العلاقات الإسرائيلية-الأوروبية: المسؤولية التاريخية لأوروبا عن قضية فلسطين

Spread the love

يحاول الباحث اللبناني هيثم مزاحم بالاستناد إلى الوقائع والأمثلة والمراجع استقراء أبعاد العلاقة المتشعّبة بين “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه بناء على معاهدة ماسترخت الموقّعة عام 1993 “وتحديداً انعكاسات هذه العلاقة على قضية فلسطين.

alakat2

قراءة: روز سليمان* — في مقدمة كتابه “العلاقات الإسرائيلية. الأوروبية: الموقف من التسوية، الدولة الفلسطينية، والمستوطنات”، يقول الدكتور هيثم مزاحم: “لا شك أن الدول الأوروبية الكبرى تتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وقانونية عن نشوء القضية الفلسطينية وقيام الكيان الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي، بشكل مخالف لكلّ مبادئ القانون الدولي، بسبب وعد بلفور وسياسات الانتداب بداية، وصولاً إلى استمرار الدعم الأوروبي الاستثنائي لهذا الكيان: سياسياً واقتصادياً وعسكرياً”.
تتابع الدراسة التأكيد على ارتباط المشروع الصهيوني بالمشروع الاستعماري، تاريخياً واستراتيجياً؛ مع التأكيد على أنه ورغم هذا الارتباط إلا أن خلافات وتباينات لا بدّ أن توجد أحياناً بين الكيان الإسرائيلي وبعض الدول الأوروبية، أو مع الاتحاد الأوروبي عموماً، وحتى مع الولايات المتحدة الأميركية “كما أبرزت تطورات الأعوام الماضية”.
يحاول الباحث اللبناني بالاستناد إلى الوقائع والأمثلة والمراجع استقراء أبعاد العلاقة المتشعّبة بين “إسرائيل” والاتحاد الأوروبي منذ تأسيسه بناء على معاهدة ماسترخت الموقّعة عام 1993 “وتحديداً انعكاسات هذه العلاقة على قضية فلسطين.
قُسِّم الكتاب إلى سبعة فصول. يصوغ في الأول منه وتحت عنوان “العلاقات الإسرائيليةـ البريطانية” كيفية تأسيس تلك العلاقات وما شهدتها من عثرات، قد يعود تاريخها، أي العثرات، إلى ما قبل تأسيس الكيان في عام 1948 “إذ نادراً ما كانت العلاقات بين الطرفين سهلة، وهي اتسمت بالتناقضات والاستياء المتبادل”. ويضيف “وبرغم الدعم اللامحدود الذي قدّمته بريطانيا للكيان الصهيوني، فإن العلاقات بين الطرفين شهدت بعض العثرات بسبب أطماع الكيان وعدم مراعاته للمصالح البريطانية، وحفظ ماء وجه المملكة المتحدة أمام الدول العربية والفلسطينيين، وأمام الرأي العام البريطاني والدولي”. فضلاً عن أنه في السنوات الأخيرة، توتّرت العلاقات بين الطرفين “حين قرّرت الحكومة البريطانية طرد دبلوماسي إسرائيلي بسبب استخدام جوازات سفر بريطانية مزوّرة في اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي، في كانون الثاني – يناير 2010”. ليعود الكاتب ويؤكد أنه “في الثامن من كانون الثاني – يناير من عام 2014، التقى وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، بنظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، ووصف العلاقات بين بلديهما بأنها أقوى من أيّ وقت مضى”.
في الفصل الثاني من الكتاب يسهب مزاحم في دراسة العلاقات الإسرائيلية. الفرنسية. ففي التفاصيل يُرجع تغيّر السياسة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، إلى ما سُمِّي “الإبادة الجماعية”(الهولوكوست) ضد اليهود في أوروبا من قبل النازيين وبعض الفرنسيين “الذين تعاونوا معهم خلال الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية، وما أنتجته من شعور بالذنب في المجتمع الفرنسي”. نقرأ “تعزّز التقارب الإسرائيلي – الفرنسي بفعل الصداقة الشخصية التي تربط زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي الأسبق، والوزير في أكثر من حكومة، غي موليه (Guy Mollet) ، بزعيم حزب العمل الأسبق ديفيد بن غوريون. وبفضل علاقة الرجلين، أخذ التعاون بين الجانبين مناحي عسكرية ودبلوماسية عميقة”. يؤكد الكاتب أن فرنسا دخلت في علاقة عداء مع العالم العربي مع بداية حرب الاستقلال الجزائرية عام 1954 “لأنها اعتبرت أن علاقتها معه أصبحت خاسرة، وبدأت تدعم حركة الاستيطان اليهودي والسياسة الإسرائيلية”.
لقد عرض المؤلف أمثلة عديدة تؤرخ العلاقات بين الطرفين، مرجعاً في نهاية الفصل اهتمام فرنسا بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي أكثر من باقي الدول الأوروبية “لأسباب اجتماعية وديموغرافية وتاريخية. فهي تحتضن الجالية اليهودية الأكبر في أوروبا. كما أنها تحتضن نحو خمسة ملايين مسلم ينحدر معظمهم من المغرب العربي، إضافة إلى سبب تاريخي يعود إلى حقبة الاستعمار “فهي احتلّت لبنان وسوريا بعد تفكيك الإمبراطورية العثمانية واتفاقيات سايكس- بيكو سنة 1916، مع أنها كانت طامعة بشكل خاص بفلسطين”.
وبشكل مشابه من حيث الدقة في الاستناد إلى المراجع والتركيز على الوثيقة التاريخية يعود الكتاب في الفصل الثالث ليشرّح العلاقات الإسرائيلية. الألمانية، معتبراً ألمانيا “الشريك التجاري” وثاني أهم شريك لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. إذ تبلغ صادرات ألمانيا لإسرائيل نحو 2.3 مليار دولار سنوياً”. يؤكد الكاتب: “وهكذا كانت العلاقة الخاصة بـ”إسرائيل” ولا تزال المحرّك الأكبر في صياغة وممارسة السياسة الألمانية تجاه القضية الفلسطينية”.
لكن وبرغم مرور أكثر من سبعين عاماً على “المحرقة”، يرى مزاحم أن ألمانيا “ما زالت عالقة بعقدة الذنب.. ومؤازرتها “إسرائيل” لا تنبع من شبكة مصالح فحسب، بل للتكفير عن الماضي، إذ تواصل ألمانيا، منذ تأسيس علاقاتها مع “إسرائيل” في 12 مايو/أيار 1965، مدّها بأحدث الأسلحة ودعمها دولياً، والتغاضي عن جرائمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد دفعت ألمانيا لغاية العام 2016 نحو 65 مليار دولار كتعويضات للناجين من المحرقة النازية. وكانت “إسرائيل” قد ابتزت ألمانيا وحصلت على قرار ألماني بتمويل بناء غوّاصتين لصالح “إسرائيل” في عام 1991 أثناء حرب الخليج الأولى”.
يتجسد الطابع التحليلي للدراسة أيضاً في الفصل الرابع باعتماد تقنية أكثر تفصيلاً تشرّح بالأدلّة موقف الاتحاد الأوروبي من عملية التسوية العربية-الإسرائيلية، والقضية الفلسطينية؛ في الوقت الذي يرى بعض المراقبين أن “الاتحاد الأوروبي لم يصغ سياسة مستقلّة بذاتها تجاه القضية الفلسطينية، بل كان دوماً ينظر إليها بوصفها جزءاً من سياسة تشمل المنطقة العربية أو الشرق الأوسط بشكل عام، إذ كان لـ”إسرائيل” والولايات المتحدة مصلحة مشتركة واضحة في تحجيم الدور الأوروبي وتهميشه.
ويصل مزاحم إلى نتيجة بأنه ورغم الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في بعض الأزمات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كحادثة كنيسة المهد واتفاقية الخليل “إلاّ أن الاتحاد لم ينجح في تنفيذ بياناته وسياساته بخصوص “الدولة الفلسطينية” الموعودة بناءً على عملية التسوية في مدريد واتفاقات أوسلو. فلا الدولة الفلسطينية أُقيمت، ولا توقف الاستيطان، ولا توقفت السياسات الإسرائيلية الأحاديّة الجانب في القدس المحتلة”. وليطرح في ختام الفصل سؤالاً يتناول، من خلال البحث فيه لاحقاً “قدرة الاتحاد الأوروبي ورغبته في الضغط على “إسرائيل” من جهة، وعن وجود استراتيجية فعلية لمواجهة التعنّت الإسرائيلي عبر عقوبات سياسية واقتصادية وإجراءات دبلوماسية من جهة أخرى”. ليعود ويؤكد في الفصل الخامس بأن الاتحاد الأوروبي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عام 1967 “غير شرعية” بموجب القانون الدولي “وهي تشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان السوري المحتل”، مع تقديم تعريفات دقيقة مدعومة بوقائع عن “حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS) والتي حقّقت “نجاحات كبيرة مؤخراً…. فهي تُلحق به خسائر اقتصادية موجعة، وخسائر سياسية ومعنوية جسيمة تنزع أيّ شرعية عن هذا الكيان في احتلاله للأراضي المحتلة عام 1967… وقد تجسّدت هذه الحملات مؤخراً في امتناع البرازيل عن قبول أحد قادة المستوطنين الإسرائيليين سفيراً لتل أبيب لديها.
وبشكل تفصيلي يتناول الفصل السادس مسألة الاتحاد الأوروبي والاعتراف بدولة فلسطين. ومن الأمثلة نقرأ “يُعتبر اعتراف حكومة يسار الوسط السويدية بدولة فلسطين أوّل اعتراف من نوعه من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي برغم الضغوط الإسرائيلية والأميركية التي مورست عليها. وتعترف حالياً حوالي 130 دولة بدولة فلسطين. ومن بين هذه الدول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل المجر وبولندا وسلوفاكيا وقبرص، لكنها اتخذت الخطوة قبل انضمامها إلى الاتحاد. وكانت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد اعترفت في عام 2012 بدولة فلسطين وقبلت عضويتها في المنظمة الدولية بصفة “دولة مراقبة”، لكن معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي لم يعترفوا بها رسمياً! وقد اعترفت (دولة) الفاتيكان، في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2016 رسمياً بدولة فلسطين، لتكون قد وفت بوعدها بتطبيق الاتفاق الذى وقِّع في نهاية يونيو/ حزيران 2015، حيث أعلنت أنه يدخل اليوم حيّز التنفيذ، وذلك بعد استكمال كلّ الإجراءات الرسمية، والاتفاق على كافة الشروط”.
ويذكّر مزاحم “أن 135 بلدًا يعترف بفلسطين كدولة مستقلة، أي حوالي 70% من 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وحتى الآن لم تعترف أيّ دولة غربية كبرى بها”، مؤكداً أن الأمر ليس أكثر من “وعود، ثم تراجع عن وعود، وأحياناً تهديدات كلامية، ودعوة إلى المفاوضات من دون وجود جرأة أو قدرة للاتحاد الأوروبي، وبخاصة أقطابه الكبار، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، على تنفيذ وعودهم بالاعتراف بدولة فلسطين، والضغط على الكيان الصهيوني للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تنفيذاً للقرارات الدولية، ووقف الاستيطان في القدس والضفة وإخلاء المستوطنات”.
في الفصل السابع يبحث المؤلف في مرتكزات السياسة الخارجية الأوروبية تجاه فلسطين، انطلاقاً من اعتباره “أي قرار أو سياسة أوروبية تجاه المنطقة، ما هي إلاّ نتيجة للتفاعل بين هذه الصراعات”، ومفصّلاً مواقف الدول الأوروبية الكبرى الثلاث، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، من القضية الفلسطينية.
ويختتم الدكتور مزاحم دراسته باستنتاجات عدة أبرزها أن الاعتداءات الإرهابية في باريس عام 2015، وفي بروكسل عام 2016، قد بيّنت “هشاشة الأمن الأوروبي وضعفه أمام الإرهاب، وكشفت ضعف القدرات الأوروبية الأمنية وحاجة معظم دول الاتحاد الأوروبي للمساعدة الأميركية في هذا المجال، ما يستتبع تبعيّة هذه الدول وهذا الاتحاد للولايات المتحدة الأميركية”.

*كاتبة سورية.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole