قراءة في كتاب “محطات في تاريخ الرياضيات”

Spread the love

قراءة: فاطمة الموسى/
معلومات عميقة في كتاب “محطات في تاريخ الرياضيات ” للدكتور محمود باكير الحاصل على دكتوراه في الرياضيات البحتة الذي صدر عن جامعة دمشق، في شباط 2019
فأبرز الكاتب لنا مفهوم الرياضيات ومايحيط بنا من مفاهيم تتعلق به كالإدراك والاقتصاد، ومن ناحية أخرى الجذور المتعلقة بالرياضيات من جذور اجتماعية وفلسفية.
بداية أشار الكاتب إلى أن الرياضيات ليست ترفاً علمياً، أو زاداً فكريا محضاً لا طائل منه ، بل أضحت حاجة وضرورة لكل دارس ومثقف ومفكر مهما كانت دراسته واهتماماته، لأن ثمة شريحة واسعة من المتعلمين تعتقد أن إتقان العمليات الحسابية الأربع وبعض المبادئ الحسابية البسيطة تكفيهم في حقولهم المعرفية، ثمة سؤال يطرح دوماً، ويردده كثيرون، وهو مالرياضيات ؟
قلما نجد من يتحدث عنه، أو يجيب عنه، في المحاضرات الجامعية المعنية بتدريس الرياضيات، أو حتى في المناهج المدرسية في مقررات الرياضيات، لأن معظم الرياضيين يقرون أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ليس أمراً يسيراً للمبتدئين ، ويسهل ذلك مع تقدم الدراسة في الرياضيات، على الرغم من أن هذه الأسئلة مشروعة، وثمة حاجة ماسة للإجابة عنها.
فأي فرد يعرف ماهية الرياضيات، وفائدتها، بقدر حصيلته المعرفية منها؛ كما أن مساحة الحديث عنها تتناسب طرداً وحجم هذه الحصيلة .لذلك فلا غرابة إذا لم نصادف في وسائل الإعلام المختلفة مقابلة مع أحد علماء الرياضيات، أو مع المختصين بها.
وللإجابة عن السؤال المطروح في بداية هذه الفقرة : ماالرياضيات ؟ نشير إلى أن ثمة تقسيمات عديدة للعلوم، ولكن الأكثر انتشاراً هو أن العلوم تقسم إلى نوعين أساسيين : العلوم الصورية وتشمل الرياضيات، والمنطق ، وبعضهم يضيف أحياناً إليها ماكان قريباً من تلك العلوم ، مثل علوم الحاسوب النظرية ونظرية المباراة، ونظرية القرار وجزء من علم اللسانيات (اللغويات)، والنوع الثاني يشمل مايسمى العلوم الإخبارية ، وتتضمن بقية العلوم الأخرى.
وهذا التقسيم له أهميته الخاصة لأنه يبرر طبيعة الرياضيات الصورية، التي ترشحها لأن تقوم بدور مميز في حياة الانسان العقلية والعملية.
وللوقوف على طبيعة الرياضيات لا بد من استعراض بعض تعاريفها، خاصة وأن لها تعاريف عديدة ؛ ويعزى سبب ذلك إلى أن هناك أكثر من مقاربة لمفهومها ، وهي يمكن أن تعني أشياء “مختلفة” لأناس مختلفين .
كما يضيف الكاتب أن جذر كلمة الرياضيات في اللغة الإنكليزية يعود إلى الكلمة الإغريقية Mathema ، التي تعني : المعرفة ، والتأمل , والإدراك , ونفاذ البصيرة , ونلاحظ أن هذه المعاني تغطي ، في الأساس ، عديداً من الأنشطة العقلية ، ليست “الحسابات” من ضمنها ، أي أن الطبيعة الحسابية للرياضيات لم تكن في ذهن واضعيها الأوائل من الإغريق ، بل إن هذه السمة أتت بعد ذلك . ومن هذه الروح يمتح الفيلسوف الإنكليزي “فرانسيس بيكون” قوله المعروف في مقالة نشرها أنه : ” إذا كان عقل إنسان في حالة تيه ، فليدرس علم الرياضيات ” وربما قد لاحظ هؤلاء فيما بعد العلاقة غير المباشرة بين هذه الأنشطة العقلية ، والعمليات على الأعداد ، وبذلك تضمن هذا المفهوم القيام بتلك العمليات.
كما يقول “أفلاطون”: ” إن الرياضيات هي النموذج المتقدم في سلم الحضارة ” ويقول آخر عنها : ” إنها أجمل ماتزهر به الروح الإنسانية ، وهي كاتدرائية أبدية من المعرفة بنيت لبنة لبنة عبر العصور ، ولكنها بعدد صغير من المصلين ، ومجهولة لمعظم البشرية ” . وهذا النوع من التعريف يعتريه نوع من “الغطرسة ” الفكرية المغلفة بمسحة من الشاعرية ، فضلاً عن أنها لا تقدم زاداً معرفياً عن طبيعة الرياضيات.
أما المدرسة الصورية التي كان من أبرز روادها الرياضي الألماني “ديفيد هيلبرت” تقول : إن الرياضيات ليست أكثر من لعبة دون معنى ، تلعب بإشارات عديمة المعنى وفقاً لقواعد صورية معينة متفق عليها مسبقاً .
في حين تقول المدرسة المنطقية (المدرسة الثانية من مدارس فلسفة الرياضيات) أن الرياضيات نتيجة خالصة للنشاط الذهني البناء للإنسانية ، وليست اكتشافاً لمبادئ أساسية يزعم أنها موجودة في الحقيقة الموضوعية ، وأن نبع الرياضيات يكمن في الحدس الذي يعمل على توضيح المفاهيم الرياضية ؛ وثمة تعاريف ( مقاربات ) عديدة أخرى لليراضيات ، تبدو أنها مختلفة. فمنهم من قال إنها “مفاهيم مجردة ” ، أو إنها ” هندسة النماذج ” وغير ذلك الكثير . فكل تعريف لها يركز على جانب معين منها ، أو أكثز تحديداً ، يحاول إبراز إحدى صفاتها دون التركيز على الصفات الأخرى ، حتى إن بعضهم بدأ يشير إلى أنها أضحت “برمجيات”
أخيراً نشير إلى أن تاريخ الرياضيات يحفل بأسماء كثيرة من الرياضيين الهواة الذين قدموا لها أشياء كثيرة …
وصحيح أن الرياضيات أساساً ، علم يعنى بالأعداد بمختلف أنواعها ، وبالأشكال الهندسية ، والمعادلات الرياضية المختلفة ، وغير ذلك من الكائنات الرياضية , بيد أن هذه الأشياء ليست أكثر من تصورات ذهنية تمتد جذورها إلى أعماق النفس الإنسانية ، وإلى المكونات الاجتماعية للمجتمعات البشرية . ومبعث ذلك أن اهتمام الإنسان بالرياضيات منذ القدم لم يأت من فراغ ، كما أن دوافع تطويرها ، والعمل على توحيد فروعها .ولا بد من الإشارة إلى أهمية إيقاظ الوعي عند المهتمين في دراسة تاريخ الرياضيات ، تجاه فكرة سائدة على نطاق واسع مفادها : أن موقف المتلقي من الرياضيات ، أو من قوانين الفكر الثلاثة المعروفة ، هو ذاته في جميع أرجاء المعمورة ، وعند كل الشعوب قاطبة ، بغض النظر عن طبيعة ذهنية هذه الشعوب ، أو لغاتها الأم ، حيث كان يعتقد على نطاق كبير أن أنماط الفكر الإنساني هي واحدة ؛ بمعنى أن الجميع يفكرون ويستنتجون ، ويستقرئون ، وفق طرائق منطقية واحدة ، وأن ” ذائقتهم المنطقية ” ذاتها، وهذا ماأثبت علم نفس الثقافة بطلانه ، حيث أضحى من المعروف أن الممارسات الاجتماعية يمكن أن تؤثر في طرق التفكير عند الإنسان.

وختاماً : يتجه الكاتب إلى فكرة مهمة وهي : عموماً فإن الرياضيات يمكن أن تكون منهجاً للتفكير ، ونرشحها لأن تكون طريقة للإدراك، بغض النظر عن العلاقة بين هذين الأمرين (التفكير والإدراك) . وهذا تعبير عن قول الرياضي البريطاني أكثر طريقة فعالة وموثوقة نعرفها حتى الآن من أجل فهم مانراه حولنا” أي إنها طريقة للإدراك، وإن لم يسمها “ستيوارت” كذلك…

Optimized by Optimole