“الخط الأخضر”.. عن معاناة الفلسطنيين داخل “اراضي 48”

رواية "الخط الأخضر"
Spread the love

بقلم: وسن أبو بكر* — رولا غانم هي روائية فلسطينية من مدينة طولكرم، تروي قصة والدها من خلال هذه الرواية التي تشبه المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وتكشف عن نضال الأجيال. في الرواية، أبرزت أهمية التعليم وتحدثت عن معاناة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال. عندما تتحدث الدكتورة غانم عن الإبداع في أعمالها وفي أعمال العديد من الفنانين الفلسطينيين الآخرين، تقول إنه على الرغم من الظروف المأساوية التي مر بها الفلسطينيون على أيدي الاحتلال الإسرائيلي، فإن الإبداع يولد دائماً من رحم المعاناة.
في رواية “الخط الأخضر”، تكتب غانم عن صبي فلسطيني عمره 13 سنة يدعى عبد الله من باقة الغربية في المثلث الفلسطيني (مجموعة من القرى العربية داخل إسرائيل)، اختطف من مدينته بعد النكبة عام 1948 وأُجبر على الانضمام إلى الجيش الأردني. يستقر في نهاية المطاف في طولكرم، في الضفة الغربية وينشئ عائلة. إنه شخصية رائعة كانت واعية وقوية بما يكفي للبقاء على قيد الحياة. إنه غير قادر على العودة إلى دياره لأنه داخل “الخط الأخضر” أي داخل كيان إسرائيل، وهذا هو التقسيم المستمر للشعب الفلسطيني حيث يكونان قريبين جداً ومع ذلك بعيدين عن بيتهما.
كما تكتب غانم عن زوجة عبد الله سحر، التي ماتت في سن صغيرة تاركة وراءها ابنتها سولاف البالغة من العمر سنتين. سحر هي تجسيد لوالدة رولا ورولا هي الفتاة البالغة من العمر سنتين في الرواية. تمكن عبد الله من رفع سولاف ليعطيها الرقة والحب التي تفوتها من فقدان أمها ونباتاتها داخل وطنيتها وثباتها الفلسطينيين. شقيقة عبد الله، مرام، نشأت في باقة الغربية. في الرواية هي رمز للمرأة الفلسطينية المتعثرة في وجه الاحتلال، ووالدها يحاولان إجبارها على الزواج من اختيار زوجها، قاومت وواصلت تعليمها الثانوي وانضمت إلى الجامعة العبرية في القدس.
شخصية مارامز هي الجيل الجديد من النساء المتعلمات، اللواتي تمردن على القيم والعادات الموروثة.
الرواية هي رمز وواقع مولم للتقسيم الظالم التي تجسد معاناة الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر.
إن واقع المأساة الفلسطينية عميق. النكبة الفلسطينية في ذكراها السبعين هذا العام، لم تنتهِ والجرح موجود. إن مأساة الشعب الفلسطيني بدأت عندما نشات دولة إسرائيل، تجسدت المأساة الفلسطينية في قتل الكثيرين منهم وتدمير للقرى الفلسطينية وهو ما يقارب 450 قرية فلسطينية، وشرّد أهل هذه القرى. بعضهم سكن في الضفة الغربية والبعض سكن في غزة والبعض خرج الى الأردن ومصر وسوريا ولبنان والعراق.
أما القسم المتبقي فقد نزح إلى مناطق احتلتها إسرائيل ومنحوا لقب مواطنين من الدرجة الثانية، ومورست في حقهم الانتهاكات العنصرية. وكان استصدار بعض القوانين من الحكومة الإسرائيلية جائراً في حقهم في استرجاع ممتلكاتهم. مورست العنصرية تجاههم في شتى الوسائل والطرق ومنعوا من ممارسة حقوقهم المدنية في بعض الوظائف أو فتح بعض المصالح التي قد تمكنهم من تأمين مصدر رزق لأسرهم، إذ لايسمح لهم بالتقدم إلى وظائف حكومية رفيعة، ويحرمون من امتيازات كثيرة يحظى بها المواطنون الإسرائلييون.
قسوة الحياة لم تمنعهم من الاستمرار في العيش بكرامة والمطالبة بحقوقهم، وطلب العلم، إنما كان دافعاً لهم للمثابرة على المطالبة بحقوقهم والمشاركة في الحياة السياسية. فمنهم من تمكن من تمثيل قريته أو بلدته العربية في الكنيست الإسرائيلي، ومنهم الكتاب والشعراء والمحللون السياسيون الذين كان لهم أثر كبير في إيصال قضيتهم الفلسطينية إلى العالم، شقوا كل الطرق من أجل الوصول إلى أهداف سامية.
ولا نستطيع أن ننسى أن الحركة العربية السياسية في إسرائيل كان لها صوت سياسي وصدى عالمي، تمكنت بمساعدة الحزب الشيوعي من إصدار أولى المجلات والصحف العربية السياسية. وقد نبغ المفكرون وكان لهم أثر كبير في مواجهة سياسة الاحتلال العنصرية. ومن هذه الشخصيات السياسية والقيادية: إميل توما، إميل حبيبي، توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم، وغيرهم الكثيرون. وقد لوحقوا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وتعرضوا للقمع والظلم ومنهم من أبعد قسرياً عن أرض فلسطين بسبب نشاطهم السياسي وتمسكهم بالمبادئ الوطنية.
الأديبة رولا غانم سارت على نهج كتاب فلسطين، وهي لم تأتِ بشيء مختلق أو بعيد عن عالمها. إنما هي تنسج لنا خيوط المؤامرة التي طالما حاولت تهويد فلسطين. فالاستعمار حاول لعقود طويلة إنهاء قضية شعب يمتلك أرضاً ورثها عن أجداده الكنعانيين، وكل مقولات القادة الصهاينة الذين ساهموا في إنشاء دولة إسرائيل فشلت في إنهاء القضية.
تنظر الدكتورة رولا غانم إلى الخلف عبر “الخط الأخضر” وتستحضر قصص العائلات التي تقطعت بهم السبل وانتشرت على جانبيها. تخبرنا هذه القصة أن الناس لا يزالون قادرين على العيش حياة في المنفى والشتات. هؤلاء الفلسطينيون موجودون غائبون لا يستطيعون الإعلان عن فرحتهم لعائلاتهم القريبة جداً، لكنها البعيدة جداً. هذا الشعور هو النكبة المستمرة التي عانى منها الفلسطينيون منذ 70 عامًا. يحلم كثيرون بالعودة في يوم من الأيام إلى وطنهم التاريخي كي يتحدوا مع عائلاتهم، لكن هذا ليس خيارًا للفلسطينيين. تريدنا الروائية أن نشعر بأن هذا “الخط الأخضر” المطلي على أرضنا قد رسم أيضاً في قلوبنا، وما تبقى وراءنا غريباً بالنسبة إلينا. من هذه المأساة، لدينا حكايات قديمة وأحلام وذكريات.
يشار إلى أن لوحة الغلاف (المرأة الفلسطينية) هي للفنان الفلسطيني المعروف جمال بدوان الذي يحمل لقب سفير فلسطين للفن في العالم.

*كاتبة فلسطينية مقيمة في الولايات المتحدة.

Optimized by Optimole