علاقة ألمانيا بالمشرق العربي منذ عهد القيصر فيلهلم الثاني

Spread the love

القاهرة – خالد بيومي | يتناول كتاب «ألمانيا والشرق الأوسط منذ زيارة القيصر فيلهلم الثاني المشرق في العام 1898 وحتى الوقت الحاضر»؛ للبروفيسور رولف شتاينغر، توسط ذلك القيصر، بناء على طلب قادة الصهيونية، لدى السلطان العثماني للتنازل عن المنطقة الواقعة بين غزة والفرات، على أن يتمتع هذا الإقليم باستقلال ذاتي في نطاق السلطنة العثمانية. الكتاب صدر حديثاً ضمن سلسلة «عالم المعرفة» في الكويت بترجمة لورنس نسيب الحناوي، ومراجعة رضوان السيد. وخلال الحرب العالمية الأولى كانت ألمانيا حاضرة على الدوام، إذ وعد القيصر بدعم إنشاء دولة يهودية في فلسطين التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية، ووعد القيصر تيودور هرتزل باستخدام نفوذه لدى السلطان العثماني من أجل تحقيق هذه الفكرة ولكن السلطان رفض فكرة أن يكون هناك راع ألماني لدولة يهودية في فلسطين فقال: «أنا لا أستطيع أن أبيع موطن قدم من الأرض لأنها ليست ملكي، بل ملك شعبي».

وعلى رغم أن السلطان العثماني رفض الفكرة، لكن هذا الرفض لم يؤثر في العلاقات الجيدة التي ربطت ألمانيا بالدولة العثمانية؛ فقد منحت السلطنة العثمانية ألمانيا حق بناء سكة حديد بغداد، بينما أعلن القيصر فيلهلم الثاني نفسه حامياً لثلاثمئة مليون مسلم. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، بدأ القيصر فيلهلم بالحديث عن الجهاد –عن الحرب المقدسة– ضد الإنكليز، وتحول الشرق الأوسط إلى مسرح لهذه الحرب، أدت فيه ألمانيا في تحالفها مع العثمانيين دوراً حاسماً.

لم تمارس ألمانيا –خلال السنوات القليلة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الأولى– دوراً كبيراً في الشرق الأوسط، ولكن هذا تغير مع تسلم هتلر الحكم في العام 1933. إن كره العرب لليهود وفي مقدمهم أمين الحسيني مفتي القدس، جعلهم معجبين بهتلر، من دون أن يلتفتوا إلى أن ألمانيا الهتلرية شجّعت موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومن دون أن يحملوا ألمانيا المسؤولية التي واكبت هذه الهجرة. لقد أدى هذا الاضطهاد المبكر إلى حدوث مذابح بحق اليهود، وبالتالي انتفاضة العرب في وجه البريطانيين واليهود في العام 1936. في سنوات الحرب العالمية الثانية تحول الشرق الأوسط مجدداً إلى محور اهتمام السياسة الخارجية الألمانية، وبخاصة الشأن العراقي، حيث فرّ المفتي الحسيني من القدس إلى بغداد بهدف مقاومة البريطانيين والصهاينة بوصفه أحد مناصري هتلر. ولقد مُني الانقلاب الذي قام به المعسكر المؤيد لألمانيا في العراق عام 1941 بهزيمة ساحقة لأسباب عدة منها: نقص الدعم الألماني، إذ تركّزت جهود هتلر آنذاك على ما يعرف بعملية بربروسا ضد الاتحاد السوفياتي. وقال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل: إن هتلر يهدينا الفرصة لتحقيق ربح كبير في الشرق الأوسط بجهد ضئيل.

واستقبل هتلر الحسيني الذي فرّ إلى برلين وعقد معه اتفاقية ضد اليهود. وقال الحسيني لهتلر إن العرب هم الأصدقاء الطبيعيون لألمانيا، فلديهم الأعداء أنفسهم: البريطانيون، واليهود، والشيوعيون، ولذلك فالدول العربية جاهزة للاشتراك في الحرب من خلال تشكيل فيلق عربي للقتال، والعرب يطمحون من خلال هذه الحرب إلى استقلال ووحدة فلسطين وسورية والعراق. ولا سيما أن ألمانيا ليس لها مطامع في الأراضي العربية. وطالب المفتي هتلر بإعلان الدعم الألماني للقضية العربية ولكن هذا الإعلان لم ير النور أبداً، كما لم يتحقق ما اتفقا عليه من تدمير الوطن القومي لليهود، بل على العكس –بعد مرور ستة أعوام- قررت الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، وفي 14 أيار (مايو) 1948 أعلن تأسيس دولة إسرائيل.

وفسّر هتلر موقفه من عدم إعلان الدعم الألماني للعرب في أحد لقاءاته مع موسوليني في قصر كليهايم في ضواحي سالسبورغ في 29 نيسان (إبريل) 1942 فقال: «إن إعلان الدعم العسكري للعرب هو أمر فعال فقط عندما تقف قوات دول المحور على حدود جنوب القوقاز، عندها سيكون اندلاع مقاومة عربية إثر هذا الإعلان ذا منفعة عسكرية، ويمكن دعمه عسكرياً. وعلى العكس من ذلك، فإذا قدمنا اليوم هذا الإعلان، فإننا سنكون أمام خيارين: فإما ألا يحاط العرب علماً بهذا الإعلان، ما سيجعل إعلاناً كهذا بالنسبة إلى دول المحور عديم القيمة، بل سيكون مضراً؛ لأن العدو سيفهم من عدم الاستجابة العربية أن دول المحور تفتقر إلى التأثير اللازم في هذه المنطقة. أما الخيار الثاني فيتمثل في أخذ العرب للعلم بهذا الإعلان وسيقومون بثورتهم التي سيُقضى عليها من قبل البريطانيين في ظل هذه الظروف مع الأخذ في الاعتبار بأنه من الممكن أن يؤدي هذا الأمر إلى استحواذ البريطانيين على العناصر العربية الأكثر نشاطاً والصديقة لدول المحور في العالم العربي. لكن عندما تقف قوات المحور جنوب القوقاز، فإنه من الممكن إعاقة تطور كهذا». فهتلر متخوف كثيراً من أن إصدار إعلان في هذا التوقيت لا يمكن بحال من الأحوال دعمه بتدخل عسكري.

شقّت سياسة ألمانيا الشرق أوسطية، طريقها من جديد بعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية) وصار التركيز على مسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه الدولة الجديدة (إسرائيل). وخلال الحرب الباردة أدخل جانب مراعاة مصالح الشركاء الأوروبيين، أو بالأحرى الولايات المتحدة الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط، ومراعاة مصالح الدول العربية. وسلّمت ألمانيا الغربية منذ العام 1957 شحنات أسلحة إلى إسرائيل، الأمر الذي قادَ إلى نزاع مع الدول العربية في العامين 1965 و1964، وإلى أكبر أزمة منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الغربية، وتمثلت في تهديد الدول العربية لبون بالاعتراف بجمهورية ألمانيا الديموقراطية (الشرقية) حيث شكّل هذا الاعتراف باباً يمكن من خلاله ابتزاز ألمانيا الغربية، بيد أن سياسة التقارب للائتلاف الاشتراكي– الليبرالي الحاكم بقيادة فيلي براندت أنهت إمكان هذا الابتزاز.

كانت السياسة الغربية في الشرق الأوسط ولا تزال تدور حول النفط، واستخدمته الدول العربية في حرب أكتوبر 1973 باعتباره سلاحاً سياسياً ما أغضب بون. كما أن سياسة الاستيطان التي مارستها إسرائيل كدرت صفو العلاقات الألمانية– الإسرائيلية، حتى أن المستشار الألماني هيلموت شميت لم يلب دعوة الزيارة التي وجهتها إليه إسرائيل عام 1978. كما أن ألمانيا لعبت دوراً حاسماً في استصدار إعلان البندقية في حزيران (يونيو) 1980 الذي دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإشراكهم في الحل السلمي. وعلى رغم أن دور ألمانيا كان مطلوباً في حرب الخليج 1990، لكنها رفضت المشاركة في حرب العراق، وبدأت عام 2014 بتسليح أكراد العراق.

Optimized by Optimole