيق عكاشة، هي كلمة لها مجموعة من السمات والأوصاف، ومنها على سبيل المثال، أنه يتمتع بمقدرة كبيرة على الدهاء والخداع والمكر، كما أنه يثير دائماً الضحك والسخرية في نفوس مشاهديه. هذا بالإضافة إلى أنه صعب التصنيف، فلا يمكن أن نضعه في خانة الأشرار بشكل كامل. وفي الوقت ذاته، لا يمكن أن نحسبه من الأخيار الطيبين. وبالإضافة إلى جميع ما سبق، فإن الحاوي لا يلقى بالاً بالأعراف والقيم الأخلاقية، وهو شديد الغرور بنفسه، ويميل في معظم الأوقات للعنف الاجتماعي وللانتقام من معارضيه.

بحسب ما يذهب الكتاب، فإن الحاوي كان حاضراً في الثقافة اليونانية في شخص كل من هيرمس وبرومثيوس، وكان موجوداً في الفلكلور الإنجليزي في شخصية روبن هود، أما في الثقافة الإسلامية، فإن شخصية جحا هي المثال والنموذج الأقرب للتعبير عنه.

ما العلاقة بين توفيق عكاشة والحاوي؟

بعد أن ناقش الكتاب المفاهيم الثلاثة السابقة، يبدأ المؤلف في إسقاط تلك المفاهيم على حالة الثورة المصرية، ليوضح نقاط التشابه بين تلك المفاهيم المجردة من جهة وحالة توفيق عكاشة من جهة أخرى.

يذكر الباحث أنه إذا ما قاربنا الثورة المصرية وفق مقاربة أنثروبولوجية، فإننا سنجد أن المجتمع المصري بعد الثورة قد مر بمرحلة “وضعية المجاز أو العتبة”، فالمجتمع قبل الثورة كان خاضعاً لنظام سياسي معين. ولكن لما أسقطت الثورة ذلك النظام، وقع ما يمكن أن نسمّيه بالانفصال، ليدخل المجتمع مرحلة جديدة من إعادة البناء أو الاندماج، وهي المرحلة التي ظهرت فيها سلطة وتنظيمات سياسية جديدة بديلة عن السلطة القديمة، ولكن ما بين المرحلتين، وجدت مرحلة “البين بين” وهي مرحلة المجاز أو العتبة، التي وقف فيها المجتمع مرتبكاً مشوشاً.

وبحسب ما يرى المؤلف، فإن أزمة مرحلة المجاز في الحالة المصرية، كانت أزمة طويلة المدى، حيث استغرق المصريون الكثير من الوقت بعد ثورة يناير في سبيل إعادة دمجهم مجتمعياً مرة أخرى، ومن هنا فقد وقعوا في ارتباك “الجماعات المتساوية”، وغياب حالة التمايز الطبقي، والتي وإن كانت إيجابية نوعاً ما وتتوافق مع مبادئ ومفردات الثورة، إلا أنها في الوقت نفسه قد سمحت بظهور وانتشار العديد من أنواع الفوضى الاجتماعية والإعلامية والسياسية.

يرى الباحث أن توفيق عكاشة، كان بمثابة الحاوي الذي استغل حالة الفوضى والارتباك التي تواكبت مع مرحلة المجاز، فقد كان عكاشة متمتعاً بمعظم الصفات والسمات التي ينبغي نوافرها في شخص الحاوي. كما أنه تمتع بتأييد سياسي قوي من جانب سلطة المجلس العسكري الذي حكم البلاد في تلك الفترة من جهة، وتمتع أيضاً بحضور شعبي كبير من جانب الجماهير العريضة التي تنتمي إلى الطبقة الدنيا في المجتمع المصري من جهة أخرى.

كيف تشكلت شخصية حاوي الثورة المصرية؟

اهتم أرمبرست في كتابه بتعقب ودراسة بعض المحطات الرئيسة التي مرت بها شخصية توفيق عكاشة عبر تاريخها، بحيث يبيّن للقارئ كيف تكونت وتشكلت شخصية عكاشة، وكيف نضجت إلى الحد الذي أهلها لأن تلعب دوراً محورياً في ظل الأوضاع التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير.

تعود جذور توفيق يحيى إبراهيم عكاشة، إلى محافظة المنصورة، وهي محافظة ريفية الطابع، تقع في شمال دلتا مصر، وقد عمل عكاشة في التلفزيون المصري في بداية التسعينيات من القرن العشرين، حيث قدم بعضاً من البرامج التي لم تحظَ بأي قدر من الاهتمام من جانب الجمهور.

نقطة التحول الأولى في شخصية عكاشة، كانت في عام 2008، عندما افتتح قناته “الفراعين”، وبدأ من خلال الظهور الدائم في برامجها، في اكتساب نوع من أنواع الجماهيرية والشعبية، مما أسفر عن نجاحه في انتخابات مجلس الشعب عام 2010، عندما ترشح على قوائم الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم في مصر وقتها، وهي الانتخابات التي اُتهمت بكونها سيئة السمعة، كما وصفت بأنها الأكثر تعرضاً للتزوير في تاريخ الانتخابات البرلمانية المصرية.

النجاح البرلماني الذي حققه عكاشة، لم يدم لفترة طويلة، حيث قام المجلس العسكري بحل مجلس الشعب في 12 شباط – فبراير 2011، في أعقاب قيام ثورة يناير، وإقصاء الرئيس حسني مبارك من السلطة.

بعد الثورة، قدم عكاشة نفسه على كونه أحد الذين عانوا من الصدام مع قيادات “الحزب الوطني”، وخصص الجزء الأكبر من ظهوره الإعلامي للحديث عن كون الثورة، هي إحدى المؤامرات الكبرى التي حاولت الدول الأجنبية أن تقضي على مصر من خلالها، كما شكك في نوايا الثوار وفي خططهم، وفي الوقت نفسه، قاد حملة للوقوف خلف قادة المجلس العسكري والقوات المسلحة المصرية، على اعتبار أن الجيش المصري هو الحصن الحصين والدرع الواقي للشعب، وأنه المؤسسة الوحيدة التي لم يتم اختراقها أو إفسادها من قبل أعداء الوطن.

ويبرز المؤلف الشكوك الكثيرة التي أشارت إلى أن عكاشة كان موجهاً من قبل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، كما يشير إلى الاتهامات التي لاحقت “حاوي الثورة المصرية” بكونه أحد العناصر التي دبرت وخططت لأحداث “موقعة الجمل”، وهي الأحداث التي شهدت هجوماً منظماً من قبل عناصر إجرامية ممولة، على جموع الثوار في ميدان التحرير إبان الثورة.

عكاشة قائداً للثورة المضادة

يذكر المؤلف، والذي كان حاضراً ومعايشاً لمستجدات وتداعيات الثورة المصرية بصفته مراقباً أجنبياً، أنه قد انتبه للحضور القوي لتوفيق عكاشة، للمرة الأولى في 23 كانون الثاني – ديسمبر 2011، وذلك من خلال مشاركة الأخير –وقيادته- للتظاهرات الرافضة للثورة في ميدان العباسية.

وبحسب ما يذكر الباحث، فقد كان عكاشة قد دعا إلى التظاهر في ميدان العباسية، ونزل لتأييده الآلاف من أتباع الثورة المضادة، والذين اختاروا ميدان العباسية على وجه الخصوص، بسبب قربه من مبنى وزارة الدفاع. كما وضّح تأثرهم وانتماءهم المُعلن إلى الجيش المصري، من خلال تسميتهم لتظاهراتهم بـ”يوم العبور”، في إشارة إلى النجاح الذي حققه الجيش المصري في عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف في السادس من تشرين الأول – أكتوبر 1973.

وبحسب ما يرى الباحث، فإن توفيق عكاشة أعلن نفسه في هذا اليوم قائداً للثورة المضادة، والتي تشكلت من جموع شتى من المصريين الذين نزلوا للتظاهر بسبب حنقهم وسخطهم على ثورة يناير.

أرمبرست يذكر أن الكثير من أتباع عكاشة كانوا من رجال الجيش والشرطة الذين يلبسون اللباس المدني، وأن خطباء تلك التظاهرات، ظلوا طوال الوقت يرددون عبارات الاتهام لكل من الولايات المتحدة الأميركية، و”إسرائيل”، وأوروبا بالإضافة إلى إيران، حيث قالوا إن جميع تلك الجهات قد تعاونت مع بعضها البعض في سبيل التآمر على الدولة المصرية وتدميرها.

يقول أرمبرست واصفاً ما شاهده في ميدان العباسية، إن المتظاهرين قد وصفوا تظاهراتهم بكونها “ثورة تصحيحية”، وأنهم قد صبوا جام غضبهم على متظاهري التحرير من جهة، وعلى الإعلاميين المؤيدين لهم من جهة أخرى، لدرجة أنهم –أي مؤيدي عكاشة-قد علقوا صور بعض الإعلاميين ووضعوا رؤوسهم في المشانق، وطالبوا بإعدامهم.

ويؤكد أرمبرست على أن تظاهرة العباسية لم تشهد التنوع المجتمعي ذاته الذي شهدته تظاهرات التحرير، فمعظم المتظاهرين المؤيدين لعكاشة كانوا من الفئات الاجتماعية الدنيا، وكان أغلبهم من متوسطي العمر، وكان من الملاحظ على تلك التظاهرة، الغياب شبه التام من جانب الشباب.

ويشير الباحث إلى أن التغطية الإعلامية لتلك التظاهرات قد ظلت مقصورة على قناة “الفراعين” المملوكة لعكاشة، وعلى أن المتظاهرين قد منعوا أي قناة إعلامية أخرى من تغطية التظاهر، واستخدموا القوة في سبيل ذلك إلى الحد الذي دعاهم إلى طرد فريق قناة “بي بي سي” BBCمن أرض الميدان.

كيف استفاد توفيق عكاشة من ثورة يناير؟

يرى الباحث أن عكاشة كان واحداً من أهم المستفيدين من ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد كان قبل الثورة مجرد إعلامي مغمور، بالإضافة إلى كونه سياسياً فاشلاً، لا يحظى بدعم قوي من قيادات الحزب الوطني، ولكنه بعد عام واحد من الثورة، صار أحد أهم الوجوه الإعلامية على الإطلاق، بل صار صاحب شهرة عالمية كذلك، بحسب ما يصفه أرمبرست.

ينطلق أرمبرست في تفسيره لشخصية عكاشة، من أطروحتي تيرنر وجينب اللتين عرضنا لهما في بداية المراجعة، حيث يفسّر بزوغ نجم عكاشة باستغلاله المُحكم لحالة الفوضى الضاربة في الشارع المصري، وباتساع الهوة الفاصلة بين الفصيل السياسي الثوري الذي تسبب في إسقاط نظام مبارك من جهة، والكتلة الجماهيرية التي كانت ترفض الثورة من الأساس، من جهة أخرى.

يوضح أرمبرست من خلال عرضه لمجموعة من النماذج من خطابات عكاشة التي كان يلقيها بشكل دوري منتظم في برنامجه اليومي، أهم السمات الخطابية التي ميزت خطاب عكاشة، والتي أظهرت اختلافه عن بقية الإعلاميين الموجودين على الساحة المصرية في هذا التوقيت الحرج والصعب.

ومن أهم مزايا عكاشة الخطابية، “أن أسلوبه يتسم بالتكرار، وأن نبرة وإيقاع صوته ملائمان جداً للمشاهد الأمي أو نصف المتعلم”. كما أن طريقته في الحديث دائماً ما تثير الضحك والسخرية في نفوس معارضيه، وهي سمة رئيسة في شخصية الحاوي، والتي دائماً ما تنظر إليها الطبقات الاجتماعية الدنيا في المجتمع على كونها شخصية مثيرة للرهبة وللاهتمام.

في السياق نفسه، فإن أرمبرست يلاحظ أن جميع العاملين الذين ظهروا في قناة الفراعين، كانوا دائماً يحرصون على مناداة عكاشة، بلقب “دكتور”. ويذكر الباحث أن السيرة الذاتية التي نشرها عكاشة نفسه، تشير إلى أنه تحصل على درجة الدكتوراه في إدارة المؤسسات الإعلامية، من جامعة لاكفورد في برادينتون في فلوريدا، ولكن لو بحثنا على شبكة المعلومات الدولية، سوف نلاحظ أنه لا توجد أي جامعة تحمل هذا الاسم على الإطلاق، ومن هنا تظهر محاولة عكاشة لإظهار نفسه بمظهر الخبير، للترويج لخطابه ولصبغه بالصبغة العلمية أمام أتباعه ومريديه.

ومن النقاط المهمة التي يلاحظها أرمبرست على خطاب عكاشة، أنه دائماً ما استطاع أن يغيّر من خطابه بعد وقوعه في أي خطأ ملحوظ، على سبيل المثال، في واحدة من سقطاته الشهيرة، تحدث توفيق عكاشة عن المخطط الماسوني الذي يتم إعداده، والذي سيتم تنفيذه يوم 13/13/ 2013، بالطبع كان تكرار رقم 13، بكل ما يحمله هذا الرقم من شحنة سلبية تستدعي الحظ السيء، من شأنه أن يؤكد على كلام عكاشة في نفوس سامعيه. ولكن الأمر الذي فات عكاشة، أنه لا يوجد شهر 13، وأن السنة فيها 12 شهراً فحسب. ومن هنا فإنه لما قام واحد من المعدين بالبرنامج بتنبيهه لتلك النقطة، فإن عكاشة تقمص ثوب الحاوي الماكر، وقال إنه كان يقصد الليلة الثالثة عشر في عام 2013، وبالطبع إنطلى ذلك التفسير على متابعيه، الذين يتابعون كل ما يخرج من فمه على كونه حقاً لا مراء ولا شك فيه.

أيضاً يلاحظ أرمبرست، الحضور الانفعالي الدائم والمثير للدهشة والاستغراب في خطاب عكاشة. مثلاً في إحدى الحلقات قام بالسكوت فجأة وأخرج من جيبه منداًيل وتمخط فيه لمرات عدة، وفي مرات أخرى يتبادل عكاشة مع زميلته، نوعاً من المحادثة العاطفية، التي تظهر الكم الهائل من الوطنية والتضحية التي يقوم بها عكاشة في سبيل إيصال الحقيقة إلى أبناء شعبه.

يلتفت الباحث أيضاً إلى تكنيك مهم اعتاد عكاشة على استخدامه في سبيل تحقيق شعبيته الجارفة، ذلك التكنيك يعتمد على إظهار جهله ببعض الكلمات أو المصطلحات الأجنبية. فمثلاً، وفي سياق إلقاء الاتهامات بالعمالة والخيانة على بعض الناشطين السياسيين الداعمين للثورة، عرض عكاشة بعضاً من الوثائق التي أعطاها له الجيش، والتي تثبت أن هؤلاء الناشطين قد تلقوا الدعم المالي من جامعة سيراكيز. هنا، يتعمد الإعلامي الماكر أن ينطق كلمة سيراكيز بطريقة خاطئة تماماً لأكثر من مرة، محاولاً بذلك أن يثبت انتماءه إلى الطبقة العريضة الكادحة من الشعب، وهي طبقة أمية أو شبه أمية في الغالب، وبالطبع لا تجيد اللغة الإنجليزية.

ومن النقاط المثيرة للتعجب التي يلاحظها المؤلف هنا، أن الجمهور المتأثر بشخصية الحاوي، يعجب كثيراً بجهل عكاشة بالإنجليزية، ولا يتساءل البتة، عن الكيفية التي استطاع بها هذا الحاوي أن يحصل على درجة الدكتوراه من جامعة أميركية، تدرس جميع المواد بها بالإنجليزية.

أرمبرست استعرض في كتابه كذلك عدداً من المواقف التي ظهرت فيها قدرة عكاشة على تعبئة الرأي العام المصري، وجرّه وراء أراء معينة، مهما بدت سذاجتها أو ضعف منطقها وغيابها عن الموضوعية والحيادية. ومن تلك المواقف، ما وقع في الثامن عشر من كانون الأول – ديسمبر 2011، عندما قامت السلطات الأمنية بسحل واحدة من المتظاهرات، وتم نشر صور تلك الحادثة على الصفحات الافتتاحية لبعض الجرائد المؤيدة للثورة، كما شاع تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتسببت في اندلاع حالة عارمة من الغضب بين جموع الشباب والناشطين السياسيين.

يوضح أرمبرست خطورة وأهمية وتأثير عكاشة، في الترويج لخطاب إعلامي يهاجم الفتاة المسحولة، ويتهمها بالانحلال والعمالة والخيانة، وفي الوقت ذاته، يشيد بالأجهزة الأمنية وقدرتها على السيطرة على مقاليد الدولة. ويؤكد المؤلف أن ذلك الخطاب التعبوي قد انتشر مثل النار في الهشيم وسط الطبقات الدنيا من المجتمع المصري، واستطاع أن يقلب المعادلة، فتحولت الضحية (الفتاة المسحولة) إلى مجرمة، بينما أصبح رجال الأمن أبطالاً يحافظون على النظام والاستقرار، وهو التحول الذي لمسه أرمبرست بشكل شخصي من خلال مناقشته لمجموعة من المصريين من مختلف التوجهات والأمزجة.

من المواقف الأخرى المهمة في مسيرة حاوي الثورة المصرية، والتي أسهمت بشكل كبير في إظهار تأثيره على الحشد، ما روج له في أواخر نيسان – إبريل 2011، عندما ذكر في برنامجه أن مجلس الشعب المصري الذي يسيطر نواب “جماعة الإخوان المسلمين” على الأغلبية الغالبة فيه، قد ناقشوا مسألة إقرار قانون “مضاجعة الوداع”، وهو مشروع قانون يبيح للزوج أن يضاجع زوجته المتوفاة لمدة ست ساعات بعد وفاتها، وهو القول الذي تلقفته الوسائل الإعلامية المختلفة واستخدمته في الطعن في سياسات التيار الإسلامي حينذاك.

هل ثمة تشابه بين عكاشة وهتلر؟

بعد أن استعرض المؤلف في كتابه العديد من المواقف والنماذج التي تظهر معها شخصية الحاوي توفيق عكاشة، والطريقة التي استفاد من خلالها بالثورة في سبيل وضع نفسه في بؤرة الأحداث، والترويج لخطابه الإعلامي، فإن أرمبرست يطرح تساؤلاً عن مشابهة عكاشة للزعيم النازي الأشهر أدولف هتلر، وعن العوامل والظروف المشتركة التي ربطت بين الشخصيتين.

يرى المؤلف أن كلاً من عكاشة وهتلر، قد استفادا من الأوضاع المضطربة، سواء تلك التي أعقبت ثورة يناير في مصر، أو هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

أيضاً فإن الحاوي المصري قد استمد قوته الضاربة من جراء سيطرته على عقول وقلوب حشود غفيرة العدد من أبناء الطبقة الدنيا في المجتمع المصري، وهو الأمر ذاته الذي قام به هتلر عندما عمل على الاستعانة بمؤيدي الفكر النازي الذين تأثروا بالهزيمة في الحرب.

الكاريزما أيضاً تجمع ما بين الشخصيتين، فكل من عكاشة وهتلر عُرفا بطريقة مختلفة في التعامل وبأسلوب مختلف في عرض الأفكار. عكاشة اعتاد على استخدام اليدين والتحدث بطريقة عفوية سطحية ساذجة، أما هتلر فقد اعتمد على مظهره المتأنق العنيف وعلى انفعاله الشديد أثناء إلقاء خطاباته.

المصدر : الميادين نت

Optimized by Optimole