“مملكة ماري “

Spread the love

بقلم :فاطمة الموسى/”كتاب مملكة ماري نسخة منقحة ومزيدة للباحث د.بشار خليف ”
صدر كتاب ماري عن وزارة التعليم العالي وجامعة دمشق في العام 2017، يتحدث الكتاب عن كيفية الحياة في ماري ونشوئها التي تعود إلى نحو خمسة آلاف عام – على الفرات الأوسط قرب مدينة البوكمال وذلك منذ عام 2900 قبل الميلاد وإلى حين تدميرها على يد الجيش البابلي بقيادة حمورابي في نحو عام 1760 قبل الميلاد.
الخوض في هذا الكتاب يبدأ من الموقع لمدينة ماري على الفرات الأوسط الذي يعطيها الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والملاحية ومن جهة أخرى كصلة وصل بين الجناح الرافدي والشامي ( العراق وسوريا )
إنشاء هذه المدينة نتج عن سلطة إدارية متماسكة عبر عنها النمط العمراني الدقيق والمركب الذي يستوجب أن نجد مدينة في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد بنيت وفق مخطط مسبق, وإن عدنا للتنقيبات الأثرية لهذا الموقع الذي شمل حدود مملكة ماري وليس المدينة فقط , وأشار الباحث إلى أن إنشاء ماري نتج عن موقع كان معمرا في تل الرمادي قائما على نهر الفرات أدى بسبب الفيضانات إلى هلاكه مما استوجب إنشاء مدينة ماري في موقعها الحالي في تل الحريري, ما أعطاها ميزة أكبر كصلة وصل بين جناحي المشرق ومكن الجناح الرافدي أن يطل على عالم المتوسط والجناح الشامي على العالم شرق الرافدين ولا سيما الايراني والهندي وشرق آسيا ومواقع الخليج العربي الذي أعطاها قوة اقتصادية وتجارية وتأثيرها في ذلك الحين .
ومن جهة البيئة الطبيعية التي خدمت مجتمع المدينة وقد أشار الباحث مارجرون :
” أنشأت ماري وفق مخطط وتنظيم هادفين حيث يشهد على ذلك منشآتها المائية وآثار السور الذي يحيط بها ”
أما عن الواقع الديمغرافي لماري في الثالث قبل الميلاد :
تحدث د. خليف عن حيوية البيئة الطبيعية والوسط الطبيعي الذي خلق التنوع البيئي وتنوع النشاط الاجتماعي بين امتزاج سومري – أكادي – عموري على مدى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد ( يشير المؤلف هنا إلى ان الأكادية لم تكن هوية قائمة بحد ذاتها ويقترح الهوية العمورية على قاعدة أن مؤسس السلالة الأكادية شاروكين يعود في منشأه إلى عموريي بلاد الشام ” جبل بشري ” )
إن موقع ماري جعلها مرجلا للتفاعل الرافدي – الشامي / السومري – العموري
مكتشف ماري ” أندره بارو ” قال :
” إن ثقافة ماري سومرية تفتحت في وسط غير سومري “يشار إلى العلاقات الوطيدة بين ماري وأور ولاجاش في الرافدين وغيرها من المدن .
في الحياة المعتقدية في ماري :
يتحدث الباحث أنه لا يمكن البحث فيها من دون الاستناد إلى البعد الديمغرافي الاجتماعي، كشفت الدراسات عن التفاعل والامتزاج الاجتماعي والتنوع بالرموز المعتقدية , من آلهة عمورية وآلهة سومرية ولكليهما :
نيني زازا – عشتار – شمش و عشتارات ودجن و نينهور ساج –
وقدمت نصوص ماري ما يزيد على 125 اسماً إلهياً مثل: دجن , شمش، سين، أدد، عشتار …. الخ.

لغة ماري :
كشفت الدراسات أيضا عن وجود لهجات تكلم بها سكان ماري كالسومرية و الأكادية والعمورية مما يدل عن تعايش سومري – أكادي – عموري ..

وعن الواقع السياسي في ماري، يشير الباحث خليف إلى أن الوثائق أبرزت ستة ملوك حكموا ماري لمدة 136عاماً، وأن سلالة هؤلاء الحكام وغيرهم حكمت بين عامي 2900 و 2600 قبل الميلاد، وأول حكام هذه السلالة هو أنسود.

ويبدو أن فاعلية ماري تحققت في زمن حكم ايبلول إيل، فقد أشارت الوثائق إلى أن ماري كانت القوة الوحيدة المسيطرة على حوض الفرات الأوسط، واستمرت بذلك حتى ظهور الفاعلية الأكادية نحو عام 2350 قبل الميلاد. وقد أشارت الدراسات إلى أن ماري في الألف الثالث إمتد نفوذها حتى كركوك في فترة حكم ايبلول إيل وإلى مناطق في الأناضول، وأن إيبلا دفعت الجزية لها. كذلك تشير الأبحاث إلى أنه في فترة حكم ايشتوب شار خضعت إيمار لفاعلية ماري.

ينتقد الكاتب ما توحي به دراسات وأبحاث المستشرقين بأن ثمة صراعات إثنية وديمغرافية بين مدن المشرق في الألف الثالث قبل الميلاد، مؤكداً أن وثائق المشرق القديم لم تشر إلى أي صراعات إثنية .

وفي معرض حديثه عن الحياة الاقتصادية والتجارية يشير الكاتب إلى دور مدينة ماري البارز، حبث مارست رقابة نهرية صارمة على حركة الملاحة الفراتية، وبذلك استطاعت أن تكون صلة الوصل بين الشام و الرافدين .

في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد احتل لوغال زاجيزي مدينة ماري ولكنها سرعان ما أعادت ترميم نفسها ثم خضعت مع الفاعلية الأكادية لسلطة أكاد ثم لسلطة آشور ثم ستقدم يمحاض حلب المساعدة لعودة زمريليم إلى حكم ماري حيث أن ملك حلب ياريم ليم هو خاله .
الجدير ذكره أن زمري ليم ملك ماري تزوج من شيبتو ابنة خاله ملك حلب .
مع صعود الفاعلية البابلية بقيادة حمورابي كان لابد أن تسيطر بابل على المدن المتحكمة بحركة التجارة , فكان نصيب ماري أن تدمر على يد الجيش البابلي , لتنتهي حقبة مهمة في تاريخ الفرات الأوسط .
الباحث يشير هنا إلى أن بابل وآشور وماري وأغلب مدن المشرق حكمت من سلالات عمورية كنعانية , بمعنى أن حمورابي هو عموري كما شمشي -أدد ومعظم حكام ممالك المدن في الألف الثاني قبل الميلاد .
كتاب حضارة مدينة ماري جدير بالقراءة كونه أول كتاب بعقل مشرقي يتناول حضارة هذه المدينة .

Optimized by Optimole