الشرطة الدينية

الشرطة الدينية
Spread the love

نشر مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه (الشرطة الدينية (2): الدول، المؤسسات، الثورات) (الكتاب الحادي عشر بعد المئة، مارس/ آذار 2016 ) دراسة واقع الشرطة الدينية في سياقين: الأول: الدول التي لديها منظومة رسمية تضفي الشرعية على هذه المؤسسة الرقابية؛ والثاني: ظاهرة البيروقراطيات الدينية في بعض الدول الإسلامية.

تطرقت الدراسات في الجزء الثاني إلى موضوعات مهمة، من بينها: دراسة نظام الحسبة وحقوق الإنسان والحريات، تمكين البيروقراطية الدينية في ماليزيا، الشرطة الدينية في إيران، مقاومة الإيرانيات لنظام الوصاية الدينية، الشرطة الدينية في السودان، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية.

نظام الحسبة وحقوق الإنسان والحريات: أي علاقة؟

تناقش الكاتبة المغربية إكرام عدنني الحسبة في الشريعة الإسلامية وعلاقتها بحقوق الإنسان والحريات، من منطلق أن مختلف الأنظمة التشريعية بالعالم تكفل حقوق الإنسان بواسطة دساتيرها وقوانينها، أو من خلال التصديق على المعاهدات الدولية، بما فيها الدول العربية، بينما تبدو -من وجهة نظرها- أن الحسبة تقوض ذلك، بل تدعو بقوة إلى عودة نظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطبيقه بالدعوة والكثير من العنف.

إن مهمة الحسبة لا يمكن فصلها عن إقامة الشريعة الإسلامية داخل الدولة الإسلامية، ولهذا ما زالت بعض الدول تتمسك بمهمة الحسبة والمحتسب، كما أن بعض التنظيمات المتطرفة -اليوم- أحيت وظيفة المحتسب حفاظاً على الهوية الدينية الإسلامية، ولتفادي التشبه بالأنظمة الكافرة -من وجهة نظرها- وهو ما يجعلنا نتساءل عن دور الحسبة –اليوم- في ظل تطور المجتمعات الإنسانية، وفي ظل دولة الحق والقانون، وخصوصاً ما يتعلق بتعارضها مع مبادئ الحرية والحق في الحياة، وحقوق الإنسان بشكل عام.

ترى عدنني أن إعطاء السلطة لأشخاص معينين، أو منح هذا الحق بإطلاقه لعموم المواطنين (المسلمين) في اتخاذ القرار بالعقوبة بعد ظهور المنكر، يتعارض وكل المواثيق الدولية، وأن حرية المعتقد –اليوم- هي على رأس الحريات الفردية، التي تتعارض وفرضها من قبل المحتسب أو المجتمع ككل، وتخلص إلى أن موقف الجماعات المتطرفة –اليوم- الرافض لتجاوز نظام الحسبة غير مفهوم، وخصوصاً أن التجديد في الدين وتطبيق العقوبات بدأ مباشرة في عهد الصحابة، وبعد زمن النبوة مباشرة، وأن الحسبة بدأت محدودة، وكانت مقتصرة على الرسول نفسه، وخلفه في ذلك الصحابة الذين كانوا يمارسونها بأنفسهم، أو يسندونها لشخص محدد حال الفتوحات، ولكنها ستتسع بعد ذلك، كحال عديد من الممارسات الدينية، لتصل لدرجة التطرف والغلو.

إضفاء البيروقراطية على الدين ودور المسؤولين الدينيين في تنفيذ الشريعة الإسلامية في ماليزيا

تشير الدراسة التي قدمها الباحث الماليزي محمد نواب محمد عثمان إلى أن أسلمة ماليزيا تحظى في الأزمنة الحديثة بتوثيق جيد. وغالباً ما يقال: إن المنافسة السياسية بين الحزب الإسلامي الماليزي المعارض والمنظمة الوطنية الملايوية المتحدة أدّت إلى منح الإسلام دوراً عامّاً متزايدا، وأن خطوط الفصل غير الواضحة للنظامين القانونيين: العلماني والإسلامي في ماليزيا، أدّت إلى تنامي أهمية المسؤولين الدينيين في تحديد طريقة تنفيذ التشريع الإسلامي في السياق الماليزي، وخاصة أن الدستور الماليزي صيغ باعتباره دستوراً علمانياً، لكنه راعى الأبعاد الثقافية والدينية للمجتمع الإسلامي. البيروقراطيات الدينية الوحيدة في ماليزيا هي البيروقراطيات الإسلامية، وبالتالي يسيطر عليها الملايويون.

أدخل تعديل إضافي على الفقرة بالتعديل الذي ينصّ على أن المادة (3) لا تُبطل أي حكم آخر من أحكام الدستور. وفي تقرير مصاحب للدستور، كرّرت لجنة ريد (Reid Commission) الفكرة بأن ماليزيا دولة علمانية على الرغم من أن المادّة (3) تعلن أن الإسلام هو الدين الرسمي للاتحاد. لذا؛ فإن المادّة (3) والتعديل يتعارضان ويظهران الطبيعة المحيّرة للنظام القانوني الماليزي. ولإضافة المزيد إلى المأزق القانوني، فإن المادّة (11) فقرة (1) تضمن لكل شخص ممارسة دينه. لكن من الواضح أن هذا الحقّ الدستوري غير متّبع. فقد أظهرت قضية لينا جوي كيف لا يطبّق هذا الحقّ الدستوري على الذين يرتدّون عن الإسلام.

ولتفسير البيروقراطيات الدينية يقول الباحث: إن إجراءات الحكومة الماليزية أدّت لتنشيط الصورة الإسلامية إلى تصوّر بأن الحكومة متجاوبة ومتعاطفة مع قضيّة الإسلام السياسي. من ناحية أخرى، انتهز كثيرون من خارج المنظمة الوطنية الملايوية المتحدة ومن داخلها –أيضاً- فرصة استخدام الإسلام، لا بمثابة ذريعة سياسية فحسب، وإنما أجندة لكسب التأييد الملايوي أيضاً. وبدأ السياسيون الملايويون ذوو الآراء العلمانية استخدام اللغة السياسية للإسلام؛ من أجل كسب الشعبية السياسية والبقاء. وفي محاولة لتعزيز هذه الصورة الإسلامية أكثر، أدخل مهاتير العلماء في السياسة.

كل ذلك أدى لتمكين تلك البيروقراطيات حيث سنّت الولايات -أيضاً- “قوانين إعادة التأهيل”، حيث تأمر المحاكم الشرعية من يعتزم التحوّل عن الإسلام بالخضوع للاستشارة وإعادة التأهيل. وفي حالات محاولة أزواج المسلمات غير المسلمين بدء إجراءات الزواج المدني، فإن المحاكم المدنية تحوّل حالتهم بانتظام إلى المحاكم الشرعية، مما يناقض مبدأ الحرّية الدينية الذي تنصّ عليه المادّة (11) من الدستور، مما يثير السؤال: هل تعتبر ماليزيا دولة إسلامية “معتدلة” كما يُزعم في الغالب؟

ويرجح الكاتب في خاتمته أن يتمكّن البيروقراطيون الدينيون المرتبطون بالحكومة من تنفيذ أنشطتهم، بما في ذلك دعوة غير المسلمين لاعتناق الإسلام، وفرض السلوك الملائم على المسلمين. لذا يمكن القول: إن إدارة التنمية الإسلامية في ماليزيا (جاكيم) والبيروقراطيين الدينيين سيواصلون أداء دور حيوي في السياسة الماليزية في المستقبل. وإذا استمرّ هذا الاتجاه، فمن المرجّح أن يتسرّب مزيد من البيروقراطيين الدينيين إلى المناصب العليا في الحكومة، مما يؤشّر إلى أن ماليزيا ستواجه أوقاتا خطيرة في المستقبل.

الشرطة الباكستانية: دراسة للمفهوم، والسياسة، والممارسة

تدعو المقالة إلى إصلاح الشرطة، بما في ذلك الشرطة المجتمعية لاستعادة ثقة عامّة الناس وتحسين جودة الحياة في المجتمع. ولكي يحدث تغيير ذو مغزى، ترى الباحثة أن على مؤسسات إنفاذ القانون في باكستان قياس أنشطتها وأثرها على السكان المحليين، استنادا إلى المجتمع.

وفي استعراضها لمفهوم الشرطة المجتمعية وتطبيقاته تقول فرحانة قاضي (زميلة أولى في مركز الدراسات المتقدّمة عن الإرهاب): إن الشراكات مع المجتمع هي المكوّنات الرئيسة للشرطة المجتمعية، وإذا أقيمت علاقات إيجابية، يستطيع أفراد الشرطة تطوير علاقات إيجابية مع المواطنين في المجتمع أو الأحياء التي يحرسونها، مما يمكّن المواطنين من أن يكونوا أكثر صراحة بشأن المشاكل في منطقتهم، وأن يعتبروا الشرطة سلطة يمكن الثقة باللجوء إليها. وتؤيد ما يؤيده باحثون من أن ذلك يتطلب إصلاح النظام القضائي والجنائي بأكمله، ويسلّطون الضوء في الوقت نفسه على الحاجة إلى إشراك المجتمع في مجابهة الموجة الجديدة من التمرّد والعنف الإرهابي، وتعتقد فرحانة أنه في السعي لكبح العنف الإرهابي، ثمة فرصة لدى الشرطة في إعادة النظر في إطارها التنظيمي والتشغيلي. كما وضعت من خلال مبحثها توصيات لتحسين العمل الشرطي المجتمعي في باكستان، وهي:

تقدّم العلوم في العمل الشُّرَطي.

النظر في تكامل عمل الشرطة الموجّه نحو المشاكل، وعمل الشرطة القائم على الأدلة، وعمل الشرطة الاستخباراتي.

التواصل مع خبراء الشرطة للعمل معاً بمثابة فريق مجتمعي.

تقوية النموذج المهني للشرطة.

تحسين القدرة التحليلية.

الشرطة الدينية في إيران بين المحافظين والإصلاحيين

يشرح الباحث اللبناني هيثم مزاحم كيف -وبعد الثورة الإيرانية الإسلامية- نشأت أكثر من هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبرزها هيئة الأمر بالمعروف وعناصر شرطة يعرفون باسم “گشت ارشاد” أو “دوريات التوجيه أو الإرشاد” مهمتهم التذکير اللساني للنساء اللواتي يبالغن في السفور، أو الرجال والشباب الذين يبالغون في المظهر المخل بالآداب. ويناقش الباحث المنطلقات الفقهية لهذه الهيئات، وكيف أنها تؤكد مدى أهمية فريضة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لدى جميع المذاهب الإسلامية، وبينها المذهب الشيعي الاثنا عشري. ثم يشرح طريقة عمل الأذرع الثلاث الكبرى للاحتساب في إيران: قوات الباسيج (التعبئة الشعبية)، و”گشت ارشاد” (دوريات الإرشاد أو التوجيه)، وهيئة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يشير الباحث إلى أنه وبعد تعرّض الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للاعتداءات الواسعة من قبل بعض مرتكبي المخالفات الأخلاقية أو معارضي هذه الفريضة، صادق مجلس الشورى الإيراني علی مشروع قانون “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودعم الآمرين والناهين” في 2015. لكن “مجلس صيانة الدستور”، الذي يدقق في مطابقة مشاريع القوانين مع دستور البلاد والشريعة الإسلامية، رفض الموافقة على مشروع القانون الذي يسمى “الوقوف إلى جانب الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” والذي يعزز صلاحيات الهيئة في فرض ارتداء “الزي الإسلامي” على النساء، قائلا إن مشروع القانون يتضمن (24) مادة بينها (14) “تتعارض مع الدستور ولم تتم الموافقة عليها”. وقد أعاد المجلس المشروع إلى “مجلس الشورى” لدراسته وإدخال تعديلات عليه. وكان علی الرئيس الإيراني إصدار هذا القانون کمرسوم رئاسي إلی الوزارات وجميع المؤسسات، لكن الرئيس روحاني عارض إصدار هذا القانون واعتبر أن فيه أخطاء، وقام بتوجيه کتاب إلی مرشد الثورة: آية الله خامنئي، قدم فيه وجهة نظره لمخالفته الموضوع. وقرر خامنئي إحالة الموضوع على هيئة حل الخلافات بين المجالس. ويفصل الباحث فيما بعد في الحديث عن نص القانون وما يترتب عليه من صلاحيات وتوسع في الموازنات المالية والامتيازات.

لاحقاً يطرح الكاتب السؤال: هل سيختفي الحجاب في إيران؟ مشيرا إلى أن هناك تراجعاً واضحاً للتديّن في الجمهورية الإسلامية في إيران بعد قيام النظام الإسلامي، ويستنتج في خاتمته أن عملية فرض الحجاب على النساء تأتي بنتائج عكسية. وقد أظهرت ظاهرة نشر بعض الإيرانيات صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي من دون حجاب ومن دون الزي الإسلامي، وبينهن ممثلة إيرانية شهيرة، ضيق هؤلاء النسوة من قانون فرض الحجاب ورغبتهن في تحديه. وإذ يتفهم الباحث خلفيات أي نظام إسلامي يتبنى تطبيق الشريعة، ودوافعه للحفاظ على فريضة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لمنع الانفلات الديني والأخلاقي، فإنه يخشى من أن يؤدي التشدد في تطبيقها إلى نفور الناس من الدين، مؤكدا أن الحكومة الإيرانية برئاسة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني وفريقه، تعتمد سياسة غض النظر عن عدم التزام الناس بالدين، وخصوصاً داخل المنازل والمكاتب والأماكن الخاصة المغلقة، والاكتفاء بالحفاظ على صورة البلاد الإسلامية في حدها الأدنى من قبيل الحجاب والمظاهر الأخرى، وأن النظام الإسلامي تراجع في إيران عن تطبيق الحدود إلى مستوياتها الدنيا، بحيث يقتصر تنفيذها على الجرائم الكبرى، كالاتجار بالمخدرات وتهريبها، وجرائم القتل والاغتصاب وقطع الطرق.

النساء في إيران ونظام الوصاية

ترى الباحثة اللبنانية ريتا فرج أن حضور النساء داخل الفضاءات العامة في إيران يتسم بمحددات دينية واجتماعية متفاوتة بين المدن الكبرى والأرياف. وتتأرجح الحالة الإيرانية بين الانفتاح والانكماش وفقاً للمعطى السياسي، فلا يمكن الحديث عن نظام فصل تمييزي حاد، على الرغم مما يفعله “مقاولو الأخلاق” -كما يجترح عالِم الاجتماع الأميركي هوارد بيكر (Howard Becker) (1928) من ملاحقة الإيرانيات ومراقبتهن وحتى سجنهن، ومعاقبة النساء الناشطات المناهضات للخطاب الديني الرسمي.

تعرض الباحثة للرقابة الدينية على النساء في الأنموذج، ففي إيران “الأخوات” هن المنوطات بالاحتساب لا “المطاوعة” الذكور. وتسرد من خلال الدراسة نشأة حركة “أخوات الباسيج” تاريخياً ثم تطور دورها وصلاحياتها القانونية. لا تكتفي “أخوات الباسيج” بمراقبة ومعاقبة النساء غير الملتزمات بالزي الإسلامي الذي فرضته الثورة، والذي بدأ يتخذ أنماطاً عدة من أشكال التمرد النسائي على سياسات التمييز الديني والاجتماعي، وفي الغالب تتعرض التظاهرات السلمية النسائية المطالبة بالإصلاحات إلى قمع ممنهج على أيدي الشرطة وميليشيا الباسيج. ثم تضيف دور المقاومة النسائية لهذه السلطة، حيث شكل موضوع الحجاب واختراق عديد من النساء “للزي الشرعي” الحدث الأبرز، حيث بدأت دوريات الشرطة بتنفيذ ما سُمي بـ(حملة التصدي للحجاب السيئ)، وأثارت هذه الخطة جدلاً واسعاً وانقساماً في الرأي بين مؤيدٍ ومعارض.

تعبّر النسوة في إيران عن رفضهن لشروط الزي الإسلامي من خلال صور مختلفة، وهناك ميل للتمرد على الحجاب كليا؛ لأن العواقب القانونية لعدم الالتزام به لا تتجاوز الإنذار واستدعاء ولي الأمر.

الشرطة الدينية في السودان

يأتي حديث البروفيسور السوداني عبده مختار موسى عن الشرطة الدينية والحسبة (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في السودان، وكيف ارتبط بصورة أوضح بحكومة الإنقاذ الوطني (بقيادة الترابي/ البشير) أي حكومة الحركة الإسلامية وذراعها العسكرية. وهذا يرتبط بالمشروع الحضاري الذي رفعته (ثورة) الإنقاذ الوطني منذ أن استولت على السلطة في السودان بانقلاب عسكري في يونيو (حزيران) 1989. وتنطلق دراسته من منطلق أن فشل المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحركة الإسلامية، أدى إلى فشل المشروع الإسلامي (المشروع الحضاري) للحركة الإسلامية.

ويسرد الباحث مفهوم الشرطة الدينية وتطبيقها في السودان من خلال شرح أمثلتها على الواقع السوداني: الشرطة الشعبية في السودان، وشرطة أمن المجتمع (النظام العام)، مع تبيان دورهما في أداء واجب الحسبة. ويخلص الباحث إلى أن الموقف المعادي للدور الاحتسابي ذاك لتلك الأذرع الأمنية لا يتعلق بمعارضة التشدد الديني بقدر ارتباطه بمعاداة النظام الحاكم في السودان، المتمثل بحكومة الإنقاذ، ويقول: إن المشكلة تكمن في الانطباع العام الذي أصبح سائداً تجاه الحكومة، حيث يرى الكثيرون أن الشريعة لم تعد مطبقة في السودان، وأن القانون أصبح انتقائياً في ظل مفاهيم وأساليب وسياسات جديدة للحكومة، مثل الحصانات التي تحمي ذوي الحظوة من منسوبي الحكومة، والتستر على الفساد لكوادر الحركة الإسلامية بفقه (السترة) وفقه (التحلل).

هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية

ينوه الكاتب السعودي عبدالله ثابت إلى أن هناك احتمالاً لتحوّل الهيئة في السعودية إلى ذراع فاعلة في مفاقمة الظروف الراهنة، وإمكان أن تنخرط -ولو جزئياً- في أعمال عنف موسعة، عند حدوث أي اهتزازٍ أمني تتراجع فيه قبضة الدولة، يُستعمل ضدها بدءاً، بما لديها من الجاهزية والتقاطعات الفكرية للكثير من أفرادها مع حركات الإسلام السياسي، وامتلاكها الأدوات التي تستطيع من خلالها الاستيلاء على المجتمع على نطاق واسع، ابتداءً من خطابها القدسي وتأثيره في الشارع، ولجوء الناس له في لحظات كهذه، وانتهاءً بقدراتها المادية والعينية الهائلة، من سيارات وطواقم بشرية وخبرات ميدانية وأموال ضخمة، في بلدٍ يسهل تماماً توافر السلاح فيه. ويسرد الباحث تحول المفهوم من شعيرة دينية إلى مؤسسة تحت ظل كيان المملكة، ويطرح من خلال فصل كامل أمثلة على ممارسات للهيئة تم رصدها وانتقادها في الشارع السعودي أخيرا، ومن بينها أمثلة على قيام مطاوعة الهيئة في بعض الحالات باستدراج مواطنين لممارسة الفاحشة، أو الوقوع في محظورات الهيئة الموجبة لتدخلها. ويطرح ثابت نتائج قائمة ومحتملة لكل ما ذكر:

هشاشة المجتمع وانقسامه.
تكبيل الاختلاف والمحاسبة عليه.
جناية الهيئة على تاريخ المجتمع.
خطورة القمع والاستبداد.
ويختم الباحث بالقول: إنه يلزم أن تكون هناك إعادة بناء للمجتمع، وفق رؤية تقوم على المواطنة والعلم والتقدم والعصرانية، عبر سائر مؤسسات الدولة، لا سيما في التعليم ومناهجه، وإن التحول لا يأتي طوعاً فضلاً عن أن يكون تلقائياً، فالقرار السياسي هو مفتاح الحل دائماً في المجتمعات المنغلقة.

السلفيون بين تونس ومصر: إشكالية الخطاب والممارسة

في دراسة العدد يتناول مصطفى زهران (الباحث المصري المتخصص في الحركات الإسلامية والطرق الصوفية) الحالة السلفية في مصر وتونس، معتبراً أن هذه الظاهرة من المسائل الأكثر تعقيداً، والتي تحتاج مزيداً من التأمل والقراءة العميقة لمضامينها الفكرية والأيديولوجية، خصوصاً أن الحدث السياسي الذي رافق الربيع العربي حمل معه الكثير من العناوين اللافتة والبارزة لهذه الحالة الأصولية بتشعباتها وتنويعاتها المختلفة.

الأنموذجان التونسي والمصري هما أبرز الميادين التي تصدرت الحالة السلفية وشغلت الرأيين السياسي والمجتمعي لما حملاه من مواقف اشتباك فكري وأيديولوجي كبيرين في كل منهما. وعلى الرغم من التباين في الحالتين التونسية والمصرية في الوجود السلفي وتموضعه قبيل الربيع العربي، إذ إن الحالة التونسية لم تعرف وجوداً حقيقياً يذكر في المشهد التونسي؛ نظراً للموقف المتشدّد للنظام هناك ضدّ كل أشكال تسييس الدين، والذي أسس منذ عقود على هذا النحو والشاكلة، والحالة المصرية التي كان السلفيون يتفاعلون مع محيطهم بكل أريحية ويتمتعون بحرية انتقال ووجود، على الرغم من كل ذلك فإن التطورات الحادثة على المشهد السياسي خلال السنوات التي تلت الربيع العربي، دفعت إلى تحولات كبيرة تسببت في بروز إشكاليات على مستويي الخطاب والممارسة.

تسعى الدراسة بعد عرض بانورامي لخريطة التشكل الدعوي والحزبي السلفي بدءاً من تونس ومصر إلى إبراز أهم المواقف والمحطات السياسية للتيار السلفي وإشكالياته في الخطاب والممارسة، مع استخلاص النتائج وتقديم قراءة استشرافية عن مستقبل الحالة السلفية من خلال مكوناتها التي بنت عليها الدراسة فرضيتها.

المصدر: موقع المسبار

Optimized by Optimole